|
||||||||
مسألتان
في
التغيير:
اللغة
والقتال الوحدة
والاختلاف
في
المجتمع
البشري |
||||||||
دعوات
الأنبياء حمل
الأنبياء
راية الثورة
في المجتمع
البشري في
مرحلة
الاختلاف،
منذ نوح
وانتهاء
بالنبي محمد
(صلي الله
عليه وآله
وسلم) فكانت
النبوة عبر
تاريخها
الطويل الذي
شهد ظهور 124
ألف نبي حسب
الروايات
ظاهرة
ربانية تمثل
رسالة ثورية
وعملا
تغييريا
وإعداد
ربانيا
للجماعة لكي
تستأنف
دورها
الصالح[1]. وتحتل
الحركة
التغييرية
النبوية
حيزا كبيرا
في المذهب
الاجتماعي
القرآني
يجسده ذلك
التكرار
الملفت
للنظر لقصص
الأنبياء في
القرآن. وهي
قصص لم ترد
للتسلية
وإنما لتؤدي
دورا معينا
ومحددا في
النظرية
والممارسة
التغييرية.
وقد كشف
القران
الكريم في
أكثر من موضع
عن الغاية
الحقيقية
لتكرار قصص
الأنبياء في
آياته تتضح
عند التأمل
في هذه
الآيات
الكريمة. وقد
كان العمل
التغييري
النبوي ـ
وبشكل خاص
الدعوة
الإسلامية
التي قادها
الرسول محمد
(ص) ـ ثورة لا
تنفصل فيها
الحياة عن
العقيدة ولا
ينفصل فيها
الوجه
الاجتماعي
عن المحتوى
الروحي، ومن
هنا كانت
حركة
التغيير
النبوية
ثورة فريدة
على مر
التاريخ،
ومن هنا كان
الإسلام
الذي يجسد
قمة العملية
التغييرية
النبوية
ثورة
اجتماعية
على الظلم
والطغيان
وعلى ألوان
الاستغلال
والاستعباد. ومن
هنا كان
الأنبياء ـ
وهم يحملون
هذا المشعل ـ
يستقطبون
دائما
المعذبين في
الأرض
والجماهير
البائسة
التي مزقتها
أساطير
الآلهة
المزيفة
روحيا
وشتتها
الجاهلية
فكريا ووقعت
فريسة أشكال
مختلفة من
الاستغلال
والظلم
الاجتماعي[2]. والملاحظة
في قصص
الأنبياء في
القران
الكريم أن
العملية
التغييرية
التي قادها
الأنبياء
كانت تقوم
على محورين،
ثابت ومتغير. فأما
المحور
الثابت في
العملية
النبوية فهو
الدعوة إلى
عبادة الله،
أي (العقيدة
أطروحة
التوحيد ـ
النبوة ـ
المعاد)، حيث
كان النبي
يركز على
الجانب
العقائدي
الإلهي
باعتباره
أساس بناء
المجتمع
الإنساني
السليم,
وجوهر
العملية
التغييرية
النبوية. وبهذا
الصدد نتابع
دعوات
الأنبياء
كما يرويها
القران
الكريم: (لقد
أرسلنا نوحا
إلى قومه،
فقال:يا قوم
اعبدوا الله
مالكم من إله
غيره، إني
أخاف عليكم
عذاب يوم
عظيم) (الأعراف/59). (وإلى
عاد أخاهم
هود، قال:
ياقوماعبدوا
الله مالكم
من إله أفلا
تتقون؟)(الأعراف:65). (وإلى
ثمود أخاهم
صالحا، قال:
يا قوم
اعبدوا الله
ما لكم من
إله غيره) (الأعراف/73). (وإلى
مدين أخاهم
شعيبا، قال:
يا قوم
اعبدوا الله
ما لكم من
إله غيره) (الأعراف/85). حول
الإصلاح
السياسي: (إذهبا
إلى فرعون
إنه طغى *
فقولا له
قولا لينا
لعله يتذكر
أو يخشى *
قالا
ربنا إننا
نخاف أن يفرط
علينا أو أن
يطغى * قال:
لا تخافا
إنني معكما
أسمع وأرى *
فأتياه
فقولا: إنا
رسولا ربك
فأرسل معنا
بني إسرائيل
ولا تعذبهم
قد جئناك
بآية من ربك،
والسلام على
من اتبع
الهدى) (طه/43ـ47). حول
الإصلاح
الأخلاقي:(ولوطا
إذ قال لقومه:
أتأتون
الفاحشة
وأنتم
تبصرون *
أئنكم
لتأتون
الرجال
شهوة من دون
النساء بل
أنتم قوم
تجهلون) (النمل/54
ـ 55). حول
الإصلاح
الاقتصادي:
(وإلى مدين
أخاهم
شعيبا، قال:
يا قوم
اعبدوا الله
ما لكم من
إله غيره،
قد جاءتكم
بينة من
ربكم،
فأوفوا
الكيل
والميزان
ولا تبخسوا
الناس
أشياءهم ولا
تفسدوا في
الأرض بعد
إصلاحها) (الأعراف/85). ومن
هذا نستنتج
إن حركة
التغيير
الإسلامي في
كل عصر ومكان
في الوقت
الذي تركز
فيه على
الطرح
الفكري
والتغيير
العقائدي،
فإن عليها
ألا تغمض
عينها عن
الواقع
الاجتماعي
الذي
تعايشه،
فعليها أن
تقوم بدراسة
هذا الواقع
وتحليله
وتشخيص
انحرافاته
الاجتماعية
ـ إضافة إلى
الانحراف
العقائدي ـ
لتقوم
بالعمل على
القضاء على
تلك
الانحرافات
الحياتية
سواء كانت
سياسية أم
اقتصادية أم
أخلاقية. مسألتان في
التغيير:
اللغة
والقتال يتبقى
لدينا الآن
مسألتان لا
بد من إلقاء
الضوء
عليهما في
إطار
دراستنا
لقضية
التغيير
الاجتماعي
في المذهب
الاجتماعي
القرآني،
وهما: دور
اللغة, ودور
القتال، في
العملية
التغييرية. مرّ
بنا أن الفكر
(أو المحتوى
الداخلي) هو
العامل
الأساسي في
معلية
التغيير
الاجتماعي.
والآن نضيف
شرطا آخر إلى
هذه العملية
لا يمكن أن
يتم التغيير
ويتحقق
بدونه، وهذا
الشرط هو:
اللغة،
بوصفها
المظهر
المادي
للفكر[3].
فلا يمكن لأي
عملية
تغييرية أن
تنجز
أهدافها
بدون أن
تمتلك (لغة)
تتخذها أداة
لتوصيل
أفكارها إلى
المجتمع.
وتلعب اللغة
دورها في
عملية
التغيير
الاجتماعي
من خلال
مفاتيحها.
ونعني
بمفاتيح
اللغة
المصطلحات
الأساسية
التي تحمل
الأفكار
الأساسية
للدعوة
التغييرية.
ولهذا نجد أن
كل دعوة
تغييرية
وضعية كانت
أم إلهية
تمتلك عددا
كبيرا من (المصطلحات)
الحاملة
للأفكار
والمفاهيم.
وفي هذا
الصدد يشتمل
قاموس
الدعوات
التغييرية
على مصطلحات
مثل
الديمقراطية،
والاشتراكية،
والحرية،
والعدالة
الاجتماعية،
والمساواة،
وحق تقرير
المصير,
والوطنية,
والقومية،
والاستعمار،
واليمين،
واليسار،
والرجعية،
والتقدمية،
وغير ذلك. وقد
اهتم القران
الكريم
اهتماما غير
عادي بمسألة
المصطلحات.
فالمعلوم أن
القران
الكريم نزل
باللغة
العربية.
وهذه اللغة
لم تكن تحتوي
على مفردات
تحمل
المفاهيم
الإسلامية
القرآنية
بطبيعة
الحال. فلما
نزل القران
تناول هذه
المفردات
اللغوية،
بوصفها مادة
أولية،
وأعطاها
مدلولات
جديدة
لتتحول إلى
مصطلحات
إسلامية. ومن
هنا نشأت
قضية (المعنى
الإصلاحي)
للمفردة
العربية،إضافة
إلى معناها (اللغوي).
ونعني
بالأول
مدلول
الكلمة حسب
الاستخدام
القرآني،
وبالثاني
معني الكلمة
كما كان
يستخدمها
العرب قبل
نزول القران.
وهذا ما
نلاحظه مثلا
في كلمة
الصلاة. حيث
أن معناها
اللغوي يعني
الدعاء،
بينما أصبحت
تعني
اصطلاحا تلك
الممارسة
العبادية
الروحية
التي يؤديها
الإنسان
المسلم
بكيفية
محددة
ومعروفة. ومن
هنا نشأت
لدينا (المصطلحات
الإسلامية)
مثل:
العبادة،
الإله, الرب,
الدين،
الإسلام,
التقوى،
العدالة،
الجهاد،
الزكاة،
البر,
الإحسان،
الأمة،
التعارف,
المنكر،
المعروف،
الفحشاء،
الإيمان،
الكفر،
النفاق،
الفسق،
وغيرها. ولما
كانت
المصطلحات
تلعب دورا
رئيسيا في
عملية
التغيير,
رأينا أن
الإسلام
يركز على
ضرورة
استخدام
المصطلحات
الإسلامية
في مواضعها
الصحيحة
ونبذ
المصطلحات
والألفاظ
غير
الإسلامية،
وعدم خلطها
بالمصطلحات
غير
الإسلامية. وقد
حذر القران
الكريم
المسلمين من
الإصابة
بهذا المرض
اللفظي
الخطير يوم
كانوا
يستخدمون
لفظا ارتبط
باليهود
فاكتسب
إيحاء خاصا
مما يمنع
المسلمين من
استخدامه،حيث
يقول: (يا
أيها الذين
آمنوا: لا
تقولوا
راعنا
وقولوا
انظرنا) (البقرة:104). إن
استخدام
الألفاظ
بحسب
دلالتها
الفكرية
والاصطلاحية
لهو ذو أهمية
قصوى خاصة في
عصر احتدام
الصراع
الإيديولوجي
على الصعيد
العالمي, حيث
تلعب (الكلمة)
دورها
الكبير في (معركة
المعتقد)[4]. أما
المسألة
الثانية من
مسائل
التغيير فهي
دور القتال
أو العنف أو
العمل
العسكري
المسلح في
إنجاز
العملية
التغييرية.
وقد شغلت هذه
المسألة
المشتغلين
بالعلوم
الاجتماعية
كثيرا. فمن
قائل أن
العملية
التغييرية
يجب أن تتم
بالطريق
السلمي, كما
يرى
الليبراليون،
ومن قائل أن
هذه العملية
يجب أن تتم
بالطريق
المسلح، أو
بأسلوب (العنف
الثوري) كما
يرى
الثوريون
الماركسيون
وأشياعهم. وللقران
رأي واضح
وقاطع في هذه
المسألة.
وخلاصة هذا
الرأي أن على
المسلم أن
يتبع الأسلوب
السلمي في
الدعوة
والتغيير،
فإن لم يجد
نفعا، لجأ
إلى السلاح
على تفصيل
تذكرة
الآيات
القرآنية
والكتب
الفقهية. فحول
الأسلوب
السلمي في
الدعوة إلى
التغيير
نقرأ قوله
تعالى: (أدع
إلى سبيل ربك
بالحكمة
والموعظة
الحسنة) (النحل/125). ولكن
الدعوة
السلمية لا
تنفع في
أحيان
كثيرة،
لوجود سببين
على الأقل،
هما: أئمة
الكفر الذين
يستخدمون
العنف في
الصد عن
الدعوة
الجديدة،
والثاني،
المستضعفون
في الأرض
الذين لا
يستطيعون
مقاومة
الظلم
الفكري
والسياسي
الواقع
عليهم. ولذلك
شرع القران(القتال)
واعتبره من
الأدوات
الأساسية في
العمل
التغييري،
وجعل
المجاهدين
بسلاحهم
أعلى درجة
عند الله من
غيرهم. وبهذا
الصدد نقرأ
الآيات
الكريمة
التالية: (وقاتلوا
في سبيل الله
الذين
يقاتلونكم) (البقرة: 190). (فليقاتل
في سبيل الله
الذي يشرون
الحياة
الدنيا
بالآخرة)(النساء:
73). (وما
لكم لا
تقاتلون في
سبيل الله،
والمستضعفين
من الرجال
والنساء
والولدان،
الذين
يقولون ربنا
أخرجنا من
هذه القرية
الظالم
أهلها) (النساء:74). (وقاتلوهم
حتى لا تكون
فتنة، ويكون
الذين كله
لله) (الأنفال:
39). (وقاتلوا
المشركين
كافة) (التوبة: 37). (أذن
للذين
يقاتلون
بأنهم ظلموا
وأن الله على
نصرهم لقدير
* الذين
أخرجوا من
ديارهم بغير
حق، إلا أن
يقولوا ربنا
الله) (الحج: 39ـ40). (فقاتلوا
أئمة الكفر
أنهم لا
أيمان لهم) (التوبة:12). الوحدة
والاختلاف
في المجتمع
البشري يقرر
القران
الكريم أن
البشرية في
الأصل أمة
واحدة كما في
قوله تعالى:
(كان الناس
أمة واحدة) (البقرة
ـ213). (يا
أيها الناس
اتقوا ربكم
الذي خلقكم
من نفس واحدة
وخلق منها
زوجها، وبث
منهما رجالا
كثيرا ونساء)
(النساء ـ
1). والآية
الثانية
تفيد أن
الناس
متحدون في (الحقيقة
الإنسانية)
من غير
اختلاف فيها
بين الرجل
والمرأة،والصغير
والكبير،
والعاجز
والقوي، حتى
لا يجحف
الرجل منهم
بالمرأة،
ولا يظلم
كبيرهم
الصغير، في
مجتمعهم
الذي هداهم
الله إليه[5]. إلا
أن وحدة
النوع
والأصل
والحقيقة
الإنسانية
لا تنفي وجود
الاختلاف،
بل أن
الاختلاف
ظاهرة
طبيعية في
المجتمع
البشري،
وخاصة في
مرحلة
الاختلاف
العام، التي
ما زالت
البشرية تمر
بها، بعد أن
تجاوزت
مرحلة (الوحدة
الفطرية). وباستقراء
الآيات
القرآنية
الكريمة،
نجد أن
القران
الكريم
يتحدث عن
ثلاثة محاور
أساسية
للاختلاف في
المجتمع
البشري، هي: المحور
الأول،
الاختلاف
التكويني،
الذي تشير
إليه الآيات
القرآنية
التالية: (ومن
آياته خلق
السماوات
والأرض،
واختلاف
ألسنتكم
وألوانكم،
إن في ذلك
لآيات
للعالمين)
(الروم:22). (يا
أيها الناس
إنا خلقناكم
من ذكر وأنثى
وجعلناكم
شعوبا
وقبائل
لتعارفوا،
إن أكرمكم
عند الله
أتقاكم) (الحجرات
ـ13). والمستفاد
من هاتين
الآيتين أن
الجماعة
البشرية
مختلفة من
حيث اللغة (فهناك
اللغة
العربية،
والإنجليزية،
والفارسية،
وغيرها)، ومن
حيث اللون (فهناك
الأحمر
والأسود،
والأصفر
والأبيض) ومن
حيث
القبائل،
ومن حيث
القومية أو
الشعب (فهناك
الشعب
العربي،
الكردي،
والروسي
وغيرهم). ولكن
الآيتين
واضحتان في
تقرير أن هذا
الاختلاف هو
(آية) من آيات
الله، تأتي
على صعيد
واحد مع آية
خلق
السماوات
والأرض، وكل
هذه الآيات
دلالات
يستدل منها
العالمون
على قدرة
الله
وحكمته،
ويتخذونها
طريقا إلى
الوصول إلى
الله،
وتحقيق
مراميه من
خلق النوع
الإنساني،
وليس سببا
للابتعاد عن
الله. وتقرر
الآية
الثانية أن
الاختلاف أو
التباين
القومي حالة
تكوينية
تستهدف
تحقيق (التعارف)
بين الناس،
وليست سببا
للتناحر بين
الشعوب. ويذكر
العلامة
الطباطبائي
أن هذه الآية
مسوقة لنفي
التفاخر
بالأنساب
بين شعوب
وقوميات
وقبائل
الجماعية
البشرية،
حيث تفيد أن
الله خلق
الناس من أب
وأم وهم
يشتركون
فيهما جميعا
من غير فرق
بين الأبيض
والأسود
والعربي
والعجمي،
وجعلهم
شعوبا
وقبائل
مختلفة، لا
لكرامة
بعضهم على
بعض، بل من
أجل أن
يتعارفوا،
فيعرف بعضهم
بعضا، ويتم
بذلك أمر
الاجتماع
الإنساني،
وتستقيم
صلاته
ومعاملاته
وعلاقاته،
لو فرض
ارتفاع (المعرفة)
من بين أفراد
المجتمع،
انفصم عقد
الاجتماع
وبادت
الإنسانية،
لا من أجل أن
يتفاخروا
بالأنساب
ويتفاضلوا
بالألوان
والألسنة،
فيستعبد
بذلك بعضهم
بعضا،
ويستخدم
الإنسان
أخاه
الإنسان
ويستغله،
ويستعلي قوم
على قوم، مما
يؤدي إلى
ظهور الفساد
في البر
والبحر
وهلاك الحرث
والنسل. بل
أن الشرف
الحقيقي
والكرامة
الحقيقية هو
ما أدى
بالإنسان
إلى سعادته
الحقيقية،
وهي الحياة
الطبية
الأبدية في
جوار رب
العزة، وهذا
الشرف
والكرامة
إنما يتحقق
بتقوى الله
سبحانه،
باعتبارها
الوسيلة
الوحيدة إلى
سعادة الدار
الآخرة،
وتتبعها
سعادة
الدنيا،
فأكرم
الناس،عند
الله أتقاهم[6]. المحور
الثاني،
الاختلاف
الاقتصادي،
أي الاختلاف
من حيث
المعاش, وهو
الذي إليه (ترجع
الدعاوي
وينقسم به
الناس إلى
مدّع مدعى
عليه وظالم
ومظلوم
ومتعد
ومتعدي عليه
وآخذ بحقه
وضائع حقه)[7].
وهذا
الاختلاف هو
الذي يشير
إليه القران
بقوله: (ما
كان الناس
إلا أمة
واحدة
فاختلفوا) (يونس 19). (كان
الناس أمة
واحدة، فبعث
الله
النبيين
مبشرين
ومنذرين
وأنزل معهم
الكتاب
بالحق ليحكم
بين الناس
فيما
اختلفوا فيه)(البقرة:213). ومنشأ
هذا
الاختلاف هو
الاختلاف
الطبيعي في
القابليات
والقدرات
والقوة
والضعف لكل
فرد من أفراد
الجماعة
البشرية،
فإن هؤلاء
ليسوا
متساوين من
حيث قدراتهم
ومواهبهم
الذاتية
ولذا, فإنهم
سوف
يتفاوتون
فيما
يحققونه من
امتيازات
دنيوية (أو
اقتصادية)
بفعل
تفاوتهم
بالمواهب
والقدرات،
وهذا ما يشير
إليه القران
بقوله: (نحن
قسمنا بينهم
معيشتهم في
الحياة
الدنيا
ورفعنا
بعضهم فوق
بعض درجات)(الزخرف:32). (وهو
الذي جعلكم
خلائف في
الأرض، ورفع
بعضكم فوق
بعض درجات،
ليبلوكم
فيما آتاكم) (الأنعام:165). ومن
شان هذا
الاختلاف ـ
في حالة
الانحراف عن
التعاليم
الإلهية ـ أن
يقسم
المجتمع إلى
قسمين أو
طبقتين
متناحرتين،
هما، بحسب
التعبير
القرآني
طبعة
المحرومين
والمستضعفين
والأرذلين,
من جهة،
وطبقة
المترفين
والمستكبرين
والملأ، من
جهة ثانية. ولكن
القران في
الوقت الذي
يشخص فيه
حتمية
التباين بين
أفراد
المجتمع
اقتصاديا،
إلا أنه ينفي
أن يكون مثل
هذا التباين
سببا أو
مبررا
لسيطرة
الغني على
الفقير,
واستغلال
القوي
للضعيف. بل
إن القران
يؤكد أن
الغني
والفقر
ابتلاءان،
ليرى الله
كيف يتصرف
الغني
بماله، وكيف
يتصرف
الفقير، على
أنه يجب
تسوية هذا
الاختلاف
بإحلال
النظام
الاجتماعي ـ
الاقتصادي
الذي يبني
الحياة
الإنسانية
على أساس
العدل
والتوازن
والإحسان. (إن
الله يأمر
بالعدل
والإحسان،
وإيتاء ذي
القربى
وينهي عن
الفحشاء
والمنكر
والبغي،
يعظكم لعلكم
تذكرون) (النحل:90). وهذا
ما يتكفل
بتحقيقه
النظام
الاقتصادي
الإسلامي. وقد
كان ظهور هذا
الاختلاف
بين البشر
سببا لبروز
الحاجة إلى
التشريع،
وبعث
الأنبياء
ليعيدوا
الحق إلى
نصابه،
وظهور
المصلحين
ودعاة
العدالة
الاجتماعية.
وما زالت
البشرية
ساعية من أجل
إقرار صيغة
عادلة
لإشكالية
التباين
الطبقي أو
المعيشي, إن
على أساس
التشريع
الإسلامي،
وهو الحق، أو
على أساس
التشريع
الوضعي، وهو
الباطل، حتى
يتم تحقيق
العدالة
الصادقة
والكاملة في
المجتمع
المعصوم
الآتي
مستقبلا إن
شاء الله. المحور
الثالث،
الاختلاف
الديني ـ
العقائدي,
وهو الخلاف
الذي وقع بين
الناس في نفس
الدين الذي
شرعه الله
لرفع
الاختلاف
المعيشي في
المجتمع
البشري. وقد
صرح القران
الكريم بأن
هذا
الاختلاف
ينشأ بين
الناس بغيا،
وليس
طبيعيا،
وبذلك ينقسم
الطريق إلى
طريقين: طريق
هداية وطريق
ضلال[8],
حيث يسير في
الطريق
الأول
المؤمنون،
ويسير في
الطريق
الثاني
الكفار
والمشركون
والمنافقون. وإلى
هذا المحور
تشير الآيات
القرآنية
التالية: (وما
تفرقوا ألا
من بعد ما
جاءهم العلم
بغيا بينهم) (الشورى:14). ولقد
بوأنا بني
إسرائيل
مبوأ صدق،
ورزقناهم من
الطيبات،
فما اختلفوا
حتى جاءهم
العلم) (يونس:93). (ولقد
آتيناهم
بينات من
الأمر، فما
اختلفوا ألا
من بعد ما
جاءهم العلم
بغيا بينهم) (الجاثية:17). ويبدو
أن الخلاف
الديني
الناشئ من
البغي بين
الناس يشبه
السنة
التاريخية،
التي من
الممكن أن
تقع فيها
آلامه إذا
تفشي فيها
البغي
والإصرار
على
المعاندة
ومجافاة
الحق. ولذلك
حذر القران
الأمة
الإسلامية
من مغبة
الوقوع في
هذا الخلاف،
حيث يقول: (ولا
تكونوا
كالذين
تفرقوا
واختلفوا من
بعد ما جاءهم
البينات
وأولئك لهم
عذاب عظيم) (آل
عمران:105). وقد
أكد القرآن
الدعوة إلى
الاتحاد،
وبالغ في
النهي ع
الاختلاف،
وليس ذلك إلا
لما كان
يتفرس من أمر
هذه الأمة
أنهم
سيختلفون
كالذين من
قبلهم بل
يزيدون
عليهم في
ذلك،
والمعروف أن
من دأب
القران أنه
إذا بالغ في
التحذير من
شئ والنهي عن
اقترافه،
كان ذلك آية
وقوعه
وارتكابه.
وهذا أمر
أخبر به
النبي (ص) كما
أخبر به
القران وأن
الاختلاف
سيدب في أمته
ثم يظهر في
صورة الفرق
المتنوعة،
وأن أمته
ستختلف كما
اختلفت
اليهود
والنصارى من
قبل. وقد
صدق جريان
الحوادث هذه
الملحمة
القرآنية،
فلم تلبث
الأمة بعد
الرسول (ص)
دون أن تفرقت
شذر مذر،
واختلفت في
مذاهب شتى
بعضهم يكفر
بعضا من لدن
عصر الصحابة
إلى يومنا
هذا، وكلما
رام أحد أن
يوفق بين
مذهبين
مختلفين
منها أولد
ذلك مذهبا
ثالثا. والذي
يهدينا إليه
البحث
بالتحليل أن
أصل هذا
الاختلاف
ينتهي إلى
المنافقين
الذين يغلظ
القران فيهم
القول,
وعليهم،
ويستعظم
مكرهم
وكيدهم،
فإنك لو
تدبرت ما
يذكره الله
تعالى في
حقهم في سورة
البقرة،
والتوبة،
والأحزاب،
والمنافقين،
وغيرها،
لرأيت عجبا،
وكان هذا
حالهم في عهد
رسول الله (ص)
ولما ينقطع
الوحي، ثم
لما توفاه
الله غاب
ذكرهم وسكنت
أجراسهم
دفعة واحدة. ولم
يلبث الناس
دون أن وجدوا
أنفسهم وقد
تفرقوا
أيادي سبا,
وباعدت
بينهم شتى
المذاهب،
واستعبدتهم
حكومات
التحكم
والاستبداد،
وأبدلوا
سعادة
الحياة
بشقاء
الضلال
والغي[10]. وقد
أمر الله
المسلمين
بالرجوع إلى
الله
ورسوله، أي
إلى أصول
الشريعة
الإسلامية
وثوابتها،
عند حصول أي
خلاف في
صفوفهم كما
في قوله
تعالى: (فإن
تنازعتم في
شئ فردوه إلى
الله
والرسول) (النساء/59). ويؤدي
هذا التنوع
والاختلاف
بين الناس
إلى بروز
ظاهرة جديدة
في المجتمع
البشري هي
ظاهرة (الصراع)
أو حسب
التعبير
القرآني (التدافع). ويشير
القران
الكريم إلى
هذه الظاهرة
بقوله: (ولو
لا دفع الله
الناس بعضهم
ببعض لفسدت
الأرض، ولكن
الله ذو فضل
على
العالمين) (البقرة:251). (ولولا
دفع الله
الناس بعضهم
ببعض لهدمت
صوامع وبيع
وصلوات
ومساجد يذكر
فيها اسم
الله كثيرا) (الحج:40). والذي
يستفاد من
الآيتين
المذكورتين
أن دفع بعض
الناس بعضا
ذبا عن منافع
الحياة
وحفظا
لاستقامة
حال العيش
سنة فطرة
جارية بين
الناس،
والسنن
الفطرية
منتهية إلى
الله تعالى،
ويشهد بذلك
تجهيز
الإنسان
كسائر
الموجودات
بأدوات وقوى
تسهل له
البطش، ثم
بالفكر الذي
يهديه إلى
اتخاذ وسائل
الدفع
والدفاع عن
نفسه، أو أي
شأن من شؤون
نفسه مما تتم
به حياته
وتتوقف عليه
سعادته[11]. ويشرح
العلامة
الطباطبائي
هذه السنة
الإلهية كما
يلي: إن
سعادة هذا
النوع لا تتم
إلا
بالاجتماع
والتعاون،
ومن المعلوم
أن هذا الأمر
لا يتم إلا
مع حصول وحدة
في هيكل
الاجتماع،
بها تتحد
أعضاء
الاجتماع
وأجزاؤه،
بعضها مع
البعض، بحيث
يعود الجميع
كالفرد
الواحد يفعل
وينفعل عن
نفس واحدة
وبدن واحد,
والوحدة
الاجتماعية
التي في
الكون
ومركبها
الذي هو
اجتماع
أفراد النوع
حالهما شبيه
حال الوحدة
الاجتماعية
التي في
الكون
التكوين،
إنما هي
نتيجة
التأثير
والتأثر
الموجودين
بين أجزاء
العالم،
فلولا
المغالبة
بين الأسباب
التكوينية
وغلبة بعضها
على بعض
واندفاع
الآخر عنه
ومغلوبيتها
له لم ترتبط
أجزاء
النظام
بعضها ببعض
بل بقي كل
على فعليته
التي هي له،
وعند ذلك
تبطل
الحركات
فيبطل عالم
الوجود. كذلك
نظام
الاجتماع
الإنساني لو
لم يقم على
أساس
التأثير
والتأثر
والدفع
والغلبة لم
ترتبط أجزاء
النظام
بعضها ببعض،
ولم يتحقق
حينئذ نظام،
وبطلت سعادة
النوع فإنا
لو فرضنا
ارتفاع
الدفع بهذا
المعنى، وهو
الغلبة
وتحميل
الإرادة، من
البين كان كل
فرد من أفراد
المجتمع فعل
فعلا ينافي
منافع الآخر(سواء
منافعه
المشروعة أو
غيرها)، لم
يكن للآخر
إرجاعه إلى
ما يوافق
منافعه
ويلائمها
وهكذا،
وبذلك تنقطع
الوحدة من
بين الأجزاء
ويبطل
الاجتماع. وهذا
البحث هو
الذي مر بنا
في أن الأصل
الأول
الفطري
للإنسان
الدافع
للاجتماع هو
الاستخدام،
وأما
التعاون
والمدنية
فمتفرع عليه. وفي
الحقيقة أن
معنى الدفع
والغلبة
معنى عام سار
في جميع شؤون
الاجتماع
الإنساني
وحقيقته حمل
الغير بأي
وجه أمكن على
ما يريده
الإنسان،
ودفعه عما
يزاحمه
ويمانعه
عليه،
وهذا معنى
عام موجود في
الحرب
والسلم معا،
وفي الشدة
والرخاء،
والراحة
والعناء
جميعا، وبين
جميع
الأفراد في
جميع شعوب
الجماعة
البشرية،
نعم إنما
يتنبه
الإنسان له
عند ظهور
المخالفة
ومزاحمة بعض
الأفراد
بعضهم في
حقوق الحياة
أو في
الشهوات
والميول
ونحوها،
فيشرع
الإنسان في
دفع الإنسان
المزاحم
الممانع عن
حقه أو عن
مشتهاه.
ومعلوم أن
هذا على
مراتب ضعيفة
وشديدة
والقتال
والحرب إحدى
مراتبه. وأنت
تعلم أن هذه
الحقيقة، أي
كون الدفع
والغلبة من
الأصول
الفطرية عند
الإنسان،
أصل فطري أعم
من أن يكون
هذا الدفع
دفعا بالعدل
عن حق مشروع
أو بغير ذلك،
إذ لو لم يكن
في فطرة
الإنسان أصل
مسلم على هذه
الوتيرة لم
يتحقق منه لا
دفاع مشروع
عن الحق ولا
غيره, فإن
أعمال
الإنسان
تستند إلى
فطرته،
فلولا
اشتراك
الفطرة بين
المؤمن
والكافر لم
يمكن أن يختص
المؤمن
بفطرة يبني
عليها
أعماله. وهذا
الأصل
الفطري
ينتفع به
الإنسان في
إيجاد أصل
الاجتماع،
ثم ينتفع به
في تحميل
إرادته على
غيره،
وتمالك ما
بيده تغلبا
وبغيا،
وينتفع به في
دمغة
واسترداد ما
تملكه تغلبا
وبغيا،
وينتفع به في
إحياء الحق
بعد موته
جهلا بين
الناس
وتحميل
سعادتهم
عليهم، فهو
أصل فطري
ينتفع به
الإنسان
أكثر مما
يتضرر به[12]. إن الصراع الاجتماعي هو مظهر أساسي من مظاهر الديناميكا الاجتماعية التي هي ميزة جوهرية في المجتمع الإنساني. [1]
كراس:
خلافة
الإنسان
وشهادة
الأنبياء،ص
161 [2]
كراس: صورة عن
اقتصاد
المجتمع
الإسلامي, ص 26ـ30. [3]
اقتصادنا،
ص 81 ـ81. [4]
اللغة
الإسلامية،
محمد عبد
الجبار،ص
50. [5]
الميزان، ج 4 ـ
ص 134. [6]
ن.
م،
جـ18، ص 325 ـ328 [7]
ن.م, جـ
10،ص 31 [8]
ن.م, جـ10,
ص31, و جـ 2,ص122 [9]
ن.م.جـ
18,ص166 [10]
ن.
م.
جـ 4,ص 374ـ375, وص 378ـ381 [11]
ن.
م.
جـ 14، ص 385 [12]
ن. م. جـ2 ص 293ــ 295
|
||||||||
|