|
||||||||
المجتمع
المعصوم مستقبل
المجتمع
البشري |
||||||||
تمزق
المجتمع
الفرعوني ولما
كانت
الفرعونية
نظاما يقوم
على الظلم،
فإن هذه
الظلم يؤدي
إلى تمزيق
طاقات
المجتمع
وتشتيت قواه
وبعثرة
إمكانياته.
ذلك لأن
المثل
العليا
المنخفضة
والمحدودة
تجزئ
المجتمع ولا
تقوى على
توحيده. وهذه
السنة
الاجتماعية
التاريخية
التي يبرزها
القرآن
الكريم حين
يقول: (إن
فرعون علا في
الأرض وجعل
أهلها شيعا) (القصص:4). إن
عملية
التجزئة
الفرعونية
للمجتمع
تؤدي إلى
انقسام
المجتمع إلى
ست طوائف هي: الطائفة
الأولى،
الظالمون
المستضعفون:
وهؤلاء هم
الذين يطلق
عليهم
الأئمة اسم (أعوان
الظلمة)
وتشكل هذه
الطائفة خطا
دفاعيا
لحماية
فرعون وسند
لبقاء
الفرعونية
واستمرارها.إن
هؤلاء هم
الشريحة
الاجتماعية
التي تلتف
مباشرة حول
فرعون
وتمارس معه
الحكم
والظلم
والانتفاع.
انهم أهل
النظام
الفرعوني
وأصحابه. (ولو
ترى إذ
الظالمون
موقوفون عند
ربهم يرجع
بعضهم إلى
بعض القول،
يقول الذين
استضعفوا
للذين
استكبروا لو
لا أنتم لكنا
مؤمنين)(سبأ: 31). ويلاحظ
أن هذا الآية
تتحدث عن
نوعين من
الظالمين:
الظالمين
المستكبرين،
وهم الطبقة
الفرعونية
نفسها،
والظالمين
المستضعفين،
وهم الطائفة
التي تحدثنا
عنها آنفا. الطائفة
الثانية،
الظالمون
المتملقون،
وهؤلاء لا
يمارسون
الظلم
بأيديهم،
ولكنهم
يشكلون
حاشية
لفرعون،
يزينون له
سوء عمله
ويكونون
دائما رهن
نزواته
وشهواته،
ورغباته. (وقال
الملأ من قوم
فرعون: أتذر
موسى وقومه
ليفسدوا في
الأرض ويذرك
وآلهتك؟ قال:
سنقتل
أبناءهم
ونستحيي
نساءهم وإنا
فوقهم
قاهرون) (الأعراف:127). إن
النظام
الفرعوني
بحاجة إلى
إثارة من هذه
النوع، لذ
يتسابق
الظالمون
المتملقون
إلى التعبير
عما يجيش في
نفس فرعون من
مشاعر
وعواطف
فرعونية،
فيخلقون
بذلك (المناخ
المناسب)
للفرعونية
لاتخاذ
المواقف
والأعمال
التي تتناسب
مع تلك
المشاعر
والعواطف. الطائفة
الثالثة،
الهمج
الرعاع، حسب
عبارة
الامام علي (ع)،
وهؤلاء مجرد
آلات
مستسلمة
للظلم، ولا
تحس به ولا
تدرك أنها
مظلومة، بل
ولا تدرك أن
في المجتمع
ظلما. أن هذه
الطائفة
تتحرك بصورة
آلية تحرك
تبعية وطاعة
عمياء دون
تدبر ووعي،
إذ سلب فرعون
منها تدبرها
وعقلها
ووعيها،
ولذا فهي
تستسلم
للأوامر
الفرعونية
دون أن
تناقشها أو
تفكر فيها
حتى بينها
وبين نفسها
فضلا عما
بينها وبين
الآخرين.
وهذه الفئة
تفقد كل قدرة
على الإبداع
البشري في
مجال
التعامل مع
الحياة
والطبيعة،
وتفقد كل
قابلية على
الإنماء: (قالوا:
ربنا إنا
أطعنا
ساداتنا
وكبراءنا
فأضلونا
السبيلا) (الأحزاب/67). ولا
يوجد في كلا
من هؤلاء ما
يشعر بأنهم
كانوا يحسون
بالظلم،
هؤلاء هم
الذين عناهم
الامام علي (ع)
في تقسيمه
لطبقات
الناس حين
قال: (الناس
ثلاثة: عالم
رباني،
ومتعلم على
سبيل نجاة،
وهمج رعاع،
ينعقون مع كل
ناعق). هذه
الطائفة
تشكل عقبة
أمام عملية
الإصلاح
والتغيير. إن
هذه العملية
يمكن أن
تستمر وتمتد
بقد رما يمكن
لها أن
تستأصل من
هذه الطائفة
بتحويلها
إلى (متعلمين
على سبيل
نجاة) أو إلى
تابعين
بإحسان، أو
إلى مقلدين
بوعي
وبصيرة،
بالمعنى
الفقهي
لكلمة (تقليد)
والتي تعني
مطابقة
الأفعال
لفتوى
المجتهد
الأعلم،
العادل,
الكفء. إن
من ضرورات
العمل
الاجتماعي ـ
في نظر
الامام علي (ع)
ـ شجب هذه
الطائفة،
فهم همج رعاع
ينعقون مع كل
ناعق، وليس
لهم عقل
مستقل
وإرادة
مستقلة. لقد
كان الامام
علي (ع) يرى أن
هذه الطائفة
يجب تصفيتها
وإلغاؤها من
المجتمع
الصالح ـ لا
بالقضاء على
أفرادها
فردا فردا
وتصفيتهم
جسديا كما
تفعل
الأنظمة
الفرعونية
مع معارضيها
ـ وإنما
بتحويلها
إلى القسم
الثاني في
تصنيفه، أي: (متعلم
على سبيل
النجاة) لكي
يستطيع
المجتمع
الصالح أن
يواصل
إبداعه ولكي
يستطيع كل
أفراد هذا
المجتمع أن
يشاركوا
مشاركة
حقيقة في
مسيرة
الإبداع،
خلافا لما
تقوم به
الفرعونية،
التي توسع من
القاعدة
الاجتماعية
لهذه
الطائفة. لأن
اتساع
الوجود
الاجتماعي
للهمج
الرعاع يعني
تسهيل الأمر
على
الفرعونية
لبسط
سيطرتها
وهيمنتها
على
واستبعاد
أفراده. ولكن
مثل هذا
الاتساع
أكثر فأكثر
يؤدي
بالمجتمع في
نهاية
المطاف إلى
الدمار، لأن
هذه الطائفة
لا تستطيع أن
تدفع عن
المجتمع
وتحميه من
الكوارث
التي تحل به
سواء جاءت من
الداخل أو
الخارج.
وبهذا تموت
المجتمعات
موتا طبيعيا
بسبب الهمج
الرعاع. وهذه
سنة
اجتماعية. إن
الموت
الطبيعي
للمجتمع
يحدث بسبب
اتساع هذه
الطائفة
كميا ونوعيا
إلى أن تحل
الكارثة
فينهار
المجتمع. الطائفة
الرابعة,
الظالموا
أنفسهم:
وهؤلاء
يستنكرون
الظلم في
قرارة
أنفسهم، فهم
لم يفقدوا
عقولهم أمام
فرعون
والفرعونية،
لكنهم
يهادنون
الظلم
ويسكتون
عنه،
فيعيشون في
حالة تناقض
وتوتر وقلق
داخلي، وهذه
الحالة لا
تسمح
للإنسان
بالإبداع
والنمو
والتجديد
والانطلاق
والتأثير،
سواء على
صعيد الذات،
أم على صعيد
العلاقات مع
الآخرين، أم
على صعيد
العلاقة مع
الطبيعة،
وعن هذه
الطائفة
نقرأ في
القران
الكريم: (إن
الذين
توفاهم
الملائكة
ظالمي
أنفسهم،
قالوا: فيم
كنتم ؟ قالوا:
كنا
مستضعفين في
الأرض،
قالوا ألم
تكن أرض الله
واسعة
فتهاجروا
فيها) (النساء:97). أن
هؤلاء لم
يظلموا
الآخرين،
فهم ليسوا من
الظالمين
المستضعفين،
وليسوا من
الحاشية
المتملقين،
وليسوا من
الهمج
الرعاع
الذين فقدوا
وعيهم ومات
عندهم الحس
الاجتماعي.
بل أن هؤلاء
يشعرون
بالظلم
والاستضعاف
ويتألمون
بسببهما:
(قالوا: كنا
مستضعفين في
الأرض)
ولكنهم رضوا
لأنفسهم
مهادنة
الظلم، خوفا
من عاقبة
التصدي،
وخوفا على ما
بأيديهم من
مصالح
دنيوية
محدودة،
فظلموا
أنفسهم. إن
حركة
التغيير
الاجتماعي
إذا انبعثت
في المجتمع
الفرعوني
بإمكانها أن
تكسب هؤلاء
إلى صفها،
إذا استطاعت
أن تكسر (حاجز
الخوف) من
فرعون في
أنفسهم،
وتحطم حرصهم
على الحياة
ومتاع
الدنيا
الزائل,
وتحرضهم على
الثورة
والتحرك من
أجل تغيير
الوضع
القائم. الطائفة
الخامسة،
الهاربون من
مسرح
الحياة، وهم
الأفراد
الذين
اختاروا
طريق
الرهبانية
كبديل عن
المشاركة
الاجتماعية.
والرهبانية
ظاهرة قديمة
تظهر في
مجتمعات
الظلم
والفرعونية،
أو في
المجتمعات
التي تعمها
الفوضى
والاضطرابات
والفتن.
وللرهبانية
صيغتان:
الصيغة
الجادة التي
تريد أن تفر
بنفسها لكي
لا تتلوث
بأوحال
المجتمع
الفرعوني.
وهذه هي
الرهبانية
التي عبر
عنها القرآن
بقوله: (ورهبانية
ابتدعوها) (الحديد:27).
والإسلام
يشجب هذه
الرهبانية
لأنها تعبر
عن موقف سلبي
تجاه
الحياة،
وخلافة
الإنسان على
الأرض. أما
الصيغة
الثانية
للرهبانية،فهي
الرهبانية
المفتعلة.
فهناك من
يلبس مسوح
الرهبان
ولكنه ليس
راهبا في
أعماق نفسه،
وإنما هو
يريد أن يخدع
الناس
ويشغلهم عن
فرعون
وظلمه،
ويسطو علهم
نفسيا
وروحيا،
وهذه هي
الصيغة التي
يتحدث عنها
القران
بقوله: (إن
كثيرا من
الأحبار
والرهبان
ليأكلون
أموال الناس
بالباطل
ويصدون عن
سبيل الله) (التوبة:34). إن
الدين عند
هؤلاء أصبح
وسيلة
للارتزاق،
وتخدير
العامة
وتبرير
تصرفات
السلطان
والنظام
الفرعوني. أن
هؤلاء
يركبون
الدين لخدمة
مصالحهم
وإشباع
نزواتهم
وتحقيق
مآربهم،
ويرفضون
المضمون
الجوهري
للدين
باعتباره
الإطار
الإلهي
للتقدم
الإنساني
والتنمية
الاجتماعية
والحرية
والعدالة. ولهذا
فإن هؤلاء من
أشد معارضي
حركة
التغيير
الدينية
الصادقة
والمخلصة،
لأن من شأن
هذه الحركة
أن تفضح
زيفهم
ودجلهم،
وتقطع
ورزقهم
الحرام،
وتسقط ما
حصلوا عليه
من وجاهة
وقدسية
واحترام لدى
الناس من
خلال
تظاهرهم
بالدين. الطائفة
السادسة.
المستضعفون.
أن
الفرعونية
حينما تشتت
المجتمع
بظلمها،
تستضعف
طائفة معينة
منه، ويخصها
فرعون
بالإذلال
والقهر وهدر
الكرامات،
لأنها
الطائفة
الوحيدة
التي ترفض
نظامه، ولا
تجد لها
مصلحة في
بقائه، ولا
تخسر شيئا
بسقوطه أو
بالعمل من
أجل إسقاطه.
ولهذا فإن
فرعون يشعر
بأن هذه
الطائفة
يمكن أن
تتحرك ضده
وتكون قاعدة
الثورة
ووقودها ضد
النظام
الفرعوني. (وإذ
نجيناكم من
آل فرعون،
يسومونكم
سوء العذاب،
يذبحون
أبناءكم
ويستحيون
نساءكم، وفي
ذلكم بلاء من
ربكم عظيم) (البقرة: 49). ولهذا
نجد أن أجهزة
القمع
والإرهاب في
كل الأنظمة
الفرعونية
تكرس كل
جهودها من
أجل القضاء
على هذه
الطائفة
بوسائلها
الثلاث
الشهيرة:
التجويع،
والإفساد,
والإرهاب،
فإن نجحت في
تحقيق غرضها....
وإلا عمدت
إلى إخراج
هذه الطائفة
من البلاد
كما حصل في
المجتمع
شعيب، وكما
فعلت قريش مع
المستضعفين
الذين آمنوا
بالرسالة
الإسلامية. وغالبا
ما تكون حركة
الصراع داخل
المجتمع
عبارة عن
مبارزة بين
الظالمين
المستكبرين (أي
الطبقة
الفرعونية
الحاكمة)،
وبين
المستضعفين.
وتأخذ حركة
المجتمع
مسارها في
ضوء تطور
الصراع بين
هاتين
الفئتين. ويكشف
القران
الكريم عن
إحدى السنن
الاجتماعية
والتاريخية
في هذا
الصدد، وهي:
أن موقع أي
طائفة في
التركيب
الفرعوني
للمجتمع
ينعكس بعد
انحسار
الظلم وسقوط
الفرعونية،
بحيث تصبح
طائفة
المستضعفين
ـ التي هي في
أسفل الهرم
في المجتمع
الفرعوني ـ
في قمته،
ويصبح
أفرادها
أئمة،
ويرثون
الأرض: (ونريد
أن نمن على
الذين
استضعفوا في
الأرض
ونجعلهم
أئمة
ونجعلهم
الوارثين)(القصص:
5). الخلاصة
أن المجتمع
الفرعوني
يمتاز
بالخصائص
التالية: أولا،
أنه مجتمع
اتخذ مثلا
أعلى منخفضا
هو شخص فرعون. ثانيا،
أنه مجتمع
قائم على
الظلم:
سياسيا،
بانفراد
فرعون
بالسلطة
واقتصاديا
بسب استحواذ
فرعون على
الثروة
وانعدام
العدالة في
توزيعها بين
أفراد
المجتمع،
واجتماعيا،
بسبب
التمايز
الاجتماعي
القائم على
أساس الولاء
لفرعون. ثالثا،
أنه مجتمع
مشتت في
حقيقته،لأن
الفرعونية،باعتبارها
مثلا أعلى
منخفضا، غير
قادرة
بالأصل على
توحيد الناس
وفضلا عن أن
سياسة فرعون
تقوم على
تفريق الناس
في إطار
قاعدة (فرق......تسد). رابعا،
أنه مجتمع
فقد معظم
أفراده
القدرة على
الإبداع في
المجال
الذاتي وفي
مجال
العلاقات
الإنسانية،
والطبيعية،
ذلك لأن
المجتمع
يتناسب مدى
الظلم فيه
تناسبا
عكسيا مع
ازدهار
علاقات
الإنسان مع
الطبيعة[1]. المجتمع
المعصوم مستقبل
المجتمع
البشري يهتم
القران
الكريم
كثيرا بقضية
المستقبل
الإنساني...
مستقبل
الإنسان
الفرد
ومستقبل
المجتمعات
البشرية[2], كما يتضح
من قوله
تعالى: (يا
أيها الذين
آمنوا اتقوا
الله،
ولتنظر نفس
ما قدمت لغد،
واتقوا
الله، إن
الله خبير
بما تعملون)(الحشر/18). ولم
يكتف القران
بألفات نظر
الإنسان إلى
المستقبل
بصورة عامة ة
تجريدية، بل
قدم له رؤية
مستقبلية
واضحة
الأبعاد,
مؤلفة من
ثلاثة عناصر
ذكرناها في
فصل سابق وهي:
صفات الله،
الموت أو يوم
القيامة،
وأخيرا
المجتمع
المعصوم. والقرآن
يسجل سبقا
آخر في مضمار
العلوم
الإنسانية
والاجتماعية
بطرحه
للرؤية
المستقبلية
بصورة
متكاملة.
ورغم هذا،
فما زال علم
الاجتماع
الوضعي
يحاول تصور
المستقبل
الإنساني
دون جدوى. فنجد
أن أوجست
كونت يعتقد
أن التقدم هو
سير اجتماعي
نحو هدف معين
تقطعه
الإنسانية
في أدوار
تطويرية
وهذا السير
يخضع
لقوانين
ضرورية هي
التي تحدد
بالضبط مداه
وسرعته. ويعتقد
هربرت سبنسر
أن قانون
النشوء
والارتقاء
ثم
الاضمحلال
والفناء هو
الذي يحكم
مستقبل
المجتمعات
البشرية، أي
أن الحياة
الاجتماعية
بعد أن تقطع
شوطا في
التقدم
يعتريها
الذبول
والانحلال. ولعل
أكثر
المحاولات
الوضعية
جدية في رسم
المستقبل هي
محاولة
الفلسفة
الماركسية
التي تصورت
أن
المجتمعات
البشرية سوف
تتطور حتى
يتشكل
المجتمع
الشيوعي
الثاني، وهو
الأخير, في
سلم مراحل
تطور
الإنسانية
حسب تصور
المادية
الديالكتيكية. وثمة
مساحة
مشتركة بين
التصور
الإسلامي
والتصور
الماركسي
للمستقبل،
لعل من
الممكن
تلخيصها بما
يلي[3]: إن
البشرية
بصفتها جزءا
من الكون،
تكون محكومة
بطبيعة
الحال
للقوانين
الكونية
التي تقوم
بتطويرها
بشكل موضوعي
مستقل عن
إرادة
البشر،
وإنما يملك
الأفراد
حرية التصرف
من خلال ما
تعطيه تلك
القوانين من
فرص. والتاريخ
البشري صاعد
باستمرار
نحو التكامل
والتطوير
نحو الأفضل,
حتى يصل في
يوم من
الأيام إلى
مستقبل سعيد
يسود فيه
الرفاه ربوع
البشرية
كلها. فقد
وجدت
البشرية في
أول أمرها
ساذجة
وبسيطة
وبقيت كذلك
ردحا من
الزمن حتى
استطاعت
بالتدريج
البطيء أن
تسير نحو
الأفضل وقد
لاقت خلال
سيرها هذا
الكثير من
المشاكل
والويلات. وقد
مرت البشرية
خلال ذلك
بعدة مراحل
كانت كل
مرحلة منها
أفضل من
سابقتها،
تدفع بعض ما
فيها من
نواقص،
وتضفي عليها
ما تستطيعه
من تطورات. وهي
مراحل عديدة
سارت فيها
طبقا
للقوانين
الكونية من
ناحية
ولقوانين
خاصة بها من
ناحية أخرى.
ويمكن القول
إلى حد ما أن
البشرية
تعيش خلال
الزمن
المعاصر
المرحلة ما
قبل الأخيرة
من تاريخها
الطويل.... ولم
يبق أمامها
إلا تلك
المرحلة
التي يتحقق
فيها الأمل
الوردي الذي
يتساوى فيه
الناس
ويعيشون في
رفاه وسعادة...
وستبدأ
البشرية
يومئذ
تاريخا
طويلا
ومجيدا. وهذا
هو اليوم
النهائي من
تطور
البشرية
الذي لا
يخلفه يوم
آخر سيئ بعد
أن يتطور فيه
الإنسان
تطورا ضخما
ويكتسب وعيا
جديدا
يستطيع به أن
يخط تاريخه
الطويل
بحروف رشيدة
وخطوات
رصينة. ويكمن
اهتمام
المذهب
الاجتماعي
القرآني
بمستقبل
البشرية في
ادراكه بأن
المستقبل هو
إحدى القوى
الباعثة
لحركة
الإنسان في
مسرح الحياة
والتاريخ.
باعتبار أن
المستقبل
الذي يشكل
الغاية
بالنسبة
للنشاط
التاريخي
يؤثر في
تحريك هذا
النشاط وفي
بلورته، من
خلال الوجود
الذهني أي من
خلال الفكر
الذي يتمثل
فيه الوجود
الذهني
للغاية
المستقبلية
ضمن شروط
ومواصفات
محددة[4]. وبهذا
يربط
الإسلام
الإنسان
بالمستقبل
ربطا حركيا,
ويصونه من
الوقوع في
أسر الماضي،
أو الحاضر
كما تفعل
المثل
العليا
المنخفضة أو
المحدودة. إن
الإنسان
المسلم يعيش
دوما في
أجواء الشوق
الحركي إلى
المستقبل
الزاهر الذي
يصوره له
القرآن
الكريم
بقوله: (هو
الذي أرسل
رسوله
بالهدى ودين
الحق ليظهره
على الدين
كله)(الفتح:
28, والصف/9). (وعد الله
الذين آمنوا
منكم وعملوا
الصالحات
ليستخلفنهم
في الأرض)(النور/55). (ولقد
كتبنا في
الزبور من
بعد الذكر أن
الأرض يرثها
عبادي
الصالحون)(الأنبياء:105). وتستند
النظرة
القرآنية
لمستقبل
المجتمع
البشري إلى
التصور
الفلسفي
الإسلامي
للوجود،
الذي يقول
بأن الكون
بما فيه
المجتمع
البشري يسير
من خلال
حركته
الجوهرية
نحو قمة
كماله
وتطوره. وعليه
فإن
المجتمعات
البشرية
القائمة
الآن تسير
سيرا واعيا
ومسؤولا، أو
غير واع وغير
مسؤول، نحو
كمالها وقمة
تطورها،
التي تتجسد
بإقامة
المجتمع
العالمي
الموحد
المتكامل
الذي تصل فيه
جميع القيم
البشرية
الممكنة إلى
درجة
الفعلية،
ويصل فيه
الإنسان إلى
كماله
الحقيقي
وسعادته
الواقعية.
والكمال
الحقيقي
والسعادة
الواقعية لا
يتحققان إلا
بتحقق
العبادة
الخالصة لله
والتطبيق
الكامل
للإسلام[5]. (وما
خلفت الجن
والأنس إلا
ليعبدون) (الذاريات: 56). إن
البحث
العميق في
أحوال
الموجودات
الكونية ـ
كما يشرح
العلامة
الطباطبائي
ـ يؤدي إلى
أن النوع
الإنساني
سيبلغ غايته
وينال بغيته
وهي كمال
ظهور
الإسلام
بحقيقته في
الدنيا
وتوليه
التام أمر
المجتمع
الإنساني
وقد وعد الله
بتحقيق هذا
الظهور في
كتابه
العزيز في
الآيات
الكريمة
التي
أوردناها
قبل قليل[6].
فإن النوع
الإنساني
بالفطرة
المودعة فيه
يطلب سعادته
الحقيقية،
وهي استواؤه
على عرش
حياته
الروحية
والجسمية
معا, حياة
اجتماعية
بإعطاء نفسه
حظه من
السلوك
الدنيوي
والأخروي،
وهذا هو
الإسلام،
دين التوحيد.
وأما
الانحرافات
الواقعة في
سير
الإنسانية
نحو غايته
وفي ارتقائه
إلى أوج
كماله،
فإنما هو من
جهة الخطأ في
التطبيق، لا
من جهة بطلان
حكم الفطرة,
والغاية
التي يعقبها
الصنع
والإيجاد
لابد أن تقع
يوما، إن
عاجلا أو
آجلا.
والقرآن
الكريم
يخبرنا بأن
الإسلام
سيظهر ظهورا
تاما فيحكم
على الدنيا
قاطبة. ولا
يلتفت إلى من
يقول أن ظهور
الإسلام كان
حلقة من
الحلقات
التاريخية
الماضية،
ذلك أن
الإسلام
بالمعنى
الذي نتحدث
عنه الآن ليس
هو الحقبة
التاريخية
الماضية
وإنما هو
غاية النوع
الإنساني
وكماله،
الذي يتوجه
إليه
بغريزته
سواء شعر
بذلك أم لم
يشعر،
والتجارب
القطعية
الحاصلة في
أنواع
المكونات
تدل على أنها
متوجهة إلى
غايات
مناسبة
لوجوداتها
يسوقها
إليها نظام
الخلقة
والإنسان
غير مستثنى
من هذه
القاعدة
الكلية[7]. وغاية
الوجود
الإنساني هي
إقامة
المجتمع
المعصوم،
كما يستفاد
من آية سورة
الذاريات
التي
استشهدنا
بها قبل قليل.
فالمجتمع
المعصوم هو
نهاية
المطاف
بالنسبة
للمسيرة
الإنسانية
وحركتها
التاريخية.
وهذا
المجتمع هو
المرحلة
الخامسة في
مراحل
المسيرة
الإنسانية،
بعد مرحلة
المجتمع
الفطري
الأول، ثم
مرحلة
الاختلاف
وبعثة
الأنبياء،
ثم مرحلة
الرسالة
الإسلامية،ثم
مرحلة
الدولة
العالمية
الإسلامية[8].
ويمثل
المجتمع
المعصوم
أعلى مراحل
تطور
الإنسانية
حيث لا يمكن
تصور وضع
اجتماعي
أكثر تطوراً
من ذلك الوضع
الذي تتطابق
تفاصيل
حياته
اليومية مع
أوامر الله
وتعاليمه
تطابقا تاما.فهو
الحالة
الاجتماعية
التي تخلو من
الشحناء
والحروب
وتضارب
الآراء
ويسوده
العدل
الاجتماعي
والرفاهية
الاقتصادية،
وتتحقق فيه
العبادة
الكاملة لله
سبحانه
وتعالى. ولن
يوجد
المجتمع
المعصوم
بصورة
مفاجئة أو
سريعة أو
دفعة واحدة
وإنما سوف
يتكون
ويتشكل
بصورة
تدريجية
كلما تعمقت
التربية
الإلهية
التي سوف
تنالها
البشرية منذ
اللحظات
الأولى
لظهور
الإمام
المهدي
وقيام دولته
العالمية
العادلة. وفي
بداية تشكيل
المجتمع
المعصوم سوف
تحقق
البشرية ما
نسميه بعصمة
الرأي، حيث
يكون الرأي
العام
الإنساني
معصوما،
بمعنى
مطابقته
للحكم
الشرعي،
بالضبط كما
هو الحال
بالنسبة
للإجماع
المعتبر
كاشفا للحكم
الشرعي في
مرحلتنا
التاريخية
الراهنة. وفي
هذه المرحلة
لن يكون
أفراد
المجتمع
البشري
باعتبارهم
الفردي
معصومين،
إنما
سيكونون على
درجة راقية
من الصلاح
وتحري
مطابقة
الحكم
الشرعي في
الرأي
والعمل،
وحين تترسخ
في هذه
الحالة
ويتعود
البشر على
هذا المجتمع
الصالح
العادل
المطابق
للحكم
الشرعي في
رأيه العام،
يختفي
احتمال
مخالفة
الأفراد هنا
وهناك في
المجتمع
البشري ممن
توفرت فيهم
صفة العصمة،
أي المطابقة
التامة
للحكم
الشرعي
والالتزام
الكامل به.
وبمرور
الوقت سوف
يزداد عدد
هؤلاء
الأفراد،
حتى يصبحوا
هم الأكثرية
في المجتمع.
وما هي إلا
فترة أخرى من
السير
التكاملي
حتى تصبح
الآن عصمة
الأفراد هي
السمة
الغالبة
للمجتمع،
وليس فقط
عصمة الرأي،
وهذا هو
المجتمع
المعصوم. نحن
الآن نتحدث
عن مستقبل قد
يكون بعيدا،
وما بين
أيدينا من
تفاصيل
ومعلومات
حول هذا
المجتمع
قليلة
وضئيلة لا
تكفي لتكوين
صورة
تفصيلية
كاملة عن
المجتمع
المعصوم,
ولكن خلال
النصوص
الواردة في
وصفه نستطيع
أن نلمح بعض
المؤشرات
العامة
للحياة
الإنسانية
في المجتمع
المعصوم. أولا.
الشورى في
الحكم، ففي
المجتمع
المعصوم
سيكون الرأي
العام
معصوما،
الأمر الذي
يتيح
للأفراد
المشاركة
الفعلية
والحقيقية
في الحياة
السياسية
للمجتمع
المعصوم.
وسوف تتجلى
هذه
المشاركة في
أخطر وأرقى
صورها بقيام
الناس
باختيار
إمامهم أو
قائد هم، بعد
أن كان قائد
المسيرة
الإنسانية
يختار من قبل
الله، أي
ببعثة
الأنبياء،
أو بوصية
النبي (ص) ـ
كما يرى
طائفة من
المسلمين ـ
أو بالتعيين
المباشر من
قبل خلفاء
المهدي في
الدولة
العالمية
الإسلامية.
إن الجماعة
البشرية في
مجتمعها
المعصوم سوف
لن تخطيء
باختيار(الإمام)
الذي يقود
مسيرتها نحو
الله سبحانه
وتعالى. ثانيا،
الإصلاح
القانوني,
حيث سوف
يستغني
المجتمع
المعصوم
بالتدريج عن
عدد من
القوانين
التي كان
بحاجة إليها
في أول وجوده
كقوانين
القضاء،
والجرائم،
والعقوبات،
وكل ما يمت
إلى محاولة
رفع القصور
والتقصير من
الناس
الاعتياديين
في مجتمعات
ما قبل
المجتمع
المعصوم. وسيتألف
البناء
القانوني في
ذلك المجتمع
من العناصر
التالية: العنصر
الأول،
الأحكام
الضرورية
للقرآن
الكريم
بالفهم
المتطور جدا
الذي سيسود
في ذلك العصر. العنصر
الثاني.
الأنظمة
التي تحدد
العلاقات
بين الناس
ويكون
مصدرها
المجتمع
المعصوم
نفسه. العنصر
الثالث.
القيم
الخلفية وهي
القضايا
العلمية
الواقعية
التي تحدد
العلاقات
بين الناس. ثالثا,
التناسق
الكوني: حيث
سيشهد
المجتمع
المعصوم قمة
التناسق
والانسجام
بين الكون
والإنسان،
فمن ضروريات
العقيدة
الإسلامية
أن الكون كله
قائم على
أساس الخضوع
لله والتحرك
وفق
القوانين
الكونية
التي سنها
الله له . بمعنى
أن الكون
يعيش فعلا
حالة
العبودية
الكاملة
لله، وهي
أعلى درجات
كماله، هذا
من جهة، ومن
جهة ثانية،
فإن الكمال
الذي تحققه
البشرية
بوصولها إلى
المجتمعات
المعصوم
إنما هو
العبادة
الخالصة
لله، وتكريس
العقيدة
والسلوك له،
بدرجة
العصمة التي
لا تقبل
الانحراف. أن
وصول
البشرية إلى
هذه الدرجة
يعني أنها
وصلت إلى
حالة رائعة
من التطابق
مع الكون
والانسجام
مع حركته،
مما يفتح
الباب على
مصراعيه
للتعاون بين
البشرية
والكون،
وذلك وفقا
لقانون
تناسب
ازدهار
علاقات
الإنسان مع
الطبيعة
تناسبا
طرديا مع مدى
العدل
المتحقق في
المجتمع
البشري. (ولو
أن أهل القرى
آمنوا
واتقوا
لفتحنا عليه
بركات من
السماء
والأرض)(الأعراف:
96). قال
رسول الله: (ليأتين
على الناس
زمان يطوف
الرجل فيه
بالصدقة من
الذهب ثم لا
يجد أحدا
يأخذها) رواه
البخاري. وقال
الرسول: (...
فيبعث الله
عز وجل رجلا
من عترتي
فيملأ الأرض
قسطا وعدلا
كما ملئت
ظلما وجورا،
يرضي ساكن
السماء
وساكن
الأرض، لا
تدخر الأرض
من بذرها
شيئا إلا
أخرجته، ولا
السماء من
قطرها شيئا
إلا صبته
عليهم
مدرارا) رواه
الحاكم. وقال
الرسول: (...
وتخرج الأرض
نباتها،
ويعطي المال
صحاحا وتكثر
الماشية،
وتعظم الأمة)
ـ
رواه الحاكم. وقال
الإمام علي (ع):
(ولو قد قام
قائمنا
لأنزلت
السماء
قطرها
ولأخرجت
الأرض
نباتها
ولذهبت
الشحناء من
قلوب العباد
واصطلحت
السباع
والبهائم) ـ رواه
المجلسي. رابعا.
وسوف يستمر
المجتمع
المعصوم
فترة طويلة
جدا. ويعتقد
بعض العلماء
أن هذه
المرحلة
ستكون أطول
من كل
المراحل
السابقة
التي مرت بها
المسيرة
الإنسانية
بأضعاف
كثيرة، حيث
سيكون
المجتمع
المعصوم
اسما لأطول
حضارة
شهدتها
البشرية منذ
نشأتها
الأولى،
لبداهة أن
البشرية
عاشت الآلام
والويلات
ألوفا من
السنين
كمقدمة
لوصولها إلى
هذا المجتمع
المعصوم.
فليس من
المعقول أن
يوجد ذلك
المجتمع في
المستقبل
لفترة وجيزة
قصيرة من
الزمن, بحيث
تكون آلام
البشرية
أطول وأكثر
من سعادتها،
أم أن يضحي
بأجيال ضخمة
من البشرية
في سبيل عدد
أقل من
الأجيال
اللاحقة.
ولذلك وجب أن
تكون
الأجيال
السابقة على
المجتمع
المعصوم
بالرغم من
كثرتها
قليلة العدد
بالنسبة
للأجيال
اللاحقة
لها، لكي
تكون
التضحيات
السابقة
معقولة
ومنطقية[9]. وعند
قيام
المجتمع
المعصوم سوف
يتحقق
اللقاء
الحقيقي بين
الله
والإنسان: (يا
أيها
الإنسان...
إنك كادح
إلى ربك كدحا
فملاقيه) (الانشقاق:
6). والحمد لله
رب العالمين [1]
انظر
مقال:
المستقبلية
في القران،
بقلم:
محمد عبد
الجبار،
المنشور في
مجلة صوت
الخليج،
العددين 877(في
6/ 12 /1979) و878 (في 13/12/ 1979). [2]
أقرأ،
التفسير
الموضوعي،
المحاضرة
12، والمجتمع
الفرعوني. [3]
اليوم
الموعود، ص 32ـ
34 [4]
التفسير
الموضوعي،
المحاضرة 6 [5]
المجتمع
والتاريخ،
ص 43. [6]
الميزان,
جـ
4. ص 100. [7]
ن.
م،
جـ 4، ص 131ـ 132. [8]
اقرأ:
المجتمع
المعصوم،
تأليف محمد
عبد
الجبار. [9]
أقرأ: تاريخ
ما بعد
الظهور،
تأليف محمد
الصدر،
واليوم
الموعود.
|
||||||||
|