مكتسبات الحج
قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ*لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ))(الحج:27،28) صدق الله العلي العظيم.
إنّ الشريعة الإسلامية خصصت أياماً مباركة، تُعبر عن الفرح والسرور، كعيدي الفطر والأضحى، ويأتي هذان العيدان بعد مرور الإنسان بدورة يستطيع من خلالها أن يحصل على مكتسبات عظيمة ومؤثرة، فعيد الفطر جُعل للمسلمين عيداً، كما نقرأ ذلك في دعاء صلاة عيدَيْ الفطر والأضحى، إذ أنّ المسلمين أدوا صيامَ شهرٍ عظيم ٍ، عاد عليهم بمكتسبات كبيرة وعظيمة في نواحٍ متعددة، نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وفكرية، وهكذا الأمر في عيد الأضحى، فقد جعله الله عيداً للمسلمين بعْد أنِ اجتازت الأمة الإسلامية – بثلة من أفرادها الذين أدوا فريضة الحج العظيمة – دورةً مؤثرةً ليس على المسلمين فقط، وإنما على الإنسانية جمعاء، وهذا العيد يمثل عودة للإنسان إلى طبيعته وفطرته بعد إنجازه الحج، الذي حقق له مكتسبات متعددة أهمها:
الأول : الصبر.
الحج يربي في الإنسان الصبر الذي يحتاجه لأداء هذه الفريضة العظيمة، فكل من ذهب إلى الحج رأى كيف أنّ الصبر العامل المؤثر والكبير في اجتياز الإنسان لهذه العبادة بنجاح، ولولا الصبر لم يستطع الإنسان أن يطوف في الزحام الكبير، ولولاه لم يستطع أن يسعى، فإنّ حركة المسعى قد تتوقف مما يؤدي بالإنسان أن ينتظر وقتاً طويلاً، يتجاوز الساعتين كي يتمكن من الإتيان بالسعي وحده. إذن الصبر عامل مؤثر في تدريب الإنسان وصقل معنوياته بشكل عملي في أداءه لمناسك الحج، ومن خلاله يصل إلى المكتسب الثاني.
الثاني : الثقة في النفس.
يوّلد الصبر ثقة الإنسان بنفسه، فهو لا يستطيع أن يقوم بأي عملٍ من الأعمال الكبيرة ما لم يثق بنفسه، فالثقة بالنفس عامل فائق الأهمية يكتسبه الإنسان من الحج، باعتبار أنّ الإنسان اقترف ذنوباً وموبقات وخطايا، تهز أركان الثقة بالنفس، وجاء يوم عرفة كي يُرجع للإنسان ثقته بنفسه من خلال تساقط تلك الخطايا التي ارتكبها، ويصبح كيوم ولدته أمه أو يقال له :استأنف العمل من جديد، أو يغُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيضمن الجنة أو يُحفظ في ماله وولده ويبارك له في رزقه، فهذه مكتسبات عظيمة، وقد جاء في أحاديث أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أنهم عندما يُسألون ما هو أعظم الذنوب للإنسان الذي يقف في عرفة ؟ فكانوا يجيبون بأنّ ظنَّ الإنسان بأنّ الله تبارك وتعالى لن يغفر ذنوبه، هو أعظم ذنب يرتكبه الواقف في عرفة، فهنيئاً لمن وُفِّق للوقوف في عرفة ودعا الله تعالى فإنّ دعاء الإنسان في يوم عرفة مستجاب وغير مردود، وهذا ما يعود على الإنسان بثقة وطمأنينة بنفسه. وذكر الله له تأثير كبير إلا أنّ الذكر في هذه الأيام العظيمة له من التأثير ما لا يعلم به إلاّ الله وحده، وإذا رجع الإنسان مغفوراً ذنبه، ليس عليه خطايا، خرج عن ربقة الذنوب وأغلال الخطايا فتمُثل نفسه الحرية والاستقلال وتزداد الثقة بالنفس، فيعمل أي عمل من خلال ثقته في نفسه، مما يعود عليه بالنجاح، وهذا مكسب عظيم ومؤثر.
الثالث : الانفتاح على الآخرين.
والمكتسب الثالث وهو من المكتسبات العظيمة والمؤثرة، الاختلاط الكبير الذي يمثل اختلاطاً فعلياً وعملياً بالناس ومباشر في الحياة اليومية؛ فالنوم والأكل معهم والتحدث إليهم، والأخذ والعطاء صباح مساء، ليل نهار، مما يعرفنا على أخلاقهم ويعرفهم على أخلاقنا، وهذا سوف يؤثر في ازدياد الإخوان والأصدقاء، وهو الذي ورد في الروايات أنه من النعم الإلهية، اكتساب الأخ في الله ولا يكون إلاّ من خلال المعاشرة والمخالطة العملية وهي لا تتاح بشكل كبير إلاّ في أيام الحج،
الرابع : العلم.
من المكتسبات العظيمة والمؤثرة في أيام الحج العلم الحاصل بالاستماع إلى الدروس الفقهية والثقافية التي تعود على الحاج بالأثر الكبير، فلا يتاح للكثير من الناس التفقه في الدين من خلال تعلم مسائل الطهارة، الصلاة والحج وأحكام الحيض والاستحاضة والنفاس وما إلى ذلك من الأحكام الشرعية – إلا في موسم الحج، فتتسنى له الفرصة للتعرف على كثير من الأحكام الفقهية التي يجهلها، ثم يقوم بتطبيقها عملياً بعد معرفتها، وكم من الرجال الذين لا يعرفون الوضوء بشكل صحيح ولا الصلاة استفادوا كثيراً من الحج، كما أنّ الكثير من النساء اللاتي لا يعرفن أحكام الحيض والاستحاضة والنفاس وما إلى ذلك من الأحكام استطاعوا التعرف عليها، ومن ثَّم سوف يرجعون من الحج وقد حصلوا على زادٍ فقهي كبير يؤثر في مسار حياتهم، وهذا مكتسب جميل يعود على الإنسان في كل حياته.
الخامس : تربية روح التسامح.
من المكتسبات العظيمة والمؤثرة في الحج تربية روح التسامح، فهناك من الناس من ينزعج بأقل إثارة بسيطة، وينطلق من عامل رد الفعل، لكنه من خلال التدريب العملي في الحج سوف يتسامح بشكل كبير، فالإنسان الذي لم يُربِ نفسه على روح التسامح والمودة تراه في الحج حتى إذا ساء إليه الآخرون في حال طوافه حول البيت، يتسامح ويعفو، ولو كان في غير الحج لردّ رداً عنيفاً لكنه في الحج يكرر بعض الألفاظ حُجّ أو اذكر الله وما أشبه ذلك من الألفاظ، ثم يتجاوز عمّا حصل له، وهذا يدلل على