|
||||||||
جوهر
المشكلة
الاجتماعية |
||||||||
معالم
المستقبل أما
من ناحية
التغطية
الزمنية (العمودية)
للوجود
الإنساني
فإن المثل
الأعلى
المطلق يحدد
مسارات
المستقبل
الإنساني
بثلاث معالم
تستوعب هذا
المستقبل
بشكل كامل. المعلم
الأول، صفات
الله: حيث
يكون الله
سبحانه
وتعالى هو
الهدف
الأعلى
لمسيرة
المجتمع
البشري,
وتكون صفاته
محطات يتعين
على المجتمع
الوصول
إليها،
وتحقيق
مدلولاتها
الاجتماعية
على الأرض،
فالعدل
والعلم
والقدرة
والقوة
والرحمة
والجود تشكل
بمجموعها
هدف المسيرة
الدائمة
للجماعة
البشرية
الصالحة،
وهذه الصفات
مطلقة تغطي
كل المساحة
المستقبلية
الفاصلة بين
الواقع
الراهن
للبشرية
وبين يوم
القيامة،
حيث ينتهي
الوجود
الاجتماعي
للبشرية على
الأرض وتغطي
أيضاً كل
إمكانيات
التطور
والإبداع
والصعود
التي يمكن أن
تحققها
البشرية في
طريق تقدمها
نحو الله،
بحيث أنها
كلما اقتربت
نحو هذا
الهدف،
وحققت شيئا
منه، انفتحت
أمامها آفاق
أرحب
وازدادت
عزيمة وجذوة
لمواصلة
الطريق،
وإلى هذا
يلمح القران
بقوله: (والذين
جاهدوا فينا
لنهدينهم
سبلنا) (العنكبوت/
69). المعلم
الثاني،
المجتمع
المعصوم: وهو
التعبير
الموضوعي عن
إمكانيات
التطور التي
تستنبطنها
الحركة
الجوهرية
للمجتمعات
الإنسانية,
حيث تضع هذه
المجتمعات
نصب عينها أن
الهدف ليس
تحقيق
الوحدة
الإقليمية،
أو القومية،
أو تحقيق
المطالب
المهنية
لهذه الطبقة
الاجتماعية
أو تلك،
وإنما هدفها
هو تحقيق
المجتمع
الإنساني
العالمي
العادل
الموحد،
وهذا
المجتمع
يتجاوز ـ
بعالميته ـ
كل الأطر
الإنسانية
الأضيق:
العائلة،
العشيرة،
والقومية،
والإقليم،
ويتجاوزـ
بعدالته ـ كل
الطموحات
الطبقية
الأضيق
ويحولها إلى
طموح بشري
عام يستهدف
تحقيق الخير
والرفاهية
والعدالة
لكل البشر. المعلم
الثالث، يوم
القيامة
وهذا يربط
الإنسان
بمرحل لاحقة
تأتي بعد
مرحلة
الدنيا،وتكون
مرتبطة بها،
ومتأثرة
بها، فلا
يقتصر طموح
الإنسان على
الساحة
الدنيوية،
وإنما يمتد
نظره
مستقبلياً
إلى مساحة
أرحب وأوسع
وأبقى هي
ساحة العالم
الآخر،
وبهذا يحرر
الإنسان من
خطر
الانشداد
إلى الدنيا
والانغلاق
عليها [1].
ويكون
تحقيق الخير
في تلك
الساحة (أي
مرضاة الله)
هو المقياس
العملي
للأعمال
والتصرفات
في الساحة
الدنيوية
والزائلة: (يا
أيها الذين
آمنوا اتقوا
الله ولتنظر
نفس ما قدمت
لغد واتقوا
الله إن الله
خبير بما
تعملون) (الحشر/18). إن
المثل
الأعلى
المطلق هو
الحل
الموضوعي
الوحيد
للأزمة
الحضارية
للمجتمعات
الإنسانية،
تلك الأزمة
التي تعبر عن
نفسها
بصيغتين:
صيغة الضياع
واللاانتماء
(أي الإلحاد
بالتعبير
الإسلامي)،
وصبغة الغلو
في الانتماء
والانتساب
بتحويل
الحقائق
النسبية إلى
مطلقات (أي
الشرك
والوثنية).
واتخاذ الله
مثلا أعلى
مطلقاً يعني
إعلان
الثورة
الدائمة على
الإلحاد
والشرك في آن
واحد. وتكمن
الأزمة
الحضارية
التي تخلقها
مشكلتا
الإلحاد
والشرك في
كونهما
تعيقان معاً
حركة
الإنسان عن
الاستمرار
الخلاق
والمبدع
والصالح. غير
أن الارتباط
بالمثل
الأعلى
المطلق كفيل
بمعالجة
مشكلة
الإلحاد
ويرفض
الضياع
واللاانتماء،
ويضع
الإنسان في
موضع
المسؤولية
وينيط
بحركته
وتدبيره
الكون،
ويجعله
خليفة الله
في أرضه. كما
أنه يعالج
مشكلة الغلو
وتحويل
النسبي إلى
مطلق لأنه
يشبع في
الإنسان
حاجاته إلى
الارتباط
بالمطلق من
جهة، وينمي
في داخله رفض
المطلقات
الوهمية،
ويزرع في
نفسه النزوع
إلى النضال
المستمر ضد
كل ألوان
التأليه
المصطنع[2]. (أأرباب
متفرقون خير
أم الله
الواحد
القهار؟!)(يوسف:
39). إن
المثل
الأعلى
المطلق هو
القاعة
المتينة
لبناء
المجتمع
السليم
وإقامة
الحياة
الإنسانية
الصالحة إذا
أصبح محور
المحتوى
الداخلي
للإنسان
والمجتمع. (يا
أيها الذين
آمنوا
استجيبوا
لله وللرسول
إذا دعاكم
لما يحييكم)(الأنفال/24).
(من
عمل عملا
صالحاُ من
ذكر وأنثى
وهو مؤمن
فلنحيينه
حياة طيبة)(النحل/97). الفصل
السادس
جوهر
المشكلة
الاجتماعية منذ
ودع الإنسان
العصر
الفطري
الأول، يوم
كان يعيش في
إطار مجتمع
الفطرة
والموحِّد،ودخل
ودخل عصر
الاختلاف
الذي ما زلنا
نعايشه حتى
اليوم، وهو
يعاني من
مشكلة
استعصى عليه
حلها، وهي:
المشكلة
الاجتماعية،
أي مشكلة
النظام
الاجتماعي
الذي يصلح
للإنسانية
وتسعد به
حياتها
الاجتماعية،
ذلك النظام
الذي يحقق
التوازن
العادل بين
حاجات أفراد
المجتمع
البشري كافة
ويحدد
علاقاتهم
ضمن الإطار
الذي يتيح
لهم إشباع
تلك
الحاجات،
وبشكل يضمن
عدم إهدار
طاقات
الإنسانية
وإمكانياتها
في صراعات
داخلية حول
تلك
الحاجات،
وبشكل يضمن
للبشرية
أداءها
لمسؤوليات
الخلافة
التي أؤتمنت
عليها،
وإعمارها
للكون
والأرض، بما
يحقق مصلحة
الإنسان،
ويضمن له
مواصلة سيره
التقدمي
والتكاملي
الحثيث صوب
تحقيق
الغاية
الكبرى من
خلقه، وهي:
العبادة
الكاملة لله
في إطار
المجتمع
المعصوم،
العالمي
والموحد. وكان
بمقدور
الإنسانية
أن تتجنب هذه
المشكلة
المزمنية لو
أنها التزمت
بالهدي
الرباني
الذي جاءها
بعد أن خرجت
من مرحلة
الحضانة،
والذي كان
يتكفل الأخذ
بيد البشرية
في مسيرة
تطورها
وتكاملها
خطوة خطوة،
في إطار كامل
من الرعاية
المتناسقة
والهداية
الإلهية،
ولكنها عصت،
وتنكرت عن
الصراط،
وأحسنت
الاستماع
لعدوها
الأول إبليس
الذي زين
التنكر
لخالقها
وربها
ومعلمها
واتبعت
اغواء
الشيطان،
الذي كان
يعدها الفقر
والضياع
والمعانات
والآلام. وقد ذاقت
البشرية
يسبب
المشكلة
الاجتماعية
الأمرين،
وشهدت عبر
تاريخها
الطويل، وما
زالت تشهد في
عصرها
الراهن،
صنوفاً من
المآسي
والمكابدة،
بسبب
الصراعات
التي احتدمت
وتحتدم بين
أطراف
الجماعة
البشرية،
وتشعل نار
الحروب
المستمرة
بينها والتي
تحرق أخضر
الإنسانية
ويابسها،
ويذهب
بسببها
الآلاف بل
الملايين من
البشر ضحايا
وقتلى
ومعوقين
ومشردين
ومطاردين. إن
البشرية في
عصر
اختلافها،
وبسبب بعدها
عن هدي ربها
يقتل بعضها
بعضاً،
ويسلب ماله
وأرضه
وسعادته،
ويأكل الغني
القوي منها
حق الفقير
الضعيف وإذا
كان الأمر في
الماضي
السحيق
يقتصر على
أفراد
وأفراد، فإن
الأمر تضاعف
في عصر الدول.
فهذه الدول –
ومنها
المتقدمة
كثيراً ـ
تملك من
أسلحة الظلم
والدمار
والتخريب ما
لم يمتلكه
الأفراد في
الماضي وها
هي تسحق
شعوباً
بأكملها،
وتمتص
خيراتها،
وتغتصب
أراضيها
وأوطانها،
وما الحروب
التي تنشب
بين الدول
سواء كانت
حروباً
محلية
إقليمية، أم
حروباً
عالمية (كالحربين
العالميتين
الأولى
والثانية)
سوى مظاهر
فوقية
للمشكلة
الاجتماعية
المزمنة. والواقع
أن إحساس
الإنسان
المعاصر
بالمشكلة
الاجتماعية
اليوم أشد من
إحساسه بها
في أي وقت
مضى من أدوار
تاريخه
القديم، فهو
الآن أكثر
وعيا لموقفه
من المشكلة
وأقوى تحسسا
بتعقيدات
ومضاعفات.
ويحسن أن
نستحضر في
أذهاننا أن
الإنسان
الحديث
يعاصر تطورا
هائلا في
سيطرة
الإنسانية
على الطبيعة
بشكل لم يسبق
له مثيل.
وهذه
السيطرة
المتناهية
بشكل مرعب
وبقفزات
العمالقة
تزيد
المشكلة
الاجتماعية
وتضاعف من
أخطارها
لأنها تفتح
بين يدي
الإنسان
مجالات
جديدة
وهائلة
للاستغلال. إن البحث
في حل لهذه
المشكلة لا
بد أن يستند
إلى تعليل
صحيح لها،
أولا، ومن ثم
معرفة
النظام
الاجتماعي
الأصلح
لحلها
ثانياً، وفي
توفير
ضمانات
تطبيق هذا
الحل ثالثا[3]. ويحاول
اليوم علم
الاجتماع
الوضعي
بشقيه
الماركسي
والرأسمالي
التوصل إلى
إجابات
وافية حول
هذه
الإشكاليات،
ولكن دون
جدوى. فالماركسية
التي ترى أن
الإنسان
يتكيف روحيا
وفكريا
وفقاً
لطريقة
الإنتاج
ونوعية
القوى
المنتجة،
تقول دعوى
المشكلة تحل
نفسها، فإن
قوانين
التاريخ
كفيلة بحلها
في يوم من
الأيام،
أليست
المشكلة هي
أن الدوافع
الذاتية لا
تستطيع أن
تضمن مصالح
المجتمع
وسعادته
لأنها تنبع
من المصالح
الذاتية
التي تختلف
قي كثير من
الأحايين مع
المصالح
الاجتماعية
العامة؟ إن
هذه ليست
مشكلة وإنما
هي حقيقة
المجتمعات
البشرية منذ
فجر التاريخ,
فقد كان كل
شيء يسير
طبقاً
للدافع
الذاتي الذي
ينعكس في
المجتمع
بشكل طبقي،
فيثور
الصراع بين
الدوافع
الذاتية
للطبقات
المختلفة،
والغلبة
دائماً تكون
من حظ الدافع
الذاتي
للطبقة التي
تسيطر على
وسائل
الإنتاج،
وهكذا يتحكم
الدافع
الذاتي بشكل
محتوم حتى
تضع قوانين
التاريخ
حلها الجذري
للمشكلة
بإنشاء
المجتمع
اللاطبقي
الذي تزول
فيه الدوافع
الذاتية
وتنشأ بدلا
عنها
الدوافع
الجماعية،
وفقاً
للملكية
الجماعية. وغني عن
القول أن
أمثال هذه
النبؤات
التي تنشأ
بها المادية
التاريخية
لا تقوم على
أساس علمي
ولا يمكن
انتظار حل
حاسم
للمشكلة من
ورائها[4].
وأما
علم
الاجتماع
الرأسمالي
فيحيل
المسألة إلى
التجربة
الاجتماعية
معتقداً،
قياسا على
التجربة
الطبيعية أن
قدرة
الإنسان على
حل المشكلة
الاجتماعية
تنمو لديه من
خلال
التجارب
التي يعيشها.
ويكمن خطأ
تصور
الرأسمالية
في أنها لا
تميز بين
التجربة
الطبيعية
والتجربة
الاجتماعية.
فإذا كانت
الأولى
قادرة على
الإجابة على
تساؤلات
الإنسان حول
المشاكل
الطبيعية،
فإن التجربة
الاجتماعية
لا تملك مثل
هذه
الصلاحيات
والقدرة. وتتلخص
أهم الفروق
بين التجربة
الطبيعية
والتجربة
الاجتماعية
بما يلي: اولاً،
إن التجربة
الطبيعية
يمكن أن
يباشرها
ويمارسها
فرد واحد
وأما
التجربة
الاجتماعية
فهي عبارة عن
تجسيد
النظام
المجرب في
مجتمع
وتطبيقه
عليه ولذلك
فلا يمكن أن
يقوم
المجتمع كله
بالتجربة
الاجتماعية
وتستوعب
مرحلة
تاريخية من
حياة
المجتمع
أوسع كثيراً
من حياة
أفراده.
ولهذا لا
يمكن الوثوق
بالنتائج
التي يمكن
التوصل
إليها،
أولاً كما إن
إخضاع
المجتمع
بكامله
للتجربة أمر
غير عملي
ويمكن أن
يكلف
المجتمع
ثمناً
غالياً. ثانياً،
إن التفكير
الذي تبلوره
التجربة
الطبيعية
أكثر
موضوعية
ونزاهة من
التفكير
الذي يستمده
الإنسان من
التجربة
الاجتماعية.
بل إن تفكير
الإنسان في
المسألة
الاجتماعية
لا يمكن أن
تضمن له
الموضوعية
والتجرد عن
الذاتية،
والابتعاد
عن المصالح
الفردية، أو
المصالح
التي
يمثلها، أو
يرتبط بها،
الفرد. ثالثاً،
إن النظام
الاجتماعي
الذي يكون
وليد تجربة
الإنسان
الاجتماعية
لا يمكن أن
يكون قادراً
على تربية
الإنسان
والصعود به
في مجالات
أرحب لأن مثل
هذا النظام
يعكس واقع
الإنسان
الذي صنعه
ودرجة تطوره
الفكري
والروحي
والنفسي، لا
أكثر[5].
وهكذا
تبقى
المشكلة
الاجتماعية
في حلها
الوضعي (الماركسي
والرأسمالي)
دون حل.! فهل
كتب على
الإنسانية
أن تعيش
دائماً في جو
هذه المشكلة
وتعاني منها
؟ وهل
استثنيت
الإنسانية
من نظام
الكون الذي
زود كل كائن
فيه
بإمكانات
التكامل،
وأودعت فيه
الفطرة التي
تسوقه إلى
كماله
الخاص؟. ويعود
سبب عدم قدرة
علم
الاجتماع
الوضعي على
التوصل إلى
حل نهائي
للمشكلة
الاجتماعية
إلى عدم
توصله إلى
التعليل
الصحيح لهذه
المشكلة. أما
في القران،
فالمسألة في
غاية
الوضوح، حيث
يقرر أن سبب
هذه المشكلة
الجوهرية هو
غريزة حب
الذات
الكامنة في
الإنسانية.
ويتحدث
القران عن
هذه الغريزة
في أكثر من
آية، كما في
قوله تعالى: (إن
الإنسان خلق
هلوعا) (المعارج/19).
(إن الإنسان
لظلوم كفار) (إبراهيم:34). (إن الإنسان
ليطغى أن رآه
استغنى) (العلق/
7). (إنه كان
ظلوماً
جهولاً) (الأحزاب/
72). والمستفاد
من القرآن
الكريم أن
غريزة حب
الذات هي أهم
الغرائز
الموجهة
للسلوك
الإنساني. بل
لا يوجد
غريزة أعم
وأهم منها،
فكل الغرائز
الأخرى فروع
وشعب لها.
والطغيان أو
الظلم هو
الناتج
الأساسي
لغريزة حب
الذات[6]. وبدفع من
هذه الغريزة
جرى الإنسان
منذ القدم
على استخدام
جميع
الإمكانيات
والطاقات
التي هيأها
الله له في
الطبيعة.
وهكذا أخذ في
استخدام.
والمادة
وتسخيرها من
اجل تحقيق
مصلحته،
واستخدام
النبات
والحيوان كل
حسبما
يستطيع أن
يقدمه له من
منفعة
وبحدود قدرة
الإنسان
الذاتية على
تسخير طاقات
الآخرين
واستثمارها.
للحياة،
وذلك إذا آمن
كل فرد في
المجتمع بأن
ميدانه
الوحيد في
هذا الوجود
العظيم. وبدافع
من هذه
الغريزة
انطلق
الإنسان
يستغل أخاه
الإنسان بما
لديه من
طاقات علمية
وفكرية
ويتصرف
بوجود من
حوله،
ويستخدم من
اجل تحقيق
منفعته
الذاتية. ومن
البديهي أن
الإنسان
المقابل
يملك نفس
الغرائز
والموجهات،
إنه يملك
غريزة حب
الذات ويريد
أن يشبع
مصلحته
الخاصة. وتنشط
غريزة حب
الذات إذا
عاش الإنسان
في إطار
المفهوم
المادي
للحياة،
وذلك إذا آمن
كل فرد في
المجتمع بأن
ميدانه
الوحيد في
هذا الوجود
العظيم هو
حياته
المادية
الخاصة،وآمن
أيضاً
بحريته في
التصرف بهذه
الحياة
واستثمارها،
وانه لا يمكن
أن يكسب من
هذه الحياة
غاية إلا
اللذة التي
توفرها له
المادة. وهكذا
ينشأ
التناقض
المستقطب
بين أفراد
الكائن
الاجتماعي،
ومجموعاته،
وشرائحه
المختلفة
وتظهر
الصورة
المختلفة
الإنسانية
المحدودة
والواسعة،
وتنشب
الحروب،
والظلم،
والاضطهاد،
والمشاكل
الاجتماعية
المختلفة
ومضاعفاتها
المتنوعة. وهذا هو
التحليل
الصحيح
للمشكلة
الاجتماعية
كما يطرحه
القرآن
الكريم،
ولذلك فإن أي
حل للمشكلة
لا يمكن أن
يكون مجدياً
وجذرياً ما
لم يتوجه
أساساً إلى
غريزة حب
الذات في
إطارها
المادي
المحدود[7]. والإنسانية
أمام حلين:
إما أن تبدل
الإنسان غير
الإنسان،
وأن تخلق فيه
طبيعة جديدة
تجعله يضحي
بمصالحه
الخاصة
ومكاسب
حياته
المادية
المحددة في
سبيل
المجتمع
ومصالحه مع
إيمانه بأنه
لا قيم له
إلا قيم تلك
المصالح
المادية
المحدودة.
وهذا حلم لا
يمكن تحقيقه. وإذن،
فليس أمامنا
إلا الحل
الآخر وهو أن
نطور
المفهوم
المادي
للإنسان عن
الحياة،
وبتطويره
تتطور
طبيعيا
أهدافها
ومقاييسها.
وهذا هو
السبيل الذي
يسلكه
القرآن: الحل
الإلهي
للمشكلة
الاجتماعية[8]. إن
القران يركز
على المفهوم
الواقعي
للحياة
الدنيا، فمن
أجل أن ينتزع
الإنسان من
التعلق
الشديد
بالدنيا،
وهمومها،
أعطى للدنيا
حجمها
الطبيعي،
باعتبارها
داراً للعمل
والخدمة من
اجل النفس
والآخرين،
وطريقاً
للآخرة، أي
أداة ينمي
الإنسان في
إطار
خيراتها
وجوده
الحقيقي
وعلاقته
بالله وسعيه
المستمر نحو
المطلق في
عملية
البناء
والإبداع
والتجديد،
ووفقاً لهذه
النظرية
تتحول
الدنيا من
كونها
مسرحاً
للتنافس
والتكالب
على المال،
إلى مسرح
للبناء
الصالح
ولإبداع
المستمر[9]. (وابتغ فيما
آتاك الله
الدار
الآخرة ولا
تنس نصيبك من
الدنيا
وأحسن كما
أحسن الله
إليك ولا تبغ
الفساد في
الأرض إن
الله لا يحب
المفسدين) (القصص:
77). (يا أيها
الذين آمنوا
هل أدلكم على
تجارة
تنجيكم من
عذاب أليم *
تؤمنون
بالله
ورسوله
وتجاهدون في
سبيل الله
بأموالكم
وأنفسكم
ذلكم خير لكم
إن كنتم
تعلمون) (الصف/ 11). إن
الإسلام لا
يلغي غريزة
حب الذات ولا
يتجاوزها.
ولكنه
يهذبها
ويطورها،
ويوسع من
آفاقها،
ويوظفها في
خدمة
الإنسان
والمجتمع.
فغريزة حب
الذات في
إطار
المفهوم
الإلهي
للحياة ليست
دافعاً
لتحقيق
اللذة
والمنفعة
على حساب
الآخرين،
وإنما أداة
لتحقيق
اللذة
والمنفعة في
خدمة
الآخرين،
وفي طريق
مرضاة الله،
والفوز في
الآخرة. وهذا هو
جوهر الحل
الإلهي
للمشكلة:
التوفيق بين
الدوافع
الذاتية
والمصالح
الاجتماعية،
لا بإلغاء
الدوافع
وسحقها، ولا
بتجاهل
المصالح
الاجتماعية
وضربها،
وإنما بحل
التناقض
بينهما في
إطار الدين.
وهذه هي
رسالة الدين
الحقيقية،
وما يستطيع
أن يقدمه
للإنسانية
منذ بداية
عصر
الاختلاف
إلى العصر
الراهن،
وحتى يوم
القيامة،
ذلك أن الدين
هو الطاقة
الروحية
التي تستطيع
أن تعوض
الإنسان عن
لذته
الموقوتة
التي يتركها
في حياته
الأرضية،
أملا في
النعيم
الدائم،
وتستطيع أن
تدفعه إلى
التضحية
بوجوده عن
إيمان بأن
هذا الوجود
المحدد الذي
يضحي به ليس
إلا تمهيداً
لوجود خالد
وحياة
دائمة،
وتستطيع أن
تخلق في
تفكيره نظرة
جديدة تجاه
مصالحه،
ومفهوماً عن
الربح
والخسارة
أرفع من
مفهوم
التجارة
المادية،
فالعناء
طريق اللذة
والخسارة
لحساب
المجتمع
سبيل الربح،
وحماية
مصالح
الآخرين
تعني ضمناً
حماية مصالح
الفرد في
حياة أسمى
وأرفع..
وهكذا ترتبط
المصالح
الاجتماعية
العامة
بالدوافع
الذاتية،
وبوصفها
مصالح للفرد
في حسابه
الديني.
فالدين،
إذن، هو صاحب
الدور
الأساسي في
حل المشكلة
الاجتماعية،
عن طريق
تجنيد
الدافع
الذاتي
لحساب
المصلحة
العامة. وبهذا
نعرف أن
الدين حاجة
فطرية
للإنسانية،
لأن الفطرة
ما دامت هي
أساس
الدوافع
الذاتية
التي نبعت
منها
المشكلة فلا
بد أن تكون
قد جهزت
بإمكانات
لحل المشكلة
أيضاً لئلا
يشذ الإنسان
عن سائر
الكائنات
التي زودت
فطرتها
جميعاً
بالإمكانات
التي تسوق كل
كائن إلى
كماله الخاص.
وليست تلك
الإمكانات
التي تملكها
الفطرة
الإنسانية
لحل المشكلة
الاجتماعية
إلا غريزة
التدين
والاستعداد
الطبيعي
لربط الحياة
بالدين
وصوغها في
إطاره العام. فللفطرة
الإنسانية
إذن جانبان:
فهي من ناحية
تملي على
الإنسان
دوافعه
الذاتية،
التي تنبع
منها
المشكلة
الاجتماعية
الكبرى في
حياة
الإنسان (وهي
مشكلة
التناقض بين
الدوافع
الذاتية
والمصالح
الحقيقية
العامة
للمجتمع
الإنساني)
وهي من ناحية
ثانية تزود
الإنسان
بإمكانية حل
المشكلة عن
طريق الميل
الطبيعي
للتدين
وتحكيم
الدين في
الحياة
بالشكل الذي
يوفق بين
المصالح
العامة
والدوافع
الذاتية.
وبهذا أتمت
الفطرة
وظيفتها في
هداية
الإنسان إلى
كماله. فلو
بقيت تثير
المشكلة ولا
تمون
الإنسان
بحلها، لكن
معنى هذا أن
الإنسان
يبقى أسير
المشكلة،
عاجزاً عن
حلها،
مسوقاً بحكم
فطرته إلى
شرورها
ومضاعفاتها،
وهذا هو
المستفاد من
قوله تعالى: (فأقم وجهك
للدين
حنيفاً فطرة
الله التي
فطر الناس
عليها لا
تبديل لخلق
الله، ذلك
الدين
القيم، ولكن
أكثر الناس
لا يعلمون)(الروم/30). فإن هذه
الآية
الكريمة
تقرر
الحقائق
التالية: الحقيقة
الأولى: إن
الدين من
شؤون الفطرة
الإنسانية
التي فطر
الناس عليها
جميعاً، ولا
تبديل لخلق
الله. الحقيقة
الثانية: إن
هذا الدين
الذي فطرت
الإنسانية
عليه ليس هو
إلا الدين
الحنيف، أي
دين التوحيد
الخالص، لأن
دين التوحيد
هو وحده الذي
يمكن أن يؤدي
وظيفة الدين
الكبرى
ويوحد
البشرية على
مقياس علمي
وتنظيم
اجتماعي،
تحفظ فيه
المصالح
الاجتماعية. الحقيقة
الثالثة: إن
الدين
الحنيف الذي
فطرت
الإنسانية
عليه يتميز
بكونه ديناً
قيماً على
الحياة، أي
قادراً على
التحكم فيها
وصياغتها في
إطاره العام. وأما الدين الذي لا يتولى إمامة الحياة وتوجيهها، فهو لا يستطيع أن يستجيب استجابة كاملة للحاجة الفطرية في الإنسان إلى الدين، ولا يمكن أن يعالج المشكلة الأساسية في الحياة الإنسانية[10]. [1]
راجع
كراس: منابع
القدرة في
الدولة
الإسلامية (ضمن
كتاب:
الإسلام
يقود
الحياة)، ص177ـ
179. [2]
الفتاوى
الواضحة،
محمد باقر
الصدر، ص594 ـ 599. [3]
الإنسان
المعاصر
والمشكلة
الاجتماعية,
محمد باقر
الصدر، ص6 ـ 10. [4]
اقتصادنا،
ص 84،
وما بعدها،
والإنسان
المعاصر
والمشكلة
الاجتماعية،
ص11-15 [5]
الإنسان
المعاصر
والمشكلة
الاجتماعية،
ص17 ـ 24. [6]
فلسفتنا،
محمد
باقر
الصدر، ص35. [7]
الإنسان
المعاصر
والمشكلة
الاجتماعية،
ص66 ـ 71. [8]
ن.م.، ص71
ـ 86. [9]
كراس:
منابع
القدرة في
الدولة
الإسلامية، ص 180 ـ 184. [10]
اقتصادنا، ص
278 ـ 289.
|
||||||||
|