|
||||||||
مرحلة والاختلاف السنن
الاجتماعية |
||||||||
مرحلة
الحضانة تبدأ
مرحلة
الحضانة منذ
وجد الجنس
البشري لأول
مرة، أي منذ
خلق آدم،
وتنتهي
بالهبوط إلى
الأرض، وقد
تحدث القرآن
الكريم عن
مرحلة
الحضانة
بشكل مفصل،
كما في
الآيات
التالية: (وقلنا
يا آدم اسكن
أنت وزوجك
الجنة، وكلا
منها رغداً
حيث شئتما،
ولا تقربا
هذه الشجرة
فتكونا من
الظالمين،
فأزلهما
الشيطان،
فأخرجهما
مما كانا
فيه، وقلنا
اهبطوا
بعضكم لبعض
عدو، ولكم في
الأرض مستقر
ومتاع إلى
حين) (البقرة/ 35
ـ 36). (ويا
آدم أسكن أنت
وزوجك
الجنة، فكلا
من حيث
شئتما، ولا
تقربا هذه
الشجرة
فتكونا من
الظالمين *
فوسوس لهما
الشيطان،
ليبدي لهما
ما ووري
عنهما من
سوءاتهما،
وقال ما
نهاكما
ربكما عن هذه
الشجرة إلا
أن تكونا
ملكين أو
تكونا من
الخالدين *
وقاسمهما
إني لكما من
الناصحين *
فدلاهما
بغرور، فلما
ذاقا الشجرة
بدت لهما
سوءاتهما
وطفقا
يخصفان
عليهما من
ورق الجنة
وناداهما
ربهما: ألم
أنهكما عن
تلكما
الشجرة،
وأقل لكما إن
الشيطان
لكما عدو
مبين * قالا
ربنا ظلمنا
أنفسنا وإن
لم تغفر لنا
وترحمنا
لنكونن من
الخاسرين *
قال: اهبطوا،
بعضكم لبعض
عدو ولكم في
الأرض مستقر
ومتاع إلى
حين)(الأعراف:19-24). لقد
كان الإنسان
الأول ـ آدم
ـ بحاجة إلى
دار حضانة
استثنائية
يجد فيها
التنمية
والتوعية
التي تؤهله
لممارسة
دوره في
الأرض (خلافة
الله
وعبادته) من
ناحية فهم
الحياة
ومشاكلها
المادية،
ومن ناحية
مسؤوليتها
الخلقية
والروحية،
وقد عبر
القران
الكريم عن
دار الحضانة
الاستثنائية
التي وفرت
للإنسان
بالجنة، وهي
ليست الجنة
المقابلة
للنار[1].
وإنما هي
جنينة أرضية
وفر الله
فيها لآدم
وحواء كل
وسائل
الاستقرار
وكفل لهما كل
الحاجات،
كما في قوله
تعالى: (أن
لك أن لا
تجوع فيها
ولا تعرى،
وأنك لا تظمأ
فيها ولا
تضحى) (طه/ 118). وكان
لا بد من
مرور فترة
تنمو فيها
تجربة هذين
الإنسانيين
وتصل إلى
الدرجة التي
تتيح لهما أن
يبدأ
مسيرتهما في
الأرض
وكدحهما نحو
الله من خلال
ممارسة
أعباء
الخلافة
وكذلك كان لا
بد في هذه
الفترة من
تربية
الإحساس
الخلقي وزرع
الشعور
بالمسؤولية
وتعميقه في
نفس الإنسان
وذلك عن طريق
امتحانه بما
يوجه إليه من
تكاليف
وأوامر. وكان
أول تكليف
وجه إليه أن
يمسك عن شجرة
معينة في تلك
الجنينة
ترويضاً
للإنسان
الخليفة على
أن يتحكم في
نزواته
ويكتفي من
الاستمتاع
بطيبات
الدنيا
بالحدود
المعقولة من
الإشباع
الكريم ولا
ينساق مع
الحرص
المحموم على
المزيد من
زينة الحياة
الدنيا
ومتعها
وطيباتها
لأن هذا
الحرص هو
الأساس لكل
ما شهده
المسرح بعد
ذلك من ألوان
استغلال
الإنسان
لأخيه
الإنسان. وقد
استطاعت
المعصية
التي
ارتكبها آدم
بتناوله من
الشجرة
المحرمة أن
تحدث هزة
روحية كبيرة
في نفسه
وتفجر في
أعماقه
الإحساس
بالمسؤولية
من خلال
مشاعر الندم
وطفق في هذه
اللحظة يخصف
على جسده من
ورق الجنة
ليواري
سوأته
ويستغفر
الله تعالى
لذنبه. وبهذا
تكامل وعيه
في الوقت
الذي كانت قد
نضجت لديه
خبرات
الحياة
المتنوعة
وتعم
الأسماء
كلها فحان
الوقت
لخروجه من
الجنة إلى
الأرض التي
استخلف
عليها لمارس
مسيرته نحو
الله من خلال
دوره في
الخلافة[2]. وبهذا
تنتهي مرحلة
الحصانة: (قلنا:
اهبطوا،
بعضكم لبعض
عدو ولكم في
الأرض مستقر
ومتاع إلى
حين) (البقرة/36). تحدث
القرآن عن
هذه المرحلة
الثانية
التي مر بها
المجتمع
البشري في
نشأته
الأولى، وهي
المرحلة
الفطرة، حيث
نقرأ قوله
تعالى: (وما
كان الناس
إلا أمة
واحدة،
فاختلفوا) (يونس:19).
(كان
الناس أمة
واحدة، فبعث
الله
النبيين
مبشرين
ومنذرين،
وأنزل معهم
الكتاب
بالحق،
ليحكم بين
الناس فيما
اختلفوا فيه...)
(البقرة: 213). وقد جاء
في التفسير
عن الإمام
محمد بن علي
الباقر عليه
السلام:أن
الناس كانوا
أمة واحدة
على فطرة
الله، فبعث
الله
النبيين. ويفهم
من هذه
النصوص أن
الجماعة
البشرية
بدأت
خلافتها على
الأرض
بوصفها أمة
واحدة،
وأنشأت
المجتمع
الفطري
الموحد،
مجتمع
التوحيد،
وكان الأساس
الأول لتلك
الوحدة هو
الفطرة
الإنسانية[3]. (فأقم
وجهك للدين
حنيفاً فطرة
الله التي
فطر الناس
عليها لا
تبديل لخلق
الله، ذلك
الدين
القيم، ولكن
أكثر الناس
لا يعلمون) (الروم/30). وكان
الناس في هذه
المرحلة
عبارة عن أمة
واحدة
تسودها
الفطرة
وتوحد بينها
تصورات
بدائية
للحياة،
وهموم
محددة،
وحاجات
بسيطة[4]. وبعد
أن مرت فترة
على البشرية
وهي تمارس
وجودها على
الأرض في
إطار
مجتمعها
الفطري، بدأ
الاختلاف
والتناقض
بين المصالح
والتنافس
على السيطرة
والتملك
وظهر الفساد
وسفك
الدماء،
وذلك لأن
التجربة
الاجتماعية
نفسها
وممارسة
العمل على
الأرض نمت
خبرات
الأفراد
ووسعت
إمكاناتهم
فبرزت ألوان
التفاوت بين
مواهبهم
وقابلياتهم،
ونجم عن هذا
التفاوت
اختلاف
مواقعهم على
الساحة
الاجتماعية
وأتاح ذلك
فرص
الاستغلال
لمن حظي
بالموقع
الأقوى
وانقسم
المجتمع
بسبب ذلك إلى
أقوياء
وضعفاء
ومتوسطين،
وبالتالي
إلى مستغلين
ومستضعفين
وفقد
الجماعة
البشرية
وحدتها
الفطرية[5].
الأمر
الذي خلق
عقبات أمام
تحقيق غاية
الخلق وهي
استمرارية
حركة التطور
والتكامل في
المجتمع
البشري على
أساس تحقيق
العبادة
المطلقة لله
والقيام
بمسؤولية
الخلافة في
الأرض. وفي
هذه المرحلة
برزت الحاجة
إلى موازين
تحدد الحق
وتجسد العدل
وتضمن
استمرار
وحدة الناس
في إطار سليم
وتصب كل تلك
القابليات
والإمكانيات
التي نمتها
التجربة
الاجتماعية
في محور
إيجابي يعود
على الجميع
بالخير
والاستقرار
بدلا عن أن
يكون مصدراً
للتناقض
وأساساً
للصراع
والاستغلال[6]. ولهذا
بعث الله
النبيين
مبشرين
ومنذرين
وأنزل معهم
الكتاب
بالحق، وشرع
ما شرعه من
الشرائع
والقوانين،
واضعاً ذلك
على أساس
التوحيد،
وبعبارة
أخرى وضع
التشريع
المبني على
أساس تعليم
الناس
وتعريفهم ما
هو حقيقة
أمرهم من
مبدأهم إلى
معادهم،
وأنهم يجب أن
يسلكوا في
هذه الدنيا
حياة تنفعهم
في غد
ويعملوا في
العاجل ما
يعيشون به في
الآجل[7]. الفصل
الرابع
السنن
الاجتماعية تحتل
مسألة السنن
الاجتماعية
حيزاً هاماً
في البحوث
الاجتماعية،
بل إن علماء
الاجتماع
الوضعي
يدخلون هذه
المسألة في
صلب تعريفهم
لعلم
الاجتماع،
حيث يقولون
إن علم
الاجتماع هو
ذلك الفرع من
المعرفة
العلمية
الذي يحاول
الكشف عن
القوانين
التي تحكم
حركة الناس
والجماعات
داخل
المجتمع،
والتي تحكم
العلاقات
والتفاعلات
بين النظم
والجماعات
والتنظيمات
الاجتماعية
المختلفة[8]. وللقرآن
رأي قاطع في
هذه المسألة.
والمستفاد
من مجموع
الآيات
القرآنية
الواردة في
هذا الصدد هو
أن الساحة
الاجتماعية
والتاريخية،
مثلها مثل
الساحات
الكونية
الأخرى، مثل
الساحة
الفيزيائية
والبيولوجية
وغرهما،
تحكمها
قوانين عامة.
والقران
الكريم يسمي
هذه
القوانين
بالسنن
ويدعو إلى
كشفها
ودراستها،
ولذا فنحن
نفضل
استخدام
مصطلح (السنن
الاجتماعية)
بدلا من
مصطلح (القوانين
الاجتماعية)
الشائع في
كتابات علم
الاجتماع
الوضعي. وفي
هذا الصدد
نقرأ الآيات
الكريمة
التالية: (وقد
خلت من قبلكم
سنن فسيروا
في الأرض،
فانظروا كيف
كان عاقبة
المكذبين) (آل
عمران/ 137). (فكأين
من قرية
أهلكناها
وهي ظالمة
فهي خاوية
على عروشها
وبئر معطلة
وقصر مشيد *
أفلم يسيروا
في الأرض
فتكون لهم
قلوب يعقلون
بها أو آذان
يسمعون بها
فإنه لا تعمى
الأبصار
ولكن تعمى
القلوب التي
في الصدور) (الحج/ 46). (وإن
كادوا
ليستفزونك
من الأرض
ليخرجوك
منها، وإذا
لا يلبثون
خلافك إلا
قليلا * سنة
من قد أرسلنا
قبلك من
رسلنا ولا
تجد لسنتنا
تحويلا) (الإسراء/
76 ـ 77). ويعتبر
هذا المفهوم
فتحاً
عظيماً في
العلوم
الاجتماعية
فالقرآن – في
حدود ما نعلم
– هو أول كتاب
عرفه
الإنسان أكد
على مفهوم (السنن
الاجتماعية)
وكشف عنه
وأصر عليه
وقاوم بكل ما
لديه من
وسائل
الإقناع
والتفهيم
النظرة
العفوية
والغيبية
الإستسلامية
في تفسير
ظواهر
المجتمع
والتاريخ. لقد
كشف القرآن
عن وجود
السنن
الاجتماعية
وعرض العديد
منها، لأنه
يؤمن بأن على
الإنسان أن
يعرف هذه
القوانين من
أجل أن يكون
فاعلاً
ومؤثراً
وممسكاً
بزمام
الأحداث
التاريخية
والظواهر
الاجتماعية[9]. وتقوم
فكرة (السنن
الاجتماعية)
في القرآن
على أساس
نظرية (أصالة
الفرد
والمجتمع) في
تفسير
المركب
الاجتماعي،
والتي أشرنا
إليها في
الصفحات
المتقدمة من
هذه
الدراسة،
حيث أننا
بناءاً على
هذه النظرية
نلتزم ـ
أولاً ـ
بثبوت
قوانين وسنن
خاصة
بالمجتمع،
مستقلة عن
الأفراد،
وذلك لأن
مقتضى هذه
النظرية
ثبوت حياة
مستقلة
للمجتمع،
وإن كان محل
هذه الحياة
الاجتماعية
نفس
الأفراد،
فليس لها
وجود مستقل.
وثانياً بأن
أجزاء
المجتمع (الأفراد)
تفقد
استقلالها
الذاتي ولو
نسبياً،
وتحصل لها
حالة
الانتماء
إلى الكل،
وفي نفس
الوقت تحفظ
استقلالها
النسبي، فإن
حياة الفرد
ومواهبه
الفطرية
ومكتسباته
من الطبيعة
لا تنحل
نهائياً في
الحياة
الاجتماعية.
فالواقع أن
مقتضى هذه
النظرية أن
الإنسان
يعيش
بحياتين
وروحين
ونفسين: حياة
وروح ونفس
إنسانية
ناشئة من
الحركة
الجوهرية في
الطبيعة،
حياة وروح
ونفس
اجتماعية
ناشئة من
التمدن
والحياة ضمن
المجتمع.
والحياة
الثانية
حالة في
الحياة
الفردية.
وعليه،
فالإنسان
محكوم بسنن
نفسية، كما
إنه محكوم
بسنن
اجتماعية. ولعل
أول من صرح
من العلماء
المسلمين
باستقلال
القوانين
والسنن
الحاكمة على
المجتمع عن
السنن
والقوانين
الحاكمة على
الأفراد،
وقال
باستقلال
المجتمع في
شخصيته
وطبيعته
وواقعيته هو
ابن خلدون،
حيث بحث عنه
بإسهاب في
مقدمته. وأول
من حاول
اكتشاف
السنن
الاجتماعية
من بين علماء
الاجتماع
الوضعي هو
مونتسكيو.
ويقول ريمون
آرون بشأن
مونتسكيو: أن
هدفه
التفسير
الصحيح
للتاريخ
وادراك
معطياته: فإن
معطيات
التاريخ
المعروضة
ليست إلا
ظواهر
مختلفة غير
متناهية
تقريبا من
التقاليد
والعادات
والأفكار
والقوانين
والعوامل
الاجتماعية.
وهذه
الظواهر غير
المترابطة –
حسب الظاهر –
تشكل نقطة
الشروع
للبحث
والتحقيق.
وبعد تكميل
الدراسة لا
بد من تأسيس
نظام وقانون
ليخلف هذه
الظواهر[10]. يعرض
القرآن
العديد من
السنن
الاجتماعية،
بهدف اطلاع
الناس عليها
ومراعاتها
في حركتهم
الاجتماعية،
وضبط إيقاع
هذه الحركة
واتجاهها،
مع إيقاع
السنن
الاجتماعية
واتجاهها،
وبهدف فتح
باب البحث
العلمي في
السنن
الاجتماعية
لمواصلة
اكتشاف
المزيد
منها، لأنه
بمقدار ما
يعرف الناس
من هذه السنن
بمقدار ما
تتفتح
عيونهم على
حركة
التاريخ
والمجتمع.
ومن هذه
السنن
الاجتماعية
التي كشف
عنها القرآن
ما يلي: 1.
سنة ( أجال
الأمم ) حيث
يقول القران: (لكل
أمة أجل إذا
جاء أجلهم
فلا
يستأخرون
ساعة ولا
يستقدمون) (يونس:49).
(وما
أهلكنا من
قرية إلا
ولها كتاب
معلوم، ما
تسبق من أمة
أجلها وما
يستأخرون) (الحجر/
4 ـ 5). 2.
سنة (العقاب
الدنيوي
يشمل جميع
افر المجتمع
الظالم). (واتقوا
فتنة لا
تصيبن الذين
ظلموا منكم
خاصة،
واعلموا أن
الله شديد
العقاب)(الأنفال/25). 3.
سنة (تغيير
المحتوى
الداخلي
أساس في
تغيير
البناء
العلوي
للمجتمع): (إن
الله لا يغير
ما بقوم حتى
يغيروا ما
بأنفسهم) (الرعد/11). 4.
سنة (المترفون
معارضون
لحركة
التغيير). (وما
أرسلنا في
قرية من نذير
إلا قال
مترفوها إنا
بما أرسلتم
به كافرون
وقالوا: نحن
اكثر أموالا
وأولادا وما
نحن بمعذبين)(سبأ/ 35 ـ 34). 5.
سنة (تسلط
المترفين من
عوامل
انهيار
المجتمع). (وإذا
أردنا أن
نهلك قرية
امرنا
مترفيها
ففسقوا فيها
فحق عليه
القول
فدمرناها
تدميرا) (الإسراء/16). 6.
سنة (اثر
الاستقامة
على وفرة
الإنتاج). (ولو
أن أهل القرى
آمنوا
واتقوا
لفتحنا
عليهم بركات
من السماء
والأرض ولكن
كذبوا
فأخذناهم
بما كانوا
يكسبون)(الأعراف/
96). 7.
سنة
(التدافع في
الحياة
الإنسانية) (ولولا
دفع الله
الناس بعضهم
ببعض لفسدت
الأرض، ولكن
الله ذو فضل
على
العالمين) (البقرة:
251). (ولو
لا دفع الله
الناس بعضهم
ببعض لهدمت
صوامع وبيع
وصلوات
ومساجد يذكر
فيها اسم
الله كثيرا) (الحج/40). 8.
سنة (تراكم
الخبائث
يؤدي الى
انهيار
المجتمع) (ليميز
الله الخبيث
من الطيب
ويجعل
الخبيث بعضه
على بعض،
فيركمه
جميعا،
فيجعله في
جهنم، أولئك
هم الخاسرون)(الأنفال/37).
9.
سنة (المفاصلة
الاجتماعية
على أساس
العقيدة) (قد
كانت لكم
أسوة حسنة في
إبراهيم
والذين معه
إذ قالوا
لقومهم، إنا
برءاؤا منكم
ومما تعبدون
من دون الله
كفرنا بكم،
وبدا بيننا
وبينكم
العداوة
والبغضاء
أبدا، حتى
تؤمنوا
بالله وحده) (الممتحنة/
4). موضوعية،ربانية،
إنسانية وتمتاز
السنن
الاجتماعية،
مثلها مثل
السنن
التاريخية،
بالاطراد
والموضوعية،
بمعنى أن
السنة
الاجتماعية
لا تجري على
أساس
الصدفة،
وإنما هي ذات
طابع موضوعي
لا يتخلف في
الحالات
الاعتيادية
التي تجري
فيها
الطبيعة
والكون على
السنن
الطبيعية،
وهذا ما يعطي
للسنن
الاجتماعية
طابعا علميا. بهذا
الصدد نقرا
في القران
الكريم:
(ولن تجد
لسنة الله
تبديلا)(الأحزاب:62).
(ولا
تجد لسنتنا
تحويلا)(الإسراء:76).
(ولا
مبدل لكلمات
الله)(الأنعام/
34). والقران
الكريم حين
يؤكد على
الطابع
العلمي
للسنن
الاجتماعية
فإنما
يستهدف
تربية
الإنسان
تربية علمية
واعية
يتعامل في
إطارها ومن
خلالها مع
الظواهر
الاجتماعية
والأحداث
التاريخية كما
تمتاز السنن
الاجتماعية
بصفة ثانية
هي:
الربانية،
بمعنى أن هذه
السنن
مرتبطة
بالله تعالى.
فكل سنة من
هذه السنن هي
كلمة الله،
وقرار
رباني،
ومؤدى هذه
الصفة أن
يتجه
الإنسان نحو
الله حينما
يريد
الاستفادة
من السنن
الموضوعية
للمجتمع. ذلك
أن خضوع
الظواهر
الاجتماعية
للسنن
الاجتماعية
لا يعني فصل
الساحة
الاجتماعية
وعزلها عن
الله
وتأثيره، بل
إن هذه السنن
هي تعبير عن
حكمة الله
وتدبيره
لشؤون الكون
والحياة
والمجتمع،
ومن دون أن
يؤدي هذا
المفهوم الى
بروز اتجاه
غيبي لاهوتي
في تفسير
ظواهر
المجتمع. وقد
بلغ من حرص
القران
الكريم على
تأكيد
الطابع
الموضوعي
للسنن
الاجتماعية
لتجنب
الوقوع في
الغيبية أن
إناط في كثير
من الحالات
العمليات
الغيبية
البحتة التي
قد تتدخل
أحيانا في
الظواهر
الاجتماعية
والحوادث
التاريخية
بالسنن
الموضوعية
التي تتحكم
بالتاريخ
والمجتمع.
ومن هذه
العمليات
الغيبية
ظاهرة (الإمداد
الإلهي) وهي
عملية غيبية
بحتة، تجسد
تدخلا إلهيا
مباشرا في
مسيرة
التاريخ
والمجتمع
لحكمة يراها
الله، فقد
وضع القران
شروطا
موضوعية
للإمداد
الإلهي
تجعله رهينا
بظروف عينية
موضوعية،
حيث نقرأ: (ألن
يكفيكم أن
يمدكم ربكم
بثلاثة آلاف
في الملائكة
منزلين ؟ *
بلى إن
تصبروا
وتتقوا
ويأتوكم من
فورهم هذا،
يمددكم ربكم
بخمسة آلاف
من الملائكة
مسومين)
(آل عمران:124 –125). ففي
هذه الآية
نجد أن
الإمداد
الإلهي
مرتبط بشرط
موضوعي وهو: صبر
المجاهدين،
لقوله تعالى:
(بلى إن
تصبروا
وتتقوا). وهذا
يعني إن
الطابع
الرباني
للسنن
الاجتماعية
ليس بديلا عن
التفسير
الموضوعي،
وإنما هو ربط
لها بالله
سبحانه
وتعالى، من
اجل اكتمال
صورة المركب
الاجتماعي،
باعتبار إن
الله طرف
أساسي نوعيا
في بنائه
وتركيبه. وتمتاز
السنن
الاجتماعية
بصفة ثالثة،
أخيرة، وهي:
الإنسانية،
بمعنى أن هذه
السنن لا
تؤثر بمعزل
عن إرادة
الإنسان، بل
إن هذه
الإرادة هي
المحور في
فاعلية
الكثير من
السنن
الاجتماعية،
ما سنبين بعد
قليل، ويشير
القران في
كثير من
المواضع الى
هذه الصفة،
كما في قوله: (إن
الله لا يغير
ما بقوم حتى
يغيروا ما
بأنفسهم)(الرعد/ 11).
حيث ربط سنة
التغيير
الاجتماعي
بإرادة
الإنسان
واختياره. وهكذا
نستخلص مما
تقدم إن
السنن
الاجتماعية
والتاريخية
ذات طابع
علمي لأنها
تتميز
بالاطراد،
وذات طابع
رباني لأنها
تعبير عن
حكمة الله
وحسن تدبيره
للساحة
التاريخية
والاجتماعية،
وذات طابع
إنساني
لأنها لا
تفصل
الإنسان عن
دوره
الاجتماعي
ولا تعطل فيه
إرادته
وحريته
واختياره
وإنما تؤكد
اكثر
مسئوليته
على الساحة
التاريخية
والاجتماعية[11]. يميز
القرآن
الكريم بين
أنواع
مختلفة من
السنن
الاجتماعية،
على خلاف علم
الاجتماع
الوضعي الذي
يتحدث عن (القوانين
الاجتماعية)
بوصفها شكلا
واحدا ونوعا
واحدا. فنجد
في القران
الكريم كشفا
عن سنن
تاريخية
واجتماعية
تأخذ شكل (القضية
الشرطية) حيث
تتجسد هذه
السنة على
شكل حادثتين
مترابطتين
ترابط الشرط
والجزاء،
بحيث يكون
تحقق الجزاء
نتيجة
محترمة
لتحقق
الشرط،
وبالعكس. وقد
استعرضنا
قبل قليل
بعضا من
السنن
الشرطية،
نذكر منها
الآن على
سبيل
التذكير
قوله تعالى: (إن
الله لا يغير
ما بقوم حتى
يغيروا ما
بأنفسهم)(الرعد/11). وبالتأمل
بهذه الآية
الكريمة نجد
أن سنة
التغيير
تتألف من
طرفين،
الأول هو
تغيير الوضع
الظاهري أو
البناء
العلوي
للمجتمع،
الثاني: هو
تغيير
المحتوى
الداخلي
النفسي
والفكري
للقوم، بحيث
إن التغيير
الأول لا
يتحقق ما لم
يتحقق
التغيير
الثاني. ومن
السنن
الشرطية
قوله تعالى: (والو
استقاموا
على الطريقة
لأسقيناهم
ماء غدقا)(الجن/ 16). وهنا
نجد أيضا إن
هذه السنة
الشرطية
مؤلفة من
جزأين: شرط
فالشرط هو
استقامة
الناس (أو
عدالة
التوزيع
بالتعبير
الاقتصادي
المعاصر)،
والجزاء هو
كثرة
الخيرات
الإلهية (أو
وفرة
الإنتاج). ومن
السنن
الشرطية
قوله تعالى: (وإذا
أردنا أن
نهلك قرية
امرنا
مترفيها
ففسقوا
فيها، فحق
عليها القول,
فدمرناها
تدميرا) (الإسراء:
16). وهنا
نجد أن السنة
الاجتماعية
مؤلفة من شرط
وجزاء.
فالشرط هو
إمساك
المترفين
بزمام
السلطة في
المجتمع،
والجزاء هو
انهيار هذا
المجتمع
وانحلاله
ودماره. ويلاحظ
أن السنة
الشرطية
مرتبطة
دائما
بإرادة
الإنسان،
وفعله، كما
سيتضح بعد
قليل. أما
الشكل
الثاني من
أشكال السنن
الاجتماعية
في القران
الكريم، فهو
السنة
الحتمية
الواردة على
شكل قانون
صارم متحقق
الوجود,
والتي ليس
للإنسان
تأثير على
وجودها
وفعلها
وتأثيرها. ومن
هذا السنن
سنة الضعف
الذاتي في
المجتمعات
التي تتخذ
مثلا عليا
محدودة. (مثل
الذين
اتخذوا من
دون الله
أولياء كمثل
العنكبوت
اتخذت بيتا،
وإن أوهن
البيوت لبيت
العنكبوت لو
كانوا
يعلمون)(العنكبوت/
41). ومن
هذه السنن،
سنة شمولية
العقاب
الدنيوي في
مجتمع الظلم:
(واتقوا
فتنة لا
تصيبن الذين
ظلموا منكم
خاصة)(الأنفال/
25). ومن هذه
السنن: سنة
التلازم بين
الإيمان
والابتلاء: (أحسب
الناس أن
يتركوا أن
يقولوا آمنا
وهم لا
يفتنون)(العنكبوت/1).
ومن هذه
السنن: سنة
التشتت في
المجتمع
الفرعوني: (إن
فرعون علا في
الأرض وجعل
أهلها شيعا)(القصص/4). ومثل
هذه السنن
الاجتماعية
لا تقبل
التحدي
والخروج،
فهي منفصلة
عن إرادة
الإنسان حاكمة
عليه، ولا
يستطيع أن
يعارضها أو
يخرج من
سلطانها. أما
الشكل
الثالث من
أشكال السنن
الاجتماعية
في القران
فهي السنن
التي تشكل (اتجاهات
عامة) في
حركة
التاريخ
والمجتمع.
وتمتاز
علاقة
الإنسان
بهذه السنن
بقدر كبير من
المرونة،
حيث أنها
تقبل التحدي
من قبل
الإنسان على
المدى
القصير
لكنها لا
تقبل التحدي
على المدى
البعيد، حيث
تقوم هذه
السنن في
النهاية
بسحق
الإنسان أو
المجتمع
الذي
يتحداها
ويحاول
الخروج من
سلطانها،
إنها
اتجاهات
موضوعية
أوجدها الله
في المجتمع
والتاريخ. فمن
هذه
الاتجاهات
الموضوعية
سنة التزاوج
بين الذكر
والأنثى.
فهذا ليس (حكما
شرعيا) وضعه
الله وطلب من
الناس
الامتثال
إليه، وإنما
هو (اتجاه
تكويني) ركب
في طبيعة
الإنسان. وقد
يستطيع
البشر أن
يتحدوا هذه
السنة
وينحرفوا
عنها، كما
فعل قوم لوط،
الذين
أصابهم
الشذوذ
الجنسي, ولكن
لم يكن
بمقدورهم
الاستمرار
في هذا
التحدي، فقد
انهار
مجتمعهم،
ورجع
الاتجاه
الطبيعي الى
سابق عهده
ولم يصبح
الشذوذ
الجنسي
اتجاها
تاريخيا
اجتماعيا
عاما، ولن
يصبح، لأنه
يتناقض مع
اتجاه
موضوعي مركب
في طبيعة
الإنسان
والمجتمع
والتاريخ. ومن
الاتجاهات
الموضوعية
في الحياة
الاجتماعية
سنة تقسيم
العمل بين
الرجل
والمرأة،
على تفصيل
معين. ويمكن
تحدي هذا
الاتجاه
لفترة من
الزمن، ولكن
هذا التحدي
لا يمكن أن
يستمر، لان
سنن التاريخ
والمجتمع
سوف تجيب على
هذا التحدي. ولعل
من أهم
الاتجاهات
الموضوعية
التي يعرضها
القران
الكريم سنة
الدين، حيث
يعتبر الدين
نفسه أحد
السنن
الاجتماعية
والتاريخية
من الشكل
الثالث. إن
الدين في
المفهوم
القرآني
يحمل وجهين،
أحدهما:
الوجه
التشريعي
باعتباره
قرارا
تكليفيا
إلهيا، كما
في قوله
تعالى: (شرع
لكم من الدين
ما وصى به
نوحا والذي
أوحينا
إليك، وما
وصينا به
إبراهيم
موسى وعيسى:
أن أقيموا
الدين ولا
تتفرقوا
فيه، كبر على
المشركين ما
تدعوهم إليه)(الشورى/13).
أما
الوجه
الثاني الذي
يحمله الدين
فهو الوجه
التكويني،
باعتباره
اتجاها
موضوعيا
عاما، كما في
قوله تعالى: (فاقم
وجهك للدين
حنيفا، فطرة
الله التي
فطر الناس
عليها، لا
تبديل لخلق
الله،ذلك
الدين
القيم، ولكن
اكثر الناس
لا يعلمون) (الروم:30). ففي هذه
الآية يتحدث
القران عن
الدين بوصفه
عنصراً
داخلاً في
صميم تركيب
الإنسان
وفطرته،
والدين بهذا
الوصف قابل
للتحدي
ولكنه تحد
لفترة
قصيرة، حيث
سوف يسحق هذا
الاتجاه
العام الذي
يتحدونه.
ولهذا يؤمن
المذهب
الاجتماعي
القرآني أن
المجتمعات
الجاهلية
كلها سوف
تنقرض،
لأنها تتحدى
سنة الحياة[12]. (وإن من قرية
إلا نحن
مهلكوها قبل
يوم القيامة)
(الإسراء:
58). ليبقى
بعد ذلك
الإسلام،
ويظهر على
الدين كله،
ويسود
المجتمع
العالمي
الموحد:
المجتمع
المعصوم[13]
وهذا هو
المستفاد من
قوله تعالى: (هو
الذي أرسل
رسوله
بالهدى ودين
الحق،
ليظهره كله) (الفتح:
28). [1]
الميزان،
ج8،ص39. [2]
كراس:
خلافة
الإنسان
وشهادة
الأنبياء،ص151
ـ 153. [3]
ن. م. ص 153. [4]
كراس: لمحة فقهية
تمهيدية (ضمن
كتاب:
الإسلام
يقود
الحياة)، ص4. [5]
كراس: خلافة
الإنسان
وشهادة
الأنبياء، ص 154 ـ 155، واقرأ
أيضاً
الميزان، ج2،
ص 118 ـ 120. [6]
كراس:
لمحة
فقهية
تمهيدية، ص4. [7]
الميزان،
ج2،ص120،
واقرأ
أيضاً:
اليوم
الموعود،
تأليف: محمد
الصدر،
والمجتمع
الفرعوني،
تأليف: محمد
علي أمين. ويجد القارئ
شرحاً
مفصلا
للمراحل
التاريخية
للوجود
البشري في
الماضي
والحاضر
والمستقبل
في
كتابنا
القادم {وعي
التاريخ). [8]
البناء
النظري
علم
الاجتماع،
تأليف:
د.
نبيل محمد
توفيق
السمالوطي،
ص75. [9]
التفسير
الموضوعي،
المحاضرة 4. [10]
المجمع
والتاريخ ص 28
ـ 29 [11]
التفسير
الموضوعي،
المحاضرة 5. [12]
ن.
م،
المحاضرة 7. [13]
تأملات
قرآنية،
محمد عبد
الجبار
ص 54 ـ 58.
|
||||||||
|