|
||||||||
عناصر
المجتمع
البشري
|
||||||||
تصور
بعض علماء
الاجتماع
الوضعي،
وعلى رأسهم
أميل
دوركايم، إن
الفرد مجبور
بإزاء
المجتمع،
فاقد
لحريته،
مسلوب
لإرادته. غير
أن النظرية
الاجتماعية
القرآنية
ترفض هذا
التصور. إن
المجتمع، في
التصور
الإسلامي،
وأن كان له
قدرة غالبة
على قدرة
الفرد، إلا
أن ذلك لا
يستلزم (إجبار)
الفرد في
الأمور
الاجتماعية
الإنسانية.
فالجبر الذي
يقول به
دوركايم
وغيره إنما
منشأه
الغفلة عن
الفطرة التي
أودعها الله
في الإنسان
والتي تمنحه
نوع من
الحرية
والتمكن
والإرادة
أمام
مقتضيات
المجتمع[1]. والقران
الكريم في
الوقت الذي
يقول
باستقلال
المجتمع في
طبيعته
وشخصيته
وعينيته
وقدرته
وحياته
وموته وأجله
ووجدانه
وطاعته
وعصيانه،
يصرح أيضاً
بأن الفرد
قادر على
العصيان
أمام
مقتضيات
المجتمع،.
ويستند
القران في
ذلك إلى (فطرة
الله) وقد
ورد في سورة
النساء آية 97
إن قوماً
يعتذرون عن
عدم قيامهم
بمسؤولياتهم
الفطرية
بكونهم
مستضعفين في
مجتمعهم (المجتمع
المكي)، وفي
الواقع
يريدون أن
يعتذروا عن
ذلك بكونه
مجبورين
أمام
مقتضيات
المجتمع فلا
يقبل منهم
هذا
العذر،إذ
كان
بإمكانهم
على أقل
تقدير أن
يهجروا،
ويتركوا ذلك
الجو
الاجتماعي
الفاسد إلى
مجتمع صالح،
قال تعالى: (إن
الذين
توفاهم
الملائكة
ظالمي
أنفسهم،
قالوا: فيم
كنتم ؟ قالوا
كنا
مستضعفين في
الأرض،
قالوا: ألم
تكن أرض الله
واسعة
فتهاجروا
فيها؟
فأولئك
مأواهم جهنم
وساءت
مصيراً). (النساء:
97). وقال
تعالى (يا
أيها الذين
آمنوا عليكم
أنفسكم لا
يضركم من ضل
إذا اهتديتم)
(المائدة: 105). والمراد
إصرار
الآخرين على
الضلالة إذا
كنتم مهتدين.
وقال
تعالى في آية
الذر التي
وردت إشارة
إلى الفطرة
الإنسانية
بعد أن أشار
إلى أخذ
العهد من
الناس على
توحيد الرب
وإيداع هذا
العهد في
الفطرة
الإنسانية
قال: (أو
تقولوا إنما
أشرك آبائنا
من قبل وكنا
ذرية من
بعدهم...) (الأعراف:173).
فأشار إلى
أن هذه
الفطرة تمنع
من دعوى
الجبر
والإلجاء في
اتباع سنن
الآباء. والتعاليم
القرآنية
كلها مبتنية
على مسئولية
الإنسان
بالنسبة إلى
نفسه وإلى
مجتمعه.
والأمر
بالمعروف
والنهي عن
المنكر قرار
يحكم بطغيان
الفرد على
الفساد
الاجتماعي.
وأكثر القصص
والوقائع
المذكورة في
القران
الكريم
تتضمن خروج
الفرد على
مجتمعه
وثورته على
الجو
الاجتماعي
الفاسد كقصة
نوح
وإبراهيم
وموسى وعيسى
والرسول صلى
الله عليه
وآله وسلم
وأصحاب
الكهف ومؤمن
آل فرعون
وغيرهم. فالإنسان
– وهو الجزء
الذي يتركب
منه المجتمع
– حيث أنه
يتمتع بعقله
وإرادته
الفطرية في
وجوده
الفردي
والطبيعي،
قبل وجوده
الاجتماعي،
وحيث أن
الاستقلال
النسبي
للأجزاء في
المراتب
الراقية من
الطبيعة
محفوظ، فهذا
الإنسان غير
مجبور وغير
مسلوب
الاختيار
تجاه الروح
الاجتماعية،
وإنما بينه
وبين
المجتمع نوع
من الأمرين: (لا
جبر ولا
تفويض)[2]. بل
إن ما بين
الفرد
والمجتمع
علاقة تأثير
وتأثير
متبادل. حسب
طبيعة
الفرد، وحسب
طبيعة
المجتمع،
وحسب طبيعة
موضوع
التأثير. فالفرد
العادي، ذو
الهموم
الشخصية
والاهتمامات
العادية
المحدودة
الأفق، تكون
معادلة
التأثير
المتبادل في
علاقته مع
المجتمع
لصالح
المجتمع
دائماً. حيث
لا رأي له
ولا دور في
مقابل رأي
المجتمع
ودوره
وتأثيره.
وأمثال هذا
الفرد هم
الذين
يسميهم
الإمام علي (ع)
بالهمج
الرعاع
الذين
ينعقون مع كل
ناعق،
ويصفقون لكل
زعيم. وهؤلاء
هم الذين
يقصدهم
الحديث
الشريف:
الناس على
دين ملوكهم.
ويكثر مثل
هؤلاء الناس
في المجتمع
الفرعوني –
الذي سنتحدث
عنه في فصل
لاحق من هذه
الدراسةـ
لأن السلطة
الفرعونية
يهمها أن
تتسع قاعدة
الهمج
الرعاع حتى
تستطيع أن
تباشر الحكم
بلا
اعتراضات
واضطرابات
ومعارضة!. إن
شخصية الفرد
من الهمج
الرعاع هي في
الحقيقة
نتاج مجتمعه
بكل ما فيه
من أعراف
وتقاليد
وعادات
وموروثات،
وهي نتاج
السلطة
السياسة
لهذا
المجتمع بكل
ما تملك من
إعلام
ومؤثرات
نفسية
ووسائل ضغط
وإرهاب
وإغراء
وترغيب
وترهيب.
وعادة يكون
الوعي
الاجتماعي
والسياسي
لدى الهمج
الرعاع في
أدنى درجاته
لأنه انعكاس
للعقل
الجمعي الذي
هو بحد ذاته
المحصلة
الدنيا
لمجموع عقول
أفراد
المجتمع
الذي يشكل
الهمج
الرعاع
الأغلبية
فيه على رأي
العالم
الاجتماعي
غوستاف لوبون. وهكذا
نجد أن الفرد
من هذا النوع
يدخل
المجتمع
ويخرج منه بل
ويدخل
الحياة
ويخرج منها
دون أن يترك
فيهما(المجتمع
والحياة)
أثراً يذكر!. أما
الإنسان ذو
العقيدة
والمبدأ، أي
الإنسان
الهادف،
فوضعه
مختلف، حيث
تميل معادلة
التأثير
المتبادل
الى صالحه.
إن مثل هذا
الإنسان ـ
ونحن لا نقصد
الآن
الإنسان
المسلم فقط
وإن كان هذا
يجسد أرقى
صور الهدفية
في الحياة –
يعي دوره
وواجبه
ومسؤوليته
إزاء حركة
المجتمع
ومسيرة
التاريخ،
ولهذا فإنك
تجده،
أولاً، صاحب
موقف. وهو
إضافة إلى
هذا صاحب دور
فاعل ومؤثر
بقدر ما
يتوفر لديه
من
الإمكانيات
الفعلية،
الذاتية
الموضوعية.
وتشهد
المجتمعات
البشرية على
امتداد
تاريخها
الطويل
العديد من
هؤلاء
الأشخاص
النابهين
والفاعلين
والمؤثرين،
الذين لا
تصنعهم
الأحداث،
إنما هم
الذين
يصنعونها،
ولا يقولبهم
المجتمع،
وإنما هم
الذين
يقولبونه. إن
الإسلام
يؤكد على
ضرورة أن يقف
الإنسان
موقفاً
إيجابيا ًمن
الحياة
والمجتمع
والتاريخ،
ويحارب
السلبية في
نفسه وفي
غيره. وفي
قول الرسول (ص)
توجيه خالد
لكل
المسلمين: (لا
تكن إمعة!)
من أجل أن
يكون
الإنسان
عموماً
والمسلمون
خصوصا، هم
المؤثرين في
مجتمعاتهم،
نحو الأحسن
والأفضل وهم
القوة
المحركة
لمسيرة
التاريخ نحو
الاقتراب
أكثر فأكثر
من غاياتها
وأهدافها
العليا. إن
الإنسان
المسلم
يساير
مجتمعه
ويواكبه متى
ما كان ذلك
تعبيرا عن
الانسجام مع
عقيدته
ورسالته
وموقفه
التاريخي،
ولكنه يرفض
ويتمرد
ويثور
ويتحرك من
أجل الإصلاح
أو التغيير
كلما ظهرت
حالات
الانحراف عن
منهج
الرسالة. كما
أن طبيعة
المجتمع
تؤثر على
معادلة
التأثير
المتبادل.
فالمجتمع
الشمولي Totalitarian society
كالمجتمع
النازي،والمجتمع
الشيوعي،
والمجتمعات
التي تسيطر
عليها أنظمة
حكم
دكتاتورية (فردية،
أو عسكرية،
أو حزبية.
الخ) تكون
أكثر هيمنة
على الفرد،
الذي تتضاءل
فرص قيامه
بدور فاعل أو
مؤثر في
المجتمع،
على عكس
المجتمعات
المخضرمة،
أو المفككة
أو التي تمر
بمراحل
انتقالية أو
حالات من
الفوضى
والانهيار
السياسي ففي
مثل هذه
المجتمعات
تكون قدرة
الفرد على
الانفلات من
الطوق
الاجتماعي
وممارسة
التأثر،
سلبياً أو
إيجابياً،
أكبر ولهذا
نلاحظ أنه في
مثل هذه
المجتمعات
تنشط
الحركات
السياسية،
السرية أو
العلنية
والفعاليات
العامة،
وأساليب
التعبير عن
الرأي، وحتى
الأعمال
اللصوصية
والعصابات. إن
الحتمية
الاجتماعية،
بناءاً على
التحليل
السابق،
عبارة
مجازية،
تحمل
مفهوماً
نسبياً، ولا
تشكل خطاً
ثابتاً أو
حالة مطلقة
في علاقة
الفرد
والمجتمع. الفصل
الثاني
عناصر
المجتمع
البشري
المجتمع
مركب حقيقي
مؤلف من ثلاث
عناصر
أساسية
منتزعة من
قوله تعالى: (وإذ
قال ربك
للملائكة
إني جاعل في
الأرض خليفة
قالوا أتجعل
فيها من يفسد
فيها ويسفك
الدماء ونحن
نسبح بحمدك
ونقدس لك قال
إني أعلم ما
لا تعلمون) (البقرة:30). وهذه
العناصر
التي تتحدث
عنها الآية
الكريمة هي:
الإنسان،
الأرض (أو
الطبيعة)،
والعلاقة
المعنوية
التي تربط
الإنسان
بالطبيعة من
جهة، وتربط
الإنسان
بأخيه
الإنسان من
جهة ثانية. لم
يكتف القران
بذكر
العناصر
الأساسية
للمجتمع
وإنما تحدث
عنها بتفصيل
وافٍ في حشد
كبير من
الآيات
الكريمة
بشكل يجعل
صورة كل عنصر
من هذه
العناصر
واضحة بما
فيه الكفاية
لاستيعاب
مذهب
الاجتماع
القرآني، من
جهة ثانية،
ولإقامة
مجتمع
إنساني سليم
على أساس هذا
المذهب أو
النظرية من
جهة ثانية . فالإنسان
كائن متميز،
خلقه الله من
طين ونفخ فيه
من روحه،
فإذا به يجمع
بين ضرورات
الأرض
والطبيعة،
وتطلعات
السماء: (وإذ قال
ربك
للملائكة
إني خالق
بشراً من
طين، فإذا
سويته ونفخت
فيه من روحي
فقعوا له
ساجدين) (ص71ـ72). وهكذا
جاء كيان
الإنسان
عبارة عن روح
وجسد
يحكمهما
العقل. كما
أن هذا
الإنسان ذو
محتوى داخلي
يحدد هويته
وشخصيته
ويكون
الأساس في كل
جوانب
الحياة
الأخرى: (إن
الله لا يغير
ما بقوم حتى
يغيروا ما
بأنفسهم) (الرعد:11)
وهذا
المحتوى
الداخلي
الفكري
والنفسي
يتألف من
عنصرين هما:
الفكر
والإرادة. وقد
زود الله
الإنسان
بالفطرة (فأقم
وجهك للدين
حنيفاً،
فطرة الله
التي فطر
الناس عليها
لا تبديل
لخلق الله
ذلك الدين
القيم ولكن
أكثر الناس
لا يعلمون) (الروم/30) وهذه
الفطرة هي
المكونات
التي أودعها
الله في
الإنسان،
والتي تهديه
إلى السبيل
الذي يتعين
عليه أن
يسلكه في
الحياة
الدنيا، وهو
الدين[3]. وهذا
الكائن
الفرد
اجتماعي
بالفطرة،
حيث تقوده
فطرته الى
الالتقاء
بالآخرين من
أبناء نوعه،
مدفوعاً
بحاجته الى
التناسل
وإشباع
غريزته
الجنسية،
وحاجته الى
استخدام
غيره لقضاء
شؤون حياته. ويختلف
الإنسان عن
الملائكة
والحيوانات
ـ في آن واحد
ـ في أنه حر
مختار
مسؤول، خلقه
الله، وبين
له الطريق
وخيره بين
سلوك هذا
الطريق، أو
التنكب عنه: (ألم
نجعل له
عينين،
ولساناً
وشفتين،
وهديناه
النجدين،) (البلد:8ـ10)
(ونفس وما
سواها،
فألهمها
فجورها
وتقواها، قد
أفلح من
زكاها وقد خاب من
دساها)(الشمس:7ـ10). والإنسان
مخلوق لا
للدنيا
وحدها بل
للآخرة
أيضاً، فثمة
معاد ينتظر
الإنسان
لينال كل
إمرئ جزاءه،
في ضوء عمله
المسؤول عنه:
(وما هذه
الحياة
الدنيا إلا
لهو ولعب وأن
الدار
الآخرة لهي
الحيوان لو
كانوا
يعلمون) (العنكبوت:
64). الإنسان
بهذه
المواصفات
والخصائص
مخلوق مكرم
عند الله
سبحانه
وتعالى: (ولقد كرمنا
بني آدم
وحملناهم في
البر والبحر
ورزقناهم من
الطيبات،
وفضلناهم
على كثير ممن
خلقنا
تفضيلا) (الإسراء/70). والأرض
(أو الطبيعة)
هي العنصر
الثاني في
المجتمع
الإنساني،
ولقد جعلها
الله
مستقراً
ومقراً
للإنسان
يزاول عليها
حياته
ونشاطه
وصراعاته
وحركته. (قلنا
اهبطوا منها
جميعا) (البقرة/38). (الذي
جعل لكم
الأرض مهداً
وسلك لكم
فيها سبلاً) (طه/53). وقد
أودع الله في
هذه الطبيعة
كل ما يحتاج
إليه
الإنسان
وسخرها له
لتستقيم
حياته: (الله
الذي خلق
السماوات
والأرض
وأنزل من
السماء ماء
فأخرج به من
الثمرات
رزقاً لكم
وسخر لكم
الفلك لتجري
في البحر
بأمره وسخر
لكم الأنهار
* وسخر
لكم الشمس
والقمر
دائبين وسخر
لكم الليل
والنهار
وآتاكم من كل
ما سألتموه،
وإن تعدوا
نعمة الله لا
تحصوها، إن
الإنسان
لظلوم كفار) (إبراهيم:32ـ34). وهذا
يعني أن
الطبيعة
كافية
لإشباع
حاجات
الإنسان
وتحقيق
سعادته
الدنيوية،
ما لم يظهر
نوعان من
الانحراف في
المجتمع،
وهما: الظلم،
أي سوء
التوزيع
وعدم توفير
النعم
الطبيعية
الإلهية
لأفراد
المجتمع على
السواء،
والكفران،
وهو تقصير
المجتمع في
إستثمار ما
حباه الله به
من طاقات
الطبيعة
وخيراتها
المتنوعة[4]. وبملاحظة
المجتمعات
البشرية
المختلفة
نجد أن
العنصرين
الأول (الإنسان)
والثاني (الطبيعة)
عناصر ثابتة
ومشتركة في
تكوين هذه
المجتمعات.
فالإنسان ـ
من حيث
تكوينه ـ هو
سواء في
المجتمع
الجاهلي أو
المجتمع
الإسلامي،
في الشرق
والغرب وفي
كل بقاع
الأرض،
والطبيعة هي
الطبيعة
كذلك. أما
العنصر
الثالث (العلاقة
المعنوية)
فهو متغير،
يختلف من
مجتمع إلى
آخر ومن عصر
إلى آخر،
فالعلاقة
الاجتماعية (المعنوية)
هي العنصر
المرن
والمتغير في
المجتمعات
الإنسانية،
وهذه
العلاقة هي
الأساس في
تصنيف
المجتمعات
البشرية،
فهناك
المجتمع
الإشتراكي
والمجتمع
الرأسمالي،
والمجتمع
الإسلامي،
والمجتمع
الفرعوني
والمجتمع
الإقطاعي،
والمجتمع
العبودي..
وهكذا.. وبملاحظة
أشكال وصيغ
العلاقات
الاجتماعية
السائدة
نجد، أنها في
الواقع،
تنقسم إلى
شكلين أو
صيغتين: النوع
الأول،
العلاقات
الوضعية (البشرية)،
والتي سوف
نسميها
بالصيغة
الثلاثية،
وهي تتألف من
ثلاثة عناصر:
الإنسان،
وأخيه
الإنسان،
والطبيعة. والصيغة
الثلاثية
للعلاقة
الاجتماعية
هي السائدة
في
المجتمعات
المنقطعة عن
الدين، مهما
كان وصفها
واسمها
والنظام
الاجتماعي
الذي تطبقه. ويلاحظ
أن الصيغة
الثلاثية
تنطوي على
تنازل ضمني
من قبل فريق
من أبناء
المجتمع،
بالاختيار
أو الإكراه،
عن سيادتهم
وحريتهم
واختيارهم،
لصالح فريق
آخر في
المجتمع. وفي
غالب
الأحيان
يتطور هذا
التنازل
ليفرز
نظاماً
استكبارياً
في الأرض
تتركز في
إطاره
السلطة
والثورة بيد
أقلية (فرد,
أو عائلة أو
جماعة أو حزب)
في مقابل
الأغلبية
الساحقة من
أبناء هذا
المجتمع،
الذين
تعوزهم
السلطة
الحقيقية
والثروة
الكاملة،
وهذا هو
المجتمع
الفرعوني،
الذي سيأتي
الحديث عنه
لاحقاً. أما
النوع
الثاني من
العلاقات
الاجتماعية،
فهو
العلاقات
الإلهية،
والتي سوف
نسميها
بالصيغة
الرباعية،
التي تتألف
من أربعة
أطراف، هم:
الإنسان،
وأخوه
الإنسان،
والطبيعة،
والله
سبحانه
وتعالى. وتسود
الصيغة
الرباعية
عادة في
المجتمع
الذي يحكمه
الدين،
ويلاحظ أن
الطرف
الرابع، هو
الله سبحانه
وتعالى، ليس
داخلاً ضمن
المجتمع
البشري،
ولكنه مع ذلك
عنصر مقوم
لوجود
المجتمع
الإنساني،
وفقاً
للصيغة
الرباعية. ويسمي
القران
الكريم هذه
العلاقة
بالاستخلاف:
(هو الذي
جعلكم خلائف
في الأرض) (فاطر:39) وعلاقة
الاستخلاف
تفترض أربع
أطراف هي: (المستخلف(أي
الله)،
والمستخلَف
عليه(أي
الأرض أو
الطبيعة)،
والمستخلَف (أي
الإنسان
وأخوه
الإنسان). وترتبط
هذه الصيغة
الرباعية
بوجهة نظر
معينة
يطرحها
القران نحو
الحياة
والكون
والإنسان،
تقول بأنه لا
سيد ولا مالك
ولا إله
للكون
والإنسان
إلا الله
سبحانه
وتعالى، وأن
دور الإنسان
في الطبيعة
إنما هو دور
استخلاف
واستئمان
وتخويل: (أن
الله له ملك
السماوات
والأرض يحيي
ويميت) (التوبة
116). (ولقد
جئتمونا
فرادى كما
خلقناكم أول
مرة وتركتم
ما خوٌلناكم
وراء ظهوركم)
(الأنعام/94). وعلى
هذا، فإن أي
علاقة تنشأ
بين الإنسان
والطبيعة
إنما هي في
جوهرها
علاقة أمين
على أمانة
استؤمن
عليها وليست
علاقة مالك
حقيقي
بمملوك. وأن
أي علاقة
تنشأ بين
الإنسان
وأخيه
الإنسان
إنما هي
علاقة
استخلاف
وتعاون،
بقدر ما يكون
هذا الإنسان
أو ذاك
مؤدياً
لواجبه بهذه
الخلافة
مهما كان
المركز
الاجتماعي
أو
الاقتصادي
أو السياسي
لأي منهما
وليست علاقة
سيادة أو
الوهية أو
ملكية. هذا
في الصيغة
الرباعية. أما
الصيغة
الثلاثية،
فإنها وإن
كانت تربط
بين أطراف
المجتمع (الإنسان،والإنسان،
والطبيعة)،
لكنها تقطع
صلة هذه
الأطراف
بالطرف
الرابع (أي
الله سبحانه
وتعالى)
فتحرم
العلاقة
الاجتماعية
من بعدها
الرابع. وعلى
هذا الأساس
تنشأ نظرة كل
طرف إلى
الطرف الآخر
وعلاقته به،
وكان من أول
مضاعفات
الصيغة
الثلاثية
نشوء ظاهرة
سيادة
الإنسان على
أخيه
الإنسان. وبالتدقيق
بين الصيغة
الثلاثية
والصيغة
الرباعية
نجد أن إضافة
البعد
الرابع ليست
مجرد إضافة
عددية،
وإنما هي
إضافة
نوعية، ذلك
لأن هذه
الإضافة
تحدث
تغييراً
نوعياً في
بنية
العلاقة
الاجتماعية
وفي تركيب
الأطراف
الثلاثة
الأخرى. إن
طرف الرابع،
أي الله
سبحانه
وتعالى، سوف
يعطي
للأطراف
الثلاثة
روحاً
ومفهوماً
جديدين
يختلفان عن
حالة تلك
الأطراف وهي
منعزلة عنه،
ففي ظل الطرف
الرابع،
يصبح
الإنسان مع
أخيه
الإنسان
شركاء في حمل
الأمانة،
وتصبح
الطبيعة بكل
ما فيها من
ثروات وبكل
ما عليها
مجرد أمانة
لا بد من
رعاية
واجبها
وأداء حقها. إن
الاستخلاف (أي
الصيغة
الرباعية)
ليس مشروعاً
مقترحاً
ومقدماً إلى
المجتمعات
البشرية،
إنما هو سنة
تاريخية
قائمة. فقد
عرض القران
الكريم
مسألة
الاستخلاف
على نحوين،
هما: الأول،
باعتبار
الاستخلاف
مظهراً
للفاعلية
الربانية،
من زاوية دور
الله سبحانه
وتعالى في
العطاء، حيث
يقول: (إني
جاعل في
الأرض خليفة)
(البقرة/30).
ففي
هذا النص
الشريف تعرض
علاقة
الاستخلاف
باعتبارها
عطاء أو
جعلاً من
الله، يمثل
الدور
الإيجابي
والتكريمي
من الله
للإنسان. الثاني،
باعتبار
الاستخلاف
مظهراً
للفاعلية
الإنسانية
من زاوية
قبول
الإنسان
لهذا العرض
حيث يقول
القران: (إنا
عرضنا
الأمانة على
السماوات
والأرض
والجبال
فأبين أن
يحملنها
وأشفقن
منها،
وحملها
الإنسان،
إنه كان
ظلوماً
جهولاً) (الأحزاب:72). ففي
هذا النص نجد
أن الإنسان
يقبل حمل
الأمانة
التي عرضت
عليه، وعلى
السماوات
والأرض
والجبال،
وقد أبت هذه
الأطراف
قبول حمل
الأمانة
الإلهية،
لكن هذا
العرض لم يتم
باعتباره
تكليفاً أو
طلباً
تشريعياً،بقرينة
عرض هذه
الأمانة على
السماوات
والأرض
والجبال،
ولا يعقل أن
يطلب الله
طلباً
تكليفياَ أو
تشريعياً من
هذه
الموجودات
غير العاقلة.
أن
العرض
الإلهي تم
على مستوى
التكوين،
بمعنى أن
العطية
الربانية
كانت تفتش في
أرجاء الكون
عن الموضع
القابل لها
المنسجم
معها
بطبيعته
وبعظمته
وبتركيبه
وتكوينه،
أوان تكوين
الإنسان قد
تم بشكل
يجعله
مناسباً
لهذه العطية
الربانية،
ولم تكن
السماوات
والأرض
والجبال هي
المحل
المناسب من
الناحية
التكوينية
لهذه
العطية،
فالإنسان هو
الكائن
الوحيد
المؤهل
تكوينياً
لقبول
الاستخلاف. وإذن،
فالعرض هنا
تكويني،
والقبول
تكويني
أيضاً. وهذا
هو معنى قوله
تعالى (فأقم
وجهك للدين
حنيفاً،
فطرة الله
التي فطر
الناس عليها
لا تبديل
لخلق الله،
ذلك الدين
القيم)(الروم
30).
والمستفاد
من هذه الآية
أن الفطرة،
أي ما هو
داخل في
تكوين
الإنسان
وتركيبه وفي
مسار
تاريخه، هي
الدين
القيم،
بمعنى أن
يكون الدين
قيما
ومهيمناً
على الحياة،
وهذه
القيمومة
الدينية هي
التعبير
المجمل عن
الصيغة
الرباعية
للعلاقة
الاجتماعية،
فالدين،
إذن، هو سنة
الحياة
والتاريخ.
والأمانة هي
الوجه
التقبلي
للخلافة،
والخلافة هي
الوجه
الفاعلي
للأمانة. والخلافة
الربانية
تشريف
للإنسان،
حيث يتميز
بها الإنسان
عن كل عناصر
الكون،
وبهذا
التشريف
استحق أن
تسجد له
الملائكة
ويدين له
بالطاعة كل
الكون
المنظور
وغير
المنظور. وهذه
الخلافة
المذكورة في
الآية
المتقدمة
ليست
استخلافاً
لشخص آدم، بل
للجنس
البشري كله،
وهذا يعني أن
كل
المجتمعات
البشرية على
امتدادها
التاريخي
الطويل
معنية بهذا
الاستخلاف. وجعل
الإنسان
خليفة الله
لا يعني
استخلافه
على الأرض
فحسب بل يشمل
هذا
الاستخلاف
كل ما
للمستخلف
سبحانه
وتعالى من
أشياء تعود
إليه، والله
هو رب الأرض
وخيرات
الأرض ورب
الإنسان
والحيوان
وكل دابة
تنتشر في
أرجاء الكون
الفسيح،
وهذا يعني أن
خليفة الله
في الأرض
مستخلف على
كل هذه
الأشياء،
ومن هنا كانت
الخلافة في
القران
أساساً
للحكم، وكان
الحكم بين
الناس
متفرعا ً على
جعل
الخلافة،
كما في قوله
تعالى: (يا
داود إنا
جعلناك
خليفة في
الأرض،
فاحكم بين
الناس بالحق)
(ص/26). ولما
كانت
الجماعة
البشرية هي
التي منحت
هذه الخلافة
فهي إذن
مكلفة
برعاية
الكون
وتدبير أمر
الإنسان
والسير
بالبشرية في
الطريق
المرسوم
للخلافة
الربانية. وهذا
يعطي مفهوم
الإسلام
الأساسي عن
الخلافة،
وهو أن الله
سبحانه
وتعالى أناب
الجماعة
البشرية في
الحكم
وقيادة
الكون
واعماره
اجتماعياً
وطبيعياً،
وعلى هذا
الأساس تقوم
نظريه حكم
الناس
لأنفسهم
وشرعية
ممارسة
الجماعة
البشرية حكم
نفسها
بنفسها[5]. [1]
المجتمع
والتاريخ،
ص32ـ33. [2]
ن. م، ص 34. [3]
راجع في
تفسير هذه
الآية:
الميزان، ج 16،
ص177ـ181. [4]
صورة عن
اقتصاد
المجتمع
الإسلامي (ضمن
كتاب
الإسلام
يقود
الحياة)،
محمد باقر
الصدر، ص32
وأيضاً:
اقتصادنا،
ص 306 ـ 308. [5]
التفسير
الموضوعي
للقرآن،
المحاضرة 8
والإسلام
يقود
الحياة، صـ
134.
|
||||||||
|