.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

 

الفصل الثاني

 دور التربية في تحرير الثقافة الإسلامية

تسألنا عن دور التربية في رد مكونات ثقافتنا إلى مسارها, ووضعها الحقيقيين في ظل إطارنا الفكري الحقيقي, وهو الإطار الإسلامي؟. وكيف لها أن تؤديه؟. وكيف تتخلص من السلبيات التي حلقت بها, وعوقت مسيرتها نحو هذا الإطار الثقافي الإسلامي؟

وهذا الإطار الفكري الإسلامي لا يتجسد ثقافة المجتمع ونظمه وبنيات هذه النظم بمجرد سن القوانين وإصدار التشريعات فحسب؛ وإنما لا بد أن يتواكب معه, ويتأيد بالتربية الإسلامية, وذلك حتى يتلاقى الضبط الداخلي الذاتي مع الضبط الخارجي الموضوعي. أي تتلاقى المثل, والقيم, والحوافز المنبعثة من داخل النفس مع هذه القيم حينما تتجسد التشريعات, وتصبح روحاً للقوانين, وللأنظمة المختلفة في المجتمع.

إن هذا الضبط الداخلي, وذلك الضبط الخارجي لن يتحققا في الإنسان المسلم, وبالتالي في المجتمع المسلم: نظماً, وثقافة في إطار التربية الحالية التي تتبناها مدارس التعليم, وتتبناها وسائل نشر الثقافة الأخرى من صحافة, وإذاعة وتليفزيون, ومسرح وسينما, ذلك لأن الطابع الغالب عليها طابع غربي, وهذا الطابع الغربي يؤكد الجانب المادي في الحياة, ويطغى به على ما في الحياة من قيم أخرى. بل يوظف هذه القيم الإنسانية الأخرى لتكون في خدمة هذا الجانب المادي.

إن ذلك يتطلب (إعادة بناء التربية) في وطننا العربي ثم بالتالي في بلاد الإسلام كلها.

وإعادة البناء التربوي لا يقتصر على التربية في المدارس, وإنما يمتد إلى التربية التي تتم في كل موقع في المجتمع ... في الأسرة, وفي المسجد, وفي الأندية, وفي المسرح, وفي السينما, وفي الصحافة, وفي وسائل الإعلام المختلفة...

كما لا يقتصر على عنصر من عناصر التربية, وإنما يشملها جميعاً, فيبدأ ببناء الأهداف التربوية لكل من المجالين التربويين: المجال المدرسي, والمجال خارج المدرسة بحيث تعكس هذه الأهداف أهداف المجتمع الإسلامي, وغاياته. كما يستمر ليشمل بناء الوسائل المختلفة لتحقيق هذه الأهداف من إعداد للمدرس وبناء للمناهج والوسائل التعليمية, وتأليف الكتب المدرسية وبناء المدرسة, ومحتوياتها. هذا في المجال المدرسي أما المجال خارج المدرسة فيحتاج أيضاً إلى أن تسير الأهداف التربوية فيه مع الأهداف التربوية المدرسية, وأن يتم إعداد القائمين في مجالها بأي نشاط تربوي وثقافي إعداداً في إطار الفكر التربوي الإسلامي, كما أن الوسائل المختلفة التي تتم في هذا المجال ينبغي عليها هي الأخرى أن توجه في ظل هذا الإطار.

إن مناهج التعليم تعالج في مدارس الأمة الإسلامية بأسلوب يبعد بينها وبين المعاني التي يجب أن تعيش بها هذه الأمة.

إن بعض هذه المناهج تعالج متأثرة بمعالجات لها في الغرب, والمعروف أن الغرب غربة, وشرقه يعالج العلوم الطبيعية مثلا مقطوعة الصلة بخالقها, وبالنظام الكوني العام الذي خلقه الله. ويعالج العلوم الإنسانية في ظل تحليلات مادية لها. فالتاريخ يعالج في روسيا وأوربا الشرقية, ويفسر في ضوء التحليل المادي. وشبيه بهذا ما تفعله أوربا مع فارق وحيد هو أن أوروبا الغربية تطلق على التحليل المادي التحليل العلمي محاولة أن تفسر التاريخ بأسلوب آخر يختلف عما تذهب إليه روسيا السوفيتية. ولا يعدو كل من التحليلين أن يكونا تحليلين مذهبيين.

أما النظرية الإسلامية فهي ذات أبعاد وزوايا متعددة متكاملة لا تغلب التفسير المادي على غيره من التفسيرات. ولا تهمل التفسير العلمي, ولا تهمل قيم الإنسان العليا. وإنما تشكل القيم الإنسانية العليا. مع التفسير العلمي زوايا أساسية في هذه النظرة المتكاملة للإنسان, ولتاريخه, وللطبيعة التي يحيا فيها والتي تفقد معناها بدون قيم للإنسان, ونظرته لها.

إن العلوم الطبيعية وتطبيقاتها في الحياة أمر لا يرفضه فكرنا, فقد نبع في أحضان الفكر الإسلامي وتبناه علماء المسلمين, ونما على أيديهم, كما طبقت نتائجه في واقع حياة مجتمعاتهم.

ولكن الإطار الفكري الذي يحاول الغرب أن يلوي به الحقائق ليبعدها عن خالق الكون, وسيطرته المطلقة عليه, وتنظيمها وفقاً لإرادة هذا الخالق العظيم فهو أمر يتناقض تماماً مع إطارنا الفكري الإسلامي.

إن الكون والحياة, والإنسان, وتاريخ هذا الإنسان هي من صنع هذا الخالق وبالتالي فإن تنظيمها يتم وفقاً لإرادته.

ولذلك فإن تفسير الكون والحياة, والإنسان وتاريخه ينبغي أن يشق طريقة في تربيتنا من منطلقات إسلامية, ولابد أن يرتبط هذا التفسير بالخالق الأعظم لهذا الكون, ولهذه الموجودات.

وبالتالي فإن كل منهج دراسي, وكل مقرر مدرسي, وكل حقيقة علمية ينبغي أن تجد مكانها في نطاق هذا التفسير الكلي الإسلامي.

إن تاريخ الإنسان مثلا يفسر في ظل المادية الجدلية على أنه صراع طبقات إلى أن ينتهي الأمر إلى اختفاء الدولة والأسرة, وكل نظم اجتماعية نشأت بنشأة الإنسان حتى يصل الإنسان في النهاية إلى أن يجد ما يحتاج إليه بجهد أو بدون جهد. وهو تفسير ساذج قد يناسب عصراً غير عصرنا, وزماناً غير زماننا.

لماذا لا يفسر تاريخ البشرية على أنه نضال مستمر من الناس من أجل البقاء والاستمرار الحيوي والثقافي في ظل إطار من القيم الإنسانية المتكاملة. ومنها قيم مادية, وقيم معنوية لا تطغى إحداهما على الأخرى, وما أرفع قيم الإسلام المادية والمعنوية وما أسماها.

لماذا لا تتضمن مناهج التعليم في اللغات مثلا قيم الإسلام, وقيم العرب المتمشية مع الإسلام.

لماذا لا يكون لنا أدب نابع من الفكر الإسلامي ومن منهج الإسلام في الحياة ومن تصوراته للكون وللخالق وللحياة وما بعد الحياة.

يقول كاتب معاصر في هذا الصدد: (ولقد يكون الأدب أشد المؤثرات في تكوين فكرة وجدانية عن الحياة, وفي طبع النفس البشرية بطابع خاص. ومن هنا يجب أن يكون لنا أدب نابع من التصور الإسلامي):

الأدب ـ كسائر الفنون ـ تعبير موح عن قيم حية ينفعل بها ضمير الفنان. هذه القيم قد تختلف من نفس إلى نفس, ومن بيئة إلى بيئة. ومن عصر إلى عصر ولكنها في كل حال تنبثق من تصور معين للحياة, والارتباطات فيها بين الإنسان والكون, وبين الإنسان وبعض.

ومن العبث أن نحاول تجريد الأدب أو الفنون عامة من القيم التي يحاول التعبير عنها مباشرة أو التعبير عن وقعها في الحس الإنساني. فإننا لو أفلحنا ـ وهذا متعذر ـ في تجريدها من هذه القيم, لن نجد بين أيدينا سوى عبارات خاوية, أو خطوط جوفاء, أو أصوات غفل, أو كتل صماء.

كذلك من العبث محاولة فصل تلك القيم عن التصور الكلي للحياة, والارتباطات فيها بين الإنسان والكون وبين بعض الإنسان وبعض, ويستوي أن يشعر الإنسان بأن له تصوراً خاصاً للحياة أو لا يشعر, لأن هذا قائم في نفسه على كل حال, وهو الذي يحدد قيم الحياة في نظره, ويلون تأثراته بهذه القيم...

والإسلام تصور معين للحياة, تنبثق منه قيم خاصة لها, فمن الطبيعي إذن أن يكون التعبير عن هذه القيم, أو عن وقعها في نفس الفنان, ذا لون خاص.

وأهم خاصية للإسلام أو عقيدة ضخمة جادة فاعلة خالقة منشئة, تملا فراغ النفس والحياة, وتستنفر الطاقة البشرية في الشعور والعمل, وفي الوجدان والحركة, فلا تبقى فيها فراغاً للقلق والحيرة, ولا للتأمل الضائع الذي لا ينشى سوى الصور والتأملات.

وأبرز ما فيه هو الواقعية العملية حتى في مجال التأملات والأشواق. فكل تأمل هو إدراك أو محاولة لإدراك طبيعة العلاقات الكونية أو الإنسانية, وتوكيد للصلة بين الخالق والمخلوق, أو بين مفردات هذا الوجود. وكل شوق هو دفعة لإنشاء هدف, أو لتحقيق هدف, مهما علا واستطال.

وقد جاء الإسلام لتطوير الحياة وترقيتها, لا للرضا بواقعها في زمان ما أو في مكان ما. ولا لمجرد تسجيل ما فيها من دوافع وكوابح, ومن نزعات وقيود, سواء في فترة خاصة, أو في المدى الطويل.

مهمة الإسلام دائماً أن يدفع بالحياة إلى التجدد والتطور والرقى, وأن يدفع بالطاقات البشرية إلى الإنشاء والانطلاق والارتفاع.

ومن ثم فالأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي للحياة, قد لا يحفل كثيراً بتصوير لحظات الضعف البشري, ولا يتوسع في عرضها, وبطبيعة الحال لا يحاول أن يبرزها, فضلا على أن يزينها بحجة أن هذا الضعف واقع. فلا ضرورة لإنكاره أو إخفائه.

أن الإسلام لا ينكر أن في البشرية ضعفاً, ولكنه يدرك كذلك أن في البشرية قوة. ويدرك أن مهمته هي تغليب القوة على الضعف, ومحاولة رفع البشرية وتطويرها وترقيتها, لا تبرير ضعفها أو تزيينه.

والأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي للحياة قد يلم أحياناً بلحظات الضعف البشري, ولكنه لا يلبث عندها إلا ريثما يحاول رفع البشرية من هذه اللحظات, وإطلاقها من عقال الضرورة, وضغطها, وهو لا يصنع ذلك متأثراً بالمعنى الضيق لمفهوم (الأخلاق) إنما يصنعه متأثراً بطبيعة التصور الإسلامي للحياة, وبطبيعة الإسلام ذاته في تطوير الحياة وترقيتها وعدم الاكتفاء بواقعها في لحظة أو فترة.

والنظرية الإسلامية لا تؤمن بسلبية الإنسان في هذه الأرض, ولا بضآلة الدور الذي يؤديه في تطوير الحياة, ومن ثم فالأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي لا يهتف للكائن البشري بضعفه ونقصه وهبوطه, ولا يملأ فراغ مشاعره وحياته بأطياف اللذائذ الحسية, أو بالتشهي الذي لا يخلق إلا القلق والحيرة والحسد والسلبية. إنما لهذا الكائن بأشواق الاستعلاء والطلاقة, ويملأ حياته ومشاعره بالأهداف البشرية التي تطور الحياة وترقبها. سواء في ضمير الفرد أو في واقع الجماعة.

الأدب أو الفن المنبثق من التصور الإسلامي أدب أو فن موجه, يحكم أن الإسلام حركة تطوير مستمرة للحياة, فهو لا يرضى بالواقع في لحظة أو جيل, ولا يبرره أو يزينه لمجرد أنه واقع. فمهمته الرئيسية هي تغيير هذا الواقع وتحسينه, الإيحاء بالحركة الخالقة المنشئة لصور متجددة من الحياة.

فالمحور الذي تدور عليه حركة التطوير في الفكرة الإسلامية هو تطوير البشرية كلها, ودفعها إلى الانطلاق والارتفاع, وإلى الخلق والإبداع, وفي الطريق يلم بآلام الطبقات وقيودها, ليحطم هذه القيود, ويزيل تلك الآلام.

أنه لا يحقر آلام البشر, ولكنه لا يستخدم الحقد الطبقي لإزالتها, لاعتباره أن الحقد ذاته قد يحول دون انطلاق البشرية إلى آفاق عليا!)[1].

ولذلك فإن آدابنا, وفنوننا ينبغي أن تتطهر, وفقاً للروح الإسلامية وللقيم الإسلامية.

وإذا كان التاريخ تفسيراً لوقائع الحياة, فإنه يتأثر بالإطار الفكري للحياة والتصور العام لها. كما يظهر في الفلسفة التي يتبناها المجتمع. ومن هنا انحرف التاريخ عن مسار الفكر الإسلامي لأننا تأثرنا في دراسته بالفلسفات الغربية.

أما التاريخ في ظل التصور الإسلامي فأمر مختلف تماماً لأن العوامل الروحية والفكرية, والقيم العليا, والمثل الفاضلة لا تقل تأثيراً في مجريات التاريخ وتفسيره عن القوى المادية.

ولذلك فإن الباحث في التاريخ ينبغي أن يعيش بعقله وروحه وحسه في جو الإسلام كعقيدة وفكرة ونظام. وفي جو الحياة الإسلامية كقطعة من حياة البشر الواقعية)[2]...

وإنه ليصعب أن نتصور إمكان دراسة الحياة الإسلامية كاملة دون إدراك كامل لروح العقيدة الإسلامية, ولطبيعة فكرة الإسلام عن الكون والحياة والإنسان, ولطبيعة استجابة المسلم لتلك العقيدة, وطريقته في الاستجابة للحياة كلها في ظل تلك العقيدة)[3]. وهذه الخصائص كلها لا يمكن أن تطلب عند باحث غير عربي بوجه عام, ولا عند غير مسلم على وجه التخصيص, التي لابد من توافرها عند إعادة كتابة التاريخ الإسلامي.

(إنه لابد من إدراك البواعث الحقيقية لتصرفات الناس في خلال هذه الحياة التاريخية الإسلامية, وعلاقة هذه البواعث بالحوادث, والتطورات, والانقلابات, ولابد من ربط هذا كله بطبيعة الفكرة الإسلامية وما فيها من روح انقلابية ثورية ـ لا في شكلها الخارجي وخطواتها العلمية فحسب.

ـ ولكن في تفسيرها للعلاقات الكونية, والعلاقات الإنسانية, والعلاقات الاجتماعية, وفي تصويرها لنظام الحكم وسياسة المال وطرق التشريع ووسائل التنفيذ ... الخ. وهي كلها من مقومات الحياة, وبالتالي من مقومات التاريخ لهذه الحياة)[4].

إن إعدادنا للمعلم في كليات التربية يقتصر على تخصصه في فرع تخصصي لا يستطيع معه أن يربط بينه وبين غيره من التخصصات, ولا بينه وبين الحياة, ولا بينه وبين الكون وخالقه. وإنما يقتصر على معالجات جزئية فرعية. مع أن هذا المعلم يعيش في عالم إسلامي, له فكره الإسلامي, وأهدافه الإسلامية, وأهدافه التربوية الإسلامية. وكان ينبغي أن يعد في نطاق هذا الفكر, وتلك الأهداف حتى يستطيع معالجة تخصصه في ظل هذا الإطار ومحفوزاً به لتحقيق أهداف المجتمع الإسلامي في الناشئة والشباب.

إن الكتب الدراسية لا تتمثل القيم الإسلامية إلا في قليل من محتواها, لعجز مؤلفيها, وواضعي المناهج عن ربط هذه القيم الإسلامية بمحتويات الكتب أو المناهج الدراسية, أو تضمين الكتب لهذه القيم مع أنها ترى الكتب تثرى لا حد له.

وسوف نستعرض في وضع لاحق بعض مضامين التربية الإسلامية التي يمكن للأهداف وللمناهج, وللكتب الدراسية, وللوسائل التربوية أن تستبطنها في داخل محتوياتها حتى تصبح بمثابة الأعصاب التي تشكل في النهاية الجهاز العصبي والمخ في هذه العناصر التربوية كلها.

إن الطرائق والأساليب التربوية المتبعة في مدارسنا, بل في كل وسائط الثقافة والتربية غير المدرسية تبتعد كثيراً عن الروح الإسلامي, وعن الأساليب الإسلامية في التربية والتنشئة.

فالإسلام يتعهد الناس, والناشئة بتنشئتهم على قيمه الروحية, والخلقية والجهادية, والاجتماعية والإنسانية بأسلوب مفصل دقيق, وهذا التعهد يؤخذ بحزام وإصرار ودافعيه, وشوق, وإثابة دنيوية وأخروية,

وهذه التربية هي التي خلقت أجيال القادة العادلين, والمجتمعات الإسلامية الخيرة, والمجاهدين في سبيل القيم والمثل العليا الإسلامية.

وأساليب هذه التربية بسيطة غاية في البساطة, واقعية بشكل تتحقق معه كل أهداف التربية.

وأساليب تجسدت فيها كل معاني الحفز والدافعية, والحب, والتعاون, والإيثار, كما أنبأت عن وضوح الغاية, والهدف, والرؤيا الموصلة إليهما.

أساليب أنبأت عن فهم للطبيعة البشرية, ولطبيعة الكون والحياة, وللقيم الإنسانية التي تتضمنتها الفكرة الإسلامية.

أساليب لم تنفصل الفكرة فيها عن تطبيقها, وإنما شكلت الفكرة وتطبيقها واقع السلوك البشرى في كل مجال من مجالات الحياة, وبذلك ارتبطت التربية بالحياة بكل وظائفها.


[1]  سيد قطب, العدالة الاجتماعية في الإسلام, دار الكتاب العربي, بيروت.

[2]  المرجع السابق, ص 265.

[3]  المرجع السابق, ص 265.

[4]  المرجع السابق, ص266.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست