الفصل
الرابع الأصول
النفسية
والأمراض قلنا، أن علم
النفس يعني
بسلوك
الكائن
الآدمي، من
خلال
العملية
النفسية
التالية: "الاستجابة
حيال مثير
معين". وفي ضوء هذه
العملية،
يتقدم علماء
النفس
بتصنيف
السلوك إلى
أنماط (الاستجابة)
لدى الكائن
الآدمي،
وتحديد هذه
الأنماط،
ومحاولة
تفسيرها،
ورسم
الطرائق
التي تتكفل
بالاشباع
السليم
لحاجات
الكائن
الآدمي. مثال ذلك من
الأصول
الحيوية: إن الكائن
المذكور
يتحسس
بالحاجة إلى
(الجنس)،
وأمامه
طريقان لا
ثالث لهما: 1 ـ الاشباع
غير المقيد
بالمبادئ
والضوابط
المقررة. 2 ـ الاشباع
المقيد
بالضوابط. ومثاله
الأصول
النفسية. أمامنا مثير
معين هو:
النقود، أو
الأرض، أو
أية ممتلكات
أخرى، ونحن
حيال
الممتلكات
المذكورة
نواجه
استجابتين
لا ثالث لهما: 1 ـ ان (نتقدم)
إلى حيازة
الممتلكات
المذكورة. 2 ـ ان (نحجم)
عنها. إذن: ثمة
طريقان لا
ثالث لهما في
اشباع أي من
الحاجات:
سواءً أكانت
هذه الحاجات
بيولوجية
كالجنس
والطعام، أو
كانت نفسية
كالتملك
والتفوق،
وسواء أكنا
نحس بالحاجة
النفسية إلى
التملك أو لا
نحس بالحاجة
إليه. إننا في حالة
البحث عن
الجنس أو
الطعام
نواجه
أسلوبين من
الاشباع،
أحدهما:
الأسلوب (الشاذ)
وهو الاشباع
المطلق الذي
لا يأخذ قيم
الفرد أو
المجتمع
الذي ينتسب
إليه بنظر
الاعتبار. والآخر:
الأسلوب (السوي)
وهو الاشباع
المقيد بقيم
الفرد
والجماعة. أما في حالة (التملك)،
فإننا نواجه
أيضاً
أسلوبين هما
(الشذوذ) و(السوية)،...
فلو تمكنا
الأرض أو
النقود بطرق
غير مشروعة
فإن (الاشباع)
يتسم بكونه (شاذاً)،
وفي حالة
العكس فإن
الاشباع
يتخذ سمة (السوية). وأما في حالة
عدم احساسنا
أساساً
بالحاجة إلى
(التملك)
فإننا أيضاً
نواجه
أسلوبين من
الاستجابة: (الشاذة)
أو (السوية)
فالاستجابة
تكون (سوية)
حينما نفلسف
الحياة على
أنها (متاع
عابر) وإلى
أن حيازة
الممتلكات
تشكل مجرد (وسيلة)
إلى غاية
معينة. وتكون
الاستجابة (شاذة)
حينما نرفض
التملك
إعتباطاً
دون
الاستناد
لأية قيم
موضوعة، أو
حينما نحس
بالحاجة
فعلاً إلى
النقود أو
الأرض ثم
نرفض
تملكهما
بدون مسوغ
يُعتد به. إذن: في
الحالات
جميعاً،
نواجه نمطين
من
الاستجابة: أحدهما:
الاستجبة "الشاذة"
والثانية:
الاستجابة
السوية.
وحيال هذا
التحديد، لا
نجد نمطاً
ثالثاً من
العمليات
النفسية لدى
الكائن
الآدمي. وهذا يعني،
أن علماء
النفس حينما
يحاولون
تصنيف
العمليات
النفسية،
فإنهم
يحددون ذلك
بالضرورة،
في نمطين من
السوك: 1 ـ السلوك
الشاذ. 2 ـ السلوك
السوي. وإذا كان
الأمر كذلك،
فإن تحديد ما
هو (سوي) أو (شاذ)،
وتقديم
الطرائق
الصائبة
للوصول إلى
ما هو (سوي)،...
يظل محوراً
لدراسات
الباحثين في
هذا الصدد. والآن: ما هو
التصور
الأرضي
للسلوك "الشاذ"
و"السوي"؟؟
وبالمقابل:
ما هو التصور
الإسلامي
لهما؟؟ بيد أننا
نحاول
الوقوف
أولاً على
التصنيف
الذي يقدمه
كل من
التصورين:
الإسلامي
والأرضي
للعمليات
النفسية (الشاذة)
و(السوية)
ومستوياتهما
المتنوعة في
هذا الميدان. ونقف أولاً
مع التصنيف
الأرضي: يصنف علماء
النفس:
السلوك ـ كما
قلنا ـ إلى (شاذ)
و(سوي). أما (الشاذ)
فيطلقون
عليه طابع (المرض). وهو بعامة
قسمان: 1 ـ العصاب. 2 ـ الذهان. والأول
منهما يمثل (مَرضاَ
نفسياً)،
وأما الثاني
فيمثل (مرضاً
عقلياً). و(العصاب)
عادة يجسد
نوعاً من
الاضطراب
لدى
الشخصية،
مصحوباً
بقدر من (التوتر):
من احتفاظ
الشخصية بـ(وعيها)
للواقع، أي:
تمييزها
للظواهر،
وفرزها لما
هو (واقعي)
منها، وما هو
(خيالي) أو (وهمي)
من الظواهر
المذكورة. مثال ذلك:
الخوف من
عبور (النهر)
مثلاً، مع
معرفة
الشخصية
بسخف مثل هذا
الخوف، إلا
أنها مضطرة (لأسباب
نشرحها فيما
بعد) إلى أن
تستجيب
استجابة
خائفة حيال (المثير):
وهو: (النهر). وهناك أنماط
متنوعة من
السلوك،
تمثل
الاستجابة (العصابية)
للظواهر:
كالحقد
والزهو
والكذب
والخيانة
والتعصب
والغيبة
والطمع
والحسد و... و...
الخ: بعضها
مصحوب بوعي
الشخصية
بشذوذه،
وبعضها غير
مصحوب
بالوعي
المذكور. مثال ذلك،
المتكبر:
فالشخصية
المتعالية
على الآخرين
قد لا (تعي)
مصدر سلوكها
الشاذ وهو
متمثل في
احساسها بـ(الذل)
داخل نفسها
فيما تعوض
عنه بعملية
التكبر على
الآخرين:
تغطية للذل
الذي تتحسسه. أما (الكذب)
مثلاً، فإن
الشخصية (تعي)
شذوذه، وتقر
بمفارقته،
إلا أنها
تمارسه على (عمد)
لتحقيق
إشباع عابر
لنزواتها. والمهم، أن
الأنماط
المذكورة من
السلوك،
تجسد
استجابة (عصابية)
يستوي في ذلك
أن تكون
الشخصية على
وعي بمصادر
هذا السلوك
أو على جهل
به، كل يستوي
في ذلك أن
تكون
الشخصية على
(وعي) بشذوذ
السلوك نفسه
أو على جهل
به. كما
يستوي في ذلك
أن تكون
الشخصية على
(وعي)
بالتوتر
الذي يصاحب
سلوكها أو
على جهل به. فالشخصية (المتكبرة)
قد يصاحب
سلوكها قدر
من (التوتر)
الداخلي
تتحسسه
فعلاً،...
ولكن هذا (التوتر)
يضخم حجمه
عند الشخصية
الحاسدة أو
الطامعة أو
الغاضبة
بحيث تتحسسه
بوضوح، في
حين أن
الشخصية (الكاذبة)
أو (المفترية)
مثلاً، قد لا
تتحسس "بالتوتر"،
بل (العكس) قد
يخيل إليها
أنها تتحسس
قدراً من (اللذة)،
أو قدراً من
ازاحة
للتوتر،...
لكنها في
الحقيقة على
جهل بـ(التوتر)
الذي يصاحب
أعماقها. على أية حال: (العصاب)
بعامة: يمثل
اضطراباً في
الشخصية مع
احتفاظها
بسلامة (قواها
العقلية). أما "الذهان"
فهو اضطراب
خطير يصيب
الشخصية،
بحيث يغيم
معه وعي
الشخصية
بواقعها
المريض،
ويختلط
لديها عالم
الحقائق
بالأوهام:
أي، أنها لا
تحتفظ
بسلامة (القوى
العقلية)
لديها.
ومثاله:
الجنون بكل
أشكاله. وهناك من
الباحثين
مَن يفرد
أمراض (التخلف
العقلي)
كالبلاهة،
والعته
ونحوهما،
نمطاً
ثالثاً من
الشذوذ. كما أن هناك
من يفرد (أمراض
الشخصية)
نمطاً
رابعاً من
الشذوذ. وهذا
النمط يتمثل
في ما يسميه
البحث
الأرضي بـ(الشخصية
السيكوباتية)
حيث تتميز بـ(الانحراف)
الملحوظ في
مشاعرها
وميولها
وأخلاقها:
وهي شخصية
يطبعها عدم
الإحساس
بالمسؤولية،
وعدم
الاسبتصار
بنتائج
الأمور،
وعدم التأثر
بالثواب
والعقاب
الخ، مع
ملاحظة أنها
تظل محتفظة
بـ(قواها
العقلية)
بنحو عام. وأياً كان
الأمر، فإن
التصنيف
للسلوك
الشاذ،
يمكننا أن
نشطره ـ
إنسياقاً مع
غالبية
الاتجاه
الأرضي ـ إلى
(عصاب) و(ذهان):
مع ملاحظة أن
الاحتفاظ (بالقوى
العقلية) هو
المميز
للأول دون
الآخر. ومع ذلك،
ينبغي الا
يفوتنا ان
نشير إلى أن
بعض
الباحثين
يرى إلى أن
الفارق بين (العصاب)
و(الذهان)،
منحصر في (الدرجة)
لا في (النوع)،
أي: "الذهان"
بعامة، (تضخيم)
لاعراض
العصاب. والحق، أن
معيار (التمييز)
بين الظواهر
(بين الحقيقة
والوهم) يظل
هو المتحكم
في فرز
الذهان عن
العصاب. ونحن يعنينا
من ذلك، أن
نؤكد: إلى أن
اهتمامنا
منصب بنحو
عام على (السلوك
العصابي).
أما (الذهان)
فلا نعرض له
إلا في نطاق
البحث
المتصل
بالتنشئة
ومساهمتها
في تعديل
السلوك. وحين نتجه
إلى التصور
الإسلامي
للظاهرة،
نجده بدوره
يشطر
العمليات
النفسية إلى
(الشاذ) و(السوي)
من
الاستجابة،
مادام
المشرع
الإسلامي
أساساً، قد
رسم الكائن
الآدمي
وفقاً
لتركيب
ثنائي (الشهوة،
والعقل) أو (الذات
والموضوع).
فكل استجابة
باحثة عن
اللذة،
هادفة إلى
الاشباع
المطلق: تعد (سلوكاً
شاذاً).
وبالمقابل:
كل استجابة
باحثة عن
اللذة،
هادفة إلى
الاشباع
المقيد: يُعد
(سلوكاً
سوياً) أن ما
يهمنا من
التصنيف
الثنائي
للسلوك، أن
نتجه إلى
تحديد
دلالته ومدى
توافق أو
افتراق
الدلالة
الأرضية
عنه، ثم
تصنيف (مفرداته)
المتنوعة،
وتمييز
مستوياتها:
يستوي في ذلك
أن يتسم
السلوك
أخلاقية (مثل:
الكذب
والصدق) أو
بسمات نفسية
مثل (الحب
والحقد)، أو
بسمات
مزاجية مثل (الانطواء
والانبساط)
كما يستوي في:
ذلك أن يتسم
السلوك
بسلامة
الجهاز
الوظيفي
كالأمثلة
المتقدمة،
أو باضطرابه
كحالات
الوسوسة
والتطير
والخوف. كما يستوي في
ذلك: أن يتسم
السلوك
بحالات
وجدانية
كالأمثلة
المتقدمة،
أو حالات
إدراكية مثل:
الغباء،
والنسيان
ونحوهما: كما يستوي في
ذلك: أن يكون
السلوك
مألوفاً لدى
بحوث الأرض
كالأمثلة
المتقدمة،
أو غير مألوف
وهو ما يدخل
في نطاق
الأحكام من
حرمة ووجوب
من حيث تحديد
"أشكال"
السلوك (الشاذ
والسوي)،
وتحديد درجة
(الشذوذ) أو (السوية)
من السلوك. من حيث
التحديد:
يواجه
الكثير من
علماء النفس
بعض الصعوبة
في تحديد
مفهوم (الشذوذ)
و(السوية) من
السلوك: أو
لنقل: بين (العصاب)
و(السوية)
لأن "الذهان"
واضح
المعالم
مادام ـ
أساساً ـ
يعني: اختلال
(القوى
العقلية) كما
أشرنا. وتكمن
الصعوبة في
جملة أسباب،
منها: 1 ـ إن التخوم
الفاصلة
بينهما تشكل
فارقاً في
الدرجة لا في
النوع. فكلنا
ـ في تصور
هؤلاء
الباحثين ـ
نعاني قدراً
من (الصراع) و(التوتر)
نتيجة
للاحباطات
المختلفة
التي
نواجهها.
كلما في
الأمر أن
درجات
التوتر أو
الصراع
تتضخم أو
تتضاءل من
فرد لآخر.
وإذا كان (العصاب)
يعني: تضخم "الصراع"
أو (التوتر)،
و(السوية)
تعني:
تضاؤله،
فحينئذ يبقى
الفارق
منحصراً في
الدرجة لا في
النوع. والحق: إن هذا
التحديد
الأرضي
لمفهوم
العصاب
والسوية: من
خلال فارقية
الدرجة لا
النوع،
يفتقر إلى
التماسك في
فهم دلالة
العصاب
والسوية. فاولاً: ثمة
نماذج لا
تحيا الصراع
بمعناها
الأرضي إلا
في نطاق
المواجهة
المبدئية.
وسرعان ما
تقتضي على
منابعه في
الوهلة
الأولى من
التأمل
ودراسة
النتائج
السلبية له،
ويستتبع
ذلك، أنها لا
تحيا أي (توتر)
ناجم منه. مثال ذلك:
الحاجة إلى
التفوق أو
التملك أو
الانتماء
الاجتماعي. فمن السهولة
بمكان أن
ينعدم لدى
الفرد أي
دافع إلى
التفوق من
خلال نبذة
للذات وحبه
للآخرين،
وأن يرفض
التملك
ويختار (الزهد)
بمتاع
الحياة، وأن
ينهد إلى (العزلة)
مؤثراً
هدوءها،
والتوجه إلى
انتماءات
روحية لا
تنحصر في (أشخاص)
بل في (قيم) و(أفكار)
الأشخاص.
والدراسات
التي أجراها
علماء "الأقوام"
(الأنثربولوجيون)
تفصح بوضوح
عن أمثلة هذه
النماذج
التي لا تحس
بالحاجة إلى
اشباع
الدوافع
المذكورة
مما يستتبع
مهما عدم
الصراع
والتوتر (والشخصية
المسلمة
نموذج حي
لهذا النمط
من
الاستجابة). ثانياً: إن
الفارقية في
(الدرجة)
ينبغي ألا
نهملها في
هذا الصدد،
مادمنا نلحظ
أشكالاً شتى
من التعامل
نحكم عليها
بالسلب أو
الإيجاب من
خلال (الدرجة)
نستجيب لها
في التعامل. مثال ذلك:
إستجابة
الغضب: فأنت
قد (تغضب)
وتوجه
للمسيئ
عبارات
مهذبة، وقد
توجه إليه
عبارات
قاسية، بل قد
تفقد
السيطرة على
نفسك فتهذي
بكلام غير
متناسق. ومما لا شك أن
الرد
بالعبارة
المهذبة
يعني قدرتك
على السيطرة
وهي عامل حسم
في فرز
الشخصية
المتماسكة
عن الشخصية
غير
المتماسكة
فيما تفقد
سيطرتها
ويختل
توازنها
الداخلي من
خلال
هذيانها
بالكلام غير
المتناسق. إذن:
الفارقية في
(الدرجة) لا
تعفي الباحث
من اتخاذ
معياراً
للفصل بين
السلوك
العصابي
والسوي. هذا فضلاً،
عن ان
استجابة (الغضب)
قد تنعم
أساساً لدى (نماذج)
لا تحيا
الصراع
والتوتر. 2 ـ هناك من
الباحثين
مَن يجد أن
صعوبة الفرز
بين العصاب
والسوية
كامنة في (نسبية)
الثقافات،
أي: في
اختلاف
المجتمعات
في جهازها
القيمي من
حيث النظم
والعادات
والأعراف
الاجتماعية.
فالدعابة
مثلاً تعتبر
في بعض
الثقافات
دليلاً على
انبساط
الشخصية
وخلوها من أي
توتر، بينما
تعتبرها
ثقافات أخرى
(فضولاً) أو (سوء
أدب) مثلاً،
وهكذا. ومع وجود هذه (النسبية)
في
الثقافات،
فحينئذ من
المتعذر فرز
السلوك
السوي من
السلوك
العصابي. بيد أن هذه
الوجهة من
النظر لا
يمكن
التسليم بها
أيضاً. فلو
عدنا إلى
ظاهرة (الدعابة)
نفسها،
للحظنا أن
التصور
الإسلامي
مثلاً، يفرز
نمطين من (المزاح):
أحدهما يجسد
العصاب، وهو
المزاح
الناجم من
نزعة
عدوانية،
والآخر،
يجسد
السوية، وهو
المزاح
الناجم من
مشاعر الحب (سنتحدث
عن هذه
الظاهرة
مفصلاً). وإذن: حتى ما
يعده البحث
الأرضي
محكوماً بـ(النسبية)،
يمكننا ـ في
الواقع ـ فرز
مصادر
للتعرف على
جذره المرضي
أو الصحي،
مما لا يبقى
معها لمفهوم
(النسبية)
أثر ذو بال. 3 ـ من
الباحثين من
يضع معيار (التوافق
الاجتماعي)
دليلاً على (السوية)،
وعدمه دليل
على (العصاب). هذا المعيار
بدوره، لا
يمكن
التسليم به
بنحو مطلق.
فالتوافق قد
يتحتم في
حالات خاصة،
وقد تحتم
عدمه حالات
غيرها. مثال ذلك:
حينما
تتعامل مع
الآخرين من
خلال لغة (الحب)
ومن خلال ما
يسمى بـ(المجاملة)،
فإن هذا
التعامل يعد
افصاحاً عن
التوافق
الاجتماعي.
وهذا ما يقره
المشرع
الإسلامي ـ
كما سنرى. بيد أن
التعامل مع
الآخرين في
حالات (المساومة)
على حساب
القيم
الإنسانية،
كالصمت حيال
الخيانة
للوطن
مثلاً،... هذا
النمط من
التعامل لا
يمكن أن نعده
(سلوكاً
سوياً) تحت
ستار (التوافق)
مع الآخرين،
بل إن (السوية)
تفرض (عدم
التوافق) دون
أدنى شك. وإذن: معيار (التوافق
الاجتماعي)
لا يمكننا أن
نعده دليلاً
على (السوية)،
وعدمه
دليلاً على (العصاب). 4 ـ تتجه
الغالبية من
الباحثين
إلى وضع
معيار وظيفي
بدلاً من
المعيار
الشكلي
للسلوك، في
فرز السوية
عن العصاب. ويرى هؤلاء
الباحثون: إن
الذي يحدد
الفارق
بينهما هو (وظيفة)
السلوك، لا (شكله)،
أي: في تحديد (نوع)
الاستجابة،
فإذا كانت
الاستجابة
قائمة على (الهروب)
من المشاكل
بدلاً من
مواجهتها
مثلاً،
فحينئذ يعد
هذا السلوك (عصابياً).
وفي
المواجهة،
يعد (سوياً). والحق: إن هذا
المعيار هو
أشد
المعايير
المقتدمة
صواباً. بيد أنه لا
يحسم
المشكلة
أيضاً. إذا
وضعنا في
الاعتبار أن
(مواجهة
الواقع) لا
يمكن أن تعطي
ثماره ما لم
ترتكن
الشخصية إلى
(جهاز قيمي)
يتناسب مع
طبيعة
التركيب
البشري
ودلالة
وجوده في
الكون. مثال ذلك: إذا
واجهت
الشخصية
شدائد
وضغوطاً
حادة لا
تتحمل عادة:
كالفقر
الشديد وموت
القريب
والخنق
التام
للحرية
والنبذ
الاجتماعي
المهين...
قبال هذه
الضغوط
الحادة من
الصعب أن
تحتفظ
الشخصية بأي
تماسك (وبخاصة
في مجتمعات
عصابية
متقدمة
حضارياً:
تتعامل من
خلال
السيطرة
والتملك
والتعالي)
دون أن
ترفدها نظم
أو معايير
تستجر مبدأ
الثواب
والعقاب
الاجتماعيين...
في مثل هذه
المجتمعات
من المتعذر
أن نطالب
الشخصية
بمواجهة
الاحباطات
بصدر رحب
وبتقبل رصين
لها، لأنها
مطالبة
مثالية، لا
ترفدها (قيم
خاصة) نابعة
من (خارج)
الثقافة
الاجتماية
التي ينتسب
الفرد إليها. نعم: ثمة (قيم)
نابعة من (خارج)
النظم
والتقاليد
والأعراف
الاجتماعية،
من المؤكد
أنها تسهم
بنحو فعال في
تغيير
استجابة
الفرد
وتحويلها
إلى استجابة
(لا مبالية)
حيال الضغوط
المذكورة.
وفاعلية هذه
القيم تتمثل
في كونها
تتساوق مع
طبيعة
التركيب
البشري من
حيث صياغة
هذا التركيب
وفقاً لمبدأ
(خلافة
الإنسان على
الأرض). خارجاً من
المبدأ
المذكور،
فإن (المعيار
الوظيفي)
الذي تصوغه
الأرض
فارقاً بين
العصاب
والسوية،
يظل (حلاً
مثالياً)
يحتفظ بمتعة
البحث
النظري،
وليس حسماً
لمشكلة
واقعية. وهذا ما يفسر
لنا بالضبط
اقرار
غالبية
الباحثين أن
الصراع
والتوتر لا
سبيل إلى
الخلاص
منهما في
عالم يضج
بالاحباط:
بالضغوط
والشدائد
المختلفة،
مع غيمومة (القيم)
الحاسمة
لمواجهة
الاحباط
المذكور. على أية حال،
يعنينا مما
تقدم أن نشير
إلى مفهوم كل
من العصاب
والسوية في
التصور
الأرضي. أما (الحلول)
الحاسمة
لمحو العصاب
أو تحقيق
السوية فإن
لها موضعاً
آخر من هذه
الدراسة. والآن: ما هو
التصور
الإسلامي
لمفهومي
العصاب
والسوية؟
وما هو موقفه
حيال
المفهومات
الأرضية
التي سبق
عرضها
ومناقشتها؟ إن التصور
الإسلامي
لمفهومي (العصاب)
و(السوية)
يتحدد في
مستويين: أحدهما:
يتمثل في
المفهوم
الأرضي
لهما،
والآخر:
يتجاوزه إلى
مفهوم أشد
سعة وشمولاً.
وقد سبقت
الإشارة إلى
أن المشرع
الإسلامي
يتقدم
بتوصياته
إلى (العام)
من الآدميين
وإلى (الخاص)
منهم. ونقصد
بـ(العام)
مطلق
الآدميين
بغض النظر عن
موقفهم
الفلسفي من
الكون. أما (الخاص)
منهم، فهم (المسلمون)
الذين
يلتزمون
بمبادئ
السماء عبر
إدراكهم
لمهمة
الخلافة على
الأرض. ولنعد إلى
مثال (التكبر)
الذي سبقت
الإشارة
إليه. التكبر، أو
التعالي، أو
الزهو يعد في
المفهوم
الأرضي
سلوكاً
عصابياً.
وهذا السلوك
يتناوله
المشرع
الإسلامي من
زوايتين: الزاوية
الأولى:
يتناول من
خلالها
ظاهرة (التكبر)
بصفتها
عصاباً، أي:
مرضاً
نفسياً بغض
النظر عن
الموقف
الفلسفي
الذي يصدر
المتكبر
عنه، فقد
يكون
المتكبر (مسلماً)
أو (كافراً)،
إلا أنه يصدر
عن سلوك مرضي
و (العصاب)
الذي أشار
البحث
الأرضي إليه. فالمتكبر
لدى علماء
النفس
الأرضيين
يعد تعبيراً
عن الإحساس
بالنقص.
والمشرع
الإسلامي
يشير بوضوح
إلى العرض
المرضي
المذكور،
حينما يقول
الإمام
الصادق (ع). "ما
من رجل تكبر
أو تجبر إلا
لذلة يجدها
في نفسه".[1] فالإمام
الصادق (ع)
يوضح لنا
الجذر
المرضي
لظاهرة
التكبر،
مبيناً ان (التكبر)
ناجم من
الاحساس
بالذل،
والضعة،
والدونية...
ومثل هذا (التناول)
للظاهرة
المذكورة،
لا تخص نفراً
من الآدميين
دون آخر، بل
يمكن أن يصدر
عنها (مسلم)
ينقصه
الوعي، أو
كافر لا
علاقة له
بمبادئ
الإسلام. والطب
النفسي
الإسلامي في
هذا الحقل،
يشبه تماماً:
الطب الجسمي
الإسلامي.
فمبادئ
الصحة
الجسدية
التي يقدمها
المشرع
الإسلامي لا
تأخذ بنظر
الاعتبار
هوية) الفرد،
بل تقدم
توصياتها
لمطلق
الآدميين
بغية
الإفادة
منها في
تحقيق الصحة
الجسمية (في
هذه المسافة
المحددة من
الزمن ـ أي
عمر الإنسان). بيد أن
المشرع في
الآن ذاته
يرتب عملية
العقاب أو
الثواب على
ممارسة (التكبر)
أو (التواضع)
ناظراً إلى
الممارسة
المذكورة من
خلال (الموقف
الإسلامي)
للظاهرة. إن ما نود أن
نشدد عليه في
هذا المجال،
أن نشير إلى
أن (التكبر) ـ
بغض النظر عن
ترتيب آثار
العقاب
عليه، يظل
ظاهرة (نفسية)
ذات طابع
مرضي: سواء
أترتبت عليه
آثار العقاب
أم لم تترتب:
إنه في
الحالين (سلوك
عصابي)
يحذرنا
المشرع
الإسلامي
منه، مشيراً
إلى ما
يصاحبه من
الصراع
والتوتر على
نحو ما يشير
البحث
الأرضي عليه. ولذلك، نجد
أن المشرع
الإسلامي،
يتناول ـ في
هذا النطاق ـ
حتى مستويات
(المرض
النفسي) الذي
لا تترتب
عليه آثار
العقاب
كعصاب (الوسواس)
مثلاً،
مشيراً إلى
طابعه
المرضي،
مقدماً
توصياته
العلاجية في
التغلب عليه. والأمر
نفسه، حينما
يقدم
توصياته
الطبية في
معالجة (الذهان
ـ الجنون
والتخلف
العقلي. انه في
الحالات
جميعاً يحدد
لنا دلالة
العصاب أو
الذهان،
مقدماً
توصياته في
علاج
الأمراض
المذكورة: مع
ملاحظة أن
بعض هذه
الأعراض
مصحوبة
بترتيب آثار
العقاب
عليها:
كالأعراض
المتصلة
بأمراض
الشخصية
المنحرفة
مثل تناول
الكحول،
وبعضها لا
يصاحبه
العقاب
مادام
خارجاً عن (اختيار)
الشخصية، أو
غائباً عن
وعيها، مثل (الوسوسة). على أية حال،
إن المشرع
يتناول
حيناً
مفهومي
العصاب
والسوية من
زاوية (نفسية)
خالصة على
النحو الذي
نلحظه في
البحث
الأرضي. إلا
أنه ـ في
الآن ذاته ـ
يقدم
مفهوماً أشد
سعة وشمولاً
للعصاب
والسوي،
بحيث يسع
مفاهيم
الأرض،
ويتجاوزها
إلى مفاهيم
أشد سعة
وشمولاً. هذا المفهوم
الذي يتسم
بالشمول
والسعة
لمعنى
السوية
والعصاب،
يتجسد في
عملية (الالتزام
بمبادئ
السماء) أو
عدم
الالتزام
بها. أي: ان
السوية
والعصاب
يتسع
مفهومهما
ليشمل (الجانب
الفلسفي) من
الكون،
بالاضافة
إلى (الجانب
النفسي)
الصرف. فالكافر ـ
على سبيل
المثال ـ يعد
شخصية
عصابية.
والمتمرد
على مبادئ
السماء (أي:
المسلم غير
الملتزم) يعد
شخصية
عصابية
أيضاً. (الموسوس)
مثلاً ـ سواء
أكان مسلماً
أم كافراً ـ
يعد شخصية
عصابية
أيضاً. إذن: من خلال
هذا المفهوم
تتسع دلالة
السوية أو
العصاب
لتشمل كل
استجابة لا
تلتزم
بمبادئ
السماء: سواء
أكانت هذه
الاستجابة
متصلة
بالجانب
الفكري (العقائدي)،
أم كانت
متصلة
بالجانب
النفسي
الصرف. ولسوف
نشرح مفصلاً
طبيعة
الأعراض
المرضية أو
السمات
السوية لكل
استجابة غير
ملتزمة
بمبادئ
السماء أو
العكس. بيد أننا
نشير هنا
عابراً، على
أن التصور
الإسلامي
للعصاب
والسوية
تتسع دائرته
لتشمل
الجانب
الفكري من
السلوك
أيضاً. ويمكننا
إدراك هذه
الحقيقة، أي:
(وحدة)
العصاب
النفسي
والفكري،
حينما نلحظ
أن القرآن
الكريم
مثلاً يطلق
مصطلح (المرض)
على ظاهرتين:
إحداهما (فكرية)
والأخرى (نفسية). أما الظاهرة
الفكرية،
فهي (النفاق):
حيث تتحدث
الآية
الكريمة عن
سلوك
المنافقين،
راصة بعض
سماتهم: (في
قلوبهم مرض
فزادهم الله
مرضاً). فالآية،
تطلق اسم (المرض)
على
المنافق،
بصفته يصدر
عن موقف فكري
مناهض
لرسالة محمد
(ص). بيد أن هذا
الموقف
الفكري ـ كما
سنرى لاحقاً
ـ يفصح عن
نمطين من (المرض)
أحدهما:
طبيعة
الموقف
الرافض،
والآخر:
طبيعة (التذبذب)
أو التكلم
بلسانين
يخالف
أحدهما
الآخر.
والأول موقف
فكري صرف،
والثاني
موقف نفسي،
تجمع
الأبحاث
الأرضية على
طابعه
المرضي ـ كما
سنوضح ذلك
لاحقاً. وإذا اتجهنا
إلى الآية
الكريمة
التي تتحدث
عن
الاستجابة
الجنسية
المنحرفة،
عبر مخاطبها
نساء النبي (ص)،
وتحذيرهن من
بعض
العصابيين؛
نجدها تطلق (المرض)
على سمة
نفسية: تقول الآية
الكريمة: (فلا
تخضعن
بالقول
فيطمع الذي
في قلبه مرض). ويهمنا من
هذه الآية أن
نشير إلى
مصطلح (المرض)
الذي أطلقته
على
المنحرفين
جنسياً، وهو
مصطلح (نفسي
صرف)، بصفة:
أن
الاستجابة
الجنسية
المذكورة،
لا تخص نفراً
دون آخر: فقد
يصدر المسلم
غير الملتزم
عنها، وقد
يصدر الكافر
عنها أيضاً،...
أنها سمة (نفسية)
كالتكبر، أو
الحقد، أو
الحسد ناجمة
من جذر مرضي
يشترك
الآدميون في
الصدور عنه:
بغض النظر عن
(هويتهم
الفكرية). وإذن: اطلاق
مصطلح (المرض)
على نمطين من
السلوك: فكري
ونفسي عبر
الآيتين
المتقدمتين،
يدلنا على أن
التصور
الإسلامي
لمفهوم (العصاب)،
تتسع دائرته
لتشمل
المفهوم
الأرضي،
وتتجاوزه
إلى مفهوم
يوجد بين
العصاب
النفسي
والعصاب
الفكري. أما التساؤل
عن الأسباب
الكامنة
وراء هذا
المفهوم
الشامل
لدلالة (العصاب)،
أو لدلالة (السوية)
التي
تضادها،
فأمر نحدده
مفصلاً في
موقع لاحق من
هذه الدراسة. وحسبنا أن
نشير هنا إلى
طبيعة
التصور
الإسلامي
لمفهومي
العصاب
والسوية
وتوافقه أو
افتراقه عن
التصور
الأرضي في
هذا الصدد. وفي ضوء
التحدد
المذكور
لدلالة
لعصاب
والسوية،
نتجه إلى
تحديد
مفردات كل
منهما، أي:
إلى التصنيف
الذي يتناول
أشكال
السلوك
العصابي أو
السلوك
السوي. إن كلاً من (علم
النفس
المرضي) و(علم
النفس السوي)
يتكفلان
بتحديد
مفردات
السلوك
وتصنيفها.
بيد أن
الملاحظ أن
الأول منهما
في الغالب هو
الذي يستأثر
باهتمام
علماء النفس:
أي: إن (العصاب)
في الغالب
يشكل المادة
التي يحوم
عليها نشاط
الباحثين. وطبيعي، فإن
تحديد أصناف
العصاب
ينطوي ضمناً
على فهم ما
يضادها من
مبادئ (السوية)،
وتبعاً لذلك
تنتفي
الحاجة إلى
الحديث عن
أصناف
السلوك
السوي. إلا أننا مع
ذلك نواجه
عناية
الباحثين
حيال
التعريف
بمبادئ
السلوك
السوي،
أمراً
لافتاً
للنظر.
وبخاصة في
البحث
المتصل
بسمات
الشخصية،
وما يصاحب
ذلك من
اللجوء إلى (الأقيسة)
و(الاختبارات)
التي تروز
الشخصية من
حيث
الموازنة
بين السمات
المرضية
والسوية
لديها. وبعامة،
يمكننا أن
نذهب إلى أن
تصنيف
السلوك (من
حيث مفرداته
المتنوعة)
يأخذ لدى
الباحثين
عدة
مستويات،
منها: وتصنّف ـ
عادة ـ إلى: عصاب القلق،
عصاب
الكآبة،
عصاب الخوف،
الهستيريا،
النوراستينيا،
الحصر
القهري،
الوسواس. ويلاحظ: ان
هذا التصنيف
يتناول
أمراضاً
بأعيانها
تتصل بـ(توتر)
عام يصيب
الشخصية.
وهذا التوتر
قد يكون (قلقاً)
غير عادي،
تصحبه
حساسية
ومخاوف لا
مبرر لها. وقد يكون (كآبة)
يصحبها
إحساس
بالعجز
واليأس
وفقدان
الثقة. وقد
يكون (خوفاً)
غير عادي، من
المرتفعات
والمياه
والدماء
والنيران
وسواها. وقد يكون (حصراً)
قهرياً يجد
المريض نفسه
ـ من خلاله ـ
مرغماً على
ممارسة
أفعال أو
ألفاظ أو
أفكار مؤلمة
لا يستطيع
مقاومتها. وهكذا سائر
الأمراض
التي تقدم
ذكرها.
وواضح، إن
مثل هذا
التصنيف
يتناول
الشخصية من
حيث اختلال
جهازها
الوظيفي
وتعطل أحد
أجزائه عن
وظيفته
الاعتيادية. وهذا
التصنيف
يتناول
مجموعة ما
يسميه (فرويد)
بـ(حِيَلِ
الدفاع): حيث
تشكل هذه
الفعاليات
جملة من
الأعراض
التي تسم
المرضى
الذين يضمهم
التصنيف
السالف. بيد
أنه يمكن أن
يعد طابعاً
مرضياً
تستخدمه
الشخصية (بنحو
لاشعوري)
لازاحة
توتراتها. ومن هذه
الحيل: 1 ـ الإسقاط:
وهو إلصاق
عيوب المريض
بالآخرين.
مثل: البخيل
الذي لا يعي
مصدر شذوذه،
فيسقطه على
الآخرين،
ويتهمهم
بالبخل. 2 ـ التسويغ:
وهو محاولة
ايجاد العذر
للسلوك
المعيب. مثلك
الفاشل في
الاختبار
المدرسي،
يسوغه بأنه
ناجم من
انشغاله
ببعض الظروف
الطارئة، أو
عدم أهمية
الاختبار. 3 ـ النكوص:
وهو
الارتداد
إلى سلوك
الطفولة: في
حالة مواجهة
الاحباطات
المختلفة،
مثل: اجتلاب
العطف، أو
البكاء، أو...
الخ وهكذا
سائر الحيل
الدفاعية. وهو تصنيف
يتناول
أشكال
الأمزجة
للآدميين: من
حيث صلتها
ببنية
الشخصية،
مثل: التصنيف
الأغريقي
المعروف
للأمزجة
الأربعة:
الدموي،
الصفراوي،
البلغمي،
السوداوي.
وكالتصنيف
الحديث
لأشكال
ثنائية أو
ثلاثية أو
رباعية أو
خماسية:
يحاول
الباحثون من
خلالها
إيجاد الصلة
بين التركيب
الجسمي
والمزاج:
وهذا من نحو
إيجاد الصلة
مثلاً بين (الشكل
الجسمي
البدين)،
وبين ميل
صاحبه إلى
الإنطواء،
الكآبة،...
وهكذا. وواضح، إن
مثل هذا
التصنيف
للأمزجة،
يتناول نمطي
السلوك (العصابي
ـ والسوي
أيضاً). إلا
أنه في حالات
الاختلال
العقلي أو
النفسي: يربط
الباحثون
بين الأمزجة
المذكورة
وبين أمراض
العصاب التي
تقدم ذكرها
في التصنيف
الأسبق،
وبين أمراض
الذهان
أيضاً. وهذا
التصنيف
يتضمن
مجموعة من
السمات
يختلف
الباحثون في
تحديدها من
واحد لآخر:
حيث تمثل (السمات)
طابعاً
عاماً يميز
هذا الفرد أو
ذاك. ومن
أمثلة ذلك:
التصنيف
الثنائي لـ(يونج)
فيما يصنف
الأفراد إلى
انطوائيين
بعامة أو
انبساطيين.
وتصنيف (اولبورت)
الثلاثي
لسمات
الشخصية: سمة
رئيسية تطبع
مجمل سلوك
الشخصية،
وسمات
مركزية ما
بين (5 ـ 10) تبرز
بوضوح في
سلوكها. ثم
سمات ثانوية
متنوعة. وتصنيف (كاتيل)
لسمات
الشخصية
العامة ما
بين (5 ـ 25)، مثل: السيطرة
وضدها
الخضوع. مثل: الشجاعة
وضدها الجبن. مثل: المرح
وضده
الاكتئاب
الخ. وأخيراً:
التصنيف
العالم
لمجمل
السلوك: وهذا
التصنيف
يتضمن قوائم
بالسلوك في
مختلف
مستوياته:
سواء أكان
السلوك
انفعالاً أو
مزاجاً أو
خلقاً. والتصنيفات
الأخيرة (المزاج،
والسمات
ومجمل
السلوك)
يتناول عادة
من خلال
التقابل بين
ما هو شاذ أو
سوي، كما
تتناول من
حيث تداخل
بعضها مع
الآخر فضلاً
عن انها
تتناول من
حيث تقسيمها
إلى ما هو
رئيسي أو
فرعي. وبعامة، فإن
هدفنا من
العرض
السريع
لتصنيفات
البحث
الأرضي أن
نخلص منها
إلى التصنيف
الإسلامي
للسلوك
وملاحظة
تصوره
لمفرداته
العصابية
والسوية من
خلال
المقارنة
بينه وبين
البحث
الأرضي. والآن: ما هو
التصنيف
الإسلامي
للسلوك؟ إن التصنيف
الإسلامي
للسلوك،
يتحدد بوضوح
في نمطين
أشرنا
إليهما،
وهما: (الشهوة
والعقل) أو (الذات
والموضوع) أو
(الشذوذ
والسوية). أما (مفردات)
الشذوذ
والسوية فإن
كلاً منها
يخضع لنمط
خاص من
التصنيف. فالشذوذ
يتناول كلاً
من (الذهان) و(العصاب).
أما الذهان
فإنه يتناول
من زاوية
الطب العقلي
بنحو مستقل. وأما (العصاب)،
فإنه يمثل
ذخيرة حية
يتوفر
التشريع على
دراستها
بنحو ملحوظ
حتى ليشمل
كافة
الأوامر
والنواهي،
المتصلة
بجوانب
النشاط
المادي
والعقلي: حيث
ترتكن
صياغتها إلى
التدريب على
ما هو (سوي) من
السلوك،
واجتناب ما
هو (عصابي)
منه. وملاحظة هذا
الجانب،
يتخذ نمطين
من التناول: أحدهما: يمكن
استخلاصه من
مجمل مبادئ
الشريعة (نتحدث
عنه لاحقاً), والآخر:
يتمثل في
عملية
التنصنيف
لمفردات
السلوك. وهذا ما
نتحدث عنه
الآن: [1]
الوسائل:
باب، 59 ح3،
جهاد النفس.
|
||||||||
|