|
||||||||
الحاجات
الأمنية من
الدوافع
التي يدرجها
علماء النفس
ضمن قائمة
الدوافع هو: "الحاجة
إلى الأمن". ومن
البيّن، إن (الحاجة
الأمنية) من
الممكن
تصورها في
ظواهر ثلاث
هي: الأمن
إلى الحياة،
الأمن
النفسي،
الأمن
الحيوي.
طبيعي فإن (الأمن
الحيوي)
يندرج ضمن
الأصول
البيولوجية:
الطعام،
الشراب،
الصحة ... الخ:
حيث تشكل
حاجات
مستقبلة لا
مناص من
اشباعها
بغية
استمرار
الكائن
الآدمي. أما (الأمن
النفسي)،
فيشكل بدوره
حاجة ملحة ـ
لا تصل إلى
ما هو حيوي
لكنها قد
تشكل فاعلية
أشد منه ـ
مادامت
مرتبطة من
جانب بتدفق
ما هو حيوي:
فالسجين
مثلاً يضطرب
اشباع
حاجاته
للنوم
والطعام. كما
انه ـ من
جانب آخر ـ
يؤثر في
اشباع
حاجاته إلى
حرية التحرك:
من انتماء
إلى
الآخرين،
وانتزاع
الحب
والتقدير
منهم، بل:
ممارسة
الحرية
أساساً، مما
يفقد ـ مع
فقدانه
للحرية ـ
معنى وجوده
أساساً. كما
ان المنبوذ
اجتماعياً،
أو المحاط
بأعداء
يتربصون به
السوء ... أو ...
أو الخ...
يتعرض
توازنه
الداخلي
لتوتر شديد
من الصعب
تحمله عادة،
مما قد
يقتاده حتى
إلى
الانتحار
مثلاً. وأما
الحاجة إلى
الحياة،
فإنها تشكل ـ
كما هو واضح
ـ قمة
الحاجات
الإنسانية. فالآدميون
(بغض النظر
عن
الاحباطات
التي
يواجهونها)
يحسون
بالحاجة على
الحياة حتى
في حالات
المرض
والجوع
والشدائد
النفسية،
مما يعني أن
الحاجة
المذكورة:
تشكل القمة
من هرم
الحاجات
الإنسانية. وواضح،
إن الحاجة
المذكورة لو
لم تكن بمثل
هذا
الالحاح،
لفقد
الإنسان
معنى وجوده
أساساً،
ولانتفى كل
نشاط باحث عن
اشباع
الحاجات
الأخرى. ومع
ذلك فإن (الحاجة
إلى الحياة)
من الممكن،
أن يمسحها
الإنسان من
ذاكرته في
حالتين: حالة
الانتصار
للقيم
العقلية
التي يؤمن
بها (مثل:
الموت من أجل
حرية البلد
الذي ينتمي
إليه). أو
حالة تفاقم
مرضه النفسي
حينما
يقتاده إلى
الانتحار. ويهمنا،
من الحاجات
الأمنية
المذكورة،
ملاحظة كل من
التصور
الأرضي
والإسلامي
حيالهما،
ومدى
الفارقية
بين
التصورين في
هذا الصدد. ونقرر
سلفاً بأن (الحاجة
إلى الأمن
الحيوي) سوف
لن نتعرض له
في هذا الحقل
مادمنا نفرد
له حقلاً
خاصاً من
الدراسة، ...
ومادمنا قد
أوضحنا
سابقاً بان
الحاجة
المذكورة
تظل مجرد (وسيلة)
في التصور
الإسلامي،
لـ(غاية)
معينة هي (العبادة
أو الخلافة
في الأرض)
حيث يظل
البحث عنها
في نطاق ما
هو ضروري،
فحسب فيما
يفصل الحديث
عنه لاحقاً. وتبقى
(الحاجة إلى
الأمن
النفسي) و(الحياة)
موضع
معالجتنا
الآن. أوضحنا
(عبر حديثنا
عن الدافعين:
الانتماء
الاجتماعي
والتقدير
الاجتماعي)
إن الشخصية
الإسلامية
تفترق عن
الشخصية
الأرضية في
إلغائها
لأهمية
التقديرين
المذكورين،
مادامت
تعوضهما
بانتماء إلى
السماء
وبتقدير
منها، مما
يعني أنها
ليست بحاجة
إلى أية (حماية)
نفسية من
الآخرين. بيد
أن هذا لا
يعني أن (الحماية
النفسية) أو (الأمن
النفسي) لا
يشكل لديها (حاجة)
بقدر ما يعني
أن تحديد هذه
(الحاجة)
يصحبه تصور
خاص مختلف عن
التصور
الأرضي له. ويمكننا
ـ في البدء ـ
أن نقرر
أهمية مثل
هذه الحاجة
ومشروعيتها
في التصور
الإسلامي،
متمثلة في
النص التالي
للإمام علي
بن الحسين (ع):
قال (ع) في
الوثيقة
النفسية
التي سنعرض
لها في مكان
آخر من هذه
الدراسة،
ونعني بها:
الوثيقة
التي ترسم
مبادئ الصحة
النفسية في
خطوطها
العامة وهي
دعاء "مكارم
الأخلاق": "اللهم
صل على محمّد
وآل محمد.
وأبدلني من
بغضة أهل
الشنآن
المحبة. ومن
حسد أهل
البغي
المودة. ومن
ظنة أهل
الصلاح
الثقة. ومن
عداوة
الأدنين
الولاية. ومن
حقوق ذوي
الأرحام
المبرة. ومن
خذلان
الأقربين
النصرة. ومن
حب المدارين
تصحيح المقة.
ومن ردّ
الملابسين
كرم العشرة.
ومن مرارة
خوف
الظالمين
حلاوة
الأمنة". هذا
النص يتضمن
تسع حاجات
أمنية هي:
الأمن أو
الحماية من
الحاقدين،
والحساد،
والمتهمين،
وعداوة
الأدنين،
وقطيعة ذوي
الأرحام،
وخذلان
الأقارب،
والحب
الزائف،
والقسوة،
والظلم. إن
هذه الحاجات
التسع تبدو
وكأنها
حاجات
فعلاً، تحس
الشخصية
المسلمة
بأهمية
توفرها: فهي
تطالب بأن
يحبها
الآخرون
بدلاً من
الحقد
عليها،
وتطالب بأن
يوادها
الآخرون
بدلاً من أن
يحسدوها،
وان يحسنوا
بها الظن
بدلاً من
توجيه التهم
إليها، وإن
يواليها
ويبرها
وينصرها:
الأدنون
وذوو
الأرحام
والأقرباء:
بدلاً من
العداوة
والقطيعة
والخذلان،
وأن تعيش
بمنأى عن
الأذى الذي
يلحقها بها
الظالمون:
السلطة أو
أية جماعة أو
فرد يعرضها
للأذى. أكثر
من ذلك: فإن
الشخصية
الإسلامية
لا تحس
بالحاجة إلى
الحماية أو
الأمن من أذى
الآخرين
فحسب، بل
تطالب بأن
تنتصر على (الآخرين)
أيضاً: وهذا
ما يجسد قمة
الحاجة إلى
الأمن
النفسي. ولنتابع
دعاء مكارم
الأخلاق،
حيث يضيف إلى
الحاجات
الأمنية
التسع
المذكورة،
تسع حاجات
أخرى، تطالب
بالانتصار
على الآخرين.
ولنقرأ: "اللهم
صلّ على
محمّد وآل
محمّد: واجعل
لي يداً على
من ظلمني.
ولساناً على
من خاصمني.
وظفراً بمن
عاندني. وهب
لي مكراً على
من كايدني.
وقدرة على من
اضطهدني.
وتكذيباً
لمن مقتني.
وسلامة ممن
توعدني.
ووفقني
لطاعة من
سددني.
ومتابعة من
أرشدني. ونحن
إذا
استثنينا
الحاجتين
الأخيرتين (الطاعة
والمتابعة
للمسدد
والمرشد)،
حينئذ نواجه
سبع حاجات
تطالب
جميعها
بالانتصار
على القوى
المهددة
لأمن
الشخصية.
فالشخصية
الإسلامية (من
خلال حاجتها
إلى الأمن)
لا تكتفي
بالمطالبة
بابدال ما
يهدد أمنها،
بل تطالب
بالانتصار
على القوى
المهددة
أيضاً. إنها
لا تريد أن
تأمن شرور
الظالمين
فحسب، بل
تطالب بأن
تكون لها يد
على
الظالمين
أيضاً. وكل
أولئك يعني ـ
بما لا لبس
فيه ـ إن
حاجتها إلى
الأمن أو
الحماية لا
أنها مشروعة
فحسب بل إنها
ملحة. والسؤال
هو: كيف يمكن
أن نوفق بين
ذهابنا إلى
أن الشخصية
الإسلامية
لا تحس
بالحاجة إلى
(الحماية) من
الآخرين (كما
قررنا عند
الحديث عن
الانتماء
والتقدير
الاجتماعيين)،
وبين ذهابنا
إلى مشروعية
وإلحاحية (الحاجة
إلى الحماية)؟. إن
أدنى تأمل في
هذا الصدد،
يحسم الموقف
بوضوح حينما
نقرر بأن
المطالبة
بتوفير (الأمن)
لم يكن ـ في
حد ذاته ـ
غاية أو
هدفاً: كما
هو شأن البحث
الأرضي الذي
يقرر أهمية
مثل هذه
الحاجة،
مادامت
متصلة
بتوفير
الحياة التي
لا يملك
البحث
الأرضي
سواها،
وإنما تظل
المطالبة
بتوفير
الأمن ـ في
التصور
الإسلامي ـ
مرتبطة بهدف
آخر: ليس هو
الحياة من
أجل الحياة،
بل: الحياة
من أجل (الهدف
العبادي أو
الخلافي في
الأرض). فلكي
يتوفر
للشخصية
الإسلامية
مناخ ملائم
لتحقيق
ممارساتها
العبادية،
يتعين حينئذ
(دافع الأمن)
لديها
مادامت
القوى
المهددة
لاستقرارها،
تحتجزها عن
متابعة
العمل
العبادي في
شروطه
الملائمة،
لأن ذلك نابع
من مجرد
الحاجة إلى
توفير (الأمن)،
ولو كان
الأمر كذلك
لما كان
للمطالبة
بتحمل
الشدائد
ومواجهة
مختلف
الاحباطات،
والتضحية (حتى
بالعمر من
أجل الله)
أية دلالة من
التوصيات
الإسلامية. إذن: (الدافع
إلى الأمن)
لدى الشخصية
الإسلامية،
يفترق
تماماً عن (الدافع
إلى الأمن)
لدى الشخصية
الأرضية. الشخصية
الإسلامية
تستثمر (الحاجات
الأمنية)
مجرد وسيلة
لهدف آخر هو (الممارسة
العبادية). أما
الشخصية
الأرضية،
فإن حاجتها
إلى الأمن
تظل (هدفاً)
بذاته. ويترتب
على هذا
الفارق أن أي
تهديد لأمن
الشخصية
الأرضية،
يفقدها
توازنها
الداخلي،
ويفقدها
دلالة
الحياة
أساساً: حتى
تقع في نهاية
المطاف في
وهدة المرض
النفسي أو
تقدم (في
الحالات
المرضية
الشديدة) على
الانتحار. أما
الشخصية
الإسلامية
فلا يعنيها
أي تهديد
لأمنها،
مادام الأمر
مجرد "وسيلة"
إلى غاية:
ففي حالة
التهديد
الفعلي، مثل:
إيداعها في
السجن، أو
مطاردتها،
أو تضييق
الخناق
عليها، أو
محاربتها
بشتى
الوسائل
النفسية، ...
في مثل هذه
الحالات
تحتسب
الشخصية ذلك
من أجل الله،
وتعده
واحداً من
مختلف
الاحباطات
التي
تواجهها في
الحياة
العابرة،
معوضة ذلك
بثمن آخر هو:
الثواب
الأخروي،
وانتزاع
التقدير من
الله،
والتثمين
للحقيقة
الموضوعية
التي تنطوي
عليها قيمة (السماء)
في حد ذاتها. وإذا
كان الأمر
فيما يتصل بـ(الحاجات
الأمنية)
محكوماً
بهذا
الطابع، فإن
الحاجة
الأخرى
ونعني بها:
الحاجة إلى
الحياة أو
دافع الحياة
يظل محكوماً
بالطابع
ذاته أيضاً.
وهو أمر
يتطلب
مزيداً من
التفصيل. إذن:
فلنتجه
لمعالجة
الدافع
المذكور: من
الحقائق
التي لا
يتناقش فيها
اثنان، ان (الدافع
إلى الحياة)
يظل أشد
الدوافع
إلحاحاً في
تركيب
الشخصية. وبالرغم
من أن بعض (علماء
الأقوام)
يحاول نفي
فطرية هذا
الدافع عند
بعض الرهوط
أو الأفراد،
إلا أن نفيه
في الواقع
يعد تعبيراً
عن اثباته
عند أولئك
الرهوط أو
الأفراد. ولعل
ظاهرة (الانتحار)،
أو التضحية
بالعمر
يعدان
مظهراً
يرتكن
الباحثون
إليه بعامة
في التدليل
على عدم
فطرية
الدافع
المذكور. بيد
أنه من
الواضح (فيما
يتصل
بالانتحار)
أن الاقدام
عليه هو مظهر
آخر من الحرص
على (الحياة)
في الواقع.
فالمنتحر (وهذا
ما تكشفه
الوثائق
وتجارب
الحياة
اليومية)
إنما يقدم
على العملية
المذكورة:
نظراً
لبلوغه
مرحلة (اليأس)
من اشباع
حاجاته مما
يفصح عن أن (حرصه)
على الحياة،
و(إلحاحية)
هذا الدافع
لديه هو الذي
يقتاده إلى (الانتحار).
وبكلمة
جديدة: إن (الانتحار)
هو الوجه
الآخر من (الحاجة
إلى الحياة). واما (التضحية
بالعمر) من
أجل (القيم)
فيعد بدوره
تعبيراً عن (الدافع
إلى الحياة)
أيضاً، ولكن
من خلال
اشباع (اللذة
العقلية)
التي قلنا
انها أشد
فاعلية من (الدوافع
البيولوجية)
بالرغم من أن
هذه الدوافع
أشد إلحاحاً. بيد
أن ما يعنينا
من هذا كله:
أن نحدد حجم
هذا "الدافع
إلى الحياة"
بعامة: سواء
أكان ذلك في
نطاق ما هو
مألوف، أو ما
هو شاذ.
وسواء أكان (الشذوذ)
مرضياً كما
هي ظاهرة (الانتحار)،
أم سوياً كما
هو: الاقدام
على الموت من
أجل القيم. يعنينا
من هذا أن
نعالج
الظاهرة في
ضوء التصور
الأرضي
والإسلامي
لها،
وملاحظة
الفارق
الكبير بين
كل منهما في
حقل الصحة
النفسية. ولنتقدم،
إلى التصور
الأرضي،
أولاً: الشخصية
الأرضية لا
تملك إلا
مساحة محددة
هي (الأرض)،
وإلا زماناً
محدداً هو (عمر)
الشخصية.
وكلاهما (الزمان
والمكان)
يشكلان معنى
(الحياة) في
ذهنها. وطبيعي،
مادام
التركيب
الآدمي
قائماً على
مبدأ (البحث
عن اللذة)،
فإن (الحياة)
تظل هي
المجال الذي
تتحرك فيه
لتحقيق
الاشباع. من
هنا، لا مناص
لها من
التشبث بـ(الحياة)،
وتحقيق فرص
الاشباع
فيها: حسب
الظروف التي
تفرض عليها
حجماً
معيناً من
الاشباع. وفي
حالة (التصعيد:
أي، التضحية
بالعمر) فإن (البديل)
الذي تملكه
شخصية الأرض
هو (الإنسان
الآخر) حيث
تحقق
بتأجيلها
اللذة،
إشباعاً
للإنسان
الآخر. وخارجاً
عن التصعيد،
أو الانتصار
للقيم
العقلية،
فإن شخصية
الأرض إما أن
تختار مبدأ (الخنوع):
كأن تستسلم
لأي مصدر
يحقق
اشباعها،
كما هو الحال
في الخنوع
السياسي
مثلاً. أو
تتجه إلى (العدوان)،
متمثلاً في
السيطرة
السياسية. إذن:
ثمة خيارات
ثلاثة تواجه
شخصية الأرض
في تحقيق
دلالة
الحياة
عندها:
الاتجاه
الخانع،
الاتجاه
العدواني،
الاتجاه
الإنساني. وواضح،
ان الاتجاه
الأخير،
عندما يلغي
دافع الحياة
من ذهنه،
فإنه يلغيه
من أجل (الإنسان
الآخر) ـ كما
قلنا، مما
يعني أن "الإنسان
الآخر" يظل
بدوره
سجيناً في
نفس الدائرة
(دائرة
الحياة: في
زمانها
ومكانها
المحددين)،
وهي دائرة لا
مناص من
اشباعها
بالضرورة،
وإلا لانتفى
معنى (الحياة)
من الذهن. وهذا
ما يمكن أن
يحدث في
الاتجاهات
العابثة
والممردة:
حيث يجيء (الانتحار)
تتويجاً
للاحساس
بعبث الحياة
ولا
معقوليتها،
أي: يجيء
التضحية
بالعمر (ليس
من أجل
الإنسان
الآخر)، بل:
تعبيراً عن
الرفض
للحياة
مادامت لم
تحقق
اشباعاً
عقلياً لدى
هذا الرهط أو
الأفراد. وخارجاً
عن هذه
الدلالة
الفلسفية أو
العقلية،
فإن رفض (الحياة)
يجيء عند
البعض:
احتجاجاً
على عدم
الاشباع
لحاجات "المنتحر":
كأن تسوء
صحته إلى
درجة لا تطاق
مثلاً، أو
يفقد عزيزاً
أثيراً
لديه، أو ... أو
... الخ. ومن
الواضح، إن
الخيارات
الثلاثة:
الانتحار،
أو الخنوع،
أو العدوان:
تشكل خيارات
مريضة لا
تقرها
الاتجاهات
العيادية في
علم النفس
مادامت لا
تتحمل
الاحباط
ونتائجه،
ومادامت
عاجزة عن
التكيف
السليم مع
الحياة. ومن
هنا، فإن
الخيار
الوحيد الذي
تملكه شخصية
الأرض (في
الحالات
السوية) هو: (الموت
من أجل
الآخرين) حيث
يشكل هذا "الخيار"
قمة التأجيل
للذة، وهو
الاتجاه
الإنساني
قبال
الاتجاهات
المتمردة أو
الخانعة أو
العدوانية. بيد
أن الاتجاه
الإنساني
ذاته، يفقد
دلالته ـ في
واقع الأمر ـ
مادام
دائراً في
حلقة ترتد
إلى (الإنسان)
نفسه: أي،
الفرد
الباحث عن
الاشباع
المحدود في (الحياة
العابرة). وبكلمة
أخرى: إن
الشخصية
الأرضية
حينما (تضحي
بالعمر) من
أجل (الآخرين)،
فإنها لم
تصنع شيئاً
إلا من أجل
تحقيق
الاشباع (الإنسان
الآخر) وهذا (الإنسان
الآخر) إما
أن يدور في
حلقة مفرغة (كان
يضحي بعمره
من أجل
الآخرين: دون
أن يحقق لهم
إشباعاً)
وإما أن يحقق
لهم إشباعاً
فعلياً. لكن
السؤال يظل
قائماً: هل
إن الاشباع
الفعلي من
الممكن
تحقيقه في
ضوء احباطات
الحياة
وضغوطها؟ إن
تجربة الأرض
منذ ميلادها
وحتى
اللحظات
المعاصرة
التي
نحياها،
تدلنا بوضوح:
أن تحقيق
الاشباع (وفق
المبادئ
التي تضحي
الشخصية
بعمرها من
أجل
الانتصار
لها) أمر لم
يتحقق بنحوه
السليم طوال
التاريخ كله. وهذا
يعني أن (الإنسان
الآخر) الذي
يضحى بالعمر
من أجله، إما
أن يدور في
حلقة مفرغة:
كل واحد:
يضحي من
حياته من أجل
(آخرين)
يضحون
بحياتهم
أيضاً: دون
أن يتحقق
الاشباع، ...
وإما أن يتجه
الآخرون إلى
الخيارات
الأخرى:
الخنوع أو
العدوان أو
التمرد. إذن:
كل
الاتجاهات
الأرضية بما
فيها (الاتجاه
الإنساني)
تظل عبر
بحثها عن
تحقيق (الدافع
إلى الحياة):
إما أن تحقق
اشباعاً
قائماً على (الخنوع)،
أو اشباعاً
قائماً على
العدوان)، أو
اشباعاً
قائماً على
قيمة عقلية
متمردة،
يائسة (الانتحار)،
أو اشباعاً
قائماً على
قيمة عقلية
لا جدوى فيها
(مادامت تدور
في دائرة
مفرغة) في
اختيارها
للموت بدلاً
من الحياة. وهذا
كله ناجم ـ
بطبيعة
الحال ـ من
طبيعة (الحاجة
أو الدافع
إلى الحياة)
في مساحتها
المحددة من
المكان،
وسنواتها
المحددة من
الزمان،
فيما لا تملك
شخصية الأرض
سواها، مما
يضطرها (بطبيعة
التركيبة
الآدمية
القائمة على
البحث عن
اللذة)، إلى
اشباع مريض
هو الخنوع أو
العدوان، أو
فقدانها
للحياة
أساساً (الانتحار
والتضحية)
دون أن تحقق
الاشباع
للإنسان
الآخر. إن
عزلة الأرض
عن السماء،
تقف وراء
اختيارها
لبدائل
الأربعة
المريضة: فهي
بحكم كونها
لا تفقه
شيئاً سوى
هذه (الحياة
العابرة)،
مضطرة إلى
الوقوع في
أحد البدائل
أو الخيارات: لكننا
حين نتجه إلى
التصور
الإسلامي
للظاهرة،
فإن المشكلة
تحسم
أساساً،
حينما نجده ـ
أي التصور
الإسلامي ـ
يضع المساحة
(الأخروية)
في اعتباره،
قبل كل شيء،
جاعلاً منها
(هدفه)
الرئيس في
هذا الصدد.
أما المساحة
الدنيوية (الحياة)
فلا تشكل
لديه إلا (وسيلة)
تتوكأ
الشخصية
عليها
بمثابة (جسر)
إلى الآخرة. من
هنا تفتقد
هذه (الوسيلة)
قيمتها التي
يتشبث بها
الأرضيون.
فالأرضيون
يكرسون كل
جهودهم من
أجل الوصول
إلى (غاية) هي:
إشباع
حاجاتهم، أو
ما تسميه لغة
الأرض بـ(السعادة). هدف
الأرضيين هو:
إسعاد
الإنسان في
هذه الأرض. وطبيعي،
حينئذ، أن
تكون أعلى
قيم الأرض هو
(التضحية
بالعمر)، من
أجل سعادة (الآخرين)
في هذه
الحياة
المحددة،
وأن يكون ما
عداها اما
خنوعاً من
أجل
الاشباع، أو
عدواناً من
أجله أيضاً،
أو انتحاراً
بسبب عدم
تحقيق
الاشباع:
وكلها
ممارسات
مرضية
بإقرار علم
النفس
العيادي
ذاته. واما
التضحية
بالعمر
مادامت
تقتاد ـ
بالضرورة ـ
الآخر إلى
أحد
الاتجاهات
الثلاثة، أو
إلى الدائرة
المفرغة،
فحينئذ تظل
عملاً بلا
دلالة: وهو
قمة انتكاسة
الأرض. أما
الشخصية
الإسلامية،
فمادامت
الحياة
لديها (وسيلة)
أو (جسراً)
إلى حياة
أخرى، فإنها
غير مضطرة
اطلاقاً إلى
أحد
الخيارات
الأربعة: فلا
تضطر إلى (الخنوع)
في اشباع
حاجتها إلى
الحياة
مادامت تملك
(سواها) في
الدار
الآخرة. كما
لا تضطر إلى (العدوان)
للسبب ذاته،
ولأنها
محظور عليها
أي بحث عن
السيطرة
والاستعلاء
والتفوق،
إنها لا تبغي
علواً ولا
فساداً في
الأرض حسب
الآية
الكريمة
التي ذكرت: وللسبب
ذاته لا تقدم
على
الانتحار:
مادامت (الحياة)
لا تشكل
هدفاً لديها
في غمرة
بحثها عن
الاشباع (الأخروي). وأما (التضحية
بالعمر) أو
الموت،
فمحكومة
بالطابع
نفسه: مادام
الموت
فراقاً
موقتاً
تتبعه حياة
جديدة في
الدار
الآخرة، بل
إنها تستبشر
بالموت أو
الشهادة (من
أجل الله)
ليقينها
تماماً بفوز
الآخرة. طبيعي:
يثار السؤال
التالي: كيف
يمكن حل
التضارب
القائم بين (الدافع
إلى الحياة)
بما يستتبعه
من مختلف
المتع التي
وفرتها
السماء
للآدميين:
بما فيها
متعة (الحياة)
ذاتها، فيما
نلحظ حرص
المشرع
الإسلامي
على توفيرها
حرة، كريمة،
آمنة، وفيما
نلحظ النصوص
المطالبة ـ
على لسان
الآدميين ـ
بتحقيق
اليسر
والرخاء
والسرور
بدلاً من
العسر
والشدة
والمرض... الخ. لاشك،
إن (الرغبة
إلى الحياة)
في نطاق عام
تشكل دافعاً
ملحاً كل
الإلحاح فطر
الآدميون
عليه. بيد أن
المشرع حدد
طرائق خاصة
لاشباع
الدافع
المذكور في
ضوء (المبادئ
الموضوعية)
التي طولبوا
بها. وهو أمر
لا يضاد
الرغبة
المذكورة
كما هو واضح.
فالمشرع
يطالب
الشخصية
بألا تلحق
الأذى
بنفسها، ...
يطالبها بأن
تصارع
الشدائد
والمرض
والموت: بل
حتى أدنى
الاذى من نحو
مطالبته
بعدم ممارسة
الصلوات
المندوبة في
حالة
احساسها
بالملل
مثلاً، بل
تعفيها من كل
ممارسة لا
تطيقها. كل
أولئك
يدلنا، على
أن المشرع
حريص كل
الحرص على
توفير أشد
المتع
اشباعاً لها. بيد
أنه في الآن
ذاته، يرسم
طرائق
الاشباع وفق
مبادئ خاصة:
قد تحقق
فعلاً أشد
المتع
اشباعاً في
نطاق ظروف
خاصة تتهيأ
لهذه
الشخصية أو
لتلك، وقد لا
تحقق
الاشباع في
نطاق ظروف
أخرى. من
هنا تجيء
مبادئ (تأجيل
اللذة)
معياراً
عاماً يرسمه
المشرع لكل
الآدميين:
حتى يطفئ في
أعماقهم (في
حالات
الاحباط) أي
اشباع عابر
تنشده
الشخصية.
مثلما يرسم
المشرع (الدافع
إلى الحياة)
محكوماً
بنفس الطابع:
طابع (تأجيل
اللذة) حينما
يرسمها
متاعاً
عابراً، أو
وسيلة لحياة
أخرى. إذن:
من الممكن أن
تحقق
الشخصية
الإسلامية
اشباعاً لـ (دافع
الحياة)،
مثلما يمكن
ألا يتحقق
الاشباع
المذكور، ...
لكنها في
الحالتين
تظل الشخصية
مشدودة إلى
اشباع أخروي
يعوضها عن (الحياة)
في حالة (زهدها)
بها أو في
حالة
مواجهتها
للشدائد. يترتب
على ذلك، ان
أي اشباع
تنشده
الشخصية
خارجاً عن
نطاق (المبادئ)
المرسومة في
هذا الصدد،
يظل بحثاً
زائداً عن
الحاجة،
وليس (دافعاً)
لا مناص من
اشباعه كما
هو شأن
التصور
الأرضي. من
هنا، ندرك
أهمية
المبدأ الذي
قرره أهل
البيت (ع)
حينما
أوضحوا، أن: "حب
الدنيا رأس
كل خطيئة".[1] فالباحث
عن متعة (الحياة)
من أجل
الحياة (كما
هو شأن الأرض)،
يضطر إلى
ممارسة أي
سلوك يحقق
الاشباع
لديه، على
نحو ما فصلنا
الحديث عنه
في الخيارات
الأربعة
التي
يواجهها. أما
الشخصية
الإسلامية،
فإنها (في
حالة انعدام
وعيها) ستقع
في نفس
المفارقة،
أو الممارسة
المريضة، أو
الخطيئة
التي تتوعد
السماء بها. أما
في حالة
وعيها التام
بالحقيقة
المذكورة،
فإن (الحياة)
تنطفئ في
أعماقها
تماماً:
وعندها
تنطفئ
الممارسة
المريضة (الخطيئة)
بدورها. والكلمة
الأخيرة: إن (الحياة)
في التصور
الإسلامي،
ترتبط
بحقيقة
واحدة فحسب،
لعلها تشكل
أقوى
الدوافع أو
الحاجات
حينما ترتبط
بالمهمة
الخلافية في
الأرض، أي:
حينما تدرك
الشخصية
الإسلامية
دلالة
وجودها في (الحياة). من
هنا، فإن
الإمام
علياً (ع)
ألفت
انتباهنا
إلى أهمية (الحاجة
إلى الحياة)
حينما قال
عنها: "الدنيا
دار صدق لمن
صدقها. ودار
عافية لمن
فهم عنها.
ودار غنى لمن
تزود منها.
ودار موعظة
لمن اتعظ بها:
مسجد أحباء
الله، ومصلى
ملائكة
الله، ومهبط
وحي الله،
ومتجر
أولياء
الله، ..." الخ. فالعافية،
والغنى،
والتجارة
وسواها تظل (حاجات)
و(دوافع) لا
يمكن تحقيق
إشباعها إلا
في نطاق
الممارسة (الحياتية):
مادامت
تقتاد ـ في
نهاية
المطاف، ليس
إلى الاشباع
الموقت (في
نطاق الوعي
بحقيقة
الحياة)
فحسب، بل إلى
الاشباع
الدائم في
نطاق الحياة
الآخرة، وهو
اشباع لا
حدود له. لعل
النشاط الذي
يعنى به علم
النفس
الأرضي فيما
يتصل
بالحاجة إلى
(المسالمة)
أو الحاجة
المضادة لها:
(العدوان)،
لعل هذا
النشاط
يستأثر
بأهمية لا
توازنها
أهمية
النشاط
المتصل
بالحاجات أو
الدافع
الأخرى،
مادامت
غالبية
أنماط
السلوك تتصل
ـ من قريب أو
بعيد ـ بهذا (الدافع). إن
الحقد
والحسد
والغيرة ـ
على سبيل
المثال ـ تعد
(مظاهر)
داخلية
للحاجة إلى (العدوان).
كما أن الحرب
والتنافس
والكلام
الجارح: تعد
مظاهر (خارجية)
للحاجة
المذكورة.
يستوي في ذلك
أن يكون
المظهر (حركياً)
أو (لفظياً).
حتى أنه
يمكننا أن
نصنف كل أو
غالبية
أنماط
السلوك: بما
فيه من (أمزجة)
و(سمات)
ومفرداتها
من: كذب
وخيانة
وخديعة وشتم...
و... و... الخ،
يمكننا أن
نصنفها ضمن (العدوان).
وما
يقابلها،
ضمن (المسالمة). من
هنا، نجد أن
كثيراً من
الباحثين
يتبعون هذا
التصنيف
الثنائي
للدوافع أو
الحاجات، أو
ـ على الأقل
ـ يدرجون
سائر
الدوافع أو
الحاجات
المختلفة،
ضمن هذا
التصنيف
الثنائي
العام. والحق
أن مثل هذا (التصنيف)
الثنائي
للحاجات،
يظل على صلة
كبيرة بواقع
التركيبة
الآدمية،
وهو أمر
يتوفر
المشرع
الإسلامي
على فرز
خطوطه: لكن
ضمن صياغة
خاصة،
متميزة عن
التصور
الأرضي
للتصنيف
المذكور. إن
بحوث الأرض
حينما تتوفر
على دراسة
هذا الجانب (المسالمة
والعدوان)،
تنطلق من
تصورات
مختلفة فيما
يتصل بـ(فطرية)
هذا الدافع
أو (اكتسابيته)،
وبامكان (تعديله).
مثلما
تتفاوت في
تحديد
أسبابه
وعلاجه. فثمة
اتجاه يرى
إلى أن
الكائن
الآدمي (مسالم)
في طبيعة
تركيبه كل ما
في الأمر أن "البيئة"
بما تكتنفها
من (ثقافة)
منحرفة هي
التي تنمي
لديه نزعة (العدوان). ثمة
اتجاه ثان:
يرى إلى
الكائن
الآدمي (صفحة
بيضاء) من
الممكن أن
تحولها (التنشئة)
إلى (مسالم
أو عدواني).
ثمة اتجاه
ثالث: يرى أن (الاحباط)
هو السبب في
انماء
النزعة (العدوانية)،
فمادامت
حاجات
الإنسان لم (تشبع)
بشكل يحقق
توازنه
الداخلي،
فإنه مضطر
إلى أن
يستجيب
للظواهر
استجابة (عدوانية)
مادامت تقف
حائلاً دون
الاشباع. يواكب
هذا
الاتجاه،
اتجاه لا
يقصر الأمر
على الاحباط
أو عدمه أو
درجته وصلة
ذلك
بالعدوان،
بل يجد ـ
أساساً ـ أن
عجز الإنسان
عن اشباع
حاجاته،
وإلى
مفروغية (الاحباط)،
يضطره إلى (العدوان):
بصفته
استجابة
حتمية
للاحباط. على
أن أشد
الاتجاهات (مفارقة)
هو: الاتجاه
الذاهب إلى
أن (العدوان)
يمثل حاجة أو
دافعاً (فطرياً)
يرثه الكائن
الآدمي بـ(الفعل). وفي
نطاق هذا
الاتجاه،
هناك من
يجعله
واحداً من "دوافع"
متنوعة تتصل
بشتى أنماط
السلوك، ومن
يجعله (شطراً)
واحداً من
دافعين
رئيسين
يطيعان سلوك
الإنسان:
شطره الأول
هو: غريزة
الموت، فيما
يظل (العدوان)
مظهر هذه
الغريزة
الأخيرة: (غريزة
الموت). وهذا
كله فيما
يتصل
بالتصورات
الأرضية
لظاهرة (العدوان).
أما التصور
الإسلامي
للظاهرة،
فإنه من
الوضوح
بمكان كبير،
مادمنا قد
أوضحنا في
حينه، أن
الكائن يرث
بـ(القوة)
مبادئ (الشهوة
والعقل) أو (الذات
والموضوع) أو
(الخير والشر)،
وإلى أن
عملية (التأجيل)
التي
يمارسها في
بحثه عن
اللذة هي
التي تترجم (القوة)
إلى (فعل)
إيجابي هو (المسالمة)،
وعدمه (أي:
عدم التأجيل)
هو الذي
يترجم (القوة)
إلى (فعل)
سلبي هو: "العدوان". وقد
أوضحنا في
حينه أيضاً،
أن هذا
المبدأ
الثابت في
تركيبة
الإنسان من
الممكن في ظل
ظروف أو شروط
خاصة أن يطرأ
عليه (التغيير)
بحيث تصبح (النزعة
العدوانية)
ذات طابع (فطري)
ترثه
الشخصية بـ(الفعل):
لأسباب سبق
شرحها
مفصلاً. ولعل
النصوص التي
قدمها
الإمام
الصادق (ع) عن
الأفراد أو
الرهوط
الذين يرثون
(أصولاً
غادرة) ـ
فيما منع
الإمام (ع)
التزويج منه
ـ لعل هذه
النصوص التي
سبق الوقوف
عندها (في
حديثنا عن
الوراثة
والمحيط)،
تلقي انارة
كافية على
الظاهرة. بيد
أن ذلك كله،
يظل (استثناء)
للقاعدة،
وليس مبدأ
عاماً يسم
البشر
بأجمعهم (كما
هو تصور بعض
الاتجاهات
الأرضية)،
إنه يمثل ـ
كما أوضحنا ـ
وراثة (طارئة)،
وليس وراثة (ثابتة)،
انه يمثل (انفاراً)
أو (رهوطاً)
بأعيانهم:
تضافرت جملة
من الأسباب
على تطبيعهم
بالسمة
المذكورة. وخارجاً
عن ذلك، فإن
القاعدة تظل
متسمة
بوراثة (نقية)
عن اية شائبة
من (عدوان). بيد
أن ما نعتزم
التشدد عليه
في هذا
الصدد، هو أن
(العدوان)
يظل أشد
مظاهر (الشهوة)
أو (الذات) أو (الشر)
بروزاً
بالقياس إلى
المظاهر
الأخرى. ولعل
هذا (البروز)
هو الذي دفع
أحد
الباحثين
بأن يجعل (العدوان)
أحد شطري
السلوك، على
نحو لا مناص
من صدور
البشرية
عنه،
متمثلاً في
سلوك (فردي)
هو: مرض
الشخصية،
وفي سلوك (جمعي)
هو: الحرب...
مثلما دفعه
إلى أن يصنفه
إلى عدوان
مباشر باليد
أو باللسان
أو بأية
حركة، وإلى
عدوان غير
مباشر (مثل:
الدعابة،
وفلتات
اللسان، و...
الخ)، بل
دفعه إلى أن
يصور (العدوان)
متجهاً
حيناً نحو (الخارج)
وهو العدوان
المألوف:
وحيناً نحو (داخل
الشخصية)
نفسها فيما
يطلق على ذلك
مصطلح (الماسوشية
وهي: التلذذ
بتعذيب
الذات) قبال
العدوان نحو
الخارج فيما
يطلق عليه
مصطلح (السادية:
وهي: التلذذ
بتعذيب
الآخرين). إن
ما لا مناقشة
فيه، أن يظل (العدوان)
أبرز مظاهر
السلوك "الشهوي"
"الذاتي" "الشرير"،
وإلى أنه يقف
وراء غالبية
الأنماط أو
مفردات
السلوك ـ كما
سنرى، لكنه
لا يمثل ـ (إرثاً)
فطرياً من
جانب، كما لا
يرتبط
بالمفاهيم
التي ينطلق
الباحث
الأرضي
الذكور منها
في تفسيره
للسلوك. وخارجاً
عن ذلك، فإنه
(أي العدوان)
يظل ـ مثلما
قلنا ـ أشد
أنماط
السلوك (الشهوي)
بروزاً من
جانب، وإلى
أنه يقف وراء
غالبية
أنماط أو
مفردات
السلوك (الشهوي)
من جانب آخر. وبإمكاننا
أن نتعرف على
الحقيقتين
المذكورتين،
إذا أدركنا:
أولاً: ان (ايذاء
الآخرين) هو
المظهر
الأشد
بروزاً لكل
سلوك (شهوي).
فالممارسات
الشهوية (الفردية)
الصرف مثل:
الشراهة في
الطعام، أو
المال، أو
الجنس أو
اللهو... الخ،
انما تعكس
آثارها على (الذات)
الشخصية،
دون أن تمتد
إلى (ايذاء
الآخرين).
اما
الممارسات
الشهوية
المرتبطة بـ(الآخرين)،
فإن
انعكاسها
عليهم، يظل
أمراً من
الوضوح
بمكان كبير.
فالقتل أو
التجريح، أو
السب، أو
الإهانة، بل:
الحقد على
الآخرين
بعامة،
والحسد
منهم، تظل
أنماطاً (عدوانية)
أشد بروزاً
من الأنماط
الأخرى
المتصلة
بالبحث عن (التفوق)
أو (الاستطلاع)
أو... أو... الخ. ثانياً:
إن غالبية
مفردات
السلوك، تظل
وراء (النزعة
العدوانية)
بنحو واضح:
فالاعتداء
باليد أو
السلاح، أو
باللفظ من
نحو: الغيبة
والاستماع
إليها،
والافتراء،
والشتم
والاهانة
والمزاح،
وبالحركة
مثلاً:
السخرية
باليد،
والشفاه،
والعيون،
والمحاكاة
بعامة،
وبالممارسات
الخارجية
مثل: الغش
والخديعة
والهجران
والسرقة و...
الخ، كل
أولئك يظل
مشكلة
غالبية
السلوك
اليومي الذي
تمارسه
الشخصية
الأرضية أو
غير
الملتزمة:
فيما تضؤل
أمامها ـ من
حيث الكم ـ
الممارسات
الأخرى غير
العدوانية. ومن
هنا يمكننا،
أن ندرك سر
التوصيات
الإسلامية
الحائمة على
هذا المظهر
من السلوك:
بصفته أشد
أشكال الذات
بروزاً،
وأضخم
المفردات
رقماً. بل
يمكننا أن
ندرك صلة (الشخصية)
بالآخرين:
فيما يشدد
المشرع
الإسلامي
عليها من
خلال مبدأ (الحب،
وقضاء
الحوائج) حيث
يمثلان
الدلالة
الوحيدة
المشروعة ـ
في التصور
الإسلامي ـ
لصلة
الشخصية
بالآخرين،
وإلا فإن (الآخرين)
ـ كما لحظنا
ـ ملغون من
حساب
الشخصية
التي تتعامل
مع السماء. إن
مبدأ (حب
الآخرين) و(قضاء
حوائجهم)
يمثلان
الطرف
المضاد
تماماً،
لطرف (العدوان)
أو (الحقد)...
فيما يعني:
إن غالبية
مفردات
السلوك (الاجتماعي)
الذي يرسمه
المشرع
للشخصية في
تعاملها مع (الآخرين)،
هذه
المفردات
بأكملها أو
بغالبيتها
قائمة على
التدريب على
نبذ (العدوان):
لأن (الحب)
يعني بوضوح (المسالمة)
بدلاً من (العدوان،
كما ان قضاء
حوائج
الآخرين
يعني بوضوح:
إن الشخصية (تحب)
الآخرين
فتقضي
حاجاتهم، أي:
أنها (مسالمة)
حيالهم، لا
أنها (معادية)
لهم. إذن:
كل أنماط
السلوك
الاجتماعي
أو غالبيته
قائمة على
طرفي (المسالمة)
أو (العدوان)،
فيما نخلص
منه إلى
أهمية تنظيم
الدافع
المذكور،
ونعني به (الدافع
إلى
المسالمة)
بدلاً من (الدافع
إلى العدوان). ومن
هنا، فإن
المشرع
الإسلامي،
يظل ـ في
توصياته
ملحاً على
مستويات شتى
من (التنظيم)
للدافع
المذكور،
متمثلاً في
معالجته لكل
مفردة من
مفردات
السلوك: بغية
ازاحة (النزعة
العدوانية)
من الأعماق
وابدالها
بالنزعة
المسالمة:
اشاعة الحب
في الآخرين،
واشباع
حاجاتهم. إن
الفارق بين
التصور
الإسلامي
لنزعتي "المسالمة"
و(العدوان)
وبين بعض
تصورات
الأرض، أن
الأخيرة
منها (أي: بعض
الاتجاهات
الأرضية)
حينما تجعل (العدوان)
وكأنه (فطري)،
إنما تقلل ـ
إن لم تمسح ـ
فرص ـ
التوازن
الداخلي
والخارجي
للإنسان. والغريب
إن هذه
الاتجاهات
تطالب بـ(الحب)
وتجعله
معياراً
للشخصية
السوية قبال
الشخصية
العصابية من
نحو مقولة
أحدهم في
تحديد
الشخصية
السوية،
أنها هي التي
(تُحِب
وتُحَب)، (فرويد)
لكنه في الآن
ذاته يقرر
مفروضية
العصاب
الفردي
والجمعي (الأمراض
والحروب)
مادام (العدوان)
يشكل نزعة
فطرية لا
مناص من صدور
الإنسان
عنها. والغريب
أيضاً، أن
ثمة باحثة
معروفة (هورني)
تطالب
مثلاً،
بالرد على
العدوان
لأنه يساهم
في خفض
التوتر من
الأعماق؛ في
حين يطالب
المشرع
الإسلامي
بالعفو،
والتسامح:
لازاحة
البقايا من
الأعماق... وكم
هو الفارق
بين اتجاه
أرضي يوحي
بأن الازاحة
العدوانية
غير ممكنة،
أو على الأقل:
يمكن
تخفيفها
فحسب، أو
تحويلها ـ من
خلال عمليات
التسامي ـ
إلى نشاطات
مقبولة
اجتماعياً،
أو أن
ممارسته
أحياناً
يخفض من
توترات
الفرد، كم هو
الفارق بين
مثل هذا
الاتجاه
الذي يساهم
في تدمير
الإنسان
وتوتيره،
وبين
الاتجاه
الإسلامي
الذي يطالب
بالحب،
ويجعله
أساساً
ثابتاً في
علاقة
الإنسان
بالآخرين من
نحو اشاعته
مبادئ عامة
في الحب مثل:
المؤمنون
اخوة، وإلى
أنهم كأعضاء
الجسم إذا
اشتكى منه
عضو تداعت له
سائر
الأعضاء، ...
ومثل
مطالبته
بقضاء حوائج
البعض
الآخرين،
ومثل
مطالبته
بالتزاور
بينهم،
والتودد إلى
الآخرين،
ومداراتهم،
والإصلاح
بين
المتنازعين
فيما بينهم،
والصفح عن
المسيء
منهم، و... و...
الخ. ولحسن
الحظ ـ كما
أشرنا في
مكان آخر من
هذه الدراسة
ـ أن رائدي
الاتجاه
الأرضي
المذكور لا
يملك تصوراً
عملياً
ثابتاً في
مراحل حياته
التي شهدت
تقلبات
متنوعة في
نظراته،
مثلما كان
مريضاً أقر
بنفسه على
ذلك في
مذكراته،
فضلاً عن أنه
استقى
تجاربه من
بيئة منحرفة
شاذة أشار
إليها مؤرخو
حياته. خلاصة
القول:
التصور
الإسلامي
لدافعية (العدوان
والمسالمة)،
يحسم الموقف
حينما
يخضعهما
لمجرد (ميراث
بالقوة)،
وإلى أن (التدريب)،
على (المسالمة)
كفيل بمسح
أية شائبة
عدوانية
تفرضها
التنشئة
المنحرفة،
حتى ليتحول
الأمر ـ في
نهاية
المطاف ـ كما
أشار النبّي
(ص) ـ إلى أن
المداومة
على فعل
الخير (ومنه:
التدريب على
الحب) يستتبع
كراهية الشر
(ومنه:
النزعة
العدوانية)
بحيث تصاغ
الشخصية
مسالمة،
محبة تنفر من
(العدوان) لا
أنها تصدر
عنه. [1]
الوسائل: باب
61 حديث 4،
جهاد النفس.
|
||||||||
|