.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

حتى لا تحطم أحلام والديك

العلم نور 

ممارسة.. الدور الاجتماعي

الواقعية والطموح

رسالة إلى ابني

 

الفصل السابع

حتى لا تحطم أحلام والديك ‍‍

حادثة مروعة يذهب ضحيتها شاب في ريعان شبابه، فيصعد شاهقاًً ويرمي بنفسه تاركاً الدنيا، ومن فيها!

وآخر يستسلم لضغوط رفاقه المنبوذين والمدمنين على المخدرات فيتأثرسلبياً بهم، فيقترف الجريمة البشعة في حق نفسه ومجتمعه دون تردد، ويقدم عليها بكل إصرار وعزم!! ‍‍‍‍

ليزج في دهليز السجن المظلم عشرات السنين!!!

لِمَ التوجه للانتحار؟ والرغبة في الموت؟

ولماذا تحطم أحلام والديك؟ وتقضي على بصيص النور الذي يرونه فيك؟؟ فالحياة جميلة ولا تزال كذلك.. برغم كل المساوئ والأخطار الحاصلة فيها.

كن على بصيرة.. بأنك اليوم رجل ومسؤول، عن نفسك وسلوكك ووقتك، بل أنت الآن في أجمل وأحلى مراحل عمرك، فلا تعجل بالحكم على نفسك بالموت بهذه البساطة!

فوالدك ووالدتك بحاجة إليك فلا تحرمهم لذة العيش معك.

ولا تكن قاسياًً عليهما!!

العلم نور

" ومن تعلّم في شبابه كان بمنزلة الرسم على الحجر، ومن تعلّم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء"[1].

" لست أحب أن أرى الشاب منكم إلاّ غادياً في حالين: إمّا عالماً أو متعلماً، فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق ّ "[2].

هاجر شاب إلى بغداد لطلب العلم، وبعد أن نال بغيته من العلم أراد السفر إلى وطنه، فاستأجر دابة لتوصله إلى أهله، وقبل أن يسافر سمع نقاشاً علمياً يدور بين اثنين من أصحاب الحوانيت القريبة، فأعجب بذلك وتأثر به، وطلب من صاحب الدابة أن يعيده إلى محل إقامته ببغداد، وقال له:

" إن بلداً أوصله بهذه المنزلة من العلم لا ينبغي أن يرحل عنه ".

وعكفوا على مطالعة الكتب، وهاموا حتى كانوا في أثناء مطالعتهم لا يستجيبون لمن دعاهم. فقد أرسل أحد الخلفاء، خادمه ليطلب له عالماً يسامره ويتحدث معه، فلما أتى الخادم وجده جالساً وحوله كتب كثيرة يقرأها فقال له:

ـ إن أمير المؤمنين يستدعيك.

ـ قال له: إن عندي قوماً من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت إليه.

فعاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك فقال له:

ـ ويحك من هؤلاء الحكماء الذين عنده؟!!

أحضره.. الساعة كيف كان.

ـ وانطلق الخادم فأحضره في الوقت فقال له الخليفة:

ـ من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك؟

ـ يا أمير المؤمنين..

أمينون مأمونون غيباً ومشهداً

معيناً على نفي الهموم مؤبداً

وعقلاً وتأديباً ورأياً وسؤدداً

ولا تتقي منهم لساناً ولا يداً

وإن قلت أحياءٌ فلست مفنداً

هم جلساء ما نمل حديثهم

إذا ما خلونا كان خير حديثهم

يفيدوننا من علمهم على ما مضى

فلا ريبة يخشى ولا سوء عشرة

فإن قلت أمواتاً فلست بكاذب

ممارسة..الدور الاجتماعي؟

أين شبابنا ذوو العزيمة والهمة؟

أين الأخيار من أبناء أمتنا أصحاب الطموح والمواهب والطاقات؟

المجتمع.. يناديهم، ولا بد من النهوض لتلبية النداء الاجتماعي، فالساحة فارغة.. فهل من مزيد!!

[ولّى الرسول (ص) عتّاب بن أسيد على مكة، وعمره إحدى وعشرون عاماً، وأمره أن يصلي بالناس، وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وقال له (ص): يا عتّاب. تدري علـى من استعملتك؟ إستعملتك على أهل الله عزّ وجلّ، ولو أعلم لهم خيراً منك استعملته!

وحينما اعترض بعض أهل مكة على ذلك، قال (ص):

" ولا يحتج محتج منكم على مخالفته بصغر سنه، فليس الأكبر هو الأفضل بل الأفضل هو الأكبر"][3].

بنظرة خاطفة على المجتمعات.. نرى ونسمع بحالة الفراغ والكبت والتمرد تتحكم بحياة المئات بل الآلاف من الشباب ذوي الطموح وأصحاب الهمم، ولكن المشكلة!

عدم إتاحة الفرص لهم، وإعطاؤهم الثقة التي يستحقونها، فيعزل الشاب عن المجتمع، ويختفي بالتدريج عن الناس والجماعة و... و...

 فالمجتمع الرافض للشباب، لا يمكن للشباب أن يستمروا في المسير معه إلا من اطمئن قلبه بالإيمان، وقاوم بإرادته كل التحديات!!

قال تعالى:

(ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين، إذ قال لأبيه وقومه، ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون. قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين، قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين، قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين، قال بل ربّكم رب السماوات والأرض الذي فطرهنَّ وأنا على ذلكم من الشاهدين، وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين، فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون..)[4].

الواقعية والطموح

= لا بد لمن يدخل المراهقة، متقبلاً لذاته، ان يكون قد تعلم منذ صغره أن يتقبل ذاته، وأن يكون قد اعتاد العيش براحة مع نفسه إلى جانب تطلع دائم نحو التغيير، ولا بد أن يتقبل ذاته، ويتقبل مجابهة الحياة ببعديها السلبي والإيجابي بواقعيته، ويشعر من يتقبل ذاته أن له الحق في أن يتكلم ويعيش ويستخدم طاقاته، وينمي قدراته واهتماماته دون الإحساس بالندم[5].

ويعلق الكاتب المشهور بل ديورانت في كتابه قصة الحضارة: ـ

= إذا بلغ الأولاد السادسة عشرة من عمرهم، كان ينتظر منهم أن يعتنوا عناية خاصة بالتربية البدنية التي تعدهم بعض الإعداد إلى الأعمال الحربية[6].

إذا قُورنت الصورتان في المجتمع البدائي والمجتمع العصري، وحالة الشباب في كلتيهما لقلنا بأن الشباب في المجتمع البدائي، كان يحظى بالرعاية المركزة، والاهتمام الخاص من قبل البيئة والأسرة والدولة، فلا وقت للفراغ، ولا مجال للكسل والانعزال عن الناس، أما اليوم وتحت طائلة الثقافة المستوردة التي حطمت كل قيم الأصالة، ودمرت النساء وأفسدت الشباب والأطفال، فمن بقي إذن سالماً لم تصبه شرارة الأعداء!!

فشبابنا.. بحاجة إلى من يقف بجانبهم ويضع أمامهم المناهج لتحفظهم من الانحدار نحو المعاصي.

تقوية الثقافة الاجتماعية الصحيحة، حتى تستوعب الشباب أينما كانوا، ليعوض ذلك عمّا فقدوه من العائلة الصحيحة.

تكوين الأحزاب والنقابات الصحيحة، لتجمع الشباب وتصرف طاقاتهم في البناء بدل الهدم أو الضياع.

تكوين [ وزارة الشباب ] للعمل الدائب في انتشالهم من المزالق والمهاوي .

تكوين المؤسسات الشبابية لجمعهم وهدايتهم إلى الصراط السوي وذلك بإعطائهم حاجاتهم وحل مشكلاتهم والإجابة عن أسئلتهم، وصرف طاقاتهم في المصارف الصحيحة[7].

من القلب!!

رسالة إلى إبني!

إنك الآن تودع طفولتك وتستعد لاستقبال رجولتك، إنك تبدأ فترة يسميها علماء النفس والتربية فترة المراهقة، وهي فترة يعتقد الكثيرون أنها صعبة عسيرة خطيرة فيقلقون لها ويخشونها، ولا تنتبه إليها وإلى شأنها، وأعتقد أنا أنها فترة مهمة، وليس من الضروري أن تكون شاقة ولا عسيرة، إذا تنبّه الأهل والمربون إلى أهميتها، واتخذوا منها موقف الجد المتفائل والتوجيه الذكي الذي يتسم بالهدوء وسعة الصدر وحسن الفهم ولباقة الإشارات.

وإنني..أفتح عينيك على حقائق الحياة، ثم أتركك لذكائك وعقلك وقدراتك إيماناً مني بأن مصير كل إنسان إنّما يكون من صياغته هو، فهو حق له، وواجب عليه.

أي بني:

وفي بنائك حياتك ورسمك لمصيرك أحب لك أن تكون واعياً ذكياً فلا تقبل أن تنساق بالصدفة وأن تدفع بالحوادث الطارئة، وان توجهك تصاريف الزمان.

لقد منحك الخالق ـ عزّ وجلّ ـ عقلاً وأعطاك حرية، ثم قال لك خض معركة الحياة فلماذا تتخلى عن هذين السلاحين؟!

لماذا تعطل عقلك؟ وتتنازل عن حريتك، وتترك نفسك ريشة تتقاذفها عواصف الحياة ورياح الصرف؟

إستفد من عقلك في صياغة أهدافك في الحياة. واحرص على حريتك في اختيار طريقك فيها، واجهد في سبيل ذلك ودافع عنه.

ولدي!

لو سألتني عن أهم صفة من صفات العصر الذي تعيش فيه لقلت لك غير مترددة إنه عصر العمل، ولو سألتني عن أهم مكتشفات هذا القرن، لقلت لك إنها قيمة العمل، قيمته في بناء حياة الفرد، وقيمته في بناء المجتمع، وقيمته في بناء الإنسانية.

والحق أن العمل هو الطريق الأوحد لتنمية الشخصية البشرية، وصقل الطبع الإنساني، وإبراز المواهب الفردية، وتمتيع الإنسان بالسعادة والرضى وليكن اختيارك لعملك على أساس من:

1 ـ قدراتك.

2 ـ ميولك.

3 ـ قيمة هذا العمل لمجتمعك.

ولدي الحبيبب!

حاسب نفسك، أنظر إلى أعمالك وأقوالك، دقق في مواقعك ودوافعك وقف من هذا كله موقفاً موضوعياً لا يقبل التبرير ولا يلتزم بالتزمت.

وبعد...

وبعد أيها الولد الحبيب:

لقد أطلت عليك ولكنني أحببت أن أحدثك عن كل ما أعتقدت أن من واجبي أن أبسطه لك وأن أبصرك به.

متعك الله بالسعادة، وجنبك مزالق الحياة، وعصمك من الزلل، وجعلك عضواً نافعاً لمجتمعك، لائقاً بإنسانيتك[8].

 


[1]  ميزان الحكمة : ج5 .

[2]  ميزان الحكمة : ج5 ، ص8 .

[3]  مسؤولية الشباب : ص34 .

[4]  سورة الأنبياء ، الآية : 50 ـ 65 .

[5]  مشكلات الطفولة والمراهقة : ص234 .

[6]  قصة الحضارة : ج7 ، ص353 .

[7]  الفقه الاجتماع : ص353 .

[8]  متقتطعات من كتاب العربي / 23 . ص65 ـ 81 .

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست