.

.

النهاية

اللاحق

السابق

النهاية

  الفهرست
 

لنا منزل ينتظرنا.. هل فكرنا؟

تجنب الترف والتخلي عن القشور

لا إسراف ولا تبذير

التهيئة للمنزل الأخير

 

الفصل السابع والعشرون

لنا منزل ينتظرنا.. هل فكرنا؟

" إلهي أسكنتنا داراً حفرت لنا حُفر مكرها، وعلّقتنا بأيدي المنايا في حبائل غدرها، فإليك نلتجي من مكائد خدعها، وبك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها، فإنها المُهلكةُ طُلاَّبها، المُتلفة حلالها، المحشوة بالآفات المشحونة بالنكبات

إلهي فزهِّدنا فيها، وسلِّمنا منها بتوفيقك وعصمتك، وانزع عنا جلابيب مخالفتك، وتولَّ أمورنا بحسن كفايتك، وأوفر مزيدنا من سعة رحمتك، واجمل صلاتنا من فيض محّبتك، وأتمم لنا أنوار معرفتك، وأذقنا حلاوة عفوك، ولذّة مغفرتك، واقرر أعيننا يوم لقائك برؤيتك، واخرج حبّ الدنيا من قلوبنا كما فعلت بالصالحين من صفوتك والأبرار من خاصتك برحمتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين ". (الصحيفة السجادية).

لنا منزل ينتظرنا!

هل فكرنا؟!

" قيل للحسين بن علي (ع)..

كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟

ـ " أصبحت ولي رب فوقي، والنار أمامي، والموت في طلبي، والحساب محدقٌ بي، وأنا مرتهن بعملي لا أجد ما أحب، ولا أدفع ما أكره والأمور بيد غيري، فإن شاء عذّبني، وإن شاء عفا، فأي فقير أفقر مني "[1].

الحياة الدنيا ليست هي النهاية!

فلماذا الغفلة والنسيان؟

بل لماذا الظلم والكبرياء والغرور!

من منا.. ضمن البقاء والخلد؟!

لا أحد على الإطلاق.. الكل يتوجه إلى دار الآخرة، إلى حيث المأوى والمقام.

إن الحياة الدنيا جميلة، وكل شيء فيها يُرغّبُنا بالبقاء فيها أكثر فأكثر.

ولذا وردت الآيات الشريفة تدلل على رفض الإنسان لواقع الموت:

(ولا يتمنونه أبداً بما قدّمت أيديهم، والله عليم بالظالمين) (الجمعة: آية 7).

... وللوصول إلى طريق الفوز [يلزمنا]:

1 ـ تَجُنُبْ الترف والتخلي عن القشور:

الظاهرة السائدة في مناطقنا هي التنافس اللاإيجابي في البناء والعمران وقد يخسر المرء الملايين من الدولارات لبناء مسكن له ولأفراد عائلته، دون أن يتذكر بأنه راحل عن بيته وأبنائه، وأمواله ولن تكون عليه في يوم ما رحمة له، بل ستكون نقمة عليه.

هل تصدق!؟

إن سوراً واحداً مساحته 1300م2 كلفه مليونين ونصف المليون، ليس لبناء الفيلا؟

بل لأجل بناء السور الخارجي، ومن الجهة الأمامية للمنزل فقط!!

ويطاوعه ضميره، أن يدفع كل هذا السعر لأجل الرياء والسمعة!

" جاء في الحديث عن رسول الله (ص):

" من بنى بنياناً رياءً وسمعةًً حمله يوم القيامة إلى سبع أرضين ثم يطوقه ناراً توقد في عنقه، ثم يرمى به النار، فقلنا يا رسول الله:

كيف يبني رياءً وسمعةً؟

قال: يبني فضلاً عن ما يكفيه أو يبني مباهاة "[2].

2 ـ لا إسراف ولا تبذير:

المال الذي بين يديك الآن، ليس مالك أنت، بل هو مال الله، والله أراد امتحانك ليرى كيف تتعامل مع هذا المال وفي أي الموارد تضعه.

إذن إعطاء المرء المال، إنما هو امتحان لتدابيره فيه وفي أي جهة يسوغها أما عن حرمان المال وابتلاء الفقر، فهذا الآخر امتحان أيضاً، ومعرفة صبره عند الفاقة وتحمله عند الشدائد من الجوع والحرمان فالإمام الحسن (ع) كان يقاسم الله في ماله كل سنة ويعطيها لمستحقيها.

أنظر قبل كل شيء إلى المورد الذي تضع فيه المال.

سافر شاب أعرفه.. إلى هونج كونج ليجلب لمنزله ثريا ضخمة يضعها في منزله ليسلط أنوارها على سلم البيت بـ 95000 بخمسة وتسعين ألف دولار!!!

إذا كان هذا لأجل الثريا.. فما بال الاحتياجات والكماليات الأخرى!!

لِمَ لا تفكر طويلاً!!

" قال رجل للحسين بن علي (ع) بنيت داراً أُحبّ أن تدخلها وتدعو الله، فدخلها، فنظر إليها

ثمّ قال: أخربت دارك وعمرت دار غيرك، غرّك من في الأرض، ومقتك من في السماء "[3].

رأى رسول الله (ص) قبّة مشرفة فسأل عنها فقيل: لفلان الأنصاري فجاء فسلّم عليه، فأعرض عنه فشكا ذلك إلى أصحابه فقالوا:

خرج فرأى قبّتك، فهدمها [الأنصاري] حتى سوّاها بالأرض، فأخبر بذلك، [فقال صلى الله عليه وآله:] أما انّ كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لابدّ منه "[4].

3 ـ التهيئة للمنزل الأخير:

يجمع الإنسان الأموال الطائلة. ولا يكون له نصيب فيها إلا بمقدار كفنه، ويبني فيها القصور ثم يذهب ويتركها!! لغيره.

يقول أمير المؤمنين:

" معاشر الناس، اتّقوا الله، فكم من مؤمّلٍ ما لا يبلغه، وبانٍ ما لا يسكنه، وجامع ما سوف يتركه..."[5].

وقال أيضاً:

" ومن العناء أن المرء يجمع ما لا يأكل، ويبني ما لا يسكن، ثم يخرج إلى الله تعالى لا مالاً حمل، ولا بناءً نقل! "[6].

فلماذا نشتغل بالدنيا ونترك الآخرة، والدنيا فناء، والآخرة بقاء.  

 

قد غرّه طول الأمل

 

يا من بدنياه اشتغل

والقبر صندوق العمل

 

الموت يأتي بغتة

نعم!!

الدنيا مشاغلها كثيرة، تجرفنا مع تياراتها يميناً وشمالاً، ونتناسى مصيرنا المحتوم وأجلنا المكتوب ولا بد لنا من وقفة نعيد فيها حساباتنا!!  

 

إذا جنَّ ليل هل تعيش إلى الفجر

 

" تؤمِّل في الدنيا طويلاً ولا تدري

 

 وكم من عليل عاش دهراً إلى دهر

 

فكم من صحيح مات من غير علة

 

وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري "

 

وكم من فتى يُمسي ويصبح آمناً

... فلا بد لنا من تذكر النهاية القادمة، وأن نكون على أهبة الاستعداد لأن الموت قادم لا محالة رضينا أم أبينا، برصيد العمل الصالح الذي يلازمنا إلى يوم الحشر الأكبر.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" أخلاء ابن آدم ثلاثة، واحد يتبعه إلى قبض روحه، والثاني يتبعه إلى قبره، والثالث يتبعه إلى حشره، فالذي يتبعه إلى قبض روحه فماله، والذي يتبعه إلى قبره فأهله، والذي يتبعه إلى حشره فعمله "[8] .

إذن لنبلور أهدافنا، ونرسم منهجنا في الحياة دون أن يسبقنا الوقت، ويفوتنا الأوان.. ونعمل لأجل دار البقاء.

قال الله تعالى:

(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أؤلئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون)[9]

حين يصل المرء إلى التكامل بين شطري العمل في الدنيا والعمل في الآخرة، فالتفاضل للآخرة أوّلاً ثم الدنيا (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا) حينها يبلغ ذروة السعادة الحقيقية وهذا ما نراه جلياً في حياتنا اليومية.

فالناس المؤمنون يعيشون حالة الارتياح النفسي وعدم الخوف من النتائج. أما الناس اللامؤمنون ـ فهؤلاء مصابون بالعاهات النفسية والعصبية ويدّمرون حياتهم وآخرتهم، دون الوصول إلى السعادة أو حتى استشعارها في أعماقهم للحظة!!

ولذا.. حين يستشعرون اقتراب الموت من أنفسهم يندمون حين لا يجدي الندم ويتحسرون على أنفسهم وأي حسرة!!

(حتى إذا جاء أحدهم الموت، قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها * ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون * فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه، فأولئك هم المفلحون * ومن خفت موازينه فأولئك الذي خسروا أنفسهم في جهنّم خالدون * تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون * ألم تكن آياتي تُتلى عليكم فكنتم بها تكذبون * قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسؤا فيها ولا تكلمون * إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين * فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون * إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون)[10].

الخاتمة

من وصايا الرسول (ص) لأبي ذر الغفاري:

" يا أبا ذر:

إحفظ ما أوصيك به تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.

 يا أبا ذر: نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ.

يا أبا ذر: إغتنم خمساً قبل خمس: " شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك ".

يا أبا ذر: " إياك والتسويف في عملك، فإنك بيومك، ولست بما بعده، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غدً لم تندم على ما فرّطت اليوم ".

يا أبا ذر: كم من مستقبل يوماً لا يستَهله، ومنتظر غداً فلا يبلغه.

يا أبا ذر: لو نظرت إلى الأجل ومسيره لأبغضت الأمل وغروره.

يا أبا ذر: كن كأنك في الدنيا غريب، أو كعابر سبيل، وعدَّ نفسك من أصحاب القبور.

يا أبا ذر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً.

يا أبا ذر: إياك أن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة، ولا يحمدك من خلفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به.

يا أبا ذر: كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.

يا أبا ذر: إن حقوق الله جلَّ ثناؤه أعظم من أن يقوم بها العباد وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين.

يا أبا ذر: " حاسب نفسك قبل أن تُحاسب فهو أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى منك على الله خافية ".

وصلى الله على محمد وآله الأطياب الأطهار

صباح عباس

27 رجب المرجب عام 1410 هـx

 


[1]  شجرة طوبى : ص135 .

[2]  ميزان الحكمة : ج4 ، ص500 .

[3]  نفس المصدر السابق : ص499 .

[4]  ميزان الحكمة: ج4، ص499 .

[5]  نهج البلاغة / حكم 344 / 114 .

[6]  نهج البلاغة / حكم 344 / 114 .

[7]  ديوان الإمام علي: ص142. الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي.

[8]  شجرة طوبى: ص124.

[9]  سورة هود ، الآية : 15 ـ 16 .

[10]  سورة المؤمنون ، الآية : 99 ـ 111 .

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

النهاية

  الفهرست