.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

بناتنا والمراحل الحرجة

الاضطرابات العائلية

الاضطرابات العاطفية

أعيدي النظر من جديد

استثمري وقت الفراغ

راقبي من بعيد

لا تخسريها

الفصل الثامن

بناتنا والمراحل الحرجة

 

بناتنا

والمراحل الحرجة!!

هذه الخطوط الزرقاء، التي بدأت تغزو وجهي، رسمتها ليال طويلة، قضيتها وأنا في سريري البارد.

هذا الرجل لم يكن أبي!

ولم أعد أعرفه، هل أنا ابنته لمجرد أنه التقى مع أمي وأنجباني؟ أين كانت أبوته حين زوجني، وعمري أربعة عشر عاماً، هل تعرفون لماذا يعاملني هكذا؟!

انتقاماً من زوجته، أمي التي طلقها، وقرر أن يحرق قلبها، وحين سئل عن موقفه هذا؟

قال؟: أنا أعرف بمصلحة ابنتي، هذه هي تركة بعض الآباء، أنانية وحقد ونار تحرق حتى الأبناء، إنني حتى الآن.. أبحث عن كلمة أبي فلا أجدها، أبكي ولا أجد كلمة أبي، أنتظر طويلاً في غرفتي علَّ شخصاً ما يأتي كخاطر رقيق، ولا شيء يحدث وتكبر غصتي في انتظارٍ طويل لا ينتهي.. وأبي لا يأتي....

أي عالم هذا الذي نعيش فيه!؟

أية قساوة.. هذه التي نسمعها ونراها؟!

أين الأهل؟ وأين المربون؟ بل ومن هي الضحية!؟ ومن هو المجرم؟

للأسف.. إنهن بناتنا! وأخواتنا! ورفيقاتنا!

والمجرم في حقهن ليس بعيداً! إنه الأب وربما الأم!

.. لقد كثرت هذه النماذج الواقعية في المحيط الاجتماعي، فلم يعد للأبوين السلطة كما كانت سابقاً وافتقدا الدور الريادي في التأثير وقوة التحكم على أبنائهم.

فالخطأ الذي يحدثه الأبوان أو أحدهما ينعكس مباشرة على الأبناء، خاصة في الظروف الاجتماعية القاسية والواقع الفاسد الذي يحيط بهم.

[إن الآباء والمربين مسؤولون إلى حد كبير عن ارتفاع نسبة الاضطرابات النفسية، والعادات الشاذة بين المراهقات، تلك النسبة التي بلغت حداً مخيفاً، ويتطلب ذلك فهم حقيقة نفسية الفتاة، فلا نتجاهل الرغبات والدوافع والمخاوف التي تتنازعها، ولا نجعلها قعيدة البيت، فنضطرها إصراراً إلى الاستغراق والتمادي في البعد عن واقع الحياة][1].

خرجت (س) كعادتها في كل صباح، متجهة إلى المدرسة [حسب اعتقاد والديها الخاطئ]،

يتجه أخوها الذي يكبرها بالعمر لثلاث سنوات، لزيارة صديق حميم!!

يصطدم بسماع ضحكات أخته المتعاقبة العالية.. أراد أن يكذب سمعه ولا يلتفت، ولكن!

الأقدار كشفت له الحقيقة، دقائق مرّت على حيرته، حتى تقف أخته أمامه وجهاً لوجه، ومع أعز أصدقائه وفي محضر ومرأى من أهله وإخوته!!!

إنه الإهمال المفرط غالباً ما ينتهي بهذه النهاية المؤلمة، فالواقع يضج بالعشرات من الجرائم التي تتعرض لها الفتيات. وفي كل مكان!

والفضل يرجع إلى دور المجلات الرخيصة المضللة، وإذا أردنا التأكد بإمكاننا ذلك، وبكل بساطة!

إشتري ثلاث إلى أربع مجلات، وتعالي وشرحيها على بصيرة ٍ من عدالة العقل والضمير، وضعي الجوانب الإيجابية فيها في جانب، والسلبية في جانب، وادرسي أبعاد كل منهما، وقوة تأثيرهما على القراء.. فغالبية الأفكار والمواضيع مصاغة بطريقة شعاراتية، والحق إن مضامينها وأهدافها سموم أجنبية، مما لا تتناسب والحال هذه! مع مجتمعاتنا وأوضاعنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة.

إضافة إلى ما ذكرت.. إن الفتاة رقيقة الحس، مرهفة المشاعر، تتأثر بسرعة، وهذا ما يضعها في مواضع الانقياد، والطاعة العمياء اللاشعورية، لأي طرف مستغل لها، ولشخصيتها الفطرية، مما يضعها في مواضع الشبهات من الأخطاء، وتكون هي ضحيتها الأولى!

إن الانحراف الذي تسلكه الفتاة يعتمد بالغالب على نوعين من الاضطرابات: ـ

أولاً: الاضطرابات العائلية

المنزل الغارق بالمشاكل، والحالة السائدة من الكبت والضغط والحرمان، وحالة اللاوفاق واللاتفاهم على الإطلاق.. تجعل من الفتاة تدفع ثمن هذا كله.. فوجود المشاكل في المنزل، وانشغال الأطراف المحيطة بها وبوضع حلولها، يخلق من الفتاة، شخصية محطمة، تائهة، منهكة، لا حول لها ولا قوة، مما يجعلها بعيداً عن رقابة والديها وأهلها، وقد تبتلى بأحد والديها منحلاً أخلاقياً، ليجعل منها فتاة ضائعة وشاذة وهائمة، يسهل على صياديها اقتناصها بسهولة.

= إن الطفل المضطرب نفسياً ليس مختل العقل، وإما تكونت لديه حالة نفسية نتيجة تعرضه لأنواع من المشاكل التي واجهته، ولرد الفعل عليها من قبل الوالدين، هنا يجب التخفيف من الضغوط، التي قد تتطور وتصبح معقدة صعبة الحل، وبخاصة في حالة انهماك الأهل في أمور تبعدهم عن التعرف على أعراض الضغوط وأسبابها.

كذلك يلعب الجهل دوراً كبيراً في عدم التعرف على مثل هذه الأسباب، لذا وجب على الآباء تهيئة جو نفسي ملائم للطفل، وعدم وضعه في مأزق عائلي صعب، بحيث يجعله يتفاعل وينفعل من الأحداث التي تصاحب مجرى الأسرة[2].

ثانياً: الاضطرابات العاطفية

تلعب الاضطرابات العاطفية دوراً بارزاً في انحراف الفتاة وجنوحها للأخطاء الأخلاقية، لانها بطبيعتها، رقيقة الحس، رطبة العاطفة، لينة المشاعر، وأقل ماهي بحاجة إليه كلمة طيبة وصدر دافئ.

كانت (ن) تعاني اضطرابات عائلية وعاطفية مرهقة للغاية، فلما شرعت تتكلم عنها، كانت كلماتها بمثابة أنات جريح متألم، تقطع الأنفاس، وهي تخرج، وبعدها أخذ صوتها ينجلي بوضوح، وأخذت الراحة تتملكها بهدوء، وبدت بتأثير الارتياح على وجهها، حتى أنها عندما أنهت حديثها، أنهته بابتسامة حلوة، إرتسمت على شفتيها لصديقتها التي كانت بجانبها تستمع بإصغاء.

كل ما هي بحاجة إليه قلب مفتوح وآذان صاغية.

أما إذا فقدت كل هذا. وعوملت أسوء المعاملة وبخشونة، سيسيطر عليها القلق، وينتابها اليأس من مصيرها، وتتلاطم في رأسها أمواج من الأفكار البالية لتحرفها عن الجادة، ويصعب حينها إعادتها إلى الوضع الطبيعي.

وقد يزيد في اضطرابها العاطفي:

1 ـ شعورها بالحرمان، وفشل أسرتها في إشباع رغباتها.

2 ـ إحساسها بالنقص والغيرة، للتفاضل بينها وبين إخوانها الذكور.

3 ـ شعورها بالضياع والوحدة لتفكك أواصر العائلة وعدم استقراريتها.

4 ـ خوفها من المستقبل المبهم، وقلة تجاربها، وخوفها من الإقدام لمسرح الحياة. ولكنني..

إذا أردت أن أحمّلَ أحداً مسؤولية هذه الفتاة الضائعة، فإني أُحمِّلُ والديها وخصوصاً والدتها فهي من أوصلتها إلى حافة الطريق..

ولأجل إعادة الحياة إلى نصابها الأُسري، ورجوع المياه إلى مجاريها فينبغي على الأم أن تمسك بيد ابنتها وتبدأ معها صفحة جديدة بالصدق والرحمة والحنان.

وإليك عزيزتي الأم هذه الوصايا:

1ـ أعيدي النظر من جديد:

إجلسي مع نفسك طويلاً، وفكري في مخرج يوصلك إلى شاطئ الأمان، وتعالي وأمسكي بأشتات العائلة المترامية، واجمعيها بحنانك الفياض، ولا تبخلي على أُسرتك وأبنائك؟! فهم لا يزالون بحاجة إليك، شاركيهم متاعبهم، اغمريهم بالحب، وازرعي بذور النقاء والطهارة في أرضهم الخصبة، لتحصلي على الثمار التي تؤملين قطفها.

2 ـ إستثمري وقت الفراغ:

عزيزتي الأم ـ الفراغ يولد الدمار، فهو كفيل بتحطيم كيانك الأُسري، وإفساد أبنائك أيضاً.

نظمي وقتهم، عوديهم على الاستفادة من الوقت، لا تدعيهم نهباً للفراغ والشرود الفكري الخاطئ، نمي قدراتهم، شجعيهم على المضي قدماً.

إبنتك الشابة.. إستغلي وقتها جيداً، دعيها تدرك ثمن الوقـت ولتـرى ذلـك في شخصيتك

أولاً!!

3 ـ راقبي من بعيد:

الأم الواعية، تدرك جيداً مسؤوليتها، فهي تتابع شؤون فتاتها البالغة. تتحسس تحركاتها ومبادراتها، تعرف من تصادق، ومع من تخرج؟ وما هي رغباتها؟ وربما هي على علم كامل بكل هذا، ولكن!

هذا لا يمنعها من أن تراقب، لعل شيئاً جديداً قد حدث، مما يجعلها تتخذ العلاج المناسب وفي الوقت المناسب أيضاً.

4 ـ لا تخسريها:

هل يضرك شيء إن صادقتِها؟

لا أعتقد ذلك!

فابنتك تكبر يوماً بعد يوم، وهي بحاجة ماسة لوجودك معها لا بالشكل الدكتاتوري المتعصب، بل بالروح الرياضية المرنة. لتستفيد منك الاستفادة المرجوّة، ولتكن على بصيرة كاملة بمنهجيتها في الحياة المستقبلية، ولترى فيكِ نموذج الأم الناجحة والمربية القديرة.

تعجبني (....) في أسلوبها الحياتي المتميز، في تنظيم بيتها، وتوفير السعادة لزوجها وأبنائها، وحتى في المناقشات التي أخوضها معها، وكلما دار بيننا حديث وضعت لي فيه أو من بين حواشيه موقفاً وقفته أمها، أو مقولة قالتها، أو حتى رأياً سمعته منها طيلة سنوات عديدة مرّت لا تزال تتذكّره وكأنه اللحظة!!

فالأم المثالية:

تبقى صورة في نظر ابنتها، وإن كبرت، فهي مدينة لها بسعادتها وتوفيقها في حياتها.

فهل نكون كتلك الأم؟

أتمنى ذلك..

ومن كل قلبي



[1]  النمو النفسي للاخوان عبد النعيم وحلمي المليجي : ص 349 .

[2]  مجلة العربي : عدد 372 ، ص163 .

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست