.

  النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

مراتب العجب

تبعات العجب

   

  مراتب العجب

قسم بعض علماء الآخرة العجب إلى مرتبتين وحاصل ما قال بتوضيح منا: إن العجب يوجد في الإنسان لأجل صفة يراها صاحبها كمالاً، لا محالة، وكل إنسان زعم في نفسه كمالاً سواء كان في العلم أو المال وسائر الكمالات فتحصل فيه حالات: منها الخوف من فقدانها، وأن يسلب منه ذلك الكمال كُلاً أو بعضاً، أو أن يحصل فيه نقص يكّدر صفاءه، قلا يقال عجب لمثل هذه الحالة.

ومنها أن لا يخاف من زواله، ولكن يكون فرحه بهذا الكمال بحيث أنه نعمة من الله تعالى وينسبه إليه تعالى لا إلى نفسه، فهذا الفرح والانبساط بالكمال أيضاً ليس بعجب.

ولكن للإنسان حالة ثالثة وهي التي تسمى بالعجب، وهي أن لا يخاف من زوال الكمال بل يفرح بوجوده وينبسط له وفي نفس الوقت يتعلق قلبه به ويفرح من جهة أنه كمال ورفعة، لا من جهة أنه منسوب إلى الحق تعالى ومن عطاياه جل شأنه، وليس له استقلال ومبدئية لهذا الكمال، فإنه لو اعتقد قلباً بأن الكمال نعمة من الله وأنه تعالى يسلبه منه في كل آن أراد، فمثل هذا الاعتقاد لا يدع للعجب مجالاً ليتطرق إلى قلبه، ولو فرض وجود العجب فيه، فمثل هذا الاعتقاد والتذكر بأن الله سبحانه يأخذه منه متى أراد يزيل العجب عن قلبه، فبناء على هذا العجب عبارة من أن الإنسان يستعظم نعمة وكمالاً لنفسه ويتعلق قلبه به وينسى نسبته إلى المنعم الحقيقي، فمثل هذه الحالة هي المرتبة الأولى من العجب. وإذا ارتقى من هذه الحالة ورأى في قلبه كأنّ له حق على الله سبحانه، وله في جنابه مقام وقرب، بحيث أنه يتوقع من الله سبحانه أن يعززه في الدنيا جزاء لعمله، وإن أصابه مكروه فيبعد في نظره، بحيث أنه لو أصاب هذا المكروه فاسقاً لما كان بعيداً في نظره بهذه الغاية، فهذه الحالة تسمى دلالاً وتغنّجاً.

مثلاً قد يتفق أنه يعطي لأحد شيئاً فيعظم هذا العطاء في نظره ويمن على المعطى إليه, فهذا الشخص معجب بعطائه, فإذا استخدم المعطى إليه بعد هذا العطاء ويكون له منه توقعات, ويستبعد أن يخالفه, فهذه الحالة تسمى إدلالاً وتغنجاً, وهي مرتبة أعلى من العجب, ففي كل دلال العجب موجود وليس العكس, فيمكن أن يكون العجب موجوداً بالإدلال لأن الميزان والمناط في العجب استعظام العمل ونسيان النعمة من دون أن يكون متوقعاً للجزاء, وأما الإدلال فيلازم توقع الجزاء الأكثر, فإذا كان أحد متوقعاً أن الله سبحانه يستجيب دعوته حتماً, ولا يحسب في باطنه أن يكون دعاؤه مردوداً, بل يكون رد دعائه, موجباً لتعجبه, والسؤال الباطني عن علة عدم استجابة دعائه, أو أنه لا يتعجب من عدم استجابة دعاء الفاسق ولكنه يتعجب من عدم استجابة دعاء نفسه. فهذا المسكين مضافاً إلى عجبه له إدلال على الله تعالى أيضاً[1].

اعلم أن للعجب في كل من الدرجات السابقة الذكر مراتب, بعظها واضح والإنسان يتوجه إليه بأدنى تنبه والتفات, وبعضها دقيق ورقيق للغاية بحيث ما لم يفتش الإنسان تفتيشاً كاملاً ولم يعلم بالمداقة الصحيحة لا يستطيع أن يدركه, وأيضاً بعض مراتبه أشد وأهلك من الآخر.

المرتبة الأولى

وهي أعلى من الجميع وإهلاكها أكثر, فهي حالة توجد في الإنسان بواسطة شدة العجب, بحيث يمن على ولي نعمته ومالك الملوك بالإيمان أو بخصاله الأخرى, ويزعم بأنها أوجدت بإيمانه سعة في مملكة الحق تعالى, وأحدثت في دينه رواجاً, وأنه بترويجه الشريعة, أو إرشاده وهدايته, أو أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر, أو بإجرائه الحدود , أو بمحرابه ومنبره, أوجد في دين الله غضاضة, أو بسبب حضوره في جماعات المسلمين, أو إقامته مجالس العزاء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام, حصل للدين رواج يمن به على الله وعلى رسوله الأكرم وعلى سيد الشهداء, ولو لم يظهر هذا المعنى ولكنه يمن بذلك في قلبه. ومن هذا الباب المنة على عباد الله في الأمور الدينية, كمنته في إعطاء الصدقات الواجبة والمستحبة وإعانته للضعفاء والفقراء, فيمن عليهم بذلك, وربما تكون هذه المنة مخفية لنفسه أيضاً (قد سبق شرح عدم منة الناس على الله بل منة الله عليهم في بحث الرياء).

المرتبة الثانية

هي أنه يدلل لله تعالى بواسطة شدة العجب الذي في قلبه, وهذا الدلال غير المنّة, وإن كان بعض لم يفرق بينهما, وصاحب هذا المقام يزعم نفسه محبوباً لله تعالى, ويجعلها منسلكة في المقربين والسابقين, وإذا ذكر اسم من الأولياء أو جرى حديث من المحبوبين والمحبين أو السالك المجذوب يحسب نفسه أحدهم في قلبه, ويمكن أن يتواضع رياء ويظهر خلاف ذلك, أو لإثبات هذا المقام لنفسه ينفيه عن نفسه على نحو يكون النفي ملازماً للإثبات, وإذا ابتلاه الله ببلاء فيضرب طبل (البلاء للولاء).

المدعون للإرشاد من العرفاء والمتصوفة وأهل السلوك والرياضات أقرب إلى هذا الخطر من سائر الناس.

المرتبة الثالثة

هي أنه يرى نفسه مطالباًَ بالحق من الله بإيمانه أو بملكاته أو بأعماله, ويراها مستحقة للثواب, ويفرض على الله سبحانه أن يعزه في هذه الدنيا ويوصله إلى المقامات في الآخرة, ويعتقد بأنه مؤمن خالص, وإذا ذكر المؤمنون بالغيب يدخل رأسه بين الرؤوس وتخيل في قلبه أنه مستحق للثواب والأجر, حتى لو أن الله سبحانه عامله بالعدل, بل يزيد بعض في القباحة الوقاحة فيصرح بهذا الكلام الباطل, وإذا أصابه بلاء وناله مكروه فيعترض في قلبه على الله, ويتعجب من أفعال الله العادل وأنه كيف يبتلي المؤمن الطاهر ويرزق المنافق الفاسق, وهو غضبان في باطنه على الحق تعالى بتقديراته, ويظهر الرضى ظاهراً فيقدم غضبه لولي نعمته ويري الرضى بالقضاء للمخلوق, وإذا سمع أن الله سبحانه يبتلي المؤمنين في الدنيا فيتسلى بذلك في قلبه, ولا يعلم أن المنافق المبتلى أيضاً في هذه الدنيا كثير وليس كل مبتلى مؤمناً.

المرتبة الرابعة

أن يرى نفسه ممتازاً عن سائر الناس, وأفضل بأصل الإيمان من غير المؤمنين, وبكمال الإيمان من المؤمنين, وبالأوصاف الحسنة من غير المتصفين, وبالعمل الواجب وترك الحرام من مقابلاتهما, ويرى نفسه أكمل من عامة الناس, وبإتيانه المستحبات والمواظبة على الجمعة والجماعات والمناسك الأخرى وترك المكروهات, ويعتقد لنفسه امتيازاً ويعتمد على نفسه وإيمانه وأعماله, ويحسب سائر المخلوقات كلا شيء وناقصين, وينظر إلى الناس بعين الاستخفاف, ويعير ويلوم بقلبه أو بلسانه عباد الله, ويبعد كل شخص من باب رحمة الله بنحو من الأنحاء ويخص رحمة الله لنفسه ولفئة تماثله, صاحب هذا المقام يصل إلى درجة يناقش في الأعمال الصالحة للناس مهما بلغت, ويخدش في أعمالهم في قلبه بنحو, ويزكي أعمال نفسه من تلك الخدشة, ويطهرها من تلك المناقشة.

الأعمال الحسنة للناس لا يراها شيئاً, وإذا صدرت نفس تلك الأعمال منه يستعظمها, ويدرك العيوب الدقيقة من الناس إدراكاً جيداً ولا يدرك عيب نفسه ويغفل عنه.

هذه علامات العجب وإن كان الإنسان غافلاً عنها, وللعجب درجت أخرى لم أذكر بعضها وأنا غافل عن بعضها لا محالة. انتهى كلامه دام ظله.

فصل:

إن ما قاله الإمام دام ظله: إن العجب في العقائد والملكات والأعمال لا يختص بمحاسنها بل يوجد في العقائد الباطلة والملكات الخبيثة والأعمال السيئة أيضاً, ربما يبعد في نظر البعض, وأنه كيف يمكن أن الإنسان يعجب بكفره ونفاقه وملكاته السيئة وعصيانه لله سبحانه؟ ولكن فليعلم أن الله سبحانه خلق النفس الإنسانية على كيفية فيها حالة الاعتياد, وإذا صدر منها عمل غير مرة سواء كان من الأعمال الجوارحية أوالقلبية فهي تستأنس بع وتعتاده, وهذه الحالة في النفس من مذاهب الله العظمى والعوامل المهمة للارتقاء والسير إلى الكمال, لأن الأعمال الحسنة وهكذا تحصيل الملكات والعقائد الفاضلة ربما تبدو مشكلة للأفراد في أول الأمر, وتستلزم تحمل المشاق والرياضات, ولكن إذا تابعتها مدة تعتاد عليها وترتفع المشقة والصعوبة عنها, (الخير عادة كما أن الشر عادة), ومن جهة وجود هذه الحالة في النفس وجه بعض الأعاظم من أهل الكشف آيات العذاب والخلود في النار, الذي قرره الله سبحانه للكفار والمشركين, مستمداً من بعض المبادئ العرفانية والفلسفية ليس هنا محل ذكرها. وأن أهل العذاب بعد وقوفهم فيه مدة تحصل لهم حالة الأنس مع المحيط والعادة به, فلا يحسون الملل, ولعله يستفاد من الآية الشريفة:{كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} تأييد لأصل المطلب ورده بالنسبة إلى أهل النار خصوصاً, مع الانتباه لجملة: {ليذوقوا العذاب}. وعلى أي حال نحن ليس لنا علم بحقائق أوضاع عالم الآخرة وأهواله, ولا يجوز قياس حالات ذلك العالم بعالمنا هذا, ولكن من المسلم أن في النفس حالة الاعتياد في هذا العالم موجودة, وأنها تستأنس بكل عمل يصدر منها بالتكرار, والقلب يتعلق به ويحبه, وإذا أحب الإنسان شيئاً فيكون الحب حجاباً بينه وبين عيوب ذلك الشيء كما قيل.

وعين الرضى عن كل عيب كليلة              ولكن عين السخط تبدي المساويا

وبما ذكرنا يرتبط ما نقلناه عن الإمام دام ظله, من أن الكفار والمنافقين والمشركين والملحدين وأصحاب الأخلاق الذميمة والملكات الدنيئة وأهل المعاصي والذنوب, ربما ينجر أمرهم إلى أن يعجبوا بكفرهم وزندقتهم وسيئات أخلاقهم وموبقات أعمالهم ويبتهجوا بها, فيرون أنفسهم ذوات أرواح حرة وخارجة عن التقليد وغير معتقدة بالوهميات, ويعتقدون أن لهم الشهامة والشجاعة, وأن الإيمان بالله من الوهميات, والتعبد بالشرائع من ضيق النظر, والأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة من ضعف النفس, ويحسبون الالتزام بالمناسك والعبادات من ضعف الإدراك ونقصان المشاعر, ويرون أنفسهم من جهة حملها أرواحاً حرة وغير معتقدة بالأوهام وغير معتنية بالشرائع مستحقة للمدح والثناء, هذا لما تجذرت فيهم الخصال الدنيئة واستأنسوا بها وزينت لهم فيحسبونها كمالاً. كما أشير إلى ذلك في الحديث الشريف في الكافي عن علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: "العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه, ويحسب أنه يحسن صنعاً" وقد قال تعالى:{أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً} وكما قال تعالى أيضاً:{قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم, فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}.

يقول الإمام دام ظله في حق المعجبين بعقائدهم الباطلة وملكاتهم الرذيلة وأعمالهم القبيحة:

هذه الفئة من الناس الذين يحسبون أنفسهم عالمين وهم جهال وأشدهم مسكنة وشقاوة, فإن أطباء النفوس عاجزون عن علاجهم. والدعوة والنصيحة لا تؤثر فيهم, بل ربما ينعكس أثرها فيهم. هؤلاء لا يستمعون إلى البراهين, ويغلقون أسماعهم وأبصارهم عن هداية الأنبياء وبرهان الحكماء وموعظة العلماء, فلا بد من الاستعاذة بالله سبحانه من شر النفس ومكائدها, وأنها تجر الإنسان من المعصية إلى الكفر, ومن الكفر إلى العجب بالكفر.

النفس والشيطان بسبب تحقير بعض المعاصي في نظر الإنسان يبتليانه بتلك المعصية, وبعدما تجذرت المعصية في القلب والاستخفاف بها يبتلى بمعصية أعظم منها بدرجة, وبعد تكرارها تسقط تلك أيضاً من نظره ويستحقرها ويرتكب أعظم منها, وهكذا يتقدم في المعصية خطوة بعد خطوة, وتخف المعاصي الكبيرة في نظره بالتدريج إلى أن تسقط المعاصي كلها لديه, وتذل الشريعة والسنة الإلهية والنبوية عن نفسه, فينجر أمره على الكفر والزندقة والإعجاب بهما. انتهى.

أقول:

هذه الكلمة القيمة والحكمة العملية التي نقلناها عن معلم الأخلاق الكبير دام ظله؛ هي من لطائف الحكم العملية ودقائق دروس التهذيب الأخلاقية, فإن عظمة المعصية والذنب قد تسقط في نظر المرتكب لها نتيجة للتكرار, وإذا صار العصيان ـ نعوذ بالله ـ أمراً عادياً ليس له قبح فحينئذ لا يتصور له حد يتوقف عنده.

نقل لي بعض من أثق به من إخواني المؤمنين أنه كان حاضراً عند أحد من آخذي الربا والمتجرين به. وكانت يده ترتعش حينما وقع أول وثيقة للربا, مع أنه وجد آنذاك لعمله حيلة شرعية, ومع ذلك كانت نفسه مضطربة بحيث ترتعد يده ولا يملكها, ولكن هذا الشخص نتيجة تكراره عمله المحرم صار أول شخصية من آكلي الربا في سوق كرمنشاه (باختران اليوم), والمصيبة العظمى أن هذه الحالة من التجرؤ بالمعصية توجد في القلب ظلمة تطفئ نور الإيمان فيه بالتدريج, فيجد في نفسه شكاً وتردداً في العقائد الحقة, فإن لم يتب توبة صحيحة ولم يعالج هذا المرض المهلك, ربما ينجر أمره في أنفاسه الأخيرة من الحياة وفي السكرات التي تعرضه عند الموت, إلى أن ينطفئ نور الإيمان في قلبه بالكلية, وينتقل من هذا العالم بحالة الكفر بالله تعالى, وإذا صار أمره هكذا فينقطع أمل النجاة له بالكلية, وتغلق عنه أبواب السعادة من كل جانب, وقد أشير إلى ذلك في الآيات والروايات, قال تعالى:{ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون}. وفي الروايات أيضاً قد عبر عن أثر الذنب في القلب بالنقطة السوداء التي توجد في القلب وتكثر بتكرار الذنب إلى أن تحيط بتمامه, فإذا بلغ القلب إلى هذه الدرجة فحينئذ لا تؤثر فيه الموعظة, وهذا هو المراد من رين القلب في الآية الشريفة:{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}. كما ورد في الحديث عن أبي جعفر عليه السلام قال:"ما من عبد إلا وفي قلبه نكتة بيضاء, فإن أذنب ذنباًً خرج في النكتة نكتة سوداء , فإن تاب ذهب ذلك السواد, وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض, ولم يرجع صاحبه إلى خير أبداً". وهو قول الله عز وجل:{كلا بال ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}.

* * *

تبعات العجب

للعجب تبعات كثيرة وأضرار وافرة وعمدتها عبارة عن:

1 ـ الكبر.

2 ـ نسيان الذنب واستصغاره.

3 ـ الحرمان من فوائد الموعظة والإرشاد.

4 ـ الغفلة عن آفات العباد.

5 ـ عدم الاعتقاد برحمة الله وفضله.

وكل واحدة من هذه تكفي لهلاك الإنسان وشقاوته, فكيف باجتماعها.

1ـ الكبر:

أما كون الكبر من نتائج العجب فلأن هاتين الصفتين لهما جذر واحد, بمعنى أنه إذا وجد في النفس حالة العجب ورؤية الكبرياء, ورأى الإنسان نفسه كبيرة وعميت عين قلبه عن مشاهدة العيوب والنقائص الموجودة فيه, ففي تلك الحالة إذا أراد أن يري حالة استعظامه للنفس لأحد ويظهر حالة الاستعظام, فعندئذ سيبتلى بمرض التكبر الخطير.

وبعبارة أخرى: حالة العجب واستعظام النفس على الآخرين ما دامت في الباطن وليس لها في الخارج ظهور فهي "كبر", وإذا وصلت على الخارج بواسطة الجوارح تسمى "تكبراً". وكلتا الحالتين الكبر والتكبر ـ تحتاجان إلى شخص آخر في مقابل الإنسان لكي يرى نفسه أعظم منه باطناً وقلباً, فهذا الشخص متصف بصفة الكبر, أو أن يظهر العظمة على الغير ويريه كبر نفسه, فهذا الشخص متصف بالتكبر, وعلى أي حال الكبر والتكبر يستدعيان الطرف المقابل, وليس العجب هكذا, وهذا هو الفرق بين العجب والكبر, فإن المعجب يرى نفسه وأعماله كبيرة من دون أن يكون نظره على الغير, بمعنى أنه لو فرضنا أنه لا يوجد شخص غير المعجب, وأن الله سبحانه لم يخلق غيره أحداً وهو يعيش وحده, يتصور في حقه العجب, فالمعجب على شفير من جهنم الكبر, فحينما وجد طرفاً يمكن أن يظهر عجبه له فيبتلى بالكبر والتكبر, ويكون مثواه جهنم بصريح القرآن حيث قال:{أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}. وهذا أحد الآفات الخطيرة التي هي للمعجبين بالمرصاد, فعلى هذا فجميع الآفات والبليات المترتبة على الصفة الموبقة "الكبر" يمكن ترتبها للعجب أيضاً, أعاذنا الله منها.



[1]  وقد أشير إلى ذلك في دعاء الأفتتاح, يقول: فصرت أدعوك آمناً واسألك مستأنساً لا خائفاً ولا وجلاً, مدلاً عليك فيما قصدت فيه إليك, فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك.. إلى آخره.

 

 

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست