.

  النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

رسالة العجب

العجب بحسب الروايات

معنى العجب

تفسير للإمام الخميني

درجات العجب ومراتبه

 

  بسم الله الرحمن الرحيم

"من دخله العجب هلك" الإمام الصادق (ع)

رسالة العجب

حجة الإسلام والمسلمين

آية الله السيد أحمد الفهري

ممثل الإمام الخميني في سوريا ولبنان

العجب

قبل أن نشرع في بيان معنى العجب ومفاسده وخواصه وكيفية علاج هذه الصفة المذمومة ينبغي أن نمهد لذلك بشيء من القرآن وأحاديث أهل البيت عليهم السلام.

أما العجب في نظر القرآن فتكفي في أهميته والنكبة التي توجبها هذه الصفة الخبيثة آيات من القرآن الكريم هي الآيات 103 ـ 105 ـ من السورة المباركة الكهف. يقول الله سبحانه: {قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}.

يستفاد من هذه الآيات الشريفة نكات لسنا في مقام ذكرها، وإنما نشير إلى أن العجب بموجب هذه الآيات يكون سبباً لضلال السعي في هذه الدنيا والكفر بآيات الله ولقائه، وسبباً لحبط الأعمال الحسنة، فلا يبقى للعجب عمل ترجى النجاة به، ولذلك لا يقام له وزن يوم القيامة، وكفى بذلك مفسدة لهذه الصفة وخسراناً لصاحبها.

وأما العجب بحسب الروايات

ففي الكافي الشريف بإسناده عن علي بن سويد عن أبي الحسن (ع) قال: سألت عن العجب الذي يفسد العمل. فقال: "العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله تعالى ولله عليه فيه المنُّ".

وفيه أيضا عن الصادق عليه السلام قال: "إن الله تعالى علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب، ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبداً.

وفيه عنه عليه السلام: "من دخله العجب هلك".

وفيه أيضا عنه عليه السلام قال: "إن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه، ويعمل العمل فيسره ذلك، فيتراخى عن حاله تلك، فلأن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه".

وفيه عنه عليه السلام قال: "أتى عالم عابداً فقال له: كيف صلاتك: فقال: مثلي يسأل عن صلاته وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا؟ قال: كيف بكاؤك: قال: أبكي حتى تجري دموعي, فقال العالم: إن ضحكك وأنت خائف أفضل من بكائك وأنت مدل[1], إن المدل لا يصعد من عمله شيء".

قال رسول الله (ص): "ثلاث مهلكات: شح[2] مطاع, وهوى متبع, وإعجاب المرء بنفسه".

وقال(ص) أيضاً:"لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو اكبر من ذلك, العجب العجب".

وقال ابن مسعود: الهلاك في اثنين: القنوط والعجب: القنوط من رحمة الله, القنوط من النجاة, القنوط من إصلاح النفس.

وإنما جمع ابن مسعود بين هذين لأن سعادة الإنسان رهينة سعيه وجده في الطلب, كما قال تعالى:{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}. وما لم يشمر الإنسان في طلب مقصوده ومقصده الأصلي لا ينال السعادة المطلوبة, وهاتان الصفتان القنوط والعجب كل منهما له دور في بطء السعي نحو المقصود, ويمنعان صاحبهما عن الطلب كما ينبغي, أما القنوط فإن نفس القانط غير متهيئة لمتابعة مقصده, ومن يقنط من إصلاح نفسه, فلا يجد في نجاتها فحسب, بل ربما يقدم على عمل يكون أسرع في هلاكه, والقانط من إصلاح نفسه لا يبالي أن يرتكب أي جناية, فلهذا جعل القنوط من رحمة الله الواسعة من أكبر الكبائر ذنباً, وأما العجب, فحيث أن المعجب يعتقد سعادته وأنه قد نال مقصوده ومقصده, فهو أيضاً يتوقف عن الجد والطلب.

وبعبارة أخرى: الإنسان لا يطلب شيئاً موجوداً ولا شيئاً محالاً, والسعادة في نظر المعجب موجودة وفي نظر القانط مستحيلة. وفي هذا المقام نكتفي بهذا المقدار من الكلام.

معنى العجب

العجب بمعنى رؤية النفس والإعجاب بها وبأعمالها, وهو حالة نفسانية نجدها في أنفسنا أحياناً, والمعاني التي ذكرت له في كتب اللغة أكثرها بيان لوازمه أو آثاره: كالزهو والكبر وإنكار ما يرد عليك (كما في المنجد).

وهذه المعاني كما ترى من لوازم الحالة التي ذكرناها في النفس, وأما المعنى الاصطلاحي للعجب في لسان علماء الأخلاق فهو على ما يقوله بعض علماء الآخرة: هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم.

وقال العلامة المجلسي قدس سره: العجب استعظام العمل الصالح واستكثاره, وأما السرور به مع التواضع له تعالى والشكر له على التوفيق لذلك فهو حسن ممدوح.

أقول:

ما قاله هذا المحدث الجليل من أن العجب هو أن يرى الإنسان نفسه خارجاً عن حد التقصير إشارة إلى أدب أشير إليه في الروايات, منها ما في الكافي الشريف عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام, أنه عليه السلام قال لبعض ولده: "يا بني عليك بالجد, ولا تخرجن نفسك عن حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته, فإن الله لا يعبد حق عبادته". وهو كما قال رسول الله (ص) وهو أفضل ولد آدم وأعرفهم بالله وأعبدهم: "ما عرفناك حق معرفتك، وما عبدناك حق عبادتك" وأيضاً في الكافي عن جابر أنه قال: قال لي أبو جعفر (ع): يا جابر لا أخرجك الله من النقص والتقصير" وهذا يعني أنه لا توجد فيك حالة ترى نفسك عارية من النقص والعيب ولا تراك مقصراً في جنب الله.

ونقل المحدث الجليل العلامة المجلسي عن المحقق الخبير العالم الكبير الشيخ الأجل بهاء الدين العاملي رضوان الله عليه أنه قال: لا ريب أن من عمل أعمالاً صالحة من صيام الأيام وقيام الليالي وأمثال ذلك يحصل لنفسه ابتهاج، فإن كان من حيث كونها عطية من الله ونعمة منه تعالى عليه، وكان مع ذلك خائفاً من زوالها طالباً من الله الازدياد منها، لم يكن ذلك الابتهاج عجباً. وإن كان من حيث كونها صفته وقائمة به ومضافة إليه، فاستعظمها وركن إليها، ورأى نفسه خارجاً عن حدّ التقصير، وصار كأنه يمنّ على الله سبحانه بسببها، فذلك هو العجب.

تفسير للإمام الخميني

وللإمام الخميني دام ظله في هذا التعبير نظر، فإنه قال:

تفسير العجب على ما ذكره الشيخ الأجل بهاء الدين صحيح، ولكنه لابد أن يؤخذ العمل أعم من القلبي والقالبي، وكذلك أعم من العمل الحسن والقبيح، لأن العجب كما أنه يعرض على الأعمال الجوارحية كذلك يرد على الأعمال الجوانحية ويفسدها، وكما أن صاحب الخصلة الحميدة يعجب بنفسه وخصلته، كذلك صاحب الخصلة السيئة أيضاً ربما يعجب بنفسه أو بخصلته، كما أشير بكليهما في الرواية الشريفة التي ذكرناها عن علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام وفيها: "منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه، ويحسب أنه يحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله تعالى". الحديث.

وإنما خصص هذين بالذكر لأنهما مختفيان عن أنظار غالب الناس غالباً، وليعلم أيضاً أن السرور والابتهاج الذي نفى الشيخ البهائي عن العجب وجعله حسناً فهو على حسب حال النوع. انتهى.

فمحصل نظر الإمام الخميني في كلام الشيخ ثلاثة أمور:

الأول:

إن الشيخ رحمه الله خصَّ العجب بأن الشخص يكون معجباً بأعماله الجوارحية من صيام الأيام وقيام الليالي وأمثال ذلك، والظاهر أن مراده من أمثال ذلك غير ما ذكره من العبادات والإحسان وغيرها، ولا ينظر إلى الأعمال القلبية، والعجب كما ذكرنا كما أنه يوجد في الأعمال الباطنية والقلبية، كالإنسان يعجب بإيمانه وهو عمل قلبي وخضوع باطني في مقابل الحق، ويعجب بإيمانه بالرسول فكأنه يمنّ به على الله ورسوله، كما ذكر في الرواية المذكورة آنفاً. وهكذا يوجد العجب في الصفات والملكات النفسية، كالعجب بالعلم والشجاعة والسخاوة أمثالها.

الثاني:

إن الشيخ قدس سره مضافاً إلى أنه خصّ العجب بالأعمال الجوارحية خصه بالأعمال الصالحة أيضاً وقال "لا ريب أن من عمل أعمالاً صالحة.. يحصل لنفسه ابتهاج" والحال أن العجب لا يختص بالأعمال الصالحة بل ربما يحصل في الأعمال السيئة، فكم من الكفار والمنافقين يعجبون بكفرهم ونفاقهم، وأصحاب الملكات الرذيلة ينجر أمرهم إلى أن يعجبوا بصفاتهم الخبيثة، كما سنذكره إن شاء الله، وأشرنا إلى ذلك في الرواية المذكورة آنفاً، وهو قوله عليه السلام: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه. هذا نتيجة تدليس إبليس الخبيث وتلبيس النفس الخبيثة للإنسان.

الثالث:

من وجهة نظر الإمام في كلام الشيخ أن السرور والابتهاج الذي يحصل للإنسان عندما يعمل عملاً صالحاً، إذا كان على ما قال الشيخ من حيث كونها عطية من الله.. لم يكن ذلك الابتهاج عجباً، فهذا المطلب بالنسبة إلى عامة الناس وعلى حسب النوع وليس عاماً على جميع الأفراد، فإنه يوجد أفراد في نوع الإنسان من عباد الله المخلصين وقد تخلصوا عن النفس وهواها، وقد عميت لهم عين رؤية النفس بالكلية، فلا يرون لأنفسهم عملاً حتى يسروا ويبتهجوا به، فإنهم يرون أنفسهم مملوكة للمالك الحقيقي وليس لهم حول ولا قوة من عند أنفسهم، وقد فنيت إرادتهم في إرادة الله وهم كما {ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء} ومصداق لقوله تعالى: {بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول} هؤلاء المخلصون لو عرضت لهم غفلة عن الله فرأوا فيها عملهم ووجدوا في أنفسهم سروراً وبهجة لاستغفروا الله من هذا السرور، مع ما لهم من المقام الرفيع عند الله، فإن حسنات الأبرار سيئات المقّربين.

  درجات العجب ومراتبه

كما نقلنا عن الإمام دامت بركاته في الرياء وأن له ثلاث مقامات ولكل مقام درجتين وقد مرّ تفسيرهما، فللعجب أيضاً تلك المقامات والدرجات.

فالمقام الأول: العجب في العقائد، والثاني: العجب في الملكات، والمقام الثالث: العجب في الأعمال. وللمقام الأول درجتان: الدرجة الأولى: العجب بالإيمان والمعارف الحقة، والدرجة الثانية مقابلها: وهي العجب بالكفر والشرك والعقائد الباطلة، والمقام الثاني أيضاً له درجتان الأولى: العجب بالملكات الفاضلة والصفات الحميدة، والثانية: وهي مقابلتها أي العجب بالأخلاق السيئة والملكات القبيحة. والمقام الثالث أيضاً ذو درجتين الأولى: العجب بالأعمال الصالحة ومقابله الدرجة الثانية أي العجب بالأعمال القبيحة والأفعال السيئة.



[1]  الدلال: التغنج والتلوي.

[2]  الشح: البخل والحرص.

 

  النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست