علاج الأمراض النفسية |
||||||||
الفصل
الخامس علاج
الأمراض
النفسية علاج
الأمراض ... من
المسلّم به،
ان الأمراض
النفسية
تنشأ ـ عادة
ـ من سبب أو
أكثر من
الأسباب
التالية: 1 ـ
الوراثة. 2 ـ
التنشئة
الطفلية. 3 ـ
الضغوط. 4 ـ
الثقافة
المنحرفة
بعامة. هذه
الأسباب
يقرها البحث
الأرضي
جميعاً، على
تفاوت بين
الاتجاهات
من حيث
التركيز على
هذا السبب أو
ذاك. أما
التصور
الإسلامي،
فإنه يقر
الأسباب
المذكورة
بوضوح، فيما
لحظنا
توصياته
المختلفة
فيما يتصل
بالتحسين
الوراثي. كما
لحظنا
توصياته
المتصلة
بالتنشئة
الطفلية ـ
ولكن في
مرحلتها
المتأخرة،
وليس
المرحلة
المبكرة. أما
الضغوط أو
الشدائد
مضافاً إلى
الثقافة
المنحرفة
فإن المشرع
الإسلامي
يملك حيالها
تصوراً
خاصاً، بحيث
تنبني اسس
الصحة
النفسية
بنحوها
السليم على
هدى هذا
التصور
للضغوط
والثقافة. ولعل
ما يفرق بين
التصور
الإسلامي
والأرضي
أساساً، هو:
هذا التصور
لمواجهة
الضغوط
والثقافة
المنحرفة،
بحيث يمكن أن
نفسر أسباب
الفشل أو
النجاح في
علاج
الأمراض
النفسية في
ضوء الفارق
بين التصور
الإسلامي
والأرضي
لهذا الجانب. ان
البحث
الأرضي يقدم
توصياته
المختلفة
لمواجهة
الضغوط كما
أنه يقدم
تصوراً
خاصاً
للثقافة
التي تحقق
مبادئ الصحة
النفسية. بيد
أن النتائج
التي أفضت
التوصيات
إليها ـ من
حيث فشل
العلاج
النهائي ـ
تفصح عن أن
التصور
الأرضي
للثقافة
السوية
ولمواجهة
الضغوط،
تصور خاطئ
دون أدنى شك. كما أن
نظرته لبعض
عناصر
الوراثة،
والتربية
الطفلية تقف
وراء فشل
العلاج
المذكور. طبيعي:
ليس فشل
العلاج
لوحده مفصح
عن خطأ
التصور
الارضي، بل
ان وجهات
النظر
المختلفة في
ميدان
العلاج،
مفصحة عن ذلك
أيضاً. إن ما
يعنينا الآن
هو: أن نتقدم
بوجهة النظر
الإسلامية
عن نشأة
الأمراض
النفسية،
وتصوره
لمبادئ
الصحة
النفسية. غير
أن ذلك
يستاقنا إلى
الوقوف
أولاً على
البحث
الأرضي في
هذا الميدان. هناك ـ
على الأقل ـ
ثلاث طرق
لعلاج
الأمراض
النفسية في
البحث
الأرضي: 1 ـ
العلاج
التحليلي. 2 ـ
العلاج
السلوكي. 3 ـ
العلاج
الارشادي. طبيعي،
ثمة أنماط
أخرى من
العلاج،
تتصل
بالتنويم
ونحوه، بيد
أن الطرائق
الثلاث
المذكورة هي
أشدها
فاعلية
وانتشاراً
في هذا
الميدان. ونبادر
إلى القول،
بأن المشرع
الإسلامي،
لا يناهض هذه
الطرائق من
المعالجة،
بقدر ما يمكن
القول بأن
التوكؤ على
أحدها دون
الآخر،
ينطوي على
إدراك غير
صائب في
تفسير نشأة
المرض
وتشخيصه
وعلاجه. إن
العلاج
الارشادي هو
الطريقة
التي يختطها
المشرع
الإسلامي في
هذا الصدد. بيد ان
هذا لا يعني
ان العلاج
التحليلي أو
السلوكي، لا
يقرهما
المشرع،
بقدر ما يعني
أن أية وسيلة
لا تأخذ
مسألة (الوعي)
أو (الأنا) ـ
حسب المصطلح
الأرضي ـ
بنظر
الاعتبار،
فإنها لا
محالة تبوء
بالفشل. ويظل
كل من العلاج
التحليلي
والسلوكي
عناصر
مساهمة في
نجاح
المعالجة،
لا أنهما
لوحدهما
مصدر النجاح. ولنحاول
الوقوف عند
كل من هذه
الطرائق: 1 ـ
الاتجاه
التحليلي: يتناول
هذا الاتجاه
أكثر من
طريقة تبعاً
لتفاوت
مدارس
التحليل
النفسي. بيد
أن الطريقة (الفرويدية)
تظل أشدها
وقوعاً في
المفارقات. والسبب
في ذلك، عائد
إلى تشددها
أولاً على
الفعاليات
اللاشعورية،
وثانياً على
خبرات
الطفولة،
وثالثاً على
ظاهرتي
العدوان
والجنس
بخاصة. إن
المشرع
الإسلامي قد
ألمح إلى (اللاشعور)
ـ من حيث
دلالته
العامة ـ.
ولسوف نرى أن
معالجته
لمسائل
الحُلم، و"المزاح"
و"الكبر" و"هفوات
اللسان"
ونحوها،
قائمة على
الإشارة إلى
هذا الجانب
الخفي من
الشخصية. بيد
أنه لا يرى
إليه مصدراً
مفسراً لكل
أنماط
السلوك كما
لا يرى إليه
علاجاً أو حد
للظاهرة
المرضية. إنه
وسيلة عابرة
فحسب: من
الممكن حين
تستحضر بعض
مفاهيمها أن
تساهم في
تخفيف
الظاهرة. في
حين يظل
النجاح
أولاً
وأخيراً
قائماً على (الارشاد)
ـ الطريقة
الثالثة من
طرائق
العلاج، أي:
على (وعي)
الشخصية أو
على الطريقة
السلوكية
التي يجنح
إليها كثير
من
المعاصرين.
ولنتقدم
بمثال في هذا
الصدد: الخوف
من الظلام
مثلاً: يشكل
حالة مرضية
واحدة من
الحالات
التي تنتسب
إلى ما يسميه
البحث
الأرضي بـ(عصاب
الخوف). وإذا
أردنا
استحضار
مفاهيم (اللاشعور)
وصلته بهذا
المرض،
أمكننا
القول بأن
المريض عانى
ـ في طفولته
ـ خبرة مؤلمة
تتمثل في أن
مربيته
تركته لوحده
في غرفة
مظلمة ذات
يوم، مما
جعله يمر ـ
في تلك
اللحظات ـ
بانفعال
مؤلم هو:
انفعال
الخوف. ثم
نسي الطفل
هذه
الحادثة،
إلا أن (لا
شعوره) قد
احتفظ بها
دون أدنى شك،
نظراً لما
صاحبها من
الأنفعال
المؤلم،
وكبته إياه
منذ ذلك
الحين. إن
استحضار
مفاهيم (اللاشعور)
يعني: أن
نبصّر
المريض
بخبرته
الانفعالية
المذكورة،
بأن نجعله ـ
بوسيلة ما ـ
أن (يتذكر)
الحادثة،
وما صاحبها
أيضاً من (الانفعال).
وبهذا،
يتحرر
المريض من
خوفه. إن
استحضار مثل
هذا
المفهوم، قد
ينجح فعلاً
في تحرير
المريض من
مخاوفه، إلا
أنه لا يتحقق
في الحالات
جميعها: فكم
من مريض
مستبصر
بمصدر
متاعبه لم
يجده
التحليل
نفعاً: إنه
يتذكر جيداً
مصدر الخوف
والانفعال
المصاحب له،
وسخف مثل هذا
الخوف: ومع
ذلك لا
يستطيع
الفكاك من
مخاوفه. أكثر
من ذلك: في
حالات خاصة
تتصل
بالخبرات
المخجلة
مثلاً، أو
المحرمة، قد
يتضاعف حجم
المرض بعد (الاستبصار)
بخبرته
المؤلمة. طبيعي،
أن ذلك قد
يكون عائداً
إلى بناءه
النفسي
المضطرب
أساساً. وقد
يكون ذلك
نتيجة تعقد
خبراته
واشتباكها
العميق. وقد
يكون ناجما
عن اضطراب
عضوي أيضاً...
بيد أنه حتى
في الحالات
التي لا
تسمها
الطوابع
المذكورة،
فإن مجرد
استحضار
مفهوم (اللاشعور)
لا يشكل أداة
وحيدة
للعلاج، بل
يظل مجرد
أداة قد تنجح
في تحرير
المريض من
مكبوتاته،
وقد لا تنجح. ونحن
لا نحتاج في
التأكيد من
ذلك، إلى
إقرار بعض
التحليليين
أنفسهم،
بالفشل الذي
واجهوه في
علاج
مرضاهم، بل
إن التجارب
اليومية
المألوفة
تفصح عن ذلك
بوضوح مما
تكفينا عناء
الرد على ذلك. مما
لا شك فيه أن
هذا
الاتجاه،
صائب في
المعالجة.
وفي الغالب
يتحرر
المريض من
متاعبه. ففي
المثال
المتقدم: من
الممكن أن
ينطفئ الخوف
دون الحاجة
إلى استحضار
مفهوم (اللاشعور)
وتبصّر
المريض
بمصدر خبرته:
كأن نعرضه
بشكل غير
مباشر
للظلام،
ونكرر
التجربة في
هذا الصدد،
حتى يتم
إزالة الخوف
تدريجاً. والتجارب
اليومية
المألوفة في
إزالة مخاوف
الأطفال وفق
هذه
الطريقة،
أمر لا يتردد
اثنان في
نجاحه. وقد
ألمحت
التوصيات
الإسلامية
إلى هذا
النمط من
العلاج، من
نحو ما هو
مأثور عن
الإمام علي (ع)
في ذهابه إلى
ما مؤداه: "إذا
خفت شيئاً
فقع فيه، فإن
توقيك منه
أعظم من
الوقوع فيه".[1] إن
المطالبة
بوقوع
المريض في ما
يتخوف منه،
يعني نمطاً
من العلاج (السلوكي)
الذي تتجه
المدرسة
السلوكية
الحديثة
إليه. يستوي
في ذلك أن
تكون (الحالة)
ذات طابع (بيئي)
كما هو الحال
في قضية
التجربة
المؤلمة
التي عاناها
طفلاً، أو
تكون (الحالة)
ذات طابع (وراثي).
فالمريض
الذي يرث من
خلال ما
أسميناه بـ(الوراثة
الطارئة)،
ظاهرة (الخوف)،
أو الانفعال
الحاد بعامة
سيفيد من
الطريقة
الارشادية
أو السلوكية
في تعديل
سلوكه. إن
التوصيةي
الإسلامية
القائلة. "إذا
لم تكن
حليماً
فتحلم"،[2]
تعني بوضوح
امكانية (التعديل)
وراثياً
وبيئياً،
ذلك: إن
التدريب على
(التحلم) كما
أشارت
التوصية
الإسلامية،
يقتاد
الشخصية إلى
أن تصبح ذات
يوم (حليمة)
بالفعل: سواء
أكان عدم
التحلم ـ من
حيث المصدر ـ
قد نشأ من (الأصلاب)
أم مرحلة
الحمل، أم،
مرحلة
النفاس، أم
مرحلة
الرضاعة، أم
مرحلة
الطفولة
بعامة، أي (وراثياً
أم بيئياً).
والمهم، في
الحالات
جميعاً، أن
تعديل
السلوك من
الممكن أن
يتم وفق
الطريقة
الإرشادية
أو
السلوكية،
حسب ما
تستدعيه
حالة المريض.
ومع ذلك، فإن
(الفشل) من
الممكن أن
يجتاج هذه
الطريقة أو
تلك: إذا كان
المريض
محكوماً
بنفس
الطوابع
التي سبق
ذكرها (أي
بناؤه
العصبي
المضطرب،
وتعقد
خبراته،
واضطراباته
العضوية). إن
المهم في
الحالتين أن
النجاح
يعتمد أولاً
وأخيراً على
(وعي) المريض
بشذوذ حالته:
يستوي في ذلك
أن يقترن ذلك
بمعرفة (مصدر)
الشذوذ أو
بعدم معرفته.
وهذا يعني أن
التشدد
ينبغي أن يتم
على (الوعي)
وليس على
الطريقة،
وهذا هو (العلاج
الارشادي)
الذي يبصر
المريض
بمبادئ عامة
عن الخوف أو
عن سواه من
الأعراض.
ومثله (العلاج
السلوكي)
الذي تقدم
الحديث عنه. ففي
الحالة
المذكورة،
يبصّر
المريض
بحقيقة
الظلام وعدم
انطوائه على
أي مسوغ
للخوف: فلا
أشباح ولا
حيوانات ولا
أفراد
يتعرضون له
بالأذى،
تماماً كما
هو الحال
فيما يتصل
بالأماكن
غير المظلمة.
أو يعرض
المريض إلى
مصدر الخوف،
على نحو ما
ألمح الإمام
علي (ع) إليه. طبيعي
من الممكن
أيضاً ألا
تزول
المخاوف
بهذا
التبصير أو
الطريقة
السلوكية:
إلا أن عدم
إزالتها
يعني: إن
المريض تسمه
ذات الطوابع
التي لم ينجح
التحليل أو
اطفاء
السلوك
بإزالة
مخاوفه. هذا
كله فيما
يتصل بنمط من
العصاب هو:
عصاب الخوف.
أما سائر
الأعصبة:
كعصاب
الوسواس، أو
الكآبة، أو
الهستيريا
ونحوها، فإن
استحضار
اللاشعور أو
العلاج
السلوكي
يتعطل
تماماً عن
فعاليته،
تبعاً لقوة
أو تشابك
الحالة التي
يعانيها
المريض. إن
المريض الذي
يعاني عصاب
التسلك
القهري
مثلاً، من
المحال أن
يتحرر من غسل
يديه مرات
عديدة، أو
يقلع عن مضغ
الأفكار أو
الألفاظ،
لمجرد أن
نلفت
انتباهه إلى
أنه يعاني (عقدة
ذنب) ونبصره
بمصدر
الإحساس
بذنبه، وإلى
أن هذا
الإحساس هو:
رغبة
محارمية أو
كراهية للأب
كبتتا في لا
شعوره
مثلاً، أو
أنها نتيجة
تثبت عند
المرحلة
الفرثية (المرحلة
الثانية من
مراحل النمو
الطفلي). هذا
التبصير:
فضلاً عن
سخفه من حيث
كونه
تفسيراً
لحالة
المريض،
يرتطم
بمقاومة أشد
من المريض في
أية محاولة
لإزالة (التسلط)
عليه. كما
أن العلاج
السلوكي
يرتطم
بصعوبة أكثر
شدة في مثل
هذه الحالة
التي يعدها
السلوكيون
تعلماً
خاطئاً من
المكن أن
ينطفئ بتعلم
جديد في هذا
الصدد. على
أننا إذا
تجاوزنا
حالات
العصاب
الحادة،
واتجهنا إلى
الحالات
الخفيفة
منه، أو إلى
الحالات
العامة التي
تسم
الآدميين في
ظواهر القلق
والتوتر
والكآبة
والتمزق وما
إليها، أو في
بعض حالات
السلوك
المتصل بما
يسمى في لغة
علماء النفس
التحليلي بـ(آليات
الدفاع) من
تبرير ونكوص
واسقاط، وما
إليها، بل في
مطلق السلوك
السلبي
المتصل
بالكذب
والخيانة
والحقد و... و...
الخ، ... أقول:
إذا اتجهنا
إلى مثل هذه
الحالات (وهي
في الواقع
موضع تشدد
المشرع
الإسلامي)
حينئذٍ نلحظ
أن (العلاج
الارشادي) هو
الأسلوب
الأمثل في
هذا الصدد. والمشرع
الإسلامي
حين يشدد على
هذا الجانب،
فلأن هذه
الأعراض
تمثل غالبية
الآدميين
الذين قد
تشكل نسبتهم
أكثر من
ثلاثة أرباع.
ولأنها تتصل
بصميم
السلوك الذي
يتعامل معه
يومياً،
ولأن شطراً
منه لا يبدو
وكأنه يحمل
سمة (المرض)
في تصور
الأرضيين.
ولأنه ـ في
نهاية
المطاف ـ
خاضع
لعمليات
التعديل،
والعلاج
بعامة: من
خلال
الارشاد
المتواصل.
بخلاف
الحالات
الحادة التي
تفتقد إلى
وسائل أخرى
من العلاج
بالعقاقير
وما إليها. إن
المشرع
الإسلامية
يقدم لنا
توصياته
المتنوعة في
هذا الصدد:
من خلال
تفسيره
أولاً لمهمة
الكائن
الآدمي على
هذه الأرض.
وبدون هذا
التفسير لا
يمكن أن يتم
أي نجاح في
تعديل
السلوك. ويتم
ذلك ثانياً
من خلال
الالتزام
بمبادئ
السلوك
الإسلامي في
كل مستويات
النشاط.
وبدون هذا
الالتزام لا
يمكن أيضاً
أن يتم أي
نجاح في
تعديل
السلوك. ويحسن
بنا أن نعرض
عابراً لهذا
التفسير،
فنقول: تنطلق
الشخصية
الإسلامية
من تصور خاص
لدلالة
وجودها في
هذه الحياة
المحددة. 1 ـ
هذا التصور
يقضي بأن
وجودها (هادف)،
وإلى أنه
يرتبط
بالقيام
بمهمة خاصة
هي: (الخلافة
على الأرض). 2 ـ
المهمة
الخلافية أو
العبادية
المذكورة
تحددها
السماء،
متمثلة في:
الالتزام
بجملة من
المبادئ (فعل
ما هو واجب،
مندوب) وترك
ما هو (محرم
ومكروه)
والخيار بين
سلوك لا يتسم
بأمر أو نهي (المباح). 3 ـ
ويتميز (الوجود
الدنيوي)
بأنه (موقت)
أولاً،
وبأنه (وسيلة)
وليس (غاية)
ثانياً. أما
كونه (مؤقتاً)
فلأنه قبال
حياة أبدية
هي (الدار
الآخرة). أما
كونه (وسيلة)
فلانه من أجل
تحقيق (الحياة
الأخرى). 4 ـ
انه مجرد (اختبار)
ـ يشبه
الاختبار
المدرسي
تماماً ـ
لتسلم (درجة)
النجاح أو
الرسوب في
اجتياز
الشخصية
للدار
الآخرة. 5 ـ
يترتب على (الاختبار)
أن تواجه
الشخصية (شدائد)
أو (إحباطات)
للذة، أي:
صراعاً بين (الشهوة
والعقل) بين (الذات
والموضوع). 6 ـ
ولكي يمضي (الاختبار)
بنجاح يتعين
على الشخصية
أن تمارس
نمطاً من
اللذة هي
اللذة
الموضوعية،
و(تأجيل)
اللذة
الذاتية (بغية
تحقيقها في
الدار
الآخرة... بعد
التخرج). إن
عملية تأجيل
اللذة
الذاتية) تظل
(الخيار)
الوحيد
للطالب بغية
اجتيازه
درجة النجاح
(كأن يقلل من
ساعات نومه،
وفرص لقائه
بالآخرين،
وفرص
استراحته)
حتى يوفر له
بعد التخرج
حياة سعيدة.
إننا بدون (التأجيل)
لا يمكن أ،
نحدد أية
دلالة
للطبيعة (الثنائية)
(الشهوة
والعقل): فما
دامت ثمة (شهوة)،
تكون ثمة
مطالب
بايثار (العقل)
عليها، أي:
ثمة مطالب بـ(تأجيل)
اللذة
الذاتية
وابدالها
باللذة
الموضوعية،
مما يعني أن (خياراً
واحداً)
نملكه في
الحياة هو: (تأجيل
اللذة). فما
هي فاعلية
هذا (التأجيل)؟ قلنا،
إن ثمة (أصلاً)
عاماً
محركاً
للسلوك
الإنساني هو:
البحث عن
اللذة. وقلنا
أيضاً. أن
الأصل ذو
طابع ثنائي
هما: الشهوة
والعقل، أو
الذات
والموضوع
يتجاذبان
السلوك. وإلى
أن كلاً
منهما يحقق (اللذة). وقلنا
ثالثاً: إن
اللذة
العقلية أو
الموضوعية
متوازنة مع
اللذة
الذاتية أو
الشهوية، بل
إنها تتميز
بقدر أشد
إمتاعاً من
اللذة
الشهوية أو
الذاتية. إما
الآن
فيعنينا أن
نحدد
مستويات (اللذة)
ومكان (التأجيل)
منها، وصلة
أولئك
بتنظيم
الأصول
النفسية
والحيوية،
فضلاً عن
صلتها ـ
بعامة ـ
بمبادئ
الصحة
النفسية في
ضوء التصور
الإسلامي
لها. من
المسلّم به،
أن (اللذة) أو (الامتاع)
تتحقق عبر
أشكال
ثلاثة، هي:
اللذة
الحسية،
اللذة
النفسية،
اللذة
العقلية. ومثال
اللذة
الحسية:
الحاجة إلى
الطعام،
فيما يتم
اشباعها
بتناول (وجبة)
منه، يزاح
التقلص
العضلي
للمعدة، من
خلالها. ومثال
اللذة
النفسية:
الحاجة إلى
التقدير
الاجتماعي (حسب
لغة الأرض)،
فيما يتم
اشباعها
بتحقيق الحب
أو المكافأة
أو السمعة
الاجتماعية
التي يخلعها
(الآخرون)
على الفرد. ومثال
اللذة
العقلية:
الحاجة إلى
معرفة (الحقائق)
واستكناهها،
فيما يتم
اشباعها
بالوصول إلى
(كشفها). إن
علم النفس
الأرضي ذاته
لا يفصل
اللذة
الحسية عن
الصيغ التي
تمت من
خلالها أية
عملية نفسية
خالصة،
فالبحث عن
الطعام أو
الجنس مثلاً
لا يمكن
تحقيق
اشباعه إلا
من خلال (صيغ
نفسية)
يتعلمها
الكائن
الآدمي منذ
أن يبدأ ما
يسميه البحث
الأرضي بـ(أنا)
الشخصية
بالظهور. إن
الطفل
الوليد
لوحده، هو
الباحث عن
الاشباع
المطلق
لحاجته إلى
الطعام. لكنه
مع السنوات
الأولى التي
يبدأ (التمييز)
لديه، يبدأ
بتأجيل (لذته)،
بحيث يخضعها
لأوقات خاصة
تحددها
مربيته:
يتعلم من
خلالها أن
يكف عن
البكاء، أو
المطالبة
بالطعام،
مثلما يتعلم
من خلالها أن
(يصبر) على
الحاجة
المذكورة. وواضح،
أن الكف عن
البكاء أو
المطالبة
بالطعام،
والصبر
عليه، ... هذا
النمط من
السلوك
يُعدّ (عملية
نفسية)
خالصة،
يستبدل بها
الطفل عن (اللذة
الحسية) لذة
نفسية تتمثل
في انتزاعه
لـ(التقدير)
من مربيته.
وحتى مع
افتراضنا أن
الطفل مضطر
إلى تأجيل
لذته ليس
بسبب من
انتزاع "التقدير"
بل لتأمين
حاجته إلى
الطعام في
الموعد
المحدد، فإن
عملية (التأجيل)
ذاتها تحقق (لذة
عقلية) هي:
اكتشافه
للحقيقة
الذاهبة إلى
أن (الصبر)
سيؤمن حاجته
إلى الطعام،
في الموعد
المحدد. إذن:
في الحالتين
قد استبدل
الطفل حاجته
العاجلة إلى
الطعام،
بلذة نفسية
أو بلذة
عقلية من
خلال عملية
تأجيله للذة
الحسية. وهذا
كله في مرحلة
الطفولة. أما
المرحلة
الراشدة،
فلا تحتاج
إلى تعقيب،
مادمنا ندرك
بوضوع، إننا
جميعاً نخضع
اللذة
الحسية
للطعام أو
للجنس إلى (تأجيلات)
شتى: من حيث
تنظيم
الزمان
والمكان
والطريقة،
بحيث نحقق
إمتاعاً
نفسياً
وعقلياً
بدلاً من
الامتاع
الحسي الصرف.
بل قد يصل
الأمر إلى (الاضراب
عن الطعام)
والتقبل لـ(الموت)
بدلاً من
الحياة،
عندما نخضع
العملية
للذة (نفسية)
أو (عقلية) هي:
القيم
الدينية أو
السياسية أو
الاجتماعية
التي ننطلق
من خلالها في
استبدال ما
هو (لذة حسية
الطعام) إلى
ما هو (لذة
عقلية أو
نفسية): "الاضراب
عن الطعام"
بصفته
تجسيداً
للذة (القيم)
التي يؤمن
بها:
المضربون عن
الطعام. من
هذا المثال:
نستخلص عدة
حقائق عن (اللذة): 1 ـ
إن اللذة
الحسية
تقترن (من
خلال
اشباعها)
بلذة نفسية
أو عقلية:
تبعاً لنمط (الثقافة)
التي تحيط
الباحث عن
اللذة
الحسية. 2 ـ
إن اللذة
الحسية، من
الممكن ان
تستبدل
أساساً بلذة
(نفسية) أو (عقلية)
بحيث (يؤجل)
المضرب عن
الطعام: ليس
رغبته
العاجلة في
تناول
الطعام، بل
حاجته (الملحة)
له على نحو
لا يتناوله
اطلاقاً
فيما يقتاده
إلى تقبل (الموت)
أيضاً وهو
قمة "التأجيل"
للذائذ
الحسية. 3 ـ
إن اللذة (الحسية)
هي أشد
الحاجات (إلحاحاً)
لأن
استمرارية
حياة الكائن
الآدمي،
متوقفة على
اشباع
الحاجة إلى
الطعام.
لكنها ـ أي
اللذة
الحسية ـ
بالرغم من
كونها (أشد
إلحاحاً) من
اللذة
النفسية أو
العقلية،
تظل أضأل (فاعلية)
من اللذة
النفسية
والعقلية:
بصفة أن
اللذتين
الأخيرتين
بمقدورهما
أن تمسحا (الحاحية
الدافع
الحيوي ـ
الحاجة إلى
الطعام)
وتحولها إلى
لذة نفسية
وعقلية أشد
تأثيراً
وفاعلية من
اللذة
الحيوية
بالرغم من أن
هذه الأخيرة
أشد إلحاحاً. هذه
الحقائق
التي لا
يتخاصم فيها
اثنان،
تدلنا على أن
(اللذة
العقلية
واللذة
النفسية)
تشكلان ـ على
نحو ما قرره
المشرع
الإسلامي ـ
دافعاً أو
حاجة يرثها
الكائن
الآدمي
طبقاً لطرفي
التجاذب
اللذين
يتحرك
الكائن من
خلالهما،
ونعني بها (الشهوة
والعقل) أو (الذات
والموضوع)،
وإلى أن
اللذة
العقلية
والنفسية
يشكلان طرف (الموضوع)
أو (العقل)،
في حين تشكل (الذات
أو الشهوة):
الطرف الآخر
من التجاذب:
حينما ينشد
هذا الطرف
اشباعاً
طليقاً من كل
قيد. كما
تدلنا
الحقائق
المذكورة
إلى أن (اللذة
العقلية
والنفسية) هي
أشد فاعلية
من اللذة
الحسية: على
نحو ما قرره
النبّي (ص)
حينما أوضح
بأن
المداومة
على الخير
تستتلي
كراهية
الشر، أي: أن
نشدان اللذة
العقلية
والنفسية لا
يمثلان
طرفاً
موازناً
للذة الحسية
فحسب، بل
يمثل طرفاً
أشد امتاعاً
من اللذة
الحسية بحيث
يستتبع
النفور من (تناول
الطعام) في
ظل سلطة
جائرة لا
تخدم مصالح
الشعب مثلاً. ونخلص
من ذلك كله،
أن اللذة
العقلية
والنفسية هي
المعيار
الذي يفصل
الكائن
الآدمي عن
العضويات
الأخرى. وإلى
أنها (تتحكم)
و(تحور)
اللذة
الحسية إلى
صيغ نفسية
خالصة أشد
امتاعاً من
اللذة
الحسية
الصرف. وإذا
كان الأمر
كذلك، فإن (التأجيل)
للذة، يظل هو
السمة أو
الطابع
للكائن
الآدمي:
ونقصد به
تأجيل ما هو
حسي ومزجه
بما هو نفسي
وعقلي أو
تأجيله
أساساً
واستبداله (وليس
مزجه فحسب)
بما هو نفسي
وعقلي. للمرة
الجديدة،
نؤكد بأن
عملية (التأجيل)
للذة: هي
الطابع الذي
يسم الكائن
الآدمي
تبعاً
للتركيبة
التي صاغتها
السماء،
وطالبت من
خلاله كما
قرر الإمام
علي (ع) بأن
يسيطر
الإنسان على
(شهوته) من
خلال (تحكم
العقل) فيها. هذه
الحقيقة
تتلاقى
عندها كل من
وجهة النظر
الإسلامية
والأرضية:
كما هو واضح
من المثال
المتقدم. بيد
أن الافتراق
بينهما،
يبدأ من (الفارقية)
بين نمط (الثقافة)
الإسلامية و(الثقافة
الأرضية) من
حيث
تحديدهما
لمبادئ
اللذة
العقلية
والنفسية،
وانعكاس ذلك
على نشأة
الأمراض
النفسية،
وطرائق
علاجها، من
حيث فشل
البحث
الأرضي في
هذا الصدد. وهذا
ما نبدأ الآن
بتوضيحه:
|
||||||||
|