.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

العمل النسائي.. في قفص الاتهام

عمل المرأة في 

الجانب العملي والمهني

الجانب السلوكي والأخلاق

المرأة.. والعمل

من القلب

 

الفصل الرابع

العمل النسائي.. في قفص الإتهام!

هل يتضارب عملك مع مصالحه؟

إذا كان لديك عمل تزاولينه، وطلب إليك زوجك أن تتخلي عنه، لأنّ في ذلك مصلحة له، فهل تقبلين راضية؟!

إذا كنت لا تقبلين فأنت إذن مهتمة بمصلحتك الخاصة أكثر من اهتمامك بمصلحة زوجك.

ذلك أنّ مساعدة رجل على بلوغ النجاح، إنما هو في حدّ ذاته عمل تختاره الزوجة لنفسها، وتؤديه بنفس الهمة والنشاط والحيوية التي تؤدي به كل عاملة عملها. فإذا لم يكن للزوجة في هذا العمل أيّة رغبة، فلا تنتظر أن تصيب فيه نجاحاً وتوفيقاً.

وإليك قصّة فتاة كانت تظّن أن عملها يأتي في المقام الأول.. إلى أن حدث شيء غيّر اعتقادها.

كانت " زيتا ويلز " فتاة ناجحة بوصفها مديرة برنامج خاص في الإذاعة، والمحاضرات، عندما التقت بزوجها المستكشف " كارفت ويلز ".

وقد قصد إليها كارفت، كما كان يقصد إليها الكثيرون من المشاهير، لتنظم له برنامجاً إذاعياً، على أن ويلز ذهب إليها كعميل، وخرج من عندها محباً متيّماً، بل متواعداً على الزواج منها، راضياً باشتراطها أن تحتفظ بعملها واستقلالها بعد الزواج.

وتمّ زواجها في شهر مارس، وفي شهر يونيه، كان كارفت قد رتّب أمره على الارتحال إلى تركيا وروسيا ليتسلّق جبل " أرارات ". وكان المتوقع أن تتخلف زيتا لتبقى بجانب عملها. ولكنها في اللحظة الأخيرة لم تطق أن تتخلف وتدع زوجها يرتحل وحده. على أنها وعدت نفسها بأن تكون هذه المرة هي الأولى والأخيرة التي تصحبه فيها في رحلاته.

وأقلع كلاهما وواجهتهما مغامرة لم يعلم إلا الله بمدى ما حفّ بها من عقبات وصعاب، ولكنّها تمخضت عن أروج كتاب ألّفه كارفت وعنوانه " كابوت " وعادت زيتا إلى عملها لتجده في نظرها ليّناً تافهاً، بالقياس إلى المغامرة الخطرة التي خاضتها مع زوجها، فلما ارتحل زوجها بعد عام ونصف العام إلى المكسيك ليتسلّق جبل " بوبو كاتيبتل " كانت في ركابه... وتعرّضت زيتا في هذه المغامرة أيضاً للجوع والبرد والخوف، والتعب، ولكنها كانت تجد في ذلك كلّه متعة وسعادة!

وأطاحت الرياح الثلجية التي كانت تعصف بقمة الجبل الشامخ بالبقية الباقية من نفسها من الرغبة في أن تكون ذات عمل مستقل!

فلما عادت أدراجها من هذه الرحلة، أغلقت مكتبها، وتفرّغت لتصحب زوجها في مغامراته ورحلاته في أدغال الملايو، وفي أفريقيا، واليابان، وايسلندا والهند.

تقول زيتا: " واسرح الطرف الآن في الوقت الذي أصررت في أن يكون لي عمل مستقل، فأعجب من هذه السخافة التي كنتُ أصرّ عليها "!

ولله.. كم كانت تصبح حياتي خاوية جرداء، محدودة الأفق لو لم أشارك كارفت في رحلاته ومغامراته.

وأعتقد أن أعظم جـزاء نلته في حياتـي هو الإهـداء الذي وجّهه إليّ زوجي فـي كتابـه " كابوت " والذي كتب فيه " إلى أعز صديق.. زوجتي زيتا ".

وقدد تكون زيتا رجعت عن اعتزامها الاحتفاظ بعملها، امتثالاً لظروف غير عادية لا تتاح لكل فتاة، ولكنها!

على أية حال فعلت الشيء نفسه الذي فعلته الكثيرات، عندما تخلين عن مصلحتهن الشخصية في سبيل مصالح من أحببن[1].

 أين رأي الإسلام؟

وهل يقف حجر عثرة في طريق عمل المرأة؟

قبل الإجابة عن سؤالنا.. يقف أمامنا سؤال آخر؟

ماذا قدمت المرأة من جرَّاء عملها؟؟

أولاً: في الجانب العملي والمهني

للمرأة وضع نفسي وجسدي وعقلي يختلف عن الرجل، فلا يمكنها مهما حاولت أن تحقق ما يحققه الرجال!

والمرأة بطبيعتها بحاجة الى العطف، والتشجيع، ولا تتحمل الثقل الكبير الذي ينتابها من العمل ودخولها في مشاكل لا نهاية لها. قد تحصل لا على ما يشبع اطمئنانها وكينونيتها، فتؤثر تأثيراً على واقعها كربة بيت أولاً، وكعاملة في خارجه ثانياً.

[المرأة بحكم طبيعتها تحتاج الى التواصل النفسي والتشجيع والتعاطف والتودد، فإذا فقدت هذه المشاعر في بيئة العمل، أصيبت حالتها النفسية بالجفاف، وانعكس ذلك في قدرتها على العمل، هذا إلى أنها تكون منقسمة على ذاتها بين مشاعرها كأم وزوجة، موقفها في العمل، وقد يسبب لها ذلك اضطراباً كما يعمل على تشتيت الجهد وعدم ضبط النفس، والقدرة على التركيز، هذا وتدل الإحصاءات على أن العاملة إذا تزوجت ثم زاد عدد أولادها، أصبحت أكثر تهاوناً في القيام بمسؤولياتها، وأكثر استرخاء في الإقبال على العمل، وزادت مواقفها السلبية، ولوحظت عليها ظواهر عدم الانتظام، وكثرة التأخر والغياب والانقطاع من العمل بعذر أو بغير عذر معقول، وكثرت شكاياتها وإجازاتها ورغباتها في الانصراف قبل المواعيد المقررة][2].

ثانياً: في الجانب السلوكي والأخلاقي

مهما حاولت المرأة وحرصت، للابتعاد عن مواقع الخطأ مع الموظفين والزملاء في العمل، لن تنتهي من المشاكل، لانها في وسط الزملاء، تحاول جادة في تحقيق مبدأ المساواة، وتطالب بكامل حقوقها، والكل يعدها وعوداً لفظية فقط!

ولكن!

أين المجتمع الملائكي.. الذي يفي لها بالوعود؟

وأين المجتمع الذي يحقق لها كل مآربها؟

 بل أين هي في الحقيقة، من هروبها وفرارها من واقع الشكليات الخداعة والمظاهر القشرية التي تكلفها الكثير لملء رغباتها، وإشباع غريزتها وهاجسها الجمالي في التأنق والموضة وتبعاتهما الأخرى.

نعود أدراجنا.. فنحاول الإجابة عن سؤالنا الأول.

هل يقف الإسلام ـ حجر عثرة في طريق عمل المرأة؟؟

المرأة ـ والعمل

مصطلحان سمعنا بذكرهما طويلاً! وفي أكثر من موقع، فهما متلازمان تقريباً، خاصة وأن المرأة تلعب دوراً بالغ الأهمية في التطور الاقتصادي والرقي الحضاري.

[من الأمور التي لا تقل دهشة الإنسان منها عن دهشته من أي شيء آخر في هذه الحضارة، أنها ازدهرت من غير أن يكون لها حافز أو عون من المرأة، لقد قام عصر الأبطال بفضل معونة النساء][3].

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عندما جاءت إليه الصحابية السيدة ريطة بنت عبد الله بن معاوية الثقفية، وكانت ريطة امرأة ذات صنعة تبيع منها، وليس لها ولا لزوجها ولا لولدها شيء من حطام الدنيا.

فسألت النبي (ص): عن النفقة عليهم، فقال:

" لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم ".

قال الله تعالى:

(للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن، واسألوا الله من فضله، إن الله كان بكل شيء عليماً)[4].

(هو الذي جـعل لـكم الأرض ذلـولاً، فامشوا في منـاكبها، وكلـوا مـن رزقـه

وإليه النشور)[5].

[إن الإسلام يم لم يحرّم، ولن يحرم الإشتغال على المرأة في الأعمال المناسبة لشخصيتها وقدرتها.. فقد أباح لها العمل في حقل التعليم كمدارس الأطفال والبنات، لما تملك من حنان وميول تربوية.

وكذا اشتغالها في التمريض والتطبيب النسائي والمستشفيات النسائية والمعامل الإنتاجية المختصة بالعنصر النسوي كمعامل النسيج والخياطة والتطريز والحياكة.... ونظير ذلك من الأعمال، أما الاشتغال في بقية وظائف الدولة أو المعامل والمنشآت الأخرى، الذي يبدو فيه الاختلاط، واضحاً مع كونه اختلاطاً غير مشروع، لانه لا يقوم على مقاييس إسلامية، فعمل المرأة في مثل هذه الصور محرّم مطلقاً، والإسلام يمنعها، لا لأجل تحريمها، بل من أجل حفظ المجتمع، من أجل حفظ الإنسانية، ولبقاء الرجل رجلاً، والمرأة امرأة][6].

ولكن!

أين هي قيمتها في قانون الاجتماع؟ وهل هي متساوية مع أختها، العاطلة في الأجر والثواب؟ أم إن لها قيمة عليها؟؟

يجيب علماء الاجتماع الإسلامي عن أسئلتنا بقولهم:

[المرأة الموظفة التي تدر الثروة، والمرأة العاملة، ولو في الصنائع اليدوية لها قيمة فوق قيمة العاطلة في الاجتماع، حتى إن مهرها عند أخذ يدها أكثر من غيرها، والعالم لم يتمكن أن يحل مشكلة المرأة في العصر الحاضر، حيث إنها إن اشتغلت بالاقتصاد، لم تتمكن من إدارة المنزل، والإنجاب والتربية، والإدارة، وإن أمكنت للرجل، إلا أن العاطفة النسوية في الأولاد لا تحصل بتربية الرجال، ثم إذا وضعت التربية على الرجل!

كان خلاف قاعدة البنية لهما، حيث إن الرجل للأعمال الخشنة، والمرأة للأعمال الخفيفة.

ولعل الحل أن نُقسم أوقات المرأة إلى:

1 ـ الإنجاب والتربية.

2 ـ ترفيعها نفسها بالعلم والصنعة وما أشبه.

3 ـ العمل على مراعاة الحشمة الكاملة، ويستعان لأجل إمكان جمع الثلاثة بالوسائل الحديثة المسهلة، مع تقديم الأول على الثاني والثاني على الثالث][7].

.. بهذه المعادلة الطبيعية، تراعي المرأة تقديم الأهم على المهم، مما يكفل لها قدرتها على التحمل، وراحتها النفسية، وعطاءها وتضحياتها لتربية الجيل الصالح وتطوير نفسها بالمهن والأعمال التي تزيدها مهارة وكفاءة ثم الإنخراط في الساحة الاجتماعية، والعمل الخالص لوجه الله تعالى.

يقول مرتضى المطهري في كتابه " حقوق المرأة في النظام الإسلامي ":

[.. يتمتع بنو الإنسان بحقوق اجتماعية متساوية، ومتشابهة أيضاً في إطار المجتمع العام، خارج دائرة محيط الأسرة.

يعني.. إنهم يتمتعون بحقوق طبيعية مساوية بعضها للبعض الآخر، ومتناظرة أيضاً.. فلكل منهم الحق المماثل للآخر في الإفادة من هبات التكوين، ولكل منهما الحق في العمل، ولكل منهما الحق في المشاركة بسباق الحياة، ولكل منهما الحق في طلب أي مركز اجتماعي، والسعي لـه بالطريق المشـروع، ولـكل منـهما الحق في تنمية وإبراز الاستعدادات العلمية والعملية].

من القلب

أختي العاملة..

كوني على يقين كامل، بأن الإسلام واقف إلى جانبك، يحترمك كإنسانة، ويقدر مبادراتك كامرأة عاملة.

ولكن!

لديه بعض الملاحظات..

1ـ إحذري مواقع الخطأ والانزلاق، وحاولي الابتعاد عن موارد الاختلاط مع الرجال بقدر إمكانك.

2 ـ لا تهملي واجبك التربوي، ولا تتنازلي عن حقوق أبنائك عليك كأم.. ففكري بهم أولاً.

3 ـ فجري قدراتك.. وابذلي كل ما في وسعك لأداء رسالتك في الحياة.

4 ـ إبحثي بصدق.. عن العمل الذي يضمن لك كل الحقوق الشرعية. واختاري الموقع الذي يتناسب مع كينونيتك كأنثى.

5 ـ تنازلي عن الشكليات المستوردة، والتزمي بالزي الاحتشامي وإلاّ... عرضت نفسك للتهم الظالمة والتي لا ترحم أحداً.

6 ـ كوني حذرة!

وأتمنى لك التوفيق.

في اختيارك....

 


[1]  في العلاقات الزوجية : ص83 .

[2]  دراسات في الاجتماع العائلي : ص216 .

[3]  قصة الحضارة ، بل ديورانت : ج7 ص117 .

[4]  سورة النساء ، الآية : 32 .

[5]  سورة الملك ، الآية : 15 .

[6]  المرأة المعاصرة / عبد الرسول الغفار : ص244 .

[7]  الفقه الاجتماع : ص351 .

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست