.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

الجار ثم الدار

حاولي.. الانسجام مع وضعك الجديد

اعرفي حقوقهم

اهتمي دائماً.. بجيرانك

جيران السوء.. كيف تتعاملين معهم؟

 

الفصل الخامس والعشرون

الجار ثم الدار

" اللهم صل على محمد وآله وتوّلني في جيراني ومواليّ والعارفين بحقنا والمنابذين لأعدائنا بأفضل ولايتك، ووفقهم لإقامة سُنَّتك والأخذ بمحاسن أدبك، في إرفاق ضعيفهم وسدِّ خلَّتهم، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم ومناصحة مستشيرهم، وتعهد قادمهم، وكتمان اسرارهم وستر عوراتهم، ونُصرة مظلومهم، وحسن مواساتهم بالماعون والعود عليهم بالجدة والإفضال، وإعطاء ما يجب لهم قبل السؤال واجعلني اللهم أجزي بالإحسان مسيئهم وأُعرض بالتجاوز عن ظالمهم، واستعمل حسن الظنّ في كافتهم. وأتولى بالبر عامَّتهم، وأغض بصري عنهم عفةً وألين جانبي لهم تواضعاً وأرقُّ على أهل البلاء منهم رحمةً وأُسرُّ لهم بالغيب مودةً وأُحبُّ بقاء النعمة عندهم نُصحاً وأوجب لهم ما أوجب لحامَّتي وأرعى لهم ما أرعى لخاصتي اللهم صلِّ على محمد وآله وارزقني مثل ذلك منهم، واجعل لي أوفى الحظوظ فيما عندهم، وزدهم بصيرةً في حقي، ومعرفةً بفضلي، حتى يسعدوا بي وأسعد بهم آمين ربّ العالمين ". (الصحيفة السجادية)

الجار

ثم الدار..

لم تدرِ هذه السيدة العجوز، والتي عاشت عمرها الطويل بعيدة عن الناس، تقضي وقتها أمام شاشة التلفزيون منذ أن رحلت شقيقتها، ولم تدرِ أيضاً! ان موتها سوف يتحدث عنه كل الناس، وستكون.. وهي التي لم تصادق أحداً ولم تلتفت يوماً ما إلى جاراتها. ستكون المرأة التي ماتت لتعلن تفكك العديد من الروابط الاجتماعية في مجتمعاتنا الشرقية.

فقد ظلت على فراشها، وهي مفارقة للحياة لمدة ثلاثة أعوام ولم ينكشف لأحد موتها إلا بعد حادثة حريق!!!

.. كشف حريق شب بأحد المنازل عن أغرب حادثة من نوعها!

فقد وجد رجال الإطفاء شباكاً بإحدى الشقق المجاورة للشقة التي شب فيها الحريق مفتوحاً. فقرروا استخدامه للوثوب إلى الشقة المجاورة، وكانت المفاجأة أن هذا الشباك لحجرة نوم! تحوّل فيها فراش سيدة عجوز ـ 74 ـ عاماً إلى قبر من نوع خاص، بعد أن ظلت صاحبته مدفونة " عليه " لمدة ثلاثة أعوام كاملة!!!؟

ولم يشعر أحد بالأمر، بل ولا ساكن واحد من سكان العمارة التي تسكنها أو يلتفت إلى غيابها أحد. ولم يلفت صمتها الطويل نظر جيرانها، أو يدفع الفضول أحد معارفها للسؤال عنها!

ولأنها بلا أسرة أو أبناء ظل جثمانها على الفراش بلا روح طوال هذه المدة الطويلة حتى تآكل جسدها.. وتحولت بكاملها إلى هيكل عظمي!!

يا للمأساة!!

أصبح مجتمعنا الإسلامي شبيهاً بالمجتمع الغربي، وبدأت علاقاتنا الاجتماعية تضمحل وتتلاشى يوماً بعد يوم.

ولكنني أتساءل!؟

أين الأيام الجميلة، وقت كنا صغاراً؟!

أين جيراننا الطيبون؟

أين الإخوة الحقيقيون! الذين نراهم أكثر مما نرى أهلينا؟

أين الأهل المتحابون المتحدون؟؟

.. أمي الأخت والجارة الطيبة لجميع نساء الجيران!! لا يمضي يوم إلا ويمتلئ البيت بهم وبأطفالهم!!

مشاكلنا هي عيناً مشاكلهم، أفراحهم هي أكيداً أفراحنا!

كن قلباً واحداً، وقالباً لا يتجزأ أبداً.

اليوم.. وبعد ثمانية عشر عاماً تقريباً. وبعد تطور البناء، وإضفاء المعمار الحديث على منازلنا، وانتقال البعض إلى المناطق الجديدة!!

تبددت كل صور الماضي الجميلة.. لتخلف وراءها العزلة القاتلة واحتجاب الصورة المشرقة عن واقع الناس الطيبين.

لا أدري!. من وراء ذلك؟

هل هي البرجوازية اللعينة التي حطت برحالها على أرضنا الطيبة!

أم إننا.. نحن المسؤولين عن خلق هذا الوضع الميت، والذي أوجدناه بمحض إرادتنا.

لا أعتقد أننا كنا نسعى لأجل الوصول إلى ذلك؟!!

إنما هو.. وليدة الظروف الحاضرة التي نحياها وبكل مرارتها وآلامها وقسوتها!! ولكننا أيضاً.. نلعب الدور الأكبر لتصحيح المسار المنهجي في حياتنا!

المناطق الحديثة البناء، أصحابها ما برحوا يعانون (الويل والثبور وعزائم الأمور) من وحشتهم وغربتهم فلا جار يعودهم، ولا زائر يتفضل بالسؤال عنهم!!!

تحكي إحدى السيدات معاناتها فتقول:

كنت أنتظر اللحظات لأنتقل إلى منزلي الراقي والمستقل مع زوجي، الحلم الذي كنت أسعى للوصول إليه منذ لحظة زواجي لأتمتع بقسط وافر من الحرية التي أنشدها!

فكم أتعبني وضعي المتعب والمثقل بأعمال المنزل في بيت عمي (والد زوجي).

والحمد لله فقد تحقق لي ما أريد!

وأصبحت حرة طليقة كما كنت أتمنى ذلك تماماً!!

فما إن مضى على انتقالي ثلاثة أشهر قمرية.. حتى سئمت وضعي هذا ولعنت أفكاري السوداء التي كنت أتشبث بها.

أصبحت أخاف الوحدة.. وأخشاها!؟

فما إن يستيقظ زوجي مبكراً، ليذهبَ إلى عمله، حت أعدُّ حاجياتي ـ وبأسرع مما يتوقع ـ وأوقظ طفلي الرضيع من أحلى وأمتع لحظات نومه وراحته!

ليوصلني إلى منزل أهلي..

.. فأنا بطبعي محبة للجماعة، ولم أألف الوحدة في (شقة) ضخمة ليس فيها سوى زوجي وأنا وطفلي، فطالما راودني إحساس بالخوف، وتساؤلات تقلقني.. فلربما يحدث لي ما يكرهني، دون أن أجد معيناً ولا مساعداً.

ولا يعني هذا.. أنني سئمت من جيراني، ومللت من عدم زيارتهم لي، ولكني ما برحتُ حريصةً على زيارتهم، دون أن أسمع ذات مرة بطارق يطرق الباب مخبراً عن زائر لي من قريب أو بعيد!!!

في نظري.. إن هروب هذه السيدة إلى منزل أهلها والعشرات بل المئات من السيدات من منازلهن كل يوم!

إنما هو هروب من الواقع، وانحراف عن الجادة!!

لِمَ لا..

حاولي.. الانسجام مع وضعك الجديد!!

إن لم يفكر جيرانك بزيارتك.. قومي أنت بزيارتهم، ولا تسأمي وينتابك اليأس والقنوط بل كوني أختاً طيبة وامتلكي المرونة في تعاملك معهم، لتكسبي مودتهم وحبهم.

لم لا تدعيهم لزيارتك باستمرار ولو عبر الهاتف، وقوِّي علاقتك بهم، وستكون بداية الإنطلاقة معهم بمشيئة الله.

يقول الرسول (ص):

" زر من قطعك ".

وجاء في حديث قدسي عن الله سبحانه وتعالى:

" من زار أخاه في بيته، قال الله تعالى له:

أنت ضيفي وزائري، عليّ قراك، وقد أوجبت لك الجنة بحبك إياه "[1].

إعرفي حقوقهم!!

زيارة الجيران. ليست أمراً مستحباً بالنسبة لك، بل هو واجب عليك فقد جاء في وصية أمير المؤمنين (ع) لأبنائه عند وفاته:

" الله الله في الجيران فمـا زال جبرائيل يوصي رسـول الله في الجـار، حتـى ظننا أنه

سيورثهم ".

وجاء في الحديث: من حقوق الجار على جاره:

" إذا استغاثك أغثه.

وإذا استقرضك أقرضه.

وإن افتقر عدت إليه.

وإن أصابه خيرٌ هنأته.

وإن مرض عدته.

وإن أصابته مصيبة عزيته.

وإن مات تبعت جنازته.

ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه.

وإذا اشتريت فاكهة فاهدها له.

وإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج ولدك يغيظ بها ولده.

ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها "[2].

وقد دلّت الآيات المباركة على أولوية حقوق الجيران بعد طاعة الله وبرّ الوالدين والأقربين والإحسان إلى الفقراء والمساكين.

قال الله تعالى:

(واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى، والجار الجنُب والصاحب بالجنب)[3].

إهتمي دائماً.. بجيرانك!!

إهتمي بهم دائماً، واكسبي ثقتهم، وزوريهم باستمرار، ولو بطلة تطمئنين بها على صحتهم ووضعهم.

[لكي تكسب الطمأنينة والسعادة فاتبع هذه النصيحة:

تناسَ نفسك واجعل اهتمامك ينصب على الآخرين، واعمل كل يوم عملاً طيباً يوجد البهجة على وجه أخيك الإنسان][4].

وبعد كسب الثقة والاهتمام بالجيران واعتبارهم أهلاً يعيشون بالقرب منك حاولي إسعادهم بقدر ما تستطيعين. [إن إسعاد الآخرين هو من أجلك أنت، عليك أن تهتم بالترفيه عن الآخرين، وهؤلاء الآخرون سيهتمون بك.

فيصبح الاندماج بينكم سهلاً... هذا إلى أن الدين قد أوصى بحب الجار، إن الحياة تطلب من الفرد أن يكون محباً لها، عاملاً منتجاً فيها، ومحباً للناس][5].

هذا!!

إلى أنك قد تتفاجئين أحياناً ـ وفي أثناء زياراتك لإحدى الجيران، بأنها منشغلة بالأعمال المنزلية بسبب وجود ضيوف لديها في وجبة الغداء مثلاً، قومي ـ وبلا تردد ـ ـ بمشاطرتها العمل، واسدي إليها هذا الصنيع، الذي تتذكره لك ما بقيت ولن تنساه لك أبداً!

جيران السوء.. كيف تتعاملين معهم؟

هل أنت مُبتلاة بجيران السوء؟

كيف تتعاملين معهم! وبأي أسلوب؟

عن الحسن بن عبد لله (ع)، عن العبد الصالح، قال:

" ليس حسن الجوار، كف الأذى، ولكن حسن الجوار، صبرك على الأذى ".

.. إن الحل السليم في التعامل مع جيران السوء وكسب محبتهم هو إسداء الخدمات والمساعدة الفعلية لهم، وإليك هذه القصة:

" بعثني مستر لوفتين إلى مدرسة القرية، ولم يكد يمضي أسبوع على التحاقي بها، حتى جئته شاكياً! من سخرية التلاميذ بي، وانتحبت أمامه،

وقلت له:

(إن الطلبة يلقبونني باليتيم، ويتندرون عليّ، وإنني كبحت جماح غضبي ووليت عنهم هارباً إلى البيت).

وما إن أنهيت شكواي هذه!

حتى طيب خاطري، وأسدى إليّ نصيحة أعامل بها زملائي بقوله:

(أتعلم يا رالف أنّ أصدقاءك الذي يتندرون عليك، سيكفّون عن ذلك! لو أنك تساعدهم في أعمالهم الدراسية).

وبالفعل!

عملت بنصيحة المستر لوفتين.. ولمست نتيجتها الإيجابية عندما اختلطت بزملائي وأخذت أُساعد هذا وذاك، وأذكر أني لخصتُ كتباً في مذكرات موجزة ثم أعطيتها لبعض أصدقائي، وقد أجهدت نفسي في مساعدة طالب وإفهامه الدروس الصعبة.

وزار الموت بلدتنا، فقضى على عاملين في مزرعتنا، وهجر مزارع آخر زوجته، فاضطررت إلى مساعدة نسائهم بدافع حب مساعدة الغير. فكنت قبل أن أذهب إلى المدرسة أمرّ عليهن، فأحلب لهن الأبقار، وأساعدهن على شراء ما يحتجنه من أغراض.

وهكذا كسبت مودة الناس، وقد ظهرت نتيجة معاملتي هذه للناس عندما سرحت من سلاح البحرية، فأتى لزيارتي في اليوم الأول ما يقارب المئتي نسمة، أغلبهم من مناطق تبعد ثمانين ميلاً عن مزرعتنا.

لن أنسى ما حييت هذه البادرة التي رأيتها، والتي قلبت وضعي إلى سعادة ووئام بفعل الطريقة التي أرشدني إليها مستر لوفتين "[6].

أجل!

إن كسب الجيران السيئ الجيرة يتطلب منك سعة الصدر والصبر على أذاهم.

عن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال:

" جاءت فاطمة (ع) تشكو إلى رسول الله (ص) بعض أمرها، فأعطاها كربة وقال تعلمي ما فيها، فإذا بها:

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره.

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت ".

وعن الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن آبائه عن علي (ع) عن رسول الله (ص)، في حديث المناهي قال: " من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير.

ومن ضيـع حق جـاره، فليس منا، ومـا زال جبرائيل يوصيني بالجـار حتى ظننت أنه سيورثه ".

وعليه..

فلقد وردت الأحاديث في استحباب الصبر على أذى الجار.

فقد جاء في الحديث:

" ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار صبرك على الأذى "....

 


[1]  كلمة الله : ص238 .

[2]  ميزان الحكمة : ج2 ، ص195 .

[3]  سورة النساء ، الآية : 36 .

[4]  دع القلق وابدأ الحياة .

[5]  نفس المصدر السابق .

[6]  دع القلق وابدأ الحياة .

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست