.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

هل نسيت والديك؟

دع ضميرك شاهداً

 

الفصل التاسع عشر

هل نسيت والديك!؟

" اللهم صلِّ على محمد عبدك ورسولك وأهل بيته الطاهرين واخصصهم بأفضل صلواتك ورحمتك وبركاتك وسلامك واخصص اللهم والديَّ بالكرامة لديك والصلاة منك يا أرحم الراحمين، اللهم صلِّ على محمد وآله والهمني علم ما يجب لهما عليَّ إلهاماً واجمع لي علم ذلك كله تماماً ثم استعملني بما تُلهمني منه ووفّقني للنفوذ فيما تبصِّرني من علمه حتى لا يفوتني استعمال شيء علمتنيه، ولا تثقل أركاني عن الحفوف فيما ألهمتنيه، اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرّهما برّ الأُمِّ الرؤوف، واجعل طاعتي لوالديَّ وبرّي بهما أقرَّ لعيني من رقدة الوسنان وأثلج لصدري من شربة الظمآن حتى أُوثر على هواي هواهما وأقدم على رضاي رضاهما وأستكثر برَّهما بي وإن قلَّ، وأستقلَّ برِّي بهما وإن كثر اللهم خفض لهما صوتي، وأطـب لهمـا كلامي، وألن لهما عريكتي وأعطف عليهما قلـبي وصيّرني بهما رفيقاً وعليهما شفيقاً ". (الصحيفة السجادية)

هل نسيت والديك؟

قد يتناسى المرء، زيارة أحد أصدقائه في زحمة من الأمور الحياتية وربما!

يتغاضى عن واجب يؤديه تجاه أحد الأقارب؟

قد يحدث هذا أحياناً.

ولكن!

ما لا يمكن قبوله!

تناسي الإبن ـ المتزوج ـ حقوق والديه وواجباتهما!

بل ونسيانهما أيضاً!!

الكل يقدِّر لك، بأنك تعيش أحلى وأمتع، سنوات عمرك، ولكن هذا! لا يعطيك الحق في نسيان فضل والديك عليك!!!

دع ضميرك شاهداً

رحل عنها زوجها إلى الأبد، متوجهاً إلى ربّه جلّ وعلا، تاركاً بين يديها طفلاً بريئاً، لم يتجاوز الرابعة من عمره!

فعاشت أقسى أيام العمر، وأصعب ظروفه المؤلمة، وحيدة أبويها، اللذين تركاها أيضاً ومضيا في رحاب الله! لتشق طريقها الطويل كادحة ومتحملة، لترى ابنها يكبر أمام عينيها اللتين أرهقتهما الظروف والأيام.

وكلما تقدم إليها أحد يطلب يدها للزواج، كانت تنظر إلى وليدها الوحيد بعين الشفقة والرحمة، فتتراجع رافضة كُلَّ من تقدم إليها طالباً يدها، فترفض وترفض، حتى ارتسمت أمامها صورة ابنها يشب ويكبر ليعلن نور الفرحة في صدرها المثقل، بان الأمل سيتحقق عن قريب!!

كبر الإبن، وبلغ مبلغ الرجال، وهي معه، تحصد مهر زواجه الميمون من شجرة العمر الجريحة، والخريف الذابل الغضون، أخذت تسأل وتتساءل محاولة الوصول إلى الزوجة التي يرتبط بها، ليكون أسعد الأزواج.

تزوج الإبن، ومكث معها بصحبة زوجته، ولم يكمل الشهر القمري من زواجه! حتى انقلب حاله، وتبدل أمره، فهذا لا يعجبه، وذاك يرفضه وبقوة!!

والأم تتحمل، محاولة إرضاءه، حتى تفضحه فلتات لسانه ذات يوم، وهو يبحث عن منزل أفضل ليعيش مع قرينته، فلقد ضاق ذرعاً برطوبة البيت وطلائه البالي، وجدرانه القاتمة و... و...

تقبلت الأم.. كل ما قاله.. برحابة صدر، فدخلت غرفتها، وأخرجت له صرّةً من المال، زبدة عنائها طوال سنين الألم والحرمان، ليحقق رغبته!!

خرج الإبن، وأخذ معه زوجته، وكل احتياجاته وذهب ساكناً في منطقة جديدة، وأصبح لا يعود والدته ولا يزورها إلا في مناسبات متباعدة، حتى تلاشت تماماً.

والأم تعاني مرارة الوحدة، وتتحسر على ملاقاة ابنها الوحيد، فمرضت مرضاً شديداً، وكلما أتى أحد من أصحابها وجيرانها ليزورها، كانت تتوسل إليهم جميعاً أن يذهبوا لوحيدها لإخباره بمرضها، ويدركها قبل أن تفارق روحها الحياة، ولكن!

 لم يكترث على الإطلاق، وهكذا تدور الأيام وتمضي سنتان وتسعة أشهر، ولم تَحظَ برؤيته، حتى رحلت عن عالمها إلى غير رجعة!!!

هل يعقل أن تكون في عالمنا قصص بهذا المستوى الدرامي؟؟

حين تبحث جيداً!!

ستجد الكثير منها موجوداً، وإن لم يكن بنفس الإطار، فسيكون بنفس المضمون!!

ومن الملاحظ..

إن لتقدم الحياة العصرية، ومتطلبات الإنسان فيها، والشكليات التي اتخذت جانباً أساسياً في حياة الفرد المتحضر، والإحتياجات التي اعتبرها أمراً لازماً، وعيشه مستقلاً وبعيداً عن أفراد أسرته، وبالخصوص والديه وإخوته، وانشغاله بقضايا البيت، والزوجة والعمل، ليتناسى في زحمة هؤلاء، واجبه الحقيقي اتجاه أعز الناس إليه، وأقربهم منه، والده، ووالدته.

فعليك:

1 ـ أن تؤدي واجبهما، وتكون عارفاً وقائماً بكل حقوقهما:

" قال موسى يا رب..

أوصني؟

قال: أوصيك ثلاث مرات.

قال: يا رب أوصني؟

قال: أوصيك بأمك.

قال: يا رب أوصني؟

قال: أوصيك بأمك.

قال: يا رب أوصني؟

قال: أوصيك بأبيك "[1].

2 ـ أن تكون باراً!!

" بينما موسى يناجي ربه، إذ رأى رجلاً تحت ظل عرش الله قال يا رب! من هذا الذي قد أظله عرشك؟

قال: يا موسى! هذا كان باراً بوالديه، ولم يمشِ بالنميمة "[2].

3 ـ أن لا تكن عاقاً!!

جاء في السورة الثانية والعشرين من كلمة الله.

" يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً، يا موسى بن عمران يا صاحب البيان إسمع كلامي ألواناً ألواناً، إني أنا الله الملك الديان ليس بيني وبينك ترجمان، بشِّر آكل الرّبا والعاقَّ لوالديه بغضب الرحمن ومقطَّعات النيران "[3].

لعلّك قرأت أو سمعت بهذا الحديث القدسي، الذي أحببت أن أجعل له مكاناً بين صفحات الكتاب، متمنية ومن كل أعماقي أن تقف معه وقفة المتفكر والمتعظ والمتدبر!!!

قال تعالى في الحديث القدسي:

" يا بني آدم!

كيف تعصوني، وأنتم تجزعون من حرّ الشمس والرمضاء، وإن جهنم لها سبع طبقات فيها نيران تأكل بعضها بعضاً، وفي كل منها سبعون ألف وادٍ من النار، وفي كل وادٍ سبعون ألف شعبة من النار، وفي كل شعبة سبعون ألف مدينة من النار، وفي كل مدينة سبعون ألف قصر من النار، وفي كل قصر سبعون ألف دارٍ من النار، وفي كل دار سبعون ألف بيت من النار، وفي كل بيت سبعون ألف بئرٍ من النار، وفي كل بئرٍ سبعون ألف تابوت من النار، وفي كل تابوت سبعون ألف شجرة من الزقوم، وتحت كل شجرة سبعون ألف وتد من النار مع كل وتد سبعون الف سلسلة من النار وفي كل سلسلة سبعون ألف ثعبان من النار، وطول كل ثعبان سبعون ألف ذراع وفي جوف كل ثعبان بحر من السَّم الأسود وفيها سبعون ألف عقرب من النار، ولكل عقرب سبعون ألف ذنب من النار وطول كل ذنب سبعون ألف فقارة وفي كل فقارة سبعون ألف رطلٍ من السمِّ الأحمر، فبنفسي أحلف والطور وكتاب مسطور في رقٍّ منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور. يا بن آدم..

ما خلقت هذه النيران إلا لكلٍّ كافرٍ وبخيلٍ ونمّامٍ وعاق لوالديه..... فارحموا أنفسكم يا عبيدي!!

فإن الأبدان ضعيفة، والسفر بعيد، والحمل ثقيل، والصّراط دقيق، والنار لظى والمنادي إسرافيل، والقاضي ربّ العالمين "[4].

 


[1]  كلمة الله : ص194 .

[2]  كلمة الله : ص195 .

[3]  كلمة الله : ص469 .

[4]  كلمة الله : ص473 .

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست