.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست
 

الواعز الديني ضمان الاستقامة 

من الواقع

الغرب.. والتخبط الأعمى

القدوة الحسنة

 

الفصل العاشر

الوازع الديني ضمان الاستقامة

من الواقع!!

جون انطوني.. محامٍ في ولاية تكساس من مدينة "هوسكو " كتب يقول:

كنت أشتغل ببيع الكتب لحساب إحدى الشركات، كنت خبيراً في وظيفتي هذه، وكنت مدرباً عليها، فقبل أن أتجه إلى أي عميل لأبيعه الكتب التي بين يدي كنت أجمع معلومات عنه وأتعرف على مركزه الاجتماعي، ونوعية عمله، ونوعية هواياته وإذا قابلته استخدمت هذه المعلومات بحنكة ومهارة ولكنني بالرغم من هذا نادراً ما كنت أفلح بمهمتي.

إنتابني اليأس، وضاعفت جهدي ضعفين، ولكنها لم تعد تكفيني لتغطية نفقاتي وانتابني قلق داخلي في مقابلة العملاء، فإذا صـادف وذهبت إلـى مكتب أحد العمـلاء استبد بي الخوف، ورحت أذرع المنطقة جيئة وذهاباً لأتعرف على شخصية العميل.. كنت بهذا أستجمع كل شجاعتي وإرادتي، وبعدها، أتوجه إلى المكتب طارقاً الباب وفي داخلي رجاء أن لا يكون موجوداً لأعود أدراجي من حيث أتيت.

وبعثت المؤسسة إليّ تهديداً تنذرني فيه بعدم إرسالها الكتب إذا لم أضاعف مبيعاتي، وفي نفس الوقت بعثت لي والدتي بكتاب من البلدة التي تركتها فيها تطلب مني فيه، مدّها بالمال لتسديد الديون التي تراكمت عليها للبقال، ولتسد رمقها ورمق إخوتي الثلاثة، فساورني القلق، وازداد اليأس في نفسي يوماً بعد يوم.

ولم أدر ماذا أفعل؟

وكنت في نفس الوقت قد أغلقت مكتبي للمحاماة في بلدتي، واقتنعت كثيراً انني فشلت في عملي الجديد، ولم أعد أرى دولاراً في يدي لأسدد ديني للفندق الذي أنزل فيه، ولم أعد أجد في يدي قدراً من الدراهم لأعود إلى بلدتي، والحال هذه.. كيف أقابل أهلي وعائلتي؟!

وفي يوم من أيامي السوداء، اتجهت نحو الفندق لأطعم نفسي بعض الذي نسيته من كسرات خبز.

ولم أجد ضـالتي! فشربت كأساً مـن اللبن الساخن، وعرفت في تلك اللحظة لماذا ينتحر الناس!

لا يوجد أحد في غرفتي..فلماذا لا ألقي بنفسي من هذه النافذة!؟

وبالفعل كنت سأقدم على هذا العمل، لو لم أتجه إلى الله تعالى، وأبعث إليه بشكواي من أعماق نفسي.

فذهبت لتوي، أصلي وأتضرع إلى ربي سبحانه لينير لي بصيرتي ويفتح الطريق أمامي، وينير الظلام الدامس.. وليوفقني في عملي لأجد بعض المال فأسد به رمقي، ورمق إخوتي ووالدتي.

وما أن فرغت من دعائي هذا!

وانتهيت من صلاتي، حتى حدثت مفاجأة أدهشتني!

فقد زال التوتر والقلق، وتلاشت مخاوفي، واستشعرت شجاعة وإيماناً وأملاً بالحياة.

وبرغم أنه لم يكن لدي من المال ما يكفيني لإطعامي، فقد ذهبت لفراشي لأنام وبالفعل.. إستشعرت سعادةً لم أذقها منذ أعوام عديدة.

وفي صبيحة اليوم التالي، نهضت من فراشي، والأمل يرتسم على وجهي فتوجهت من توي إلى مكتب أحد العملاء، فطرقت بابه بشجاعة كاملة وبيدٍ لا ترتجف كما عهدتها من قبل. ودخلت غرفة مكتبه بادرته بقولي:

"صباح الخير يا مستر سميث ".

أنا جون انطوني مندوب المؤسسة الفلانية للكتب القانونية، فأجابني العميل مرحباً بقدومي بقوله:

" نعم، نعم، أنا مسرور برؤياك تفضل بالجلوس ".

وعقدت في ذلك اليوم صفقات لم أحلم بها من قبل، فعدت أدراجي إلى الفندق في أمسية ذلك اليوم، وأنا فخور كالبطل المنتصر، لقد شعرت كأنني جئت إلى الحياة من جديد. فاتخذت اتجاهاً فكرياً جديداً.

ومنذ ذلك الحين اتجهت صفقاتي في طريقها نحو الذروة.

لقد وُلدتُ فعلاً في تلك الليلة المعتمة، التي مضى عليها الآن واحد وعشرون عاماً، ولادة جديدة، وذلك في فندق صغير ببلدة " ماريلد " من ولاية " تكساس " لانني عرفت..

الرباط المقدس الذي يربط المرء المؤمن بالله سبحانه، فما أسهل أن يتحطم الرجل الذي يعاند الحياة وحده!

أما الرجل الذي يعتمد على ربّه في نضاله بالحياة، فهو الذي سيربح ولن يتحطم أبداً.

الغرب.. والتخبط الأعمى

الإحصائيات الرهيبة تظهر بوضوح في ملفات المسؤولين في الولايات المتحدة، ففي كل خمس وثلاثين دقيقة، تحصل حادثة انتحار، وفي كل مئة وعشرين ثانية تقع حادثة جنون!

إن أغلب حوادث الانتحار، ومعظم حوادث الجنون يمكن تفاديها في شبابنا إذا أدخلنا إلى قلوبهم شيئاً من الإيمان والهدوء النفسي.

وبطبيعة الحال لا يمكن أن نقدم على هذا العمل قبل أن نعوّدهم على الإيمان.

ويضيف الدكتور النفساني " كارل يونج في كتابه ".

" الرجل الحديث يبحث عن الروح ":

" جاءني كثير من المرضى، وجلُّهم من مختلف أنحاء العالم ومن شعوبها المتحضرة، والمتخلفة، وعالجتُ كثيراً من هؤلاء فلم أرَ مشكلة واحدة من تلك المشكلات التي تعترض طريق الشباب، لا تعود في أصلها إلى افتقارهم للإيمان، وخروجهم عن المبادئ الدينية، ويمكن القول بان كل واحد من هؤلاء، إنما وقع في براثن المرض، لانه افتقد الراحة النفسية والروحية التي يجليها الدين، وبالفعل لم يشف أحد من أمراضه تلك إلا بعد أن أعاد هو الإيمان إلى قلبه، واعتمد على تعاليم الدين من أمر ونهي في سبيل مصارعة الحياة ".

القدوة الحسنة

لتكن شخصاً قوياً ، ذا إيمان راسخ كالطود الشامخ ثابت لا يلين ، ومنطق لا يحيد عن الحق،

لتتلمذ على شخص عليٍ عليه السلام ولتنضم إلى رحاب مدرسته في الحياة .

ـ كان أول من أسلم، لم يسبقه إلى ذلك سابق!

ـ كان أول من استعمل العنف مع أعداء الرسالة ـ حين كان عمره 10 سنوات ـ لم يسبقه إلى ذلك سابق!

ـ كان أول من أعلن مؤازرته للنبي، وذلك حينما نزلت الآية:

ـ (وأنذر عشيرتك الأقربين).

فجمع النبيّ رجالاً من عشيرته، وخطب فيهم خطبة موجزة قال في نهايتها:

ـ".. إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله ـ عزّ وجلّ ـ أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤمـن بي، ويؤازرني على أمـري، فيكون أخـي، ووصييّ وخليفتي في أهلـي من

بعدي؟ ".

فلم يجبه إلا الامام علي (ع)، وبعد أن كرّر النبي ذلك، ولم يسمع منهم جواباً، وكرّر الإمام قبوله لتحمل المسؤولية " المؤازرة " قال النبي. بعد أن أخذ بيده:

ـ " إن هذا أخي، ووصييّ، ووزيري، وخليفتي فاسمعوا له وأطيعوا "[1].

نعم! هذا هو الإمام علي (ع) وهكذا عرّفنا على نفسه!!

= يقول حذار بن حمزة:

كان علي عليه السلام بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطلق الحكمة من نواصيه، يستوحش من الدنيا وزهوتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة، طويل الفكرة، يعجبه من الطعام ما جشب ومن اللباس ما خشن، وكان فينا كأحدنا: يجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن ـ والله ـ مع تقربيه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، ولقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول:

" يا دنيا غرّي غيري، أبي تعرضت؟ أم إليّ تشوقت. هيهات قد باينتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وخطرك كبير، وعيشك حقير.. آه آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق! "[2].

قبل الوادع ..

أخاطبكم .. ومن كل أعماقي ..

من كان متعطشاً ، فليرتوِ من فيض علي ‍‍‍‍

من كان منحرفاً مخطئاً ، فلقتدِ بإيمان علي ‍

والله معكم جيمعاً .

إخترت شخصية الإمام أمير المؤمنين (ع) معبرةً عن صدق إيمانه ، وهو لا يزال حديث السن واخترته أيضاً حين شروعي في هذا الباب وصياغته كان يتزامن مع ذكر ميلاده السعيد ، فوقفت مع القلم برهة أتأمل عظمة هذا الإمام.

 


[1]  ذلكم الإمام علي (ع) : ص15 .

[2]  نفس المصدر السابق : ص20 .

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست