كظم الغيظ
كظم الغيظ، من الفضائل الأخلاقية وتعني تجرّع الغضب، وعدّها القرآن الكريم من صفات المحسنين، وذكرت الروايات آثار عديدة لها كنيل رضا الله، والنجاة من العذاب، وبحثها علماء الأخلاق تحت عنوان رذيلة الغضب، وذكروا طرقا للسيطرة على الغضب.
وقد جسّد الإمام موسى بن جعفر هذه الفضيلة الأخلاقية في سيرته؛ ولذلك أصبح الكاظم من أشهر ألقابه.
المفهوم
الغيظ هو أشد الغضب، وهي الحرارة التي تحصل في نفس الإنسان حينما يفور دمُه،[١] والكظم هو ضبط النفس، وكظم الغيظ كلمة أخلاقية تعني السيطرة على الغضب، وإمساك النفس عن إظهاره بقول أو فعل،[٢] ويطلق الكاظم على مَن يعاود كظم غيظه.[٣]
ويكون مفهوم كظم الغيظ قريبا من الحلم، ومن هنا قال علماء الأخلاق في الفرق بينه وبين الحلم: إن كان ضبط النفس – تجاه الأشياء المثيرة للغضب – مِمّن حصل على ملكة الحلم يطلق عليه الحلم، وإن كان ممّن لم يحصل عليها، ولكنه يجتهد في ابتلاع غضبه، يطلق عليه كظم الغيظ.[٤]
وذكر القرآن الكريم أن كظم الغيظ من صفات المحسنين حيث قال: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾،[٥] وأكدت عليه روايات المعصومين،[٦] كما أورد الكليني 13 رواية في باب “كظم الغيظ” من كتابه “الكافي”،[٧] وأشار إليه الإمام السجاد في دعاء مكارم الأخلاق من الصحيفة السجادية،[٨] وورد في هذه الروايات أن مِن آثار كظم الغيظ العزة والرفعة، والنجاة من العذاب، ونيل رضا الله، فقد قال النبي: “من كفّ غضبه كفّ اللّه عنه عذابه”.[٩]
طرق السيطرة على الغضب
ذكر علماء الأخلاق كظم الغيظ في قسم الرذائل الأخلاقية، وتحت عنوان الغضب،[١٠] وذكروا طرقا للسيطرة على الغضب:[١١]
وأما الطرق العلمية فهي:
- التفكير في روايات كظم الغيظ والحلم والعفو وثوابها
- تذكر قدرة الله وغضبه
- التفكير في قبح صورته عند الغضب بأن يتذكر صورة غيره في حالة الغضب
- أن يحدّث نفسه عاقبة العداوة والانتقام.[١٢]
وأما الطرق العملية فهي:
- قراءة الاستعاذة
- تغيير الحالة، بأن يجلس إن كان قائما، ويضطجع إن كان جالسا
- التوضّؤ
-
- فقد ورد في بعض الروايات أن الغضب من النار، ولا يُطفيء النار إلا الماء.[١٣]
- إلصاق الخد بالأرض
-
- فقد نقل عن رسول الله: “ألا إنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم ألا ترون إلى حمرة عينيه و انتفاخ أوداجه فمن وجد من ذلك شيئا فليلصق خدّه بالأرض”، وذكر ورام بن أبي فراس أن المراد منه السجود، لتشعر النفس بالذل، فيزول الغضب.[١٤]
كظم الإمام موسى بن جعفر لغيظه
لقد اشتهر الإمام موسى بن جعفر بلقب الكاظم؛ لأنه كان يحسِن إلى من يسيء إليه، وهذا كان عادتَه دوما،[١٥] فقد وردت في المصادر التاريخية حكايات مختلفة عن كظمه لغيظه تجاه أعدائه، وتجاه الذين كانوا يسيئون إليه،[١٦] كما روي:
أنّ شخصا من أحفاد عمر بن الخطاب كان يسيء إلى الإمام، ويكيل السبّ والشتم لجدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فأراد جماعة من أصحاب الإمام الانتقام منه بالهجوم عليه واغتياله، فنهاهم الإمام عن ذلك، وبعد فترة مضى إلى ذاك الرجل، فوجده في مزرعته، وما أن شاهد الرجلُ الإمامَ حتى صاح لا تطأ زرعنا، وانتهى الإمام إليه، وقال له بلطف ولين: ” كم غُرّمْتَ في زرعك هذا؟”، قال الرجل: مئة دينار، فسأله الإمام: “كم ترجو أن تصيب منه؟”، قال الرجل: أنا لا أعلم الغيب، فقال الإمام: “إنما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك منه؟”، قال الرجل: أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار. فأعطاه الإمام ثلاثمائة دينار، وقال: “هذه لك، وزرعك على حاله، ثم راح الإمام إلى المسجد، فلمّا دخل المسجد كان ذلك الرجل جالسا، فقام من موضعه وقرأ هذه الآية الكريمة:﴿اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾.[١٧][١٨]
الهوامش
- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 619.
- الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 712.
- النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 333؛ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج 3، ص 176.
- النراقي، جامع السعادات، ج 1، ص 333؛ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج 3، ص 176.
- آل عمران: 134.
- الكليني، ج 2، صص 109 – 111؛ الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 5، ص 306 ــ 307.
- الكليني، ج 2، صص 109 – 111.
- الصحفية السجادية، الدعاء 20.
- الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 5، ص 306 ــ 307.
- ورام، مجموعة ورام، ج 1، صص 123 و124.
- الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 5، صص 306 و307.
- الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 5، ص 306 ــ 307.
- الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج 5، ص 306 ــ 307.
- ورام، مجموعة ورام، ج 1، ص 124.
- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 6، ص 164؛ ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 312.
- المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 233؛ القرشي، حياة الإمام موسى بن جعفر، ج 2، صص 160 – 162.
- الأنعام: 124.
- البغدادي، تاريخ بغداد، ج 13، ص 30.