.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

هل يمكن أن نبدل الرذائل إلى فضائل؟

التحقيق في المسألة:

الجهاد الأكبر:

أشدد حيازيمك:  

معرفة النفس

من عرف نفسه فقد عرف ربه:

ما هي النفس؟؟

صفات النفس:

القوى الثلاث للنفس:

وظائف القوى الثلاث:

النفس المطمئنة والأمارة واللوامة:

حالات ثلاث لنفسٍ واحدة:

   

الدرس الثاني

هل يمكن أن نبدل الرذائل إلى فضائل؟

بعد أن عرفنا في الدّرس السابق أهمّية التّحلي بمكارم الأخلاق فإن من الطبيعي أن يكون ذلك ممكنا ومقدوراً لمن أراد ذلك واجتهد في الوصول إليها وليس مستحيلاً، هذا كله فيما إذا أراد الشخص التحلي بصفة أخلاقية ممدوحة كالتواضع مثلاً ولم يكن قبل ذلك متصفاً بخلاف هذه الصفة كالتكبر.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من الممكن لشخص كان متصفا بصفة أخلاقية رذيلة  ـ  لفترة طويلة حتى تعوّد عليها  ـ  أن يزيلها تماماً ويبدلها بصفة ممدوحة أو لا يمكن؟

فمن تعوّد الكذب مثلاً لسنوات طويلة ألا يمكنه أن يتجنّبه ويعوّد نفسه الصدق؟ أم إنه سيبقى بهذا الخلق المذموم طيلة حياته وكأنّ الكذب اصبح ضرورة لا بدّ له منها وعادةً انطبعت في نفسه لا يمكنه الخلاص منها؟

الأقوال في المسألة:

اختلف الأوائل في إمكان إزالة الأخلاق واستحالته على أقوال:

القول الأول:

إنه لا يمكن إزالة خلق ترسّخ في قلب صاحبه وتوجد عدة أدلة على ذلك منها:

أولاً: قول الرسول (ص): (إذا سمعتم أنّ جبلاً زال عن مكانه فصدّقوه وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدّقوه فإنّه سيعود إلى ما جُبل عليه)[1]، ولذلك قيل في المثل: (يزول جبل ولا يزول طبع).

ثانياً: قول الرسول (ص): (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)[2].

واستشهد أصحاب هذا القول أيضاً بالأبيات الأدبية التالية:

إلاّ الحماقة أعيت من يداويها

لكلّ داء دواء يستطبّ به

قول الشاعر:

وسـوء الخلق ليس له دواء

وكلّ جراحـة فلها دواء

القول الثاني:

إنه يمكن إزالة الخلق السيء من صاحبة، فكما أن النفس تقبل الاتصاف بالكذب فإنها تقبل الاتصاف بالصدق أيضا وذلك ليس بمستحيل، والأدلة على ذلك كثيرة وأهمها:

أولاً: إن الشرع (قرآناً وسنة) يؤكد على إمكان ذلك لقوله تعالى: {وهديناه النجدين}[3]، وقوله تعالى: {ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها}[4]، وقوله تعالى: {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}[5] والرسول (ص) يقول: (كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه)[6].

ثانياً: إن العقل يقول: لماذا أرسل الله الرسل وأنزل الكتب؟ أليس في سبيل إصلاح الإنسان وإسعاده في دنياه وآخرته؟!

ولماذا أُسّست المدارس والمعاهد والجامعات؟

أليس من أجل التعليم والتأديب، والتخليق، وقمع الفساد، وتقويم الاعوجاج؟

وبالتالي ألا يكون ذلك كله عبثا ولهوا فيما إذا لم تعمل على تغيير الإنسان من السيء إلى الحسن ومنه إلى الأحسن؟

ثالثاً: إن وجدان الإنسان وضميره يشهدان على قابلية الخلق للتغيير، فنحن نجد أن (الشرّير) يصير بمصاحبته (الخيّر) لمدّة معيّنة خيراً.

رابعاً: التجربة والمشاهدة من عدة نواحي منها:

 ـ من الملاحظ أن بعض الناس قد يعيش في بيئة ضلال وفساد ويمارس الإجرام والشقـاء، وإذا برفيق صالح أو مربّ ينقله إلى الهداية والسعادة فيصبح من الأتقياء البررة.

ـ من الملاحظ أن الإنسان يقدر على نقل طباع الحيوان من النفور إلى الألف ومن الشراسة والصعوبة إلى السلاسة والانقياد، فنراه يرقّص الخيل ويلاعب الطير ويُعلّم الجـوارح، فإذا كان هذا شأن العجماوات (الحيوانات) والتي لا عقل لها فكيف بالإنسان؟! ألا يقبل التعديل والتقويم وهو صاحب العقل والإرادة؟؟!!

وأما أحاديث الرسول (ص) التي استدلوا بها على استحالة تغيير الخلق، فقد ردّها الشيخ النّراقي (قدّه) بقوله:

أما الحديث الأول فانه لا يفيد المطلوب بوجه، وأما الحديث الثاني ففيه:

أولاً: إن هذا الحديث غير ثابت عندنا، وبالتالي فهو غير صحيح ولا يعتمد عليه.

ثانياً: إن قوله (سيعود إلى ما جُبل عليه) لو قلنا بوروده يدل على أن الخلق يزول بحسب الأسباب الخارجية: من التأديب والتربية والنصيحة وغيرها، فإذا فقدت هذه الأسباب عاد إلى حاله الأول، مثل الماء إذا وُضع في مكان بارد (كالثلاجة) يبرد وإذا وضع بعد ذلك في مكان حار صار حاراً، فبرودة الماء وحرارته ليست ذاتية جبل عليها بل لأسباب خارجية[7].

كما أن النتيجة التي نستفيدها على القول الثاني إنه ليس من المستحيل على الإنسان أن يزيل خلقا من أخلاقه بل بإمكانه أن يغير ذلك ويبدّله بخلق آخر.

التحقيق في المسألة:

الحق في المسألة أنها ليست ذات قولين فحسب  ـ  كما تقدم  ـ  وإنما الأقوال فيها ثلاثة:

قول باستحالة التبدل، وقول بإمكان التبدل، وقول بالتفصيل بين بعض الصفات وبين بعضها الآخر.

والذي عليه الحق هو التفصيل بين صفات تركبت مع النفس وتأصلت فيها فصارت غريزة ثابتة فيها وبين صفات لم تكن كذلك، فالنحو الأول وهو الصفات التي تركبت مع النفس وتأصلت فيها لا يمكن أن تزول كالشجاعة والكرم والجبن والبخل فإن هذه الصفات لما كانت متركبة مع النفس متأصلة فيها فإنها لا تزول، إذ لم نر شجاعاً تحول إلى جبان ولا جباناً تحول إلى شجاع ولا كريماً أصبح بخيلاً ولا بخيلاً أصبح كريماً، أما النحو الثاني وهي الصفات التي اكتسبها الفرد من عادات قبلية أو من بيئة اجتماعية أو جهل ونحوه فإنها تزول إذا زال سببها، فإذا انتقل الفرد المتصف بها من مجتمع متحلل خلقياً إلى مجتمع متكامل فسوف يتغير من صفة إلى أخرى، وهكذا من يمارس خلقاً شاذاً لكونه جاهلاً فإنه إذا تعلم فسوف يغيره العلم ويهذب سلوكه، وهذا أمر يشهد به الوجدان.

وبالتالي فما ورد من الأخبار عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) مما يستفاد منه عدم إمكان التبدل  ـ  مع فرض صحته  ـ  يحمل على النحو الأول من الصفات، وما ورد من الأخبار عنهم (ع) مما يستفاد منه إمكان التبدل فهو يحمل على النحو الثاني من الصفات.

هذا ما توصل إليه التحقيق في المسألة، وسوف نتحدث في الدرس الثامن من هذا القسم عن كيفية التخلص من العادات الذميمة التي يمكن التخلص منها.

الجهاد الأكبر:

روي أن الرسول (ص) لما رجع من إحدى غزواته قال: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)[8]، وقد استغرب الصحابة هذا القول من الرسول (ص) الذي لا ينطق عن الهوى، فأي جهاد أكبر من حمل السلاح وسيل الدماء وتطاير الرؤوس والأيدي؟!!

لكن الرسول (ص) أفصح عما يقصده وما يعنيه وأن الجهاد في المعركة يتوقف على جهاد أكبر منه وهو جهاد (النفس)، فإذا كان المسلم في المعركة يجاهد أناساً ويقارعهم بالسيف، فإنه في سائر الأحوال يجاهد (النفس الأمارة بالسوء) والتي تسوّل له بالمعصية وتزيّن له الخبائث، فإذا انتصر عليها وأصلحها فإنه سينتصر في المواطن الأخرى، وإن انتصرت هي عليه فلن ينتصر على غيرها، يقول أمير المؤمنين (ع): (ميدانكم الأول أنفسكم فإن قدرتم عليها فأنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها فأنتم على غيرها أعجز فجربوا معها الكفاح أولاً)[9].

أشدد حيازيمك:

إذا أراد الإنسان الوصول إلى المقامات الرفيعة والهجرة إلى الحق تعالى، فعليه أولا تخطي هذه العقبة الكؤود اعني النفس، فيطوي معها مراحل الجهاد المتواصل وليشدد حيازيمه ولا يغفل، إذ من الممكن في لحظة واحدة يسقط في مزلق مهلك فيعجز بعدها من إنقاذ نفسه فيكون من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وحقّت عليهم كلمة العذاب والعياذ بالله.

طلب العون من الله:

لمّا كان جهاد النفس ليس سهلا فعلى العبد الاستغاثة بالخالق تبارك وتعالى والتوسل إليه في الخلوات ليكون معه في هذا الطريق الوعر والذي فشل الكثير فيه وليستشفع برسول الله (ص) وأهل بيته (ع) حتى يفيض الله عليه التوفيق ويمسك بيده عن الوقوع في هذا المزلق الخطير، وعلى العبد أن يتوجه في جميع صلواته بقلبه إلى ربّه حينما يقول: {اهدنا الصراط المستقيم}[10]، ولذا نـرى خيار أولياء الله يشكون هذه النفس إلى الله، وقد رسم الأئمة (ع) لشيعتهم طريق المناجاة لله تعالى ومن ذلك مناجاة الإمام السجاد(ع) التي يقول فيها:

(إلهي إليك اشكوا نفساً بالسوء أمّارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولعة، ولسخطك متعرّضـة، تسلك بي مسالك المهالك، وتجعلني عندك أهون هالك، كثيرة العلل، طويلة الأمل، إن مسّها الخير تمنع، وإن مسّها الشّر تجزع، ميّالة إلى اللّعب واللّهو مملوءة بالغفلة والسّهو تُسرع بي إلى الحوبة، وتسوّفني بالتّوبة… الخ)[11].

ويقول أمير المؤمنين (ع) في كلام له: (.. نحمده على آلائه ونستعينه على هذه النّفوس البطاء عمّا أمرت به السراع إلى ما نهيت عنه..)[12].

للقراءة والتأمل

قال تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}[13]، وقال تعالى أيضاً: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}[14].

قال الشاعر:

 

ليس التفاخر بالعلوم الفـاخرة

يا من تقاعد عن مـكارم خلقه

لم ينتفع بعلومه في الآخرة

من لم يهـذّب علـمه أخـلاقه

وقال آخر:

تعش سالماً والقول فيك جمـيل

هي النفس فاحملها على ما يزينها

الأسئلة

السؤال الأول: استدل القائلون باستحالة تبدل الأخلاق بدليلين اذكرهما؟

السؤال الثاني: توجد أدلة على إمكان إزالة الخلق السيء، أذكر أثنين منها؟

السؤال الثالث: روي عن الرسول انه قال: إذا سمعتم أن جبلاً زال عن مكانه فصدقوه وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوه فانه سيعود إلى ما جُبل عليه هل هذا الحديث صحيح ولماذا؟

السؤال الرابع: ما هي الصفات التي يمكن تبديلها والصفات التي لا يمكن تبديلها؟

السؤال الخامس: ماذا يقصد الرسول بقوله (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)؟

توجيه:

 حاول أن تحفظ مناجاة الإمام السجاد (ع) التي يشكو فيها النفس إلى الله.

الدرس الثالث

معرفة النفس

من عرف نفسه فقد عرف ربه:

بعد أن أشرنا إلى التفصيل في إمكان تبديل الأخلاق السيئة بأخلاق حسنة وعدمه؛ يجب أن لا ننسى بأن تزكية النفس وتهذيبها بمكارم الأخلاق متوقف على (معرفة النفس)، فما هي هذه النفس؟ ومِمَّ تتكون؟ وما هي صفاتها؟ وكيف نصل إلى جذورها ونغوص في أعماقها؟

وعندما نعرف (النفس) ولو بمعرفة صفاتها فإنه من السهل علينا حينئذٍ الدخول من الباب المناسب لتزكيتها وتهذيبها، بخلاف ما إذا جهلنا هذه (النفس) فمن الصعب  ـ  إن لم يكن مستحيلاً  ـ  تزكيتها وتهذيبها، وهذا أشبه شيءٍ بالطبيب فإنه لا يقدر على وصف الدواء لهذا العضو المصاب بالداء إلا بعد معرفة مكوناته وصفاته وخصائصه.

وكذلك الميكانيكي لا يمكنه إصلاح هذه السيارة أو تلك إلا بعد معرفة مركباتها.

والخلاصة: إن الطريق الأقرب إلى مكارم الأخلاق والموصل إلى معرفة الله تعالى هو (معرفة النفس)، يقول الرسول (ص): (من عرف نفسه فقد عرف ربه)[15].

ما هي النفس؟؟

عرَّفَ الحكماء النفس بأنها: [جوهر[16] ملكوتي يستخدم البدن في حاجاته، وهو حقيقة الإنسان وذاته][17]، وهذه النفس لها أسماء من هذه الجهة، فقد تسمى [روحاً] لتوقف حياة البدن عليها، وقد تسـمى [عقلاً] لإدراكها للمعقولات، وقد تسمى [قلباً] لتقلبها في الخواطر ولا تطلق على القطعة الصنوبرية من اللحم الموجودة في أسفل الصدر لأن هذه القطعة تراها الحواس وتدركها بخلاف النفس.

صفات النفس:

إن للنفس صفات وخصائص تعرف بها وهي:

أولاً: النفس مجردة، بمعنى أنها تُدْرَكُ بالذهن لا بالحواس، فإن الحواس وهي [العين  ـ  الأذن  ـ  الأنف  ـ  اللسان – اليد]، إذا أدركت شيئاً فإنه يسمى (مادة) كالأجسام مثلاً، وإذا لم تدركه فإنه يسمى (مجرداً) كـالهواء والملائكة، فليس له خصائص الأشياء المادية.. والنفس من القسم الثاني (المجرّد) الذي لا تدركه الحواس ولا تراه.

ثانياً: النفس باقية غير فانية[18] فهي تنتقل من حالة إلى أخرى ومن عالم إلى عالم آخر، بخلاف البدن فإنه يفنى ويضمحل ويتلاشى، وبقاء النفس ودوامها إما أن يكون في السعادة والبهجــة وذلك إذا اتصفت بمحاسن الأخلاق وشرائف الصفات، وإما أن تكون في الشقاء والعذاب وذلك إذا اتصفت برذائل الأخلاق ومساوئها لأن النعيم والعذاب من جنس العمل، يقول تعالى {ووجدوا ما عملوا حاضراً}[19] فلينظر أحدنا أيَّ الطريقين يسلك للخلود؟

القوى الثلاث للنفس:

من أهم ما يجب معرفته حول النفس هو ما ذكره العلماء المتخصصون في هذا المجال من أن للنفس قوى ثلاث، وأن كل أفعال وأخلاق الإنسان  ـ  حسنة أو سيئة  ـ  تصدر وتنبعث في الحقيقة عن إحدى هذه القوى الثلاث، وستعرف هذا لاحقاً بصورة أوضح، وأما القوى فهي:

الأولى: القوة العقلية (الملكية) وهذه القوه التي أودعها الله في بني آدم واعتبرها اشرف القوي وأولها إيجاداً لقول الرسول (ص): (أول ما خلق الله العقل)[20]، وبالعقل يعرف الإنسان ربه والمنعم عليه ويكون حجة باطنة عليه، كما أن الثواب والعقاب متوقف على العقل كما جاء عن الإمام الباقر (ع): (لما خلق الله العقـل قال له أقبل فاقبل، ثم قال له أدبر فأدبر فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أحسن منك إياك آمر وإياك أنهى وإياك أثيب وإياك أعاقب)[21].

وسمي العقل عقلا لأنه يعقل النفس ويقيدها ويمسك بعنانها من أن تجمح، يقول أمير المؤمنين (ع): (النفوس طلقة لكن أيدي العقول تمسك أعنتها عن النحوس)[22].

الثانية: القوة الغضبية (السبعية) وهذه القوة من النعم الإلهية التي يمكن للإنسان بواسطتها الحفاظ على نفسه من الأخطار المحدقة به والحفاظ على ماله من السلب وعلى عرضه من الهتك، وبها يقام العدل ويدفع الظلم ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولولا وجود هذه القوة في باطن الإنسان لاختل النظام وعمّت الفوضى أرجاء الأرض ولما انتصف للمظلوم من الظالم، يقول تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين}[23].

وإن الجهاد مع النفس التي هي ألدّ أعداء الإنسان لا يكون إلا بهذه القوة الشريفة فيما إذا كرّست بصورة معتدلة وأما إذا أسيء استخدامها فإنها ستجر الويلات للإنسان وتفتح أمامه جميع أبـواب الشرور كما ورد عن الصادق (ع): (الغضب مفتاح كل شر)[24].

وسميت هذه القوة سبعية لإتصاف السباع بها غالباً في الدفاع عن نفسها.

الثالثة: القوة الشهوية (البهيمية) وهي واقع فطري وتكويني ينطلق من تركيب الإنسان الفيسيولوجي، والخالق أودع هذه القوة في ابن آدم لحكمة عظيمة إذ لا يتم حفظ الجنس البشري والإبقاء على نوعه الا بواسطتها فهي ضرورة كامنة في جميع النفوس بما فيهم الأنبياء العظام (ع).

هذه هي القوى الثلاث للنفس وقد أوضحنا أن القوة الغضبية والقوة الشهوية من الممكن أن تكون من الجنود الرحمانية وتؤديان إلى سعادة الإنسان وتوفيقه فيما إذا انقادتا للعقل وللأوامر الإلهية، كما أن من الممكن أن تكونا من الجنود الشيطانية فيما إذا تركتا وأطلق لهما العنان وسيتضح هذا لنا لاحقاً بصورة أوضح.

تنبيه: قد أضاف بعض العلماء إلى هذه القوى الثلاث قوة رابعة وهي (القوة الوهمية الشيطانية)، وباعتبار أن علماء آخرين رأوا بأنها تـرجع في حقيقتها إلى القوة الثانية (الغضبية) فإننا سوف نكتفي بالتقسيم الثلاثي.

وظائف القوى الثلاث:

لكل قوة من هذه القوى الثلاث أمور تصدر عنها وهي عبارة عن وظائفها التي تقوم بها وتتميز كل واحدة منها عن الأخرى من خلال هذه الوظائف وهي كالتالي:

ـ أما القوة العقلية: فوظيفتها الطبيعية لها هي:

إدراك الحقائق من الأمور والتمييز بين الخيرات والشرور والأمر بالأفعال الجميلة والنهي عن الصفات الذميمة، ولا يقال للإنسان انه عاقل إلا إذا دله عقله على الخير وأبعده عن الشر كما ورد في الحديث: (العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان)[25].

ـ أما القوة الغضبية: فوظيفتها الطبيعية لها هي:

إبراز وإصدار أفعال السباع، كالغضب والتوثب على الآخرين والتسلط عليهم والانتقام منهم.

ـ أما القوة الشهوية: فوظيفتها الطبيعية لها هي:

إصدار أفعال البهائم كالأكل والشرب والجماع والنوم ونحوها.

حلبة الصراع بين القوى الثلاث:

تمثل كل قوة من هذه القوى الثلاث بطلاً في حلبة واحدة فكل قوة تريد أن تبرز أفعالها وصفاتها وتسيطر على بقية القوى، فالصراع دائم ومستمر فلا يوجد توافق بينها، وأي هذه القوى الثلاث انتصـرت علـى البقية فتكون لها السيطرة والغلبة، وقد تسيطر قوتان من هذه القوى على القوة الثالثة في بعض الأحيان فتكون لهما الغلبة على الثالثـة، ومثل اجتماع هذه القوى كمثل اجتماع حكيم أو ملك مع كلب وخنـزير في حلبة واحدة وكان بينهم نزاع فالحكيم أو الملك يمثل القوة العقلية لكونه حكيماً عاقلاً والكلب يمثل القوة الغضبية لكونه سبعاً ضارياً، والخنـزير يمثل القوة الشهوية لكونه أكولاً كثيراً " السفاد "[26] وأيهما صار غالباً كان الحكم لَهُ.

فكذلك القوى الثلاث الموجودة عند الإنسان بينها تنازع وتدافع دائم.

أهداف القوى الثلاث في الحلبة:

ـ القوة العقلية تحاول أن تثبت جدارتها وذلك بقوتها النورانية وبصيرتها النافذة فتوضح الحقائق وتحاول أيضا أن تسلط إحدى القوتين على الأُخرى لتتنازعا وبالتالي تشغلان عنها.

ـ والقوة الغضبية تحاول أن تدعو إلى الظلم والإيذاء والعداوة والبغضاء والمكر والخداع والحيلة وأمثالها لكي تسيطر على القوى الأُخرى.

ـ وأما القوة الشهوية تدعو إلى المنكر والفواحش والإكثار من الأكل والجماع وأمثال هذه الأمور وذلك لكي تتغلب على العقل وتهمش القوة الغضبية جانباً.

ويدوم الصراع بين هذه القوى حتى ترفع إحداها راية النصر وتعلن الفوز على سائر القوى وتستلم في النهاية الوسام المناسب لها.

النفس المطمئنة والأمارة واللوامة:

إذا انتصرت (القوة العقلية) في نفس الإنسان على القوتين الأُخريتين وأصبحتا منقادتين لأوامر (القوة العقلية) ونواهيها ولم يكن لهما أي مقاومة ومدافعة، إذا كان كذلك فإن النفس حينئذٍ تسمى بـ(المطمئنة)، والسبب في ذلك أنها ارتقت وسمت إلى عالم القدس وتنـزهت عن الأرجاس وواظبت على الطاعات واتصفت بمكارم الأخلاق فاستحقت أن يخاطبها خالقها تعالى بقوله: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضية فادخلي في عبادي وأدخلي جنتي}[27].

 وأما إذا انهزمت (القوة العقلية) وأذعنت لأوامر بقية القوى من دون مدافعة أو مقاومة منها، فعندئذٍ تسمى النفس بـ (الأمَّارَة) والسبب في ذلك أنها أصبحت تأمر باللذات والشهوات الحسـية وصارت منبع الأخلاق الدنيئة والأفعال الرديئة، وهي التي عناها الباري تعالى بقوله: {إن النفس لأمَّارة بالسوء}[28].

وأما إذا دام التنازع وأستمر الصراع بين هذه القوى دون نتيجة، فحينئذٍ نجد أن النفس تميل إلى الخير تارة وإلى الشر تارة أُخرى، وفي حالة ميلانها إلى الشر والمعاصي فإنه يحصل لها ندم ولوم، فتستغفر من ذنبها وتعود إلى ربها، وعندئذٍ تسمى النفس بـ{اللَّوامة} والتي أقسم الله تعالى بها فقال: {ولا أقسم[29] بالنفس اللَّوامة}[30].

حالات ثلاث لنفسٍ واحدة:

نود أن نلفت النظر إلى أن هذه النفوس الثلاث (المطمئنة  ـ  الأمارة  ـ  اللَّوامة) ليست موجودة بثلاث وجودات، بل هي نفس واحدة ولكنها تختلف باختلاف الحالات التي عرفناها كما لا يخفى.

للقراءة والتأمل

إن أوضح وأجلى مصداقٍ للنفس المطمئنة هو الإمام الحسين (ع) فقد كان وجهه المبارك يوم العاشر من المحرم يزداد إشراقاً ونوراً مع كل مصيبة ونازلة، إنه يعني الانتصار للنفس المطمئنة على النفس الأمارة والاطمئنان بالقضاء والقدر.

ـ من دعاء الإمام السجاد عليه السلام: (إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربوبيتك جاحد ولا بأمرك مستخـف ولا لعقـوبتك متعرض ولا لوعيدك متهاون، لكن خطيئة عرضت وسوَّلت لي نفسي وغلبني هواي وأعانني عليها شقوتي وغرني سترك المرخى عليَّ فقد عصيتك وخالفتك بجهدي، فالآن من عذابك من يستنقذني ومن أيدي الخصماء غداً من يخلصني وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك عني؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!)[31].

الأسئلة

السؤال الأول: ما هو الأمر الذي يتوقف عليه تزكية النفس، والتحلي بمكارم الأخلاق؟

السؤال الثاني: ضع علامة (صح) في المكان المناسب مما يلي:

ـ تسمى النفس قلباً لأنها عبارة عن قطعة اللحم الصنوبرية في أسفل الصدر………………….    [ ]

ـ النفس مجردة ولا تدركها الحواس الخمس…..    [ ]

ـ عندما يموت الجسم تموت النفس معه وتفنى…    [ ]

السؤال الثالث: عدِّد قوى النفس الثلاث؟وتكلم عن إحداها باختصار؟

السؤال الرابع: ما هي وظائف قوى النفس الثلاث؟

السؤال الخامس: متى تسمى النفس مطمئنة، وأمارة، ولوَّامة؟



[1] جامع السعادات ج 1 ص 57.

[2] بحار الانوار ج 67ص 121.

[3] البلد آية 10.

[4] الشمس آية (9-10).

[5] الانسان آية 3.

[6] متشابه الفران ج 1 ص 151.

[7] جامع السعادات ج 1 ص 57.

[8] وسائل الشيعة كتاب الجهاد الحديث الاول من باب وجوب جهاد النفس.

[9] نهج البلاغة.

[10] الفاتحه آية (6).

[11] مناجاة الشاكين.

[12] ميزان الحكمه ج4 ص3334.

[13] السجدة آية 17.

[14] العنكبوت آية 69.

[15] البحار ج2 ص 32.

[16] يقسم الفلاسفة الماهيات الممكنة الوجود الى قسمين: الجوهر والعرض، حيث ان الماهية التي لا تحتاج في وجودها إلى موضوع ولم تكن صفة لموجود اخر تسمى (الجوهر) كالجسم والعقل والنفس، وأما التى تحتاج إلى موضوع وكانت صفة لموجود آخر تسمى (العرض) كاللون والرائحة والحرارة وللاستزادة أكثر يمكن الرجوع إلى كتاب (المنهج الجديد في تعليم الفلسفة لليزدي) ج2 ص 123.

[17] جامع السعادات ج 1ص16.

[18] لا يتوهم متوهم ان عدم فناء النفس يشبه عدم فناء الله اذ ان عدم فناء الله (ذاتي) لانه واجب الوجود واما عدم فناء النفس فهو (عرضي) لانه ممكن الوجود.

[19] الكهف آية 49.

[20] ميزان الحكمة ج 3 ص 2032.

[21] ميزان الحكمة ج 3 ص 2034.

[22] ميزان الحكمة ج 3 ص 2039.

[23] البقرة آية 251.

[24] ميزان الحكمة ج 3 ص 2264.

[25] تفسير مواهب الرحمن للسبزواري (قده)ج 1 ص 33.

[26] السفاد: ما يكون بين الذكر والأنثى.

[27] الفجر آية (27-30).

[28] يوسف ايه 53.

[29] ولا أقسم: بمعنى أقسم، و (لا) زائدة.

[30] القيامة آية 2.

[31] من دعاء أبي حمزة الثمالي.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست