.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

ما هو الخلق؟

أهمية مكارم الأخلاق

الثروة والمال ليسا هما السعادة:

السعادة الحقيقية:

كيف تكسب قلوب الآخرين؟  

المعاملة الحسنة في الميزان

ان في خلقه مع أهله سوء

 لا خير في صلاتها:

 

معالم الأخلاق

الجزء الأول

الشيخ جعفر المطر

الإهداء

إلى سادتي أهل العبا وأهل البيت النّجباء ومصابيح الدّجى حمد وعترته الأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين سيما بقيّة الله الأعظم أرواحنا له الفداء...

وإلى والديّ وأخوتي وأم أولادي...

وإلى كل من أسدى إليّ معروفاً من أساتذة وزملاء وأصدقاء وأخص بالشكر الأخ العزيز أبا محمد وفقه الله والذي بذل جهداً لا ينسى في إصدار هذا الكتاب...

إلى هؤلاء جميعاً أقدّم هذا الجهد القليل وفاء لجزء من حقوقهم، وكلي أمل أن يحظى بالرضى والقبول منهم...

المؤلف

 

تقريض

لقد تكرم أستاذنا سماحة العلاّمة السيد محمد علي السيد هاشم العلي حفظه الله بهذا التقريض بعد مراجعته الكتاب، شاكرين له تفضله هذا، وجزاه الله خير الجزاء.

الحمد الله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين قال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}[1] صدق الله العلي العظيم.

الخلق يفسر لغة بالسجية كما في مجمع البحرين وجمعها سجايا والخلق جمعه أخلاق، والخلق كلي تحته فردان أحدهما يوصف بالحسن فيقال خلق حسن والآخر يوصف بالسوء فيقال خلق سيئ إلا أننا مع ذلك كله نرى في أنفسنا انصراف لفظ الأخلاق إلى السلوك الحسن فحسب وتبادره منه عند إطلاقه وكأنه حقيقة فيه ولعل ذلك نشأ من كثرة استعمال لفظ الأخلاق في السلوك الحسن بحيث أكسبه وصفاً تعيّنيّاً والتبادر أحد علامات الحقيقة.

وكيف كان فالآية المتقدمة جاءت في مدح الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم وهي تصفه بأنه على خلق عظيم وتأتي الروايات أيضاً وتعطي عرضاً تفصيلياً عن كريم خلق الرسول فمنها ما عن كتاب النبوة عن أمير المؤمنين (ع) قال: (ما صافح رسول الله أحداً قط فنزع يده من يده حتى يكون الذي هو ينزع يده وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف وما نازعه أحد الحديث فسكت حتى يكون هو الذي يسكت وما رؤي مقدماً رجليه بين يدي جليس له قط)[2] وقد ذكر في مكارم الأخلاق كذلك عرضاً مفصلاً عن أخلاق الرسول في المأكل والمشرب والمجلس وغيرها والرسول قدوة لأمته فيما يأتي به من سلوك فإن فعل المعصوم وقوله وتقريره سنة يلزم أتباعها والأخذ بها تأسياً.

والكتاب العزيز بدوره أكد على أخذ الأخلاق كسلوك عملي في أكثر من موضع وفي عدة آيات منها قوله تعالى: {وإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة}[3] وقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}[4] وقوله تعالى: {ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}[5] وقوله تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[6] وقوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيراً}[7].

وفي السنة الأحاديث الكثيرة الداعية إلى الالتزام بالأخلاق والوجدان كذلك يشهد بأن الأخلاق هي أبرز عوامل الربط بين أفراد المجتمع بل هي أنجح وسيلة يمكن الاعتماد عليها في هذا المجال، وبالجملة إن أهمية الأخلاق وأهمية دورها في إيجاد العلائق بين أفراد المجتمع ذاك أمر لا ينبغي التشكيك فيه بعد ما قام عليه من الأدلة من الكتاب والسنة بل نرى أن الشريعة اعتمدت الأخلاق وأخذتها شرطاً في المكافئة بين الزوجين ففي حديث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم المروي عن أمير المؤمنين (ع) قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: (إذا جاءكم من ترضونه خلقه ودينه فزوجوه)[8] وبالعكس جعلت الشريعة سوء الخلق سبباً للمنع من التزويج لعدم المكافئة ففي الحديث المروي عن الحسين بن بشار قال كتبت إلى أبي الحسن الرضا (ع) أن لي قرابة قد خطب إلي وفي خلقه سوء قال: (لا تزوجه إن كان سيء الخلق)[9].

والسر في ذلك واضح فإن الحياة الزوجية قد فرض فيها أن تكون حياة سعادة وهي لا تكون إلا بالوآم والوفاق ففي الآية الكريمة: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}[10] وهذا القدر من الالتحام الذي تفترض الآية حصوله بين الزوجين بحيث تكون المرأة سكناً للرجل لا يتحقق مع سوء الأخلاق وإنما يتحقق مع تبادل السلوك الحسن بينهما وإن أهم نص كشف عما للأخلاق من أهمية هو حديث الرسول المشهور (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[11] فإن بعثة الرسول التي هي الوسيلة الكبرى لهداية البشر وإخراجهم من الظلمات إلى النور إذا كانت الغاية منها هو تميم مكارم الأخلاق فذلك ما يجعل الأخلاق في أبرز مقام من حيث الضرورة ولزوم التحقيق في السلوك العملي بل إن من شواهد أهمية الأخلاق أيضاً اعتبارها علماً برأسه بحيث اعتمدها العلماء فألفوا فيها الكتب قديماً وحديثاً فقد ألف رضي الدين الحسين بن فضل الطبرسي وهو من أعلام القرن السادس كتابه مكارم الأخلاق وألف الفيض الكاشاني كتابه المحجة البيضاء وألف النراقي كتابه جامع السعادات وألف من المتأخرين السيد عبد الله شبر كتابه الأخلاق وألف السيد علي فضل الله كتابه الأخلاق الإسلامية وألف غيرهما أيضاً وسار في هذا الاتجاه الأستاذ الشيخ جعفر المطر وهو أحد فضلاء الحوزة العلمية في الأحساء وأحد مدرسيها فألف كتابه معالم الأخلاق).

وكتابه هذا على ما أخبرني به كان في الأساس عدة محاضرات ألقاها كدروس أخلاقية وقد أحب حفظها عن الضياع فجمعها وألف منها هذا الكتاب، وقد برز منه الجزء الأول وهو يشتمل على مقدمة وإهداء ومدخل وتأتي بعدها مجموعة من الدروس تبلغ العشرة، والأول من هذه الدروس صدره بعنوان أهمية الأخلاق وقد تكلم في هذا الدرس عن حاجة الإنسان إلى تهذيب نفسه وإبعادها عن العادات السيئة وتعرض كذلك للسعادة وأنها أين توجد وكيف الوصول إليها وقد رسم في بحث مفصل أقرب الطرق الموصلة إليها مع أخذ البرهنة عليها بعين الاعتبار ليعطي القارئ قناعته التامة بما انتهى إليه من نتيجة وفي نهاية هذا الدرس أورد حديثين تحت عنوان للقراءة والتأمل وختم الدرس بعدة أسئلة طرحها للتمرين، أما الدرس الثاني فقد جعله تحت عنوان هل يمكن تبدل الرذائل إلى فضائل؟ وقد دار البحث في هذا الدرس في إمكان التبدل وعدمه وقد أورد في هذا الصدد قولين أحدهما القول بالاستحالة والآخر القول بالإمكان وقد استعرض أدلة القولين وانتهى إلى نتيجة هي القول بالتفصيل بين صفات وصفات أخرى، وتعرض كذلك لمجاهدة النفس وأورد بعد ذلك آيتين من الكتاب العزيز تحت عنوان للقراءة والتأمل وختم الدرس كذلك بعدة أسئلة للتمرين ؛ وفي الدرس الثالث صدر الدرس بعنوان معرفة النفس وقد تكلم فيه عن معرفة النفس وصفاتها وقواها وأورد في نهاية البحث عنواناً للقراءة والتأمل وختم الدرس بعدة أسئلة للتمرين، وتكلم في الدرس الرابع عن أصول الفضائل ووضع عنواناً للقراءة والتأمل وضمن الدرس بعدة أسئلة كالعادة ؛ أما في الدرس الخامس فقد تعرض لجذور الأخلاق ودوافعها وجعل البحث في ذلك دائراً على محور وهو السؤال عما هو الدافع الذي يجعل الإنسان يتخلق بهذا الخلق أو بذاك وما هو الدافع الذي يجعله يجتنب الأفعال السيئة، وأعطى في ذلك صورة من البرهنة والاستدلال وانتهى إلى النتيجة بإبراز رأيه الذي اختاره معتمداً في ذلك على البرهان، ووضع كذلك عنواناً للقراءة والتأمل وختم الدرس بعدة أسئلة ؛ وفي الدرس السادس كان البحث يدور حول نظرية نسبية الأخلاق والاستدلال عليها ؛ أما في الدرس السابع فقد تكلم عن تهذيب الأخلاق وهو بحث استدلالي تعرض فيه لمسالك ثلاثة واختار فيها المسلك الثالث وقال إن هذا المسلك هو أفضل المسالك في تهذيب الأخلاق، وفي الدرس الثامن تعرض لكيفية التخلص من العادات الذميمة وقد تعرض فيه لبعض الآراء في المسألة وانتهى إلى النتيجة، وفي الدرس التاسع كان الكلام يدور حول العوامل التي تضمن استمرار العادة الحسنة ويسميها بالاستقامة وقد استعرض في ذلك عدة عوامـل، أما الدرس العاشر وهو نهاية هذا الجزء فقد تكلم عن علاقة الصداقة والبحث فيه يدور عن قضية العزلة والاختلاط والتحقيق حولهما ثم انتهى إلى النتيجة بإبراز الحق في المسألة حسب مختارة في المسألة وتكلم كذلك عن تأثير الصداقة في الأخلاق، هذا كل ما في هذا الجزء وقد وعد بإخراج بقية الأجزاء.

وبعد ملاحظتي لهذا الجزء وجدته – والحق يقال  ـ  كتاباً نافعاً في بابه وهو بحسب تقديري الشخصي صالح لأن يدرس في المرحلة الأولى والثانية للحوزة لما اعتمده فيه من بساطة الأسلوب، وهو في نفس الوقت كتاب مطالعة للمراحل الأخرى.

ولا يفوتني وأنا أقرض هذا الكتاب أن أرفع للأستاذ المطر أسمى آيات التهنئة والتبريك على ما أحرزه لنفسه من وسيلة لبقاء العمل بعد انقطاعه بانتهاء الحياة فإن كتاب العلم هو أحد الوسائل التي عرضها الحديث الشريف: (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له)[12].

وأسأل المولى جل ذكره أن يكمل له الوسائل الثلاث ليكون قرير العين بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

الأحد الثالث والعشرون من شهر محرم

لسنة 1420من الهجرة النبوية

محمد علي السيد هاشم العلي

المقدّمة

الحمد لله كما هو أهله وأفضل صلواته على أشرف خلقه محمد الأمين وعترته سفن النجاة الميامين سيما بقية الله في أرضه أرواحنا فداه، وبعد..

فهذا العبد الفاني الغريق في بحر الغفلة المستسقي ربّه وابل جوده وطوله والمستمطر غمام فضله، يقول: لا ريب في أن أهم ما يوجب النجاة من الهلكة في الدارين هو تزكية النفس وحملها على الفضائل وإبعادها عن الرذائل وإحياء الميول المعنوية الموجودة في الأعماق والتحلي بمكارم الأخلاق إذ أنها معيار الكمال الحقيقي ومصدر السعادة.

وإذا كانت هذه الأمور ضرورية للناس على مر جميع العصور فإن الضرورة للبعد الإيماني والأخلاقي قد ازدادت في عصرنا الحاضر حيث التطور المستمر وازدياد الفراغ والبطالة وتفشّي أنواع اللذات والشهوات والانغماس في الماديات، ومن الواضح أن الحياة الاجتماعية البعيدة عن الإيمان والأخلاق ستصبح مليئة بالمصائب ومشحونة بالنكبات والويلات وبالتالي انتشار الجرائم مما يسلب المجتمع أمنه واستقراره كما هو حاصل بالفعل، ومن أراد الوقوف على صدق هذا الكلام فعليه أن يلقي نظرة عابرة للبلدان الصناعية – التي ابتعدت عن الأخلاق  ـ  ليرى الإحصائيات الرسمية عن الجرائم المروّعة على مرّ الدقيقة!!

وبالتالي فما أحوجنا لصيانة أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا من السقوط، وإن ذلك لن يتحقق إلا بالسعي للتحلّي بالصفات الحميدة والابتعاد عن الصفات الذميمة حيث أن ذلك سرّ النجاح كما يقول أمير المؤمنين (ع): (لو كنا لا نرجو جنّة ولا نخشى نارا ولا ثوابا ولا عقابا لكان ينبغي لنا أن نطالب بمكارم الأخلاق فإنها مما تدلّ على سبيل النجاح)[13].

وإن تزكية النفس وحملها على الفضائل وإبعادها عن الرذائل يتطلّب معرفة النفس أولاً ثم معرفة أقرب الطرق للوصول إلى تهذيبها ثانياً، ومهمّة الكتب الأخلاقية  ـ  على اختلاف أساليبها  ـ  تسعى لبيان هذين الأمرين.

وإني أحببت المساهمة في هذا المضمار الشريف، مستلهما من نفحات هؤلاء العظماء ومقتبسا من أشعة أرواحهم، فاستعنت بالله وشرعت في إعداد هذا الجهد القليل.

وهذا هو القسم الأول من هذا الكتاب وقد خصّصته لذكر ما يتعلق بالأخلاق بصورة عامه والتأكيد على أهم الأساسيات التي يعتمد عليها السالك في سلوكه نحو الفضائل والتي تعتبر بمثابة القلب النابض الذي يزوّد الراغبين للسّير في هذا الطريق المبارك، وأما بقية الأقسام من هذا الكتاب فسوف نتناول فيها نماذج من الفروع الأخلاقية.

وقد حاولت جاهدا تبسيط العبارات التي عادة ما تكون في كتب الأخلاق غامضة كأنها الطلاسم، مع مراعاة الحالة الوسط بين التطويل المملّ والاختصار المخـلّ، كما أني رتّبت هذا الكتاب على هيئة دروس لسببين:

الأول: إيصال المفاهيم الأخلاقية إلى ذهن وقلب القارئ الكريم بصورة أسرع وأفضل وعلى كافة المستويات

الثاني: إمكان تدريسه  ـ  لمن أراد ذلك  ـ  بسهولة في الحلقات التربوية والتعليمية المنتشرة في أوساط الفتيان والفتيات، إذ أن معظم هذه الحلقات تفتقد هذه المادة منهجيا مع ما لها من أهمية.

هذا وكلي أمل في أن يحقق هذا الكتاب الغاية المنشودة من وراءه بتوفيق من الله تعالى. وأخيرا أقول: {إن أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب}[14].

والله من وراء القصد،،،

جعفر بن الحاج عباس المطر

الأحسـاء

يوم عيد الغدير 18/12/1419هـ

المدخل

ما هو الخلق؟

الخلق هو: [حالة للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا رويّة][15]، وهذا التعريف ينطبق على الخلق الحسن والقبيح، فالخلق هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة بلا تكلف ومن غير صعوبـة، بل يجد نفسه منجذبة نحو ذلك الفعل وكأنه أمر فطري.

ويفهم من هذا أنه لا يطلق على من يأتي بصفة أخلاقية كالتواضع في بعض الأحيان لا على سبيل الاستمرار والدوام بأن (خلقه التواضع) إلا إذا ثبتت في نفسه وترسّخت وأصبحت أمرا من الأمور المطبوعة والسجايا المنقوشة في ذاته لا أنها صدرت منه بنحو الافتعال والتكلف..، وهكذا الكلام في سائر الصفات الأخلاقية.

وبطبيعة الحال إن الإنسان لا يصل إلى هذا النوع من الخلق إلا من خلال قطع المراحل المطلوبة في هذا المجال فهو في أول الأمر يتكلف هذا الخلق وذاك ويجده عسيراً ولكنه يرغم نفسه عليه ويعوّدها على ممارسته شيئاً فشيئاً بعد أن يعر القواعد الأساسية لذلك وبالتالي يتحول إلى سجية منطبعة وخلق راسخ في النفس متعسّر الزوال، وستعرف في هذا الكتاب ما يدور حول هذا الموضوع بصورة جلية.

تنبيه:

تم تخريج مجموعة من الأحاديث الموجودة في هذا الكتاب بواسطة الحاسب الآلي (اسطوانة النور) لاسيما المخرجة من كتاب (بحار الأنوار) فيلاحظ اختلاف الأجزاء والصفحات.

الدرس الأول

أهمية مكارم الأخلاق

الربح والخسارة:

إن الإنسان بأمس الحاجة إلى تأديب نفسه وتهذيبها وتعويدها على العادات الحسنة وإبعادها عن العادات السيئة فإن الربح هو ربح النفس والخسارة خسارتها كما يقول تعالى: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها}[16]، مضافاً إلى أن الأخرى هي الحياة الخالدة، يقول تعالى: {إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار}[17] ويقول تعالى: {فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}[18] ولأجل ذلك يكون الربح ربحها والخسارة خسارتها.

الثروة والمال ليسا هما السعادة:

من منا لا يبحث عن السعادة؟ إن الكل يرغب أن يسعد في الدنيا والآخرة ولكن ما هي السعادة وأين هي؟ وما هي الأسباب الموفرة للسعادة؟ قد يظن البعض بأن السعادة تكمن في الأموال فمن يملكها يكون سعيداً، لكن إذا أردنا أن نعرف أن هذا الظن غير صحيح وفي غير محله فعلينا أن ننظر إلى البعض ممن يملكها عندما يرغب أن يحبه الآخرون ويحترمونه ويركعون له وينفذون أوامره ويلبّون رغباته فلا يتأتى له ذلك، فيبقى الهمّ ينخر قلبه ويسلـب راحتـه حتى يموت كمـدا، مضافا إلى أن هذه الثروة التي جمعها – لسنوات طِوال  ـ  هي عرضة للتلف والضياع خلال لحظة واحدة، فلنتصور ماذا سيحل بعقله حينئذ؟ ونحن نقرأ عبرا كثيرة في القرآن حول من ملك الثروات واستثمر العقارات وغرته الدنيا، فإلى أي حال اصبح مصيره؟ كقارون وأمثاله ممن تجبروا وتكبروا فأصبحوا من الخاسرين.

إذاً فالأموال ليست هي السعادة الحقيقية بل هي جزء بسيط منها إن بذلت في محلها المناسب وإلا فهي دمار وشقاء تسلب الراحة من صاحبها وتجلب له الهموم، ولذا قيل: الدّينار نَار والدرهم هَمّ.

السعادة الحقيقية:

 لا تذهب يميناً ولا شمالاً عندما تبحث عن السعادة، لأن السعادة تكمن في نفسك التي بين جنبيك وذلك بتعويدها على الأخـلاق الحسنة وإلزامها بمكارم الأخلاق ومن هنا قيل: (إن تمام السعادة بمكارم الأخلاق).

ـ فمن أراد سعادة الدنيا فعليه بمكارم الأخلاق.

ـ ومن أراد سعادة الآخرة فعليه بمكارم الخلاق.

ـ ومن أراد سعادة الدنيا والآخرة معاً فعليه أيضاً بمكارم الأخلاق.

يقول الرسول (ص): (من سعادة المرء حسن الخلق ومن شقاوته سوء الخلق)[19]، ويقول (ص): (أكثر ما يلج به أمتي الجنة تقوى الله وحسن الخلق: وهما يعمران البلاد ويزيدان في الأعمار)[20].

كيف تكسب قلوب الآخرين؟

كما قدمنا إن الإنسان لا يقدر على كسب الآخرين عن طريق الأموال فقط وإنما يحتاج إلى أن يتحلى بمكارم الأخلاق وبالتالي فإنه من السهل الطبيعي له أن يجذب الآخرين ويكسب قلوبهم إليه، يقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم): (يا بنى عبد المطلب إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر)[21]، ويقول (ص): (يا أيها الناس إني أعلم أنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن بالطلاقة وحسن الخلق)[22]، ويقول أمير المؤمنين (ع): (أفضل على من شئت تكن أميره)[23] وفي لفظ آخر (أحسن إلى… إلخ) وقال أيضاً: (بالإحسان تملك القلوب)[24].

نعم إن مكارم الأخلاق هي السبيل الوحيد لكسب ود الناس وحبهم، وكمثل على هذا (العفو) والصفح عن الآخرين فإن نتيجته في كسب الود أكيدة وواضحة، يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}[25]. و(التواضع) مثله فإنه يؤدي إلى تقدير الآخرين للمتواضع كما في الحديث عن الرسول (ص): (من تواضع لله رفعه الله)[26].

وهكذا سائر مكارم الأخلاق، بل نقول إن اكتساب الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة يعد شرطا أساسيا لتوكيد الذات واثبات الشخصية الاجتماعيـة، فالشاب الذي يتحلى بصفات أخلاقية وإنسانية حميدة يكون عزيزا ومحبوبا في مجتمعه، ويكون قادرا على التّكيّف مع الناس والتآلف مع المجتمع على عكس من اجتمعت فيه الصفات الدميمة والأخلاق السيئة فهو  ـ  أياً كان  ـ  يبقى منبوذا من قبل الناس ولا يستطيع تكييف نفسه في مجتمعه ويظل عاجزا عن إحراز شخصية مناسبة لنفسه، وهذا ما يؤكده أمير المؤمنين (ع) بقوله: (سوء الخلق يوحش القريب وينفّر البعيد)[27].

بل إن الأخلاق الحسنة تورث العزة بعكس الأخلاق السيئة، يقول أمير المؤمنين (ع): (ربّ عزيز أذلّه خلقه وذليل أعزّه خلقه)[28].

فالخلاصة: إن كسب ود الآخرين طريقه مكارم الأخلاق.

المعاملة الحسنة في الميزان:

أكد الإسلام على المعاملة الطيبة للآخرين بل أعتبر حقيقة الدين القويم هي المعاملة الحسنة، فالدين المعاملة.

كما أعتبر التحبب إلى الآخرين والابتسام في وجوههم من صفات العقل كما ورد عن أمير المؤمنين (ع): (التودد نصف العقل)[29]، وإذا كان للمعاملة الطيبة هذا القدر في الدنيا ففي البرزخ والآخرة أكثر وأكثر فقد اعتبرت بعض الأحاديث الشريفة إن أكثر ما يعذب به الإنسان في البرزخ وفي القبر هو: عدم اعتناءه بالطهارة وكذلك سوء الخلق، قال أمير المؤمنين (ع): (عذاب القبر يكون من النميمة والبول وعزب[30] الرجل عن أهله)[31] ومعلوم أن النميمة وعدم القيام بالواجبات تجاه الزوجة والأهل من الأخلاق السيئة.

إن في خلقه مع أهله سوء:

وللتدليل على وجود العلاقة بين الخلق السيئ وعذاب القبر نقرأ هذه الحادثة:

عن أبي عبد الله الصادق (ع) أُتي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقيل له: إن سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وقام أصحابه معـه، فأمر بغسل سعد وهو قائم على عضادة الباب، فلما أن حنط وكفن وحمل على سريره تبعه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم حتى لحده وسوى اللبن عليه، وجعل يقول: (ناولوني حجراً ناولوني تراباً رطباً)، يسد به ما بين اللبن فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه، فلما أن سوى التربة عليه قالت أم سعد: يا سعد هنيئاً لك الجنة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: (يا أم سعد مه، لا تجزمي على ربك فإن سعداً قد أصابته ضمه)، فرجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ورجع الناس فقالوا له يا رسول الله قد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء، فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: (إن الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسيت بها)، قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة، قال: (كانت يدي في يد جبرائيل آخذ حيث يأخذ)، قالوا: أمرت بغسله وصليت على جنازته ولحدته في قبره ثم قلت: إن سعداً قد أصابته ضمه على! فقال صلّى الله عليه وآله وسلم: (نعم إنه كان في خلقه مع أهله سوء!!)[32].

هذا بعض ما يلقاه صاحب الخلق السيئ في البرزخ وإن كان مع أهله وأقرب الناس إليه، بخلاف الخلق الحسن.

أما في الآخرة وفي ميزان أعمال الإنسان فأول ما يوضع فيه هو حسن الخلق والمعاملة الطيبة فقد قال الرسول (ص): (أثقل ما يوضع في الميزان الخلق الحسن)[33].

نعم إن حسن الخلق يحتل مكاناً بارزاً في الأهمية بحيث له الأثر في قبول الأعمال كالصلاة والصوم وسائر العبادات.

 لا خير في صلاتها:

وللتدليل على ما سبق فقد قيل للإمام الصادق (ع) فلانة تقوم ليلها وتصوم نهارها.. ومدحوها كثيراً، فقال الإمام (ع): كيف هي مع جيرانها؟ ما هي علاقتها معهم وكيف تعاملهم؟ فذمّوا علاقتها مع جيرانها.. فقال (ع): (إذن لا خير في صلاتها وصيامها)[34].

نعم فالصلاة إذا لم تصلح علاقة الإنسان بالآخرين فلا خير فيها وكذلك الصيام بل وسائر العبادات.

إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق:

لقد جاء الأنبياء (ع) بشرائعهم من أجل إصلاح أخلاق الناس وتهذيب نفوسهم وقد أدوا وظيفتهم على أحسن وجه وبعث الله محمداً (ص) لكي يكمل كل الأخلاقيات التي جاء بها الأنبياء جميعا كما يقول (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[35].

 نعم جاء ليأمر بالصدق والتواضع والتعاون والأخلاق و.. و.. الخ، ولم يأت فقط ليقول للناس صلوا واركعوا واسجدوا وطوفوا حول الكعبة فكل هذه الأمور إنما أمر بها لتحصّن الإنسان من سوء الخلق وإن السبب في نجاح الرسول (ص) وانتشار دعوته هو أخلاقه ولينه ورفقه، وسوف يأتي إثبات ذلك في الدروس اللاحقة إنشاء الله.

خلّوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق:

لما أتى المسلمون بسبايا طي كانت من بينهم سفانة بنت حاتم الطائي فقالت: يا محمد، إن رأيت أن تخلّي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة رجل من أفضل الناس: كان أبى يفك العاني[36] ويعطي الفاني[37] ويحمي الذمار[38] ويقري الضيف ويشبع الجائع ويكسب المعدم[39] ويفرّج عن المكروب أنا ابنة حاتم الطائي، فقال (ص): (خلّوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق) فقام رجل يقال له أبو برده فقال: يا رسول الله: الله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال (ص): (يا أبا برده، لا يدخل أحد الجنة إلا بحسن الخلق)[40].

فنلاحظ أن حسن الخلق هو السبب الذي من أجله عفا الرسول (ص) عن هذه الجارية.

وقد أكد الرسول (ص) بصورة أكبر على ذلك بقوله: (عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة وإياكم وسوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة)[41].

للقراءة والتأمل

قال (ص): (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)[42].

قال أمير المؤمنين (ع): (عنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه)[43].

قال الشاعر:  

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

الأسئلة

السؤال الأول: ما هو مقياس الربح والخسارة؟

السؤال الثاني: كيف نرد على من ظن بأن المال هو السعادة؟

السؤال الثالث: ما هو أقرب الطرق للحصول على السعادة الحقيقية؟

السؤال الرابع: هات دليلاً من أقوال الرسول (ص) يدل على أن الأخلاق هي طريق كسب قلوب الآخرين؟

السؤال الخامس: اذكر قصة تدل على أن الصلاة والصوم لا ينفعان إلا بالخلق الحسن؟

السؤال السادس: ما هو سر نجاح الرسول (ص) وانتشار دعوته؟



[1] القلم آية 4.

[2] البحار ج16 ص236.

[3] النور آية 61.

[4] النساء آية 86.

[5] النحل آية 125.

[6] فصلت آية 34.

[7] الإسراء آية 23-24.

[8] البحار ج91، ص264.

[9] البحار ج103، ص234.

[10] الروم آية 21.

[11] البحار ج16 ص210.

[12] البحار ج2 ص22.

[13] آداب النفس ج1 ص26

[14] هود آية (88).

[15] تهذيب الأخلاق لابن مسكويه ص 51.

[16] (دساها بمعنى نقصها وأغواها وأفسدها بارتكاب الذنوب)، الآية (9-10) سورة الشمس.

[17] آية 39 سورة غافر.

[18] آية 185 سورة آل عمران.

[19] مستدرك الوسائل ج 8 ص 247.

[20] الأخلاق: السيد عبدالله شبر ص 5.

[21] مستدرك الوسائل ج 8 ص 446.

[22] مستدرك الوسائل ج8 ص 448.

[23] نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج 18 ص 212.

[24] ميزان الحكمة ج1 ص 641.

[25] فصلت آية 34.

[26] جامع السعادات ج 1 ص 395.

[27] غرر الحكم ص 435.

[28] سفينة البحار ص 411.

[29] نهج البلاغة ج 18 ص 340.

[30] عزب: بتسكين الوسط يعني الإبتعاد والإختفاء.

[31] البحار ج6 ص 222.

[32] البحار ج6 ص 220.

[33] مجموعة ورام ج 1 ص 86.

[34] عدة الداعي ص 311.

[35] بحار الأنوار ج 16 ص 210.

[36] العاني: الأسير.

[37] الفاني: المقيم في البلد.

[38] الذمار: ما يلزم حمايته والدفاع عنه.

[39] المعدم: المفتقر.

[40] آداب النفس للعيناثي ص 27.

[41] نهج البلاغة ج 10 ص 369.

[42] مجموعة ورام ج 2 ص 228.

[43] نهج البلاغة ج ص.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست