.

:الموضوع

التبرّج، إشاعة الفحشاء

تبرير المعصية

الغيبة ـ التهمة

الفصل الثالث 3

الاعتياد على المعصية

إن من الأشياء التي توجب سلب العناية الإلهية من الشخص، ومن الدار بشكل إجمالي: المعصية، والمعاصي تقسم إلى قسمين على أحد الاعتبارات، معاصي كبيرة وأخرى صغيرة، وهو ما لا نعنيه في بحثنا هذا.

أما الذي نعنيه وباعتبارٍ ثانٍ هو: الاستمرار على المعصية، وعدم الاستمرار عليها.

ففي بعض الأحيان تبدر من أحدهم معصية من مثل الكذب ـ والعياذ بالله ـ وبسبب هذا العمل السيء يجب أن يتوب المسيء ويستغفر ربّه، ولكن نرى البعض يستمر على هذه الحالة فهو يكذب كل يوم، ويغتاب كلّ يوم، ويبث الشائعات كل يوم، ويظلم كلّ يوم، وهذا خطرٌ جداً، ولخطورته الشديدة تعرض له القرآن الكريم بشكل جليّ حيث قال فيه:
(
ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السؤى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون) (الروم/ 10).

فالأفراد المداومون على المعاصي، يرتفع عنهم الاعتقاد بكلّ شيء، بل ويكذبون كل شيء، ويعتبرونه خرافة.

قال الإمام الصادق جعفر بن محمد سلام الله عليه في عدّة روايات:

" إذا أذنب لارجل خرج في قلبه نكتةٌ سوداء، فإن تاب إنمحت وإنْ زاد زادت حتى تغلب على قلبه، فلا يفلح أبداً "[1].

لذا أطلب منكم أن تسعوا جهد إمكانكم أن لا تنقادوا إلى فعل المعاصي، وإذا ما بدر منكم ذلك، عليكم أن تستغفروا الله بسرعة، وتتوبوا إليه توبةً نصوحاً، وحالوا أن لا تكونوا من المداومين على المعاصي والآثام.

وهناك تقسيم ثالث للمعاصي وهو: قد يكون للمعصية هيبة في القلب، أي قد يشع الفرد بتلاطم باطني بعد نظرةٍ شهوانية إلى ما حرّم الله تعالى النظر إليه ـ على سبيل المثال ـ، أو بعد أن يمارس الفرد اغتياب أحد الخيّرين، أو يكذب.

أما في بعض الأحيان تراه لا يشعر بشيء أبداً، لا تلاطم روحي، ولا امتعاض من عمل المعصية، وهذا ما تجلبه المداومة على المعاصي، حيث ينعدم الإحساس بجلال وهيبة الذنب.

وإذا ما حدث ذلك، وارتفعت هيبة وجلال المعصية من القلب كان ذلك أسوأ من الاستمرار في المعصية، لأن المستمرّ في المعاصي يمكن أن يوفق للتوبة في حال وجود تلك الهيبة والجلال من المعصية في القلب، لكنّ ارتفاع الهيبة والجلال لن يجعل الفرد يوفق إلى التوبة، وإذا تمكن من ذلك فالأمر لا يخلو من صعوبة بالغة.

التبرّج، إشاعة الفحشاء

إن البعض من النساء وفي حال الأعراس يستهترن بالحجاب ويبدين زينتهن بالرغم من أنهن يعلمن أنّ ذلك العمل لا خير فيه، وأنه عمل سيء، وعندما ينتهي العرس، يتبن إلى الله ويستغفرنه، ويبكين على فعلهن ذاك، وهذا ما أسميناه بالتلاطم الروحي.

ولكن قد يضحي ذلك الاستهتار بالحجاب عادة، من دون أن تدير ظهرها لعفّتها، لكنها على سبيل الفرض تستاء من لفظة الزنا، وتحتقر من يمارسه وتعتبر ذلك العمل سيئاً جداً، بالرغم من أنها ـ والعياذ بالله ـ تمارس أكثر من ذلك العمل الوضيع من خلال عدم اهتمامها بظهور شعرها ورقبتها، وتزيَّنها بشتى أنواع المكياج، وبلبسها لقميص نصف كُمّ، وجوارب شفافة، وتتحدث بإزار مفتوح إلى صاحب المحلّ التجاري الذي تريد منه الشراء، بل وتضحك معه وتتلطف له في الحديث. وهذا أسوأ من الزنا، لأنه بنظر القرآن المجيد إشاعة للفحشاء، وإشاعة الفحشاء أعظم معصيةً من ممارسة الفواحش نفسها:

(إنَّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة) (النور/19).

فالمرأة التي توزّع الابتسامات هنا وهناك، وتمزح مع شباب المحلة أسوأ من تلك الزانية، كونها تشيع الفحشاء وتشجع عليها وستلقى جزاءها في الدنيا قبل الجزاء الذي ينتظرها في الآخرة، وكذا الأمر بالنسبة للشاب الذي يحاول أن يمزح مع الفتيات أو النساء المتهورات سيُعدّ هو الآخر أحد المروّجين للفحشاء، وبالرغم من أن القرآن الكريم قال في الزنا:

(ومن يفعل ذلك يَلْقَ أثاماً) (الفرقان/68).

يكون الترويج للفحشاء أعظم معصية من الزنا الذي يلقى فيه المرء أثاماً، كونه يُعلِّم البقيّة من الحمقى على هذه السبيل المنحرفة مما يجرّ المجتمع إلى ويلات ومصائب في الدنيا والآخرة.

إن بعض النساء تتعود على تلك الحالة من عدم الالتزام بالحجاب الكامل، لأن هيبة المعصية على ما يبدو ذهبت من قلبها وأضحى الأمر عادياًّ جداًّ بالنسبة لها، فهي تجلس عند شقيق زوجها وتتحدث إليه بدون حرج، وتمزح معه، وتريه زينتها، وتكشف له عن ساقها وعضدها، وكأن الأمر طبيعي؛ وهنا يكمن الخطر الذي يجرّ المجتمعات إلى أسفل السافلين.

لذا، فالإنسان المخطئ أو المسيء عليه أن يستغفر ويتوب، ويعد ربّه بعدم الإتيان بذلك الخطأ مرّة أخرى، فإذا لم ير نفسه على هذه الصورة فليعلم بأن هيبة المعصية ذهبت من قلبه، وأضحى الأمر طبيعياً بالنسبة له لامتلاء قلبه بالندب السوداء التي تأتي بها تلك المعاصي والمساوئ.

وبناء على ذلك أوصي النساء، كل النساء بعدم ارتداء الجوارب الشفّافة في هذا الصيف الآتي، وأطلب من الرجال أن يمنعوا نساءهم من ارتداء هكذا جوارب تتيح للناظر رؤية ما تحتها.

إن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) كان في أيامه يقول للأصبغ بن نباته ما مضمونه: "سيأتي زمان على أمّة محمّد (ص) تكون فيها النساء كاسيات عاريات " بعد ذلك يضيف: "وذلك زمان الفتن وإن تلك النساء سيذهبن إلى جهنم ليخلدن فيها ".

لذا أقول للسيدات! لا بأس من لبس جورابين ـ زوج من الجوارب ـ كيلا يتبين الناظر أرجلكن، واحذرن لبس الملابس التي تكون أكمامها قصيرة، وإذا أردتن إعطاء الكاسب ثمن ما تشترين منه، فما عليكن إلا أن تفعلن ذلك بكل عفّة، وأكثر من هذا أطلب منكن وأقول: إذا تأتى لأحدهم أن يتحدث إليكن، ويترقق بالحديث فما عليكن إلا أن تكن جديات غير ممازحات، وكذا أود القول للرجال الذين إذا اتفق أن يتحدث إليهم النساء، فما عليهم إلا أن يكونوا ملتزمين بالشرع الإسلامي مبتعدين عما يمكن أن يعتبر مزاحاً، أو ملاطفة.

إن إحدى الصفات التي يجب أن تمتاز بها السيدات والتي اعتبرها الإسلام من الصفات الحميدة بالنسبة للمرأة هي التكبر مقابل الأجنبي، وإن إحدى علامات المرأة المؤمنة عدم التبسم والجديّة أثناء الحديث مع غير المحارم، لإدراكها بأن المزاح والتبسم وما إلى ذلك حرام إلا مع من أحلّ الله لها.

نقل المرحوم ثقة الإسلام الكليني رضوان الله تعالى عليه رواية في كتابه "الكافي" جاء فيها عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (ع) ما مضمونه: " لو حرّكت امرأة بمزاح شهوة رجل كان على الله أن يُبقيها في جهنم مائة عام ".

على أية حال ينبغي على الكسبة أن يحذروا التمادي في القول! وليعلموا بأن الأموال التي تستحصل من هكذا طرق، وتصرف في البيت، ستكون وبالاً على ذلك البيت، ومانعة لنزول البركات.

تبرير المعصية

للمعصية تقسيم ثالث غير تلك التي ذكرنا سابقاً وهو: قد يرتكب أحدهم معصية ثم يعترف بذلك، وقد يرتكب فرد معصية ثم يبرّر معصيته، وهو ما يعدّ أكبر الأخطار، كأن يقول على سبيل المثال أنه متمدن أو متحضر ولذا يراه الناس يمزح كثيراً مع النساء، ويسعى كلما سنحت له الفرصة للتحدث إليهن، أو أن بعض الفتيات يبدين زينتهن، وأعناقهن ويرتدين لباس الشهرة مبررات ذلك على أنه تمدّن، أو قد تتحدث إحداهن إلى بعض الشباب وتمزح مع هذا، وتضحك مع ذاك معتبرةً ذلك ثقافةً وحضارةً ـ والعياذ بالله ـ.

وقد يغتاب البعض عدّة من الأفراد ويبرر ذلك على أنه غيبة ثورية، أو غيبة حزب اللهيه، ويتهم فلاناً من الناس تحت طائلة الثورية لا تحت طائلة المعصية، بل قد يقول إن ما أفعلّه عين الصواب وإن فيه الأجر والثواب.

إن البعض من الجهلة يشيعون الكثير من الافتراءات تحت عنوان السياسة، ونسمع بين الفينة والأخرى أحدهم يقول: ينبغي أن يكون سياسياً، لذا يجب أن أشيع بعض المسائل التي تسهم في دخولي إلى ساحة الأوضاع السياسية، وإذا ما قيل له بأن ما يفعله حرام، وغير جائز؟ يجيب وبكل صلافة: بأن ذلك من ضمن السياسة، فهو يغتاب، ويتّهم ويكذب، ويرّوج الإشاعات تحت طائلة السياسة، أو بعنوان الثورية.

إن أمثال هذا الذي ذكرنا خطرٌ جدّي على المجتمع، وأخطر من كلّ شيءٍ سواه، لذا أطلب منكم الامتناع عن ممارسة المعاصي الكبيرة والصغيرة كونها تبعث على السقوط والانحطاط، ولي طلب آخر أكبر من الأول قليلاً وهو: أن تحذروا خروج جلال المعصية من قلوبكم، والذي يتأتى من المداومة على ممارسة المعاصي، فإذا ما ذهب الجلال من القلب بدأ صاحبه بتبرير معاصيه وآثامه، وهذا هو عين الانحطاط، وفيه يكمن الخطر لأنه يمنع الإنسان من التوبة، ويمنعه أيضاً من نيل شفاعة الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار سلام الله عليهم.

إن الذي يجب أن أذكره هنا ـ للأسف ـ والذي هو موجود في جميع البيوت: المعصية، بل المعاصي التي ذهب جلالها من قلوب أصحابها فأصبحوا يبررون ما يفعلون على هواهم، وهذا لا يقتصر على شريحة معينة من الشعب بل يشمل التاجر، الموظف، العالم، الفاسد، الثوري، وغير الثوري.

إن هذه القضية يمكن أن نعتبرها مصيبةً وبليّةً، ولو نزفت عيوننا دماً عليها لكان قليلاً، والجدير بالذكر أن تلك المعاصي كثيرة ومتنوعة فمنها الغيبة والنميمة، ومنها التهمة، والشائعة، وما إلى ذلك من المعاصي الكبيرة والصغيرة التي هي أساس تأخر المجتمع الإسلامي.

إن البعض من البيوت تحتوي على مسائل متدنيّة ووضيعة تسهم كثيراً في إتلاف نفسية الطفل الذي يعيش في ذلك البيت من قبيل أشرطة الموسيقى المبتذلة، والأغاني ناهيك عن اقتناء البعض لأجهزة الفيديو التي يستخدمها الكثير في عرض الأفلام المثيرة للشهوة.

إن بحثنا الحالي لا يرتبط بهذه المسائل، ولا نريد التعرض لها، لكننا نقول مثلما قال الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) لمثل هؤلاء إذ قال لهم: " يا لله ".

قال أحدهم للإمام الصادق جعفر بن محمد (ع): " إن لي جيراناً لهم جوارٍ يتغنين ويضربن بالعود، فربّما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعاً مني لهنّ، فقال الإمام الصادق عليه السلام: لا تفعل، فقال: والله ما هو شيء آتية برجلي، إنّما هو سماعٌ أسمعه بأذني؟ فقال عليه السلام: يالله! أنت أما سمعت الله عز وجل يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولا؟!) فقال الرجل: كأنني لم أسمع هذه الآية من كتاب الله عز وجل من عربيّ ولا عجميّ! لا جرم أني قد تركتها وأنا أستغفر الله تعالى... "[2].

إنهم ليسوا من أهل الغناء، ولا من أهل الموسيقي، ولا من أهل أجهزة الفيديو، والمناظر المثيرة للشهوات، لأنهم يعلمون جيداً بأن هذه المسائل تذهب ببركة المنزل، وأنها محرّمة، وأن الطفل الذي يكبر في مثل هذه البيوت لا يؤمل منه خيراً أبداً.

إن علماء النفس يؤكدون على أن الطفل الذي ينشأ في مثل هذه المجتمعات لا يمكن أن يكون إلا وضعياً، ضعيف النفس، وإن الإسلام العظيم ينظر إلى هذه البيوت على أنها أوكار الشياطين التي خلت ـ على حدّ قول الرسول (ص) ـ من البركة والرحمة الإلهية، وأن الملائكة لا تمرّ على تلك البيوت الفاسدة.

الغيبة ـ التهمة

قليلاً ما نرى بعض البيوت ـ للأسف ـ غير مبتلاة بالغيبة، التهمة، الشائعة، والكذب، وقليلاً ما نرى افراداً يمتنعون عن التوغل في هكذا معاصي خطيرة، وخصوصاً معصية الهمز واللمز السائدة هذه الأيام، أو معصية التجريح والاستهزاء.

فعلى سبيل المثال: يسخر الرجل من زوجته حين تطبخ غذاءً لا يستهويه، أو لا يتلائم مع طبيعة شهيّته، أو تسخر المرأة من زوجها حينما تراه وقد اشترى حاجة من السوق لا تنسجم وطبيعة ذوقها " ويل لكل همزة لمزة ".

أيتها السيدة! اعلمي بأن سخريتك تلك ستدخلك إلى إحدى زنزانات جهنم الحامية لتحترقي ولا تستطيعي فعل شيء، بل تُكرهين على القبول بتلك الحياة الأبدية. واعلمي بأن تلك النيران لن تحرق الجلد فقط بل تتعدّاه إلى العظم.

فالنار التي تصل إلى العظم على حد قول القرآن الكريم، حالها حال الغيبة التي تعتبر أكلاً للحم المؤمن الغائب، فلا تغتابوا أحداً، ولا تطعموا الميتة، ولا تجعلوا من بيوتهم مطاعم للجيف فتذهبوا ببركتها، كمثل البيوت التي تذهب بركتها جرّاء لعب ساكنيها مع الكلاب والقردة.

إن تلك البيوت خالية من البركة، وخالية من اللطف الإلهي، ولا ينظر الله إليها، ولا يمكن أن نعتبر إلا نجسةً وقذرة.

جاء في كتاب تحف العقول عن الإمام الهمام عليّ بن الحسين السجاد أنه قال: " كُفَّ عن الغيبة فإنَّها إدامُ كلاب النار ".

إن الذي لا يكفّ عن الغيبة سيرى نفسه بعد مدّة معتاداً عليها، أي أنها ستضحى ملكة لو لم يمتنع عن الاستمرار، وهذه الملكة هي التي ستحدد هويته، هذا بالإضافة إلى أن الغيبة ستحوّل الإنسان المغتاب إلى كلب يوم القيامة، وسيرمى في جهنم ليكون غذاؤه تلك الغيبة التي تتجسد على شكل جيفة، ولحم ميتة، وللأسف أقول: أيّ البيوت تخلو من الغيبة؟ وأيّ البيوت تخلو من الاستهزاء والسخرية؟.

أيها السيد! لا تسخر من ابنك، وأنت أيتها السيدة! لا تستهزئي بابنتك ولا تحاولي تحقيرها، واسعي دائماً للحفاظ على حالة الاحترام في داخل بيتك، ولا تجرحي كبرياء زوجك، وإذا ما حدث ذلك فستبرز الغيبة بينكما، عندها تلتهب النار في بيتكم الذي طغت عليه الهوية الحيوانية بدل الهوية الإنسانية.

والأنكى من الغيبة والأسوأ هي التهمة، والفرق بينها وبين الغيبة هو: التهمة يعني الافتراء وإلصاق ما ليس فيه به، أما الغيبة فهي كشف العيب المستور، وتشتر التهمة والغيبة بأنهما تحدثان في غياب الشخص في بعض الأحيان، وتفترق التهمة عن الغيبة في أحيان أخرى كونها قد تحدث بحضور المتهم.

أما بالنسبة للتجريح فقد أسماه القرآن المجيد باللمزة.

إن الحديث الذي قد يتبجّح به العوام من الناس، وهو شائع بينهم قول أحدهم لصاحبه لا تغتب فلاناً، فيجيب أن ما أقوله موجود فيه! وهو جواب شيطاني، لأنّ كشف العيب المستور يسمى غيبة، ومن اغتاب الناس سيضحى كلباً في يومٍ من الأيام، أما إذا لم يكن فيه ذلك العيب فسيعتبر المتحدث من المفترين، فهل تعرف ماذا يقول الله على المفترين. إنه يقول:

" إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون " (النحل/ 105).

قال الإمام الصادق جعفر بن محمّد (ع):

" إذا أتّهم المؤمن أخاه انماث الإيمان من قلبه، كما ينماث الملح في الماء "[3].

وكما يتعرض الإمام الصادق (ع) في مكان آخر ويصف هذا الذي يتهم أخاه، بالوقوف على تلٍ من قيح ودمٍ، فإن استغفر زال ذلك التل، وإن لم يستغفر بقي عليه لمدة 50 عاماً عن كلًّ اتهام، أو عن كل شائعة أشاعها في زمن الحياة الدنيا.

هل يمكن أن يقول أحدكم أنه لم يمارس بثّ الشائعات؟ إن المقدسين والمتدينين في زماننا هذا لا يتأتى لهم ادعاء ذلك، فوالله ينبغي لنا أن نبكي بدل الدموع دماً على مثل هذه المصائب والبلايا، فنحن السبب في وجودها.

قال تعالى في محكم كتابه بصدد الشائعات:

(إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم) (النور/ 15).

أي أن ما تقولونه تعوّدتم عليه، لذا تحسبونه هيّناً، ولكنه عند الله عظيم، وقال أيضاً جلّت أسماؤه:

(ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) (الإسراء/36).

أي عليك بالابتعاد عن الشكوك والظنون، وإذا ما سمعت شيئاً فلا ترضاه إلا بدليل، وإذا أردت أن تقول شيئاً يجب أن يكون مسنداً، وإلاّ فإن سمعك وبصرك وفؤادك مسؤول يوم القيامة:

" اليوم نختم على أفواههم، وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجُلُهُمْ بما كانوا يكسبون " (يس/ 65).

وفي يوم القيامة يختم الباري تعالى على الأفواه يكمّها لتشهد عليه يداه، ورجلاه، وجلده، وقلبه، وتراهم يقولون له: إنك أنت الذي كنت تغتاب، وأنت الذي كنت تستمع إلى الغيبة، وتتهم هذا وتقبل التهمة من ذاك، وتشيع الكذب هنا وهناك.

لذا ينبغي للجميع أن يبتعدوا عن هكذا مسائل تؤدي بهم ـ لا سمح الله ـ إلى جهنم الحامية، وعليهم أن يفكروا بالخروج من هذه الأزمات الخطيرة.

فالزوج يجب أن يكون صادقاً مع زوجه، وكذا الزوجة يجب عليها أن تبتعد عن الكذب والدجل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً كي يعمّ الصدق والمحبّة والود جوَّ البيت، وكي يعم الخير والبركة، ويضحى ذلك البيت ممراً لعبور الملائكة.

فالبيت الذي يملأه الكذب، بيت ملعون، ورائحته كريهة تعجّ منها الملائكة في السموات العلى، فلا تعدوا أبناءكم بما لا تريدون تنفيذه، ولا يكذب بعضكم على بعض. واتخذوا من الحقيقة والإسلام منهجاً لكم، فمن الوضاعة أن يكون الإنسان الذي كرّمه الله الباري تعالى ذا وجهين.

إنّ الذي نراه اليوم في السوق، وفي البيت، وفي الشارع، وفي كل مكان ـ وللأسف ـ هو الكذب، وكلّما زاد الكذب في مدينة علت رائحةٌ نتنةٌ منها إلى عنان المساء فتضجّ الملائكة حينها، وتبدأ باللعن على الذي كان السبب في تلك الرائحة الكريهة.

على أيّة حال، علينا مثلما عليكم أن نلتزم جميعاً بقول الصدق، والإخلاص في الحديث، والأمانة قي نقله علّنا نحظى بريح الجنَّة التي لا يشمّها إلاّ من كان صدوقاً.



[1]   بحار الأنوار/ ج73، ص327.

[2]  من لا يحضره الفقيه/ ج1، ص45.

[3]  الكافي/ ج2، ص361.