.

:الموضوع

تجسم الأعمال

التفاهم في البيت

 

الفصل الثالث 2

سبق أن ذكرنا بأن الاختلاف والنزاع مذموم في الإسلام وإن الألفة والمحبة والاتحاد مقدس فيه، وأن القرآن الكريم ذكر بأن إحدى الصفات البارزة لأهل النار هي لعنهم لبعضهم البعض:

(كلَّما دخلت أمَّةٌ لعنت أختها حتَّى إذا ادّاركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذاباً ضعفاً من النار، قال: لكل ضعف ولكن لا تعلمون) (الأعراف/38).

إن هذه الآية تؤكد على أن أهل النار لا يعترفون بجرائمهم، وأنهم يتنازعون حتى في الحياة الآخرة، ويتهم بعضهم البعض بالتقصير والانحراف.

تجسّم الأعمال

لو تأتّى لنا في هذا المقام طرح تجسّم الأعمال لقنا إن معنى ذلك هو: إن الاختلاف الذي قد يحدث في بعض الأحيان بين الرجل وامرأته وعدم قبولهما بأنهما مقصّران حيث يقول الرجل لزوجته: أنت السبب في بؤسي، وهي تقول له مثل ذلك، فيقول الرجل: إن سوء خلق الأولاد كان بسببك، وهي تقول له شيئاً يشبه ذلك إلى أن يصل بهما الأمر ـ والعياذ بالله ـ إلى استخدام العبارات البذيئة والفاحشة، سيؤدي بهما مستقبلاً إلى حيث ما لا تحمد عقباه.

إن تلك الدار في ظاهر أمرها دارٌ طبيعية، لكنها بقانون تجسّم الأعمال لا تعدو أن تكون جهنم، وستثبت الأيام ذلك حينما ينكشف الغطاء لتظهر الأمور على حقيقتها.

أخاطبكم أيها الرجال! وأنتن أيتها النساء! وأقول لكم جميعاً بأن الدنيا والآخرة وجهان لعملة واحدة، الظاهر هو الدنيا، وباطن هذه الدنيا هي الآخرة، وأن ما يقع في هذه الدنيا تبرز حقيقته وواقعيته في الآخرة، فإذا ما مسّنا والعياذ بالله شيءٌ من جهنم وانتقامها فمرجعه إلى أعمالنا هنا "ذلك بما قدمت أيديكم" وإذا ما حظينا بنعم الجنة وحورها وقصورها فذلك مرجعه إلى أعمالنا أيضاً التي مارسناها في هذه الدنيا الدنيّة.

(كُلُوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية) (الحاقة/24).

في الجنة يأتي الخطاب: أيها الصائمون! كلوا واشربوا هنيئاً جزاءَ صيامكم في شهر رمضان المبارك، وجزاء ما قدمتموه من صيام في غيره من الأيام، وأن هذه النعمة التي تنعمون بها اليوم أنتم هيأتموها لأنفسكم في الدنيا لتصل إلى مرحلة النضج في هذه الحياة الآخرة.

وكذا الأمر بالنسبة للنزاعات والخلافات، والكلام البذيء الذي قد يصدر من الزوج تجاه زوجه أو من المرأة تجاه زوجها، فذاك سيتجسد لهما بشكل حيوان متوحش في الآخرة أو نار جهنم، فالظاهر هنا، وهو الكلام البذيء، والباطن هناك هو جهنم، وما يفعله الإنسان هنا لا بد أن يلقاه على حقيقته في تلك الحياة الآخرة.

إن الآية المباركة " كلما دخلت أمة.." تريد الإفصاح عن قانون تجسّم العمل، أو بعبارة أخرى تريد القول بأن الاختلاف الموجود هنا بينكم، وداخل بيوتكم، ستنتقلون معه إلى جهنم وستكونون مختلفين أيضاً في ورودكم إلى تلك النار التي سعّرها الجبار العظيم، فمن كان لعّاناً وبذيئاً في هذه الدنيا الدنيّة، وكان يُلعن أيضاً سينتقل بحاله هذه مع ذلك الذي يلعنه إلى نار جهنم، أو سيتجسد ذلك اللعن إلى أفاعي وحيّات وحيوانات متوحشة تلتهمه فلا يموت، بل يبقى حيًّا خالداً في ذلك العذاب إلا أن يأذن الله له غير ذلك.

وعلى العكس من ذلك أولئك الذين لم يبدُ منهم في الحياة الدنيا غير الكلام الطيّب، والعمل الحسن والذين قال فيهم القرآن المجيد: (على سُررٍ موضونة، متكئين عليها متقابلين) (الواقعة/15، 16).

هؤلاء كانوا مع أزواجهم منسجمين ومتلائمين ومتراحمين بعضهم على بعض، ولهذا تمكّنوا من تلك السرر الموضونة، ومن تلك الجلسة التي فيها هم متقابلون والتي يتشكر فيها البعض من البعض الآخر، ويقول: إنك كنت السبب في ورودي إلى الجنة، وأنت الذي كنت السبب في هدايتي إلى الطريق القويم.

على أية حال، إذا ما حكمت الألفة والمودة والمحبة في البيت حظي الجميع بفضل الله في الدنيا والآخرة، فالمرأة تبتسم بوجه زوجها حينما يعود إلى البيت، والرجل يتشكر من زوجه حينما يطعم طعامها الذي صنعته بيدها، وبشكل إجمالي تكون الأخلاق الإسلامية هي السائدة في البيت، وهي الطاغية على جوّه، وإذا ما حُفِظَ البيت من تلك المشاكل والنوائب والمعضلات التي يصنعها الإنسان لنفسه، فاز أفراده بخير الدنيا وخير الآخرة.

 التفاهم في البيت

اشكروا بعضكم البعض في البيت، واعتبروا أنفسكم مقصّرين بحق من تعيشون معهم تحت سقف واحد، أقول قولي هذا للرجال والنساء الخيّرين، وأؤكد على الرجال أن يلتزموا بهذا الأمر المهم كونهم لا يمتثلون في الغالب لأوامر أحد.

أتمنى للرجال أن يبتعدوا ما أمكن عن حالات الغضب بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، وبالصلاة على محمد وآله محمد، وإذا ما اتفق أن غلبهم الغضب يوماً، ثم هدأت ثورتهم بعد ذلك ينبغي لهم أن يعتذروا لأزواجهم عما بدر منهم، بل ويطلبوا العفو، ولا يتكبروا ابداً، لأن طلب العفو والاعتذار ذاك يعتبر بمثابة بناءً للنفس، وتعلّم للصبر، فالبيت يجب أن يكون مدرسة، وأفضل من المدارس، وأحسن الكتب الأخلاقية، وأسمى معلّمي الاخلاق للرجل وامرأته، وبالخصوص للنساء، وإذا ما رأت المرأة زوجها غاضباً، ثم هدأت سورة غضبه ولم يعتذر فلتبادر هي بالاعتذار، ولا تركبها سورات القهر والانفعال والغضب، لأن ذلك ليس من الافتخار في شيء، بل من عمل الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس كي يجعل من البيوت ناراً يتدفأ عليها، ولا تنسوا بأن الخصام والغضب يجرّ الإنسان إلى جهنم جراًّ وأن التبسم والتعقل يجرّه إلى جنة الله الواسعة ورحمته التي وسعت كل شيء.

فمن رأى من صاحبه عدم اعتذار فلا بأس أن يتقدم هو للاعتذار، ولو لم يكن مقصراً، فإن فعل ذلك خجل صاحبه منه وعلم بأنه المقصّر، وهذا من العقل والرحمة واللطف.

فمن رام حياةً سعيدةً في الدنيا والآخرة، فما عليه إلاَّ أن يكون عاقلاً حينما تلتهب نار الغضب والنزاع، وأن يركن إلى الأرض إن كان واقفاً، بالإضافة إلى محاولة مس صاحبه، لأنه يقال إن مسّ الطرف المقابل يُطفئ نار الغضب بسرعة عجيبة.

هذا، ناهيك عن السعي الحثيث جهد الإمكان أن لا تحدث خلافات أو نزاعات في البيت ولو لساعة واحدة، لأن ذلك سيؤثر مستقبلاً على العلاقات الاجتماعية في البيت الأسري مما قد يجّر إلى مضاعفات غير حسنة.

فالرجل يجب عليه أن يُظهر رجولته ويتجاوز باعتباره رب الأسرة، والمرأة عليها أن تتواضع أمام زوجها وتكون مصداقاً للآية التي تقول:

(فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله) (النساء/34).

إن الزوجة الصالحة تمتلك صفتين الاغنى عنهما، الأولى: التواضع لزوجها ولو كان مقصراً، والثانية: العفّة في الخلوة والحضور.

فالزوجة العفيفة لا ينبغي لها أن تكون محجّبة أمام زوجها، وسافرة متبرّجة في غيابه، والجدير بالذكر أنها يجب أن تلتزم بحجابها حتى أمام أخوة أزواجها وأقاربه كونهم يعتبرون أجانبَ إذا ما حكّمنا الشرع في ذلك، ناهيك عن التزامها في الشارع وفي المدرسة، وفي البيت كيما يرضى الله عنها، وكيما تكون قدوة لباقي النساء اللائي لم يتعرّفن بعد على الدين.

قد يكون الاختلاف في بعض الأحيان طبيعياً، فالرجل يريد أمراً، وزوجته تبغي آخر، عندها يقع الاختلاف، لكننا نجد في بعض الأحيان أن الرجل وامرأته وصلا إلى حالة من النضوج والرزانة بحيث يحاول كلّ منهما نبذ الاختلاف أصلاً، وهذا شيء حسن ويتوافق مع المقررات الإسلامية السامية.

أما تلك المرأة التي لا تسكت حينما ترى زوجها غضبان أسفاً، لا تعدو أن تكون من الصابّين الزيت على النار، وفي حقيقة الأمر أنها تصب الزيت على نار جهنم التي ستلتهمها يوماً ما:

(يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم/6).

لقد حثّ القرآن الكريم على تفادي الاختلافات والنزاعات في البيت، وفي غيره، لكنه أكّد على نبذها في البيت بشكل أعمق، لأن تلك النزاعات تسقط هيبة الرجل أمام زوجته وتسقط هيبة المرأة أمام زوجها، عندها تنفلت عرى المحبة والود والألفة ويضحى الزوجان كرجل وامرأة غريبين عن بعضهما البعض، فلا يعتمد أحدهما الآخر حتى في أبسط المسائل وهذا ما لا يرضاه الشرع المقدس.

إذا بلغ الحال بالزوجين إلى هذه المرحلة بدا الضجر والملل عليهما عندها لا يتمكنان من تقديم أبناءٍ نشيطين فاعلين عاملين للمجتمع، لذا ينبغي بكم أن تحذروا بلوغ هذه المرحلة الخطيرة؛ وعلى حد قول العامة: " اليد المنكسرة يمكن أن تقدم عملاً، لكن القلب المنكسر لا يقوى على ذلك ".

يقول الإمام الهمام موسى بن جعفر الكاظم (ع):

" إيّاك والضجر والكسل فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة "[1].

فالرجل الذي بدى عليه الخمول والضجر لا يعدو أن يكون إلاَّ عضواً زائداً في المجتمع لا نفع فيه، والمرأة التي انكسر قلبها لا يتأتى لها مداراة زوجها، ولا يمكن لها القيام بالأعمال المنزلية، وتربية الأولاد:

(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (الأنفال/ 46).

وهذه الآية تنطبق أيضاً على جميع المسلمين في الكرة الأرضية، فلو اجتمع المسلون على كلمةٍ واحدة، والتزموا بها قولاً وفعلاً لدانت لهم جميع الحكومات والشعوب الغربية والشرقية، ولكن إذا تنكّروا للاجتماع على كلمةٍ سواءٍ بينهم تدنّت هيبتهم وتسافلت، ونظرت إليهم الأمم على أنهم خدم يجب استغلالهم إلى أقصى الحدود.

فالرجل اللعّان لا ينبغي له أن يتصور بأنه بلعنه ذاك سيلحق الضرر بزوجته أكثر ما يلحقه بشخصيته التي ستخدش بل ستتهاوى من جرّاء ذلك اللعن أو السبّ، أو التعرّض لبذيء الكلام.

أما الزوجة التي لا تتمكن من قلب زوجها ولا يسعها من التمكن أطلب منها مراجعة الأحاديث التي تواترت علينا من الرسول الأكرم (ص) وأئمة أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم، لتتعرف على كيفية الحظوة بقلب الزوج، ويمكن أيضاً أن تسأل النساء الخيّرات الصالحات ليرشدنها إلى الطريقة المثلى في كسب قلب زوجها بصورة سلميّة.

إن إحدى المسائل التي تسهم في انقباض الرجل عن زوجته: النزاع والخلاف وعدم الائتمار بأوامره ـ هذا إذا كانت تلك الأوامر مطابقة للشرع الإسلامي الحنيف ـ وعدم السكوت عليه في حالة غضبه، وعدم التودد إليه والتحبّب، وقد حثّ القرآن الكريم على نبذ الفرقة والخلاف؛ والاعتصام بحبل الله المتين الذي هو إحدى نعم الله تعالى على هذا البشر.

لقد عدّ القرآن المجيد النزاعات والخلافات من المسائل الخطيرة، والخطيرة جداً في حياة البشر إلى درجةٍ صوّرها لنا كالوادي الذي تلتهب فيه النيران، وقد جلس عليها المتنازعون والمختلفون، فلو قفز أحد المتنازعين في ذلك الوادي الممتلئ ناراً لأصبح في عداد ألسنة اللهب المتطايرة منه.

وبعبارة أخرى لو جلس أحدهم على صخرةٍ تطلّ على وادٍ سحيق، وكان أسفل الصخرة خالياً أو مجوفاً، فما إن يتحرك قليلاً حتى يرى نفسه في قعر ذلك الوادي، وهذا هو تصوير الاختلاف والنزاع في القرآن الكريم:

(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها، كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلّكم تهتدون) (آل عمران/ 103).

قال في بداية الأمر اعتصموا بحبل الله جميعاً، توحّدوا، وكونوا إخواناً فيما بينكم، بعد ذلك قال: واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته ـ نعمة الاتحاد والأخوة والإلفة  ـ إخواناً.

ألا تذكرون حينما كنتم على شفا حفرة من النار ـ النزاعات والخلافات التي كانت سائدة بينكم ـ فأنقدكم منها ـ ووجدتم النجاة من خلال النعمة الإلهية ـ كذلك يبين الله لكم آياته ـ لعلكم تردعون عن تلك الخلافات ـ لعلكم تهتدون.

نرجع ثانية إلى بحثنا الذي يدور حول البيت المتآلف، والذي يعلوه الحب والودّ والانسجام فنقول: ينبغي بالمرأة وزوجها أن يشكروا الله كثيراً على هكذا نعمة، وأن يطلبوا منه أن يديم عليهم المحبّة والألفة، وهذا يحتاج إلى بذل نفسي خاص ومدروس إذ يجب على المرأة الطالبة لديمومة هذه النعمة أن تلتزم بأوامر الله عليها، وبحق زوجها عليها والذي ألزمها الله به، وكذا الأمر بالنسبة للزوج، إذ يجب عليه ـ إذا كان راغباً في حياة سعيدة ومثمرة ـ أن يلتزم بالأخلاق الفاضلة، والصبر الجميل، وبالمجاملات الحسنة كيما يفوز برضا الله ورضا زوجه التي تعاشره وتسكن إليه.

وحسب قانون تجسّم العمل تكون الزوجة السيئة الخلق! والزوج المتنازع مع زوجته لأتفه الأسباب، جالسين على شفا حفرةٍ من النار، فهل تعلمون متى سيصيران إليها؟ أجل، بمجرد أن يفارقا الحياة.

لقد سقط أحدهم من أعلى بناء مسكنه فمات من ساعته، فرآه بعضهم في المنام وسأله عن أحواله، قال: لم أر منكرا ولا نكيراً، ولم أشعر بضغطة القبر، بل كان سقوطي من أعلى البناء مباشرة إلى جهنم!.

أيها السيد! أيتها السيدة! إن هذه الدنيا ستمرّ على الجميع وستزول، ولكن هناك شيئين لن يزولا أبداً، أولهما التضحية والإيثار، وثانيهما نعمة الجنة، وعذاب جهنم الأليم.

فمن التزم بالتضحية والإيثار جعل الله له نوراً يتميز به عن غيره في صفوف الحشر الرهيبة، وهذا باقٍ له في عالم الخلود.

لقد أصبحت النزاعات بيننا لا تقتصر على الجهلة والأميين، بل تجاوزتهم إلى المثقفين والتجار والكسبة والطلاب، بل قد نرى في بعض الأحيان أن المثقف الفلاني يتنازع ويتخاصم أكثر من ذلك الذي يُنعت بالامية، ونرى الدكتور الحاصل على أعلى الشهادات جيد الأخلاق خارج منزله، لكن زوجته التي تنتظر قدومه طول النهار وتسعى ما أمكنها لإسعاده تئن من سوء أخلاقه في البيت؛ ونرى السيدة المثقفة المتمدّنة تنسجم وتتناغم مع الكثير من السيدات في مجال عملها، وفي محل سكنها، لكن لو تأتى لكم فتح قلب زوجها لشاهدتم ما يعاني ذلك القلب من تلك المثقفة، حتى لنسمع صوت ذلك القلب يقول: خلصوني من ذلك العفريت الذي اسمه " شريكة حياتي ".

لذا ينبغي لكم ولنا الاتعاظ بتلك الأمثال، واعلموا بأن علماء النفس يقولون إن ما يحدث في المجتمع يمكن أن يعتبر مرآة لأفكار المجتمع، وما يقولون حقٌ، عليه أنقل لكم هنا أحد الأمثال العامة التي سمعناها من أفراد هذا المجتمع.

يقال إن أحد السادة طلع المنبر ليقول: من كان غير راضٍ عن زوجته فليقف، فوقف الجميع باستثناء رجل واحد ظلَ جالساً في مكانه، عندها صاح الذي على المنبر من شدة فرحته: الحمد لله وجدنا من هو راضٍ عن زوجته، ولكن لم تمضِ إلاَّ لحظة حتى صاح الجالس: كلا، أيها السيد! إن امرأتي كسرت إحدى قدميّ لذا لم أتمكن من القيام.

وضعنا الحالي أيها السادة يشبه ذلك الوضع بالضبط، لذا لا يمكن أن نجد رجلاً راضياً 100% عن زوجته، وفي المقابل لا نجد امرأة راضية 100% عن زوجها.

إن بعض الروايات تقول: إذا كانت الخلافات تحدث بين اثنين من المسلمين فمن الأولى أن تحدث بين الرجل وزوجته كونهما يعيشان تحت سقف واحد، لذا ينبغي ومنذ اليوم الأول أن يتصالحا، ولا بأس أن تعتذر المرأة لزوجها ولو كان مقصراً، وقد ذكرت الروايات المتواترة بأن المرأة يجب أن تذهب في اليوم الأول إلى زوجها لتعتذر منه، وإلاّ كان ذلك في اليوم التالي، فإن توانت في ذلك ذهب هو إليها كي لا يبقى في القلب ما يجرّ إلى الحقد والضغينة، هذا حتى إذا كان في الأمر خطأ أو تجريح.

أما إذا لم تذهب المرأة في اليوم الأول، ولا الثاني، ولا الثالث، لم يتنازل الرجل شيئاً قليلاً فسيبدأ الحقد بمدّ جذوره إلى أعماق قلبيهما، وتضحى القضية أعمق من تلك المشكلة التي بدأت بأقل من ذلك.

نقل المرحوم الكليني أكثر من عشر روايات بصدد هذا الموضوع عن الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)، ونقل العلامة المجلسي رضوان الله عليه أكثر من ثلاثين رواية تهتم بهذا الموضوع كلّها تتعرض إلى مسألة واحدة، وهي أن الأئمة الأطهار من آل الرسول الأكرم (ص) يقولون بخروج المتخاصمين من ربقة الإسلام إذا مضى عليهما أكثر من عشر ليالي بدون صلح.

إذا كنا لا نهتم بما يحدث لنا في هذه الدنيا، ولا نهتم بما سيؤول إليه أولادنا، ينبغي لنا الاهتمام والتفكير بهذه الروايات، التفكير بديننا بإسلامنا، وإذا ما فكرنا بذلك وجب علينا أن نبتعد عن تلك الاختلافات والنزاعات والصراعات، لماذا هذه الاختلافات الكثيرة بيننا؟.

أيها السيد! إذا كنت ترى من الصعب عليك بذل ما لديك من أموال على أسرتك، فما هو ذنب تلك المرأة المسكينة التي هي في منزلك تعمل صباحَ مساءَ من أجل سعادتك؟.

أيتها السيدة! إذا كان كان زوجك لا يستطيع توفير ما تريدين من حوائج ولوازم، فلم الخلاف والنزاع؟ ولم الغضب؟ ولو اتفق أن تكوني مكانه، وبهذا الراتب فهل يمكن توفير كلّ ذلك الذهب الذي تريدين؟ وهل يتأتى توفير كل تلك الملابس والثياب؟.

فإذا لم يكن زوجك قادراً على ذلك، لماذا النزاع والجدال والغضب؟ لماذا تصرخين وتولولين هنا وهناك؟ وإذا ما أردتم تجهيز ابنتكما لتذهب إلى بيت الزوجية فما عليكما إلاّ أن تجلسا وتتشاورا بكل هدوء, وبكل تسلّط، بعيداً عن الغضب والانقباض، وبعيداً عن تهيئة لوازم تقترضان ثمنها من هذا وذاك لترتيب أوضاع غير مباركة، وأقول غير مباركة باعتبار أن الاقتراض مع إمكانية ترتيب أوضاع بدونه غير صحيح.



[1]  بحار الأنوار/ ج78، ص 321.