.

:الموضوع

موانع الزواج

1 ـ التحججات

2 ـ الروتين الممقوت

 

موانع الزواج

إن بحثنا في هذا الفصل يدور حول موانع الزواج في هذه الأيام، والتي تشبه إلى حدّ ما السدود الترابية التي تستعمل في جبهات القتال لعرقلة تحركات العدو.

إن الموانع التي نراها في دنيا اليوم هي صنيعة أيدينا، ولذا أن نتحدث في هذا الموضوع الحساس بشكل مكثف، ولا ندري بعد ذلك، هل نتمكن من رفع تلك الموانع من خلال حديثٍ واحد، أم يستوجب هذا الأمر عدّة أحاديث؟ لأن هذه المجالس يصعب التحدث بها في هكذا مواضيع.

وبالرغم من ذلك، فأنا على يقين بأن حديثنا هذا لن يكون بدون نتيجة مهما كانت هذه النتيجة، ومهما كانت تأثيراتها.

التحججات

إن التحجج يعتبر أول وأهم مانع أو سدٍ في طريق الزواج، وهو ما نراه متفاقماً يوماً بعد يوم، التحجّج من طرف الفتاة أو من طرف الفتى أو من طرف الآباء والأمهات قد يجرّ في بعض الأحيان إلى بلوغ الفتاة " 30 " سنة بدون زواج، وإلى بلوغ الفتى " 40 " سنة عازباً، وعندما يسأل ذلك الرجل عن عدم زواجه حتى بلغ ما بلغ من العمر، يجيب قائلاً: لم أجد زوجة مناسبة لي! أو لم أجد زوجة جيدة! وكذا بالنسبة للفتيات العوانس.

إن القضية الأساس التي يجب أن نلتفت إليها جميعاً هي: لا معنى لعدم قبول الفتاة لأحد المتقدمين لها من الفتيان مع أنها مقتنعة100% منه، ولا معنى لعدم زواج الفتى من فتاة تعجبه100%.

إن الطبيعي في الأمر هو أن الإنسان العاقل إذا وجد نفسه يمكن أن ينسجم مع الطرف المقابل 50% أخلاقياً وذوقياً لا بأس به أن يقدم على الزواج، وإذا زدنا في هذه النسبة إلى 70% فذلك خير على خير، وإن تلك الزوجة التي تتلائم70% مع زوجها تعتبر زوجةً جيدةً جداً وإن ذلك الزوج يعبر هو الآخر جيداً جداً.

إن الحجج والتبجحات التي يستخدمها المتدينون شيء، وتلك التي يستخدمها غير المتدينين شيء آخر، فترى أحدهم يطالب الخاطب بدار مستقلة في الوقت الذي لا يمتلك المتقدم ذلك، وترى الآخر يريد فتاةً جميلة 100% ولا نقص فيها بالمرة، ولا يوجد هكذا شيء، وبعضهم يبحث عن الأنساب العالية والرفيعة في الوقت الذي يكون هو من بين الأنساب الضحلة، وعندما يسعى لهذا الأمر حثيثاً تراه يحاول الانتقاء بشكل يبعث على الدهشة، حيث يلحّ في مسألة الأنساب الرفيعة أكثر من الطبيعي مما يوجب عدم زواجه.

وقد نرى في أحيان أخرى عدم رضا أم الفتى عن التقدّم لخطبة فتاة تضع نظارة على عينيها، وقد ترفض أم إحدى الفتيات شاباً قصير القامة أو آخر لا يمتلك سيّارة.

إن هذه المسائل في حقيقة الأمر تدخل كلها ضمن دائرة التحجّج، ولا تمتّ بصلة إلى القضايا العقلية، أو القضايا التي يرتضيها العقلاء.

قد يكون في مجتمعاتنا هذه بعض الفتيات من اللاتي تقدم لهنّ أكثر من عشرين فتى، لكنهن رفضن القبول بسبب بعض المسائل الجزئية، أو التافهة؛ وقد نشاهد شاباً سعى للزواج حثيثاً لمدة "3" أو "4" سنوات لكنه لم يحظ بما يريد أو يرغب، بالرغم من أن له أبنة عمّ، وابنة خالة، وأن لجيرانه عدة فتيات بلغن سنّ الزواج، لكنه يشكل على كلّ تلك الفتيات، فهو يعيب على هذه جمالها، وعلى تلك طولها، وعلى أخرى أنفها وما إلى ذلك.

والجدير بالذكر أنه يتزوج في نهاية المطاف فتاة سيئةً، أو دميمةً بالرغم من معايبه الكثيرة التي كان يلقيها على هذه تلك.

إن الرسول الأكرم (ص) تحدّث كثيراً عن مسألة تزويج البنات في حضور العامة والخاصة ليلفت أنظار المجتمع الإسلامي إلى خطورة بقاء البنات بدون زواج بكّر،وقد جاء عن الإمام الرضا علي بن موسى (ع) رواية تتعرض لهذا الأمر حيث قال:

" نزل جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن ربك يقرئُك السلام ويقول: إن الأبكار من النساء بمنزلة الثّمر على الشجر، فإذا إينع الثمر فلا دواء له إلا اجتنائه، وإلاّ أفسدته الشمس، وغيّرته الريح، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلا البعول، وإلا لم يؤمن عليهم الفتنة، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فجمع الناس ثم أعلمهم ما أمر الله عز وجل به.. "[1].

وقال رسول الله (ص) بصدد تزويج الفتيان مبكراً:

" أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه: يا ويله! عصم منّي دينه "[2].

لقد ضجّ بعضهم حينما كان رسول الله (ص) يتحدث في مسألة تزويج البنات فقام ليسأل الرسول (ص) قائلاً: لمن نزوّج فتياتنا؟ فقال (ص): الأكفاء؟ فقال: ومن هو الكفؤ يا رسول الله؟ فقال (ص):

" المؤمنون بعضهم أكفاء بعض "[3].

قال رسل الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب فزوّجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "[4].

وجاء في مكارم الأخلاق:

(جار رجل إلى الإمام الحسن بن علي (ع) يستشيره في تزويج ابنته! فقال: زوجها من رجل تقيّ، فإنَّه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها).

كم هي جميلة هذه الرواية التي نقلت لنا عن الإمام الحسن بن علي (ع) والتي تتنكر لجميع أشكال الحجج والأعذار، ولا أعرف أحداً لا يتحجج في هذا الزمان حينما تطلب منه يد ابنته، بالرغم من كثرة الروايات والأحاديث الذامّة لمن لا يزوج ابنته من رجل تقيّ.

لقد حدثت في زمان الرسول محمّد (ص) عدّة وقائع من زواج عجيب، لكي لا يبقى هناك للمسلمين من حجةٍ في ما يدّعون، ومن جملتها: زواج " جويبر " وزواج " زيد " و" المقداد ".

ولقد كانت تلك الحوادث والوقائع تتبنّىُ تزويج فتيات جميلات، ذوات حسب ونسب، من رجال ليس لهم من الدنيا إلاّ تقواهم وذلك حتى يتمكّن الرسول (ص) من إحياء قانون الأخلاق والدين في المجتمع.

قال رسول الله (ص):

" إنما زوجت مولاي زيد بن حارثة زينب بنت جحش، زوجت المقداد ضباعة بنت الزبير لتعلموا أن أكرمكم عند الله أحسنكم إسلاماً "[5].  

وقال أيضاً (ص):

" أنكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام "[6].  

إن هكذا إنكاح وتزويج يراد منه إفهام الناس بأن هذه الجميلة ذات الحسب والنسب والأخلاق الفاضلة لا يليق بها إلا الكفؤ، والكفؤ هو من تشرّف بشرف الإسلام، وأحسن إسلامه، فمن اقتنع بنسبة 70% بإحدى الفتيات لا ينبغي له أن يتحجج بشتى الطرق كي يفلتَ من هكذا زواج، ولا ينبغي له أن يستخر أيضاً، فالاستخارة لها أوقاتها، وأوقائها هي انعدام حالة التفكير، أو عندما لا تكون المشورة مؤثرة، أو عندما يقع الإنسان في إحدى حالات الإبهام أو الظلمة أو التشويش.

أما إذا كانت المسألة واضحة، وأن الذي جاء يخطب إليك ابنتك خلوق ومتدين ويتمكن من فتح بيت الزوجية، فلم الاستخارة؟ أو إذا رأيت فتاةً خيرةً متدينةً، خلوقةً، ملتزمةً تتمكن من مداراة الزوج فعلام الاستخارة؟.

إن أصل الاستخارة في الإسلام يحمل معنى غير المعاني المعمول بها هذه الأيام، ولذا أطلب منكم أن تعملوا بها، طبق الموازين الإسلامية.

وطريقة الاستخارة هي:

إذا أردت تأدية عمل ما عليكم بإقامة ركعتين لوجه الله تعالى، وأتبعها بعد ذلك بقول "أستخير الله برحمته" مائة مرّة، ثم باشر في أداء العمل وسيكون ذلك العمل مباركاً بإذن الله تعالى.

وهذا هو أصل الاستخارة في الإسلام.

إن الاستخارة التي أسندتها الروايات المتواترة الصحيحة والتي تحدّث عنها صاحب الجواهر رضوان الله تعالى عليه هي: طلب الخير من الله تعالى حين الشروع بعملٍ ما بفتح كتابه المبارك،هذا بالإضافة إلى الحالات التي يعجز فيها التفكير عن العمل، أو بعبارة أخرى الحالات المبهمة، والتي لا تنفع معها المشورة؛ عند ذلك يمكن أن يستخير المرء الباري تعالى بفتح كتابه فإن كانت الآية تنذر بالسوء فلا بأس من ترك القيام بذلك العمل.

وخلاصة القول: إن المانع الأول في أغلب حالات الزواج هو التحجج الذي يبرز من بعض الفتيات أو من بعض الفتيات أو من آبائهم وأمهاتهم؛ لذا أطلب من الجميع أن يتكلوا على الله تبارك وتعالى بدلاً من الاتكال على تلك الحجج والأعذار الواهية الي ما أنزل الله بها من سلطان، وليعلم الجميع أن المتوكلين على الله لا يمكن أن يخافوا أو يحزنوا في مثل هذه المواقف:

(إلا إنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (يونس/92).

نقل لنا البعض حكاية عن المرحوم كاشف الغطاء رضوان الله تعالى عليه، وكما تعلمون أنه كان أحد مراجع زمانه، حيث لم تشهد الحوزات العلمية رجلاً عالماً، شجاعاً، فاضلاً مثله، إلاّ ما ندر.

قال المرحوم كاشف الغطاء بعد انتهاء إحدى جلسات تدريسه مخاطباً طلابه: لي ابنة بلغت سن الرشد، وأروم تزويجها من رجل متدين خلوق، فإذا ما تقدم لها هكذا شخص زوّجته إياها، فقام أحد الفضلاء من مكانه ليجلس مرّة أخرى ـ عانياً بذلك أنه يتقدم لخطبتها ـ، وعندها قال له المرحوم كاشف الغطاء تعال إلى دارنا اليوم.

ذهب المرحوم كاشف الغطاء إلى منزله وتبعه ذلك الفاضل المتدين،وهو معروفٌ لدى المرحوم بشكل كامل، إذ كان يتمتع بأخلاق فاضلة، وعملية سامية. لكنه لم يكن يمتلك من الدنيا إلاّ رحمة ربّه.

دخل ذلك الشاب الفاضل منزل المرحوم الشيخ كاشف الغطاء، وفي حضوره قال منادياً ابنته: وجدتُ لك زوجاً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، ولكنه عالم متدين،وفاضل خلوق، فهل ترضين به زوجاً لك، فأجابت: الأمر أمرك يا أبه.

عندها عقد الشيخ لابنته على ذلك الشاب الفاضل ليدخلا إحدى غرف منزله بعد أن تهيأت البنت لتلك الليلة، وقبل أذان الصباح قام المرحوم كاشف الغطاء لتأدية صلاة الليل، وقبل أن يشرع بصلاته طرق باب العروسين ليقول لهما: سخنت لكما بعض الماء (ولم يكن في ذلك الزمان حمام داخل المنزل) وما عليكما إلاّ الذهاب إلى الغرفة الفلانية لتغتسلا من أجل إقامة صلاة الليل، فذهب الزوجان ليغتسلا ويقيما بعد ذلك صلاة الليل، ولكن هل انتهى إيثار وتضحية كاشف الغطاء إلى هذا الحدّ؟

(الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سيُلنا) (العنكبوت/69).

لقد كان صهر الشيخ كاشف الغطاء هو: الشيخ محمد تقي مسجد شاهي وهو من كتاب حاشية على " المعالم " حيث ما زالت تلك الحاشية تعد من الأصول الحيّة، بالرغم من انقضاء" 300 " أو "400" عاماً على كتابتها.

لقد تقدم هذا الصهر على كاشف الغطاء بعلمه، وكان جميع أولاده علماء ومجتهدين، ولم ينقطع العلم والاجتهاد عن منزله إلى يومنا هذا، حيث أضحى جميع أبنائه وأحفاده من المتدينين الملتزمين، ومن المعروفين في أصفهان بهذه الصبغة، حتى شاع صيته بين حكّام زمانه فأبدوا له الاحترام والتواضع والتبجيل.

وخلاصة القول: كان ذلك العرس جميلاً وطيِّباً فشاع طيبه إلى باقي الأجيال، إنه العرس الذي أراده القرآن الكريم، إنه العرس الإسلامي الحقيقي.

لقد كان نهج الرسول الأكرم (ص) بهذا الشكل، وكان نهج الأئمة الأطهار من أهل بيته بهذه الكيفية، وكذا كان نهج التابعين لهم بإحسان.

كان العلامة المجلسي معروفاً بمقامه العلمي الرفعي، بالإضافة إلى إمكانياته المادية التي جعلته يتمكن من الصفويين ويجعل من دورهم بلاطاً له، ولو لم يكن للعلامة المجلسي غير كتاب بحار الأنوار، لكفاه أن يقال فيه إنه من نوادر العلم التي قلّ نظيرها.

كان للعلامة المجلسي ابنة فاضلة ومجتهدة وذات جمال، ولم تكن تتجاوز حينئذٍ عشرين سنة، وكانت تعدّ من أسمى العوائل نسباً وحسباً، وبالرغم من كل ما تمتلك من صفات حميدة، زوّجها المجلس لأحد تلامذته، ممن لم يكونوا على مستوىً رفيع من العلم، ولكنه كان على أرفع مستوى من الأخلاق والتدين والالتزام، إنه الملا صالح المازندراني غير المعروف بين اخوانه وأقرانه وزمانه.

لقد زوّج العلامة المجلسي ابنته الفاضلة تلك إلى أخلاق هذا الرجل الصالح، وإلى دينه والتزامه، ويقال إن الملا صالح كان عليه أن يطالع في ليلة زفافه، ولكنّه تعثر في حل إحدى المسائل عندها تمكنت تلك الفتاة الشابة من حلّ مسألته بسهولة لأنها لم تكن فتاة عادية، بل كانت عاملة معلّمة.

إذن، لماذا وافق العلامة على تزويجها من ذلك الرجل الذي كان اقل منها مستوى في العلم؟ لأنه لم يكن من المتذرعين بالحجج الواهية، وأنه كان من المؤمنين بحديث رسول الله (ص):

" إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه وإن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "[7].

2 ـ الروتين الممقوت

المانع أو السدّ الثاني بوجه الزواج، وخصوصاً في هذا الزمان هو الروتين الممقوت الذي نراه يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ففي البداية كانوا يفرضون على الشاب تقديم قرآن من الدرجة الأولى، وبعد ذلك صار عليه أن يضيف إليه مرآة وقنديلين كهربائيين تنتخبهما أم الفتاة، ثم تفاقم الأمر إلى أبعد من ذلك ليصل إلى أن الفتى لو باع نفسه في السوق لما وفّى بمبالغ تلك المتطلبات، المشتملة على عدّة خواتم ذهبية واسورة ذهب من العيار الراقي، وقلادة الماس مطعمة بالذهب الخالص و.. و.. حتى بلغ الأمر بالبعض إلى أن يقول: أتوسل إليكم بإعفائي من هذا الزواج!.

ما الذي عدا مما بدا؟ وما الذي سيحدث لو رضيت العروس بتلك المرآة والقنديلين علاوة على نسخة من كتاب الله الكريم؟ وماذا سيحدث لو لم تكن تلك المرآة والقنديلان؟ ومن هو الذي يريد رؤيتهما في منزلك؟ ما المانع في أن تكون عدّة تلك الخواتم خاتماً واحداً؟ ويكون خاتم العريس عقيقاً؟ بدل الخاتم الذهبي الذي يهدى إليه من أهل البنت تيمناً بجارتهم التي أهدت لعريسها خاتماً ذهبياً؟.

إن الخاتم الذهبي الذي تهديه الأسرة إلى هذا العريس يُعدّ بمثابة أوّل سلّم في سوء الحظّ الذي يمكن أن يلاقيه في حياته الزوجية التي ابتدأت بمخالفة أحد القوانين الشرعية.

فالخاتم الذهبي لا يمكّن صاحبه من إقامة صلاة مقبولة، لأن الذي يتختم بالذهب تبطل صلاته، هذا بالإضافة إلى أن هذا التختم سيسجّل له معصية في سجلّ أعماله لأن الرجل لا يحقّ له التزيّن بالذهب.

الخاتم، الساعة، الأزرار، النظارات وكل ما يوجب التزين به إذا كان من ذهب حرم على الرجل!.

إن التختم بالعقيق أو بخاتم من فضة بالنسبة للعريس لن يسقط المساء على الأرض على حدّ قول العامّة، ولن يبعث بالأرض إلى حيث السماء، وكذا الامر بالنسبة للعروس التي لا تلبس قلادة من الماس أو بضعة خواتيم ذهب.

من هو الذي يتمكن من عبور هذا السد الثاني؟ تعالوا معنا لنُدمِّر هذا السدّ، ولا نقول هذا لبضغة أنفارٍ أو لمجموعةٍ معينة من الناس، لأن ذلك لن يحل شيئاً من هذه المعضلة، بل نقول هذه العبارة لكل المجتمع الذي نعيش فيه، نقول لهؤلاء الذين تمكنوا من قلب نظام الحكم الملكي إلى نظام حكم جمهوري، نقولها إلى كل الذين ساهموا في بناء هذا البلد الحرّ، علينا أن نوقف[8] هذه المرآة بقناديلها على الجميع، ونوقف الإتيان والذهاب بالذهب، ونوقف الملابس التي يمكن أن تستخدم لأغراض الأعراس: وبما أن مدينة قم تمتاز عن بقية المدن الآخرة بامتيازات كثيرة، لذا قررنا أن نقترح على أهلها أن يصمموا على إيقاف تلك اللوازم والحوائج.

ولا أرى مانعاً في ذلك، حيث لو تمّ هذا الأمر لسرى من " قم " إلى بقية المدن ليشمل في نهاية المطاف كل المجتمع الإسلامي.

جاء رجل إلى الإمام الباقر محمد بن عليّ (ع)، فسأله الإمام (ع): ألك زوجة؟ قال: كلا يا بن رسول الله، فقال (ع): لست مستعداً للمبيت ليلةً واحدة بدون امرأة، ثم قال: " إنّ ركعتين يصليهما رجل متزوج، أفضل من رجل يقوم ليله ويصوم نهاره أعزب "[9].

ثم أعطى الإمام (ع) سبعة دنانير للرجل وقال له: اذهب وتزوج.

إن ذلك الزواج الذي تمّ بسبعة دنانير ذهبية، لا يمكن أنْ يتمّ الآن إلاّ بسبعين من الدنانير الذهبية، والدينار هو سبعة مثاقيل، كل مثقال شرعي فيه يساوي" 17 " حمصة أو حبّة.

وقد يكون الأمر في زماننا هذا أكثر من سبعين ديناراً أضعافاً مضاعفةً، لذا ترى البعض يبيع منزله ليتمكن من إقامة حفلة العقد، وهذا ما لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون.

كان رسول الله (ص) جالساً مع أصحابه، فجاءت إحدى النساء وتحدثت من وراء حجاب قالت: يا رسول الله (ص)! زوّجني فالتفت الرسول (ص) إلى أصحابه وقال: من يريد منكم أن يتزوّج؟ فقام إليه أحدهم وقال: أنا يا رسول الله، قال (ص): ما لديك من مهر؟ قال: لا شيء إلاّ هذا الذي أرتدي: فقال الرسول (ص): هل تحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم أحفظ منه سورة الواقعة، عندها قال الرسول (ص) للمرأة: هل ترضين بسورة الواقعة مهراً لك؟ فأجابت بالقبول، وتمّ العقد.

إننا لا نقول بأنه من الواجب عليكم أن تفعلوا مثلما فعل ذلك الرجل وتلك المرأة في صدر الإسلام، ولكننا نقول لكم لا تصبحوا أُسارى هذه القيود العصرية، ولِمَ نضع أنفسنا في مواضع يشمّ منها رائحة العبودية؟ وهذا ما نراه واضحاً على الجميع من فضلاء وعلماء، وتجار وزرّاع وجميع من هم يعيشون في هذا المجتمع إلاّ ما رحم ربّي.

إن الغالبية العظمى تستخدم التحجيج والتعذر، واللجوء إلى الاستخارة بدون علل معقولة، والطريف في الأمر أن العريس إذا جلس للعقد عندنا تراه منشغل البال، سارح الفكر بعيداً عما حوله، لأنه يفكر في كيفية تسديد القروض التي استخدمها في شراء الذهب واللوازم الثمينة التي طُلبت منه، لا أعرف ما الذي سيحدث لو تم العرس دون ذهب؟ ولكن الذي أعرفه هو أن الفرد المدّعي بتسليمه لله تعالى لا ينبغي له أن يجري وراء هذه التوافه على هذا الحدّ.

ألا يعلم الجميع بأن الله تعالى يلطف بعباده المتساهلين؟ ألا تعلمون بأن الباري تعالى سيكافئ المنصفين أفضل مكافأة، هذا إذا كانت نيّتهم لله تعالى وحده، فلم التصعّب في هذه المسائل؟ ولم الإصرار على شراء الحاجيات الثمينة والسلع النادرة من أجل ذلك العرس؟

أيتها السيدة! إن الذهب ستجديه بعد الزواج إن شاء الله، وما عليك إلاَّ أن تبحثي الآن عن صهرٍ متدينٍ متقٍ يحبّ ابنتك، وعلى حدّ قول الإمام الحسن (ع): فنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

والطريف في الأمر أن البعض يقول: لا يمكن أن يكون العقد عقد فرح وسرور ما لم يأت العريس بثياب فاخرة لأم العروس ولأخت العروس ولأب العروس وهذا ما لا يطاق! أو قد تطلب والدة العريس أشياء ولوازم لها كي يتم الفرح والسرور، وبدون تلك الطلبات لا يمكن أن تكون فرحة مسرورة.

وأقول هنا: إذا لم تكن فرحة ومسرورة فلن تكون بهذه اللوازم الكمالية كذلك، ولو كانت تريد خير ابنتها لما فعلت ذلك، لأنها بفعلها ذاك تعقّد مسألة المهر والزواج وتزيد الطين بلّة.

وعليه فلا باس بأن يقتصر أبو العروس على شراء بدلة للعريس ولا يزيد في ذلك كيلا تضحى عادةً متداولةً، فقد يكون أبو العروس محتاجاً لخبز عشائه، ولشراء ما يسدّ جوعة أبنائه، فلم هذا الإحراج؟ ولم هذه القيود؟ اتقوا الله الذي بين ظهرانيكم وأنيبوا إليه يرحكم.

قد يتشبث البعض بأن الهدايا الكثيرة لأم العروس ولأخت العروس ولعمّ العروس تبعث على المحبة، ولكننا نقول له بأن هذه المسائل لا تبعث بالمرة على المحبة وعلى ما أظن أننا ضيّعنا المكان الذي يجب أن نقول فيه الدعاء.

يقول " مثنوي ": ذهب أحدهم إلى بيت الخلاء، وهنا شرع بقراءة أحد الأدعية التي يدعا بها في وقت الوضوء والمضمضة.

وعند الوضوء عاد ثانية إلى قراءة نفس الدعاء الذي كان يدعو به في بيت الخلاء بعد ذلك انتبه إلى حاله فقال:

أيها النفس لقد أصبحتِ في مأخذك للماء لكنك ضيعت مكان الدعاء.

وبناءً على ذلك إننا نظنّ بأن الذهب الكثير سيجلب لنا حبّ العروس! وإن الحب كله مقرون بإغراق العروس بالذهب! كلا إن المحبة لا يأتي بها إلاّ الإيمان والعمل الصالح والالتزام بما أنزل الله في كتابه الكريم:

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) (مريم/9).

فمن أحكم علائقه بالله تعالت أسماؤه تمكن من إصابة الهدف الذي يريد، وعندها يتمكن من حب الفتاة له، لأن الباري تعالى وعد الذين آمنوا من العاملين بأن يجعل لهم حباً ووداً ووئاماً في قلوب الناس، وقسماً بذات الله أنا على يقين بأنكم ـ أيها المؤكدون على الروتين الشائع ـ لا تجرؤون على القول بأن الله ورسوله وإمام زماننا راضون عن هكذا زيجات؟.

وإنكم لتدركون جيداً بأن عملكم هذا مخالف لشرعة الله الحقة، لذا ينبغي لنا جميعاً أن نساهم في كسر هذه القيود التي جعلت منا أُسارى لهذا الروتين الممقوت!.

 

 



[1]  وسائل الشيعة/ ج14، ص39.

[2]  كنز العمال/ ح44441.

[3]  وسائل الشيعة ج14، ص49.

[4]  مكارم الأخلاق/ ص204.

[5]  كنز العمال/ ح313.

[6]  بحار الأنوار/ ج103، ص266.

[7]   بحار الأنوار/ ج 103 ص373.

[8]  الإيقاف هنا نعني به: حبس مالٍ وصرف منفعته لجهةٍ معينة، ويجوز في الخيرات ابتداءً وانتهاءً.

[9]  وسائل الشيعة/ ج14،ص7.