.

:الموضوع

3 ـ المهور الثقيلة

 

 

3 ـ الروتين الممقوت

المانع أو السدّ الثاني بوجه الزواج، وخصوصاً في هذا الزمان هو الروتين الممقوت الذي نراه يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ففي البداية كانوا يفرضون على الشاب تقديم قرآن من الدرجة الأولى، وبعد ذلك صار عليه أن يضيف إليه مرآة وقنديلين كهربائيين تنتخبهما أم الفتاة، ثم تفاقم الأمر إلى أبعد من ذلك ليصل إلى أن الفتى لو باع نفسه في السوق لما وفّى بمبالغ تلك المتطلبات، المشتملة على عدّة خواتم ذهبية واسورة ذهب من العيار الراقي، وقلادة الماس مطعمة بالذهب الخالص و.. و.. حتى بلغ الأمر بالبعض إلى أن يقول: أتوسل إليكم بإعفائي من هذا الزواج!.

ما الذي عدا مما بدا؟ وما الذي سيحدث لو رضيت العروس بتلك المرآة والقنديلين علاوة على نسخة من كتاب الله الكريم؟ وماذا سيحدث لو لم تكن تلك المرآة والقنديلان؟ ومن هو الذي يريد رؤيتهما في منزلك؟ ما المانع في أن تكون عدّة تلك الخواتم خاتماً واحداً؟ ويكون خاتم العريس عقيقاً؟ بدل الخاتم الذهبي الذي يهدى إليه من أهل البنت تيمناً بجارتهم التي أهدت لعريسها خاتماً ذهبياً؟.

إن الخاتم الذهبي الذي تهديه الأسرة إلى هذا العريس يُعدّ بمثابة أوّل سلّم في سوء الحظّ الذي يمكن أن يلاقيه في حياته الزوجية التي ابتدأت بمخالفة أحد القوانين الشرعية.

فالخاتم الذهبي لا يمكّن صاحبه من إقامة صلاة مقبولة، لأن الذي يتختم بالذهب تبطل صلاته، هذا بالإضافة إلى أن هذا التختم سيسجّل له معصية في سجلّ أعماله لأن الرجل لا يحقّ له التزيّن بالذهب.

الخاتم، الساعة، الأزرار، النظارات وكل ما يوجب التزين به إذا كان من ذهب حرم على الرجل!.

إن التختم بالعقيق أو بخاتم من فضة بالنسبة للعريس لن يسقط المساء على الأرض على حدّ قول العامّة، ولن يبعث بالأرض إلى حيث السماء، وكذا الامر بالنسبة للعروس التي لا تلبس قلادة من الماس أو بضعة خواتيم ذهب.

من هو الذي يتمكن من عبور هذا السد الثاني؟ تعالوا معنا لنُدمِّر هذا السدّ، ولا نقول هذا لبضغة أنفارٍ أو لمجموعةٍ معينة من الناس، لأن ذلك لن يحل شيئاً من هذه المعضلة، بل نقول هذه العبارة لكل المجتمع الذي نعيش فيه، نقول لهؤلاء الذين تمكنوا من قلب نظام الحكم الملكي إلى نظام حكم جمهوري، نقولها إلى كل الذين ساهموا في بناء هذا البلد الحرّ، علينا أن نوقف[1] هذه المرآة بقناديلها على الجميع، ونوقف الإتيان والذهاب بالذهب، ونوقف الملابس التي يمكن أن تستخدم لأغراض الأعراس: وبما أن مدينة قم تمتاز عن بقية المدن الآخرة بامتيازات كثيرة، لذا قررنا أن نقترح على أهلها أن يصمموا على إيقاف تلك اللوازم والحوائج.

ولا أرى مانعاً في ذلك، حيث لو تمّ هذا الأمر لسرى من " قم " إلى بقية المدن ليشمل في نهاية المطاف كل المجتمع الإسلامي.

جاء رجل إلى الإمام الباقر محمد بن عليّ (ع)، فسأله الإمام (ع): ألك زوجة؟ قال: كلا يا بن رسول الله، فقال (ع): لست مستعداً للمبيت ليلةً واحدة بدون امرأة، ثم قال: " إنّ ركعتين يصليهما رجل متزوج، أفضل من رجل يقوم ليله ويصوم نهاره أعزب "[2].

ثم أعطى الإمام (ع) سبعة دنانير للرجل وقال له: اذهب وتزوج.

إن ذلك الزواج الذي تمّ بسبعة دنانير ذهبية، لا يمكن أنْ يتمّ الآن إلاّ بسبعين من الدنانير الذهبية، والدينار هو سبعة مثاقيل، كل مثقال شرعي فيه يساوي" 17 " حمصة أو حبّة.

وقد يكون الأمر في زماننا هذا أكثر من سبعين ديناراً أضعافاً مضاعفةً، لذا ترى البعض يبيع منزله ليتمكن من إقامة حفلة العقد، وهذا ما لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون.

كان رسول الله (ص) جالساً مع أصحابه، فجاءت إحدى النساء وتحدثت من وراء حجاب قالت: يا رسول الله (ص)! زوّجني فالتفت الرسول (ص) إلى أصحابه وقال: من يريد منكم أن يتزوّج؟ فقام إليه أحدهم وقال: أنا يا رسول الله، قال (ص): ما لديك من مهر؟ قال: لا شيء إلاّ هذا الذي أرتدي: فقال الرسول (ص): هل تحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم أحفظ منه سورة الواقعة، عندها قال الرسول (ص) للمرأة: هل ترضين بسورة الواقعة مهراً لك؟ فأجابت بالقبول، وتمّ العقد.

إننا لا نقول بأنه من الواجب عليكم أن تفعلوا مثلما فعل ذلك الرجل وتلك المرأة في صدر الإسلام، ولكننا نقول لكم لا تصبحوا أُسارى هذه القيود العصرية، ولِمَ نضع أنفسنا في مواضع يشمّ منها رائحة العبودية؟ وهذا ما نراه واضحاً على الجميع من فضلاء وعلماء، وتجار وزرّاع وجميع من هم يعيشون في هذا المجتمع إلاّ ما رحم ربّي.

إن الغالبية العظمى تستخدم التحجيج والتعذر، واللجوء إلى الاستخارة بدون علل معقولة، والطريف في الأمر أن العريس إذا جلس للعقد عندنا تراه منشغل البال، سارح الفكر بعيداً عما حوله، لأنه يفكر في كيفية تسديد القروض التي استخدمها في شراء الذهب واللوازم الثمينة التي طُلبت منه، لا أعرف ما الذي سيحدث لو تم العرس دون ذهب؟ ولكن الذي أعرفه هو أن الفرد المدّعي بتسليمه لله تعالى لا ينبغي له أن يجري وراء هذه التوافه على هذا الحدّ.

ألا يعلم الجميع بأن الله تعالى يلطف بعباده المتساهلين؟ ألا تعلمون بأن الباري تعالى سيكافئ المنصفين أفضل مكافأة، هذا إذا كانت نيّتهم لله تعالى وحده، فلم التصعّب في هذه المسائل؟ ولم الإصرار على شراء الحاجيات الثمينة والسلع النادرة من أجل ذلك العرس؟

أيتها السيدة! إن الذهب ستجديه بعد الزواج إن شاء الله، وما عليك إلاَّ أن تبحثي الآن عن صهرٍ متدينٍ متقٍ يحبّ ابنتك، وعلى حدّ قول الإمام الحسن (ع): فنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.

والطريف في الأمر أن البعض يقول: لا يمكن أن يكون العقد عقد فرح وسرور ما لم يأت العريس بثياب فاخرة لأم العروس ولأخت العروس ولأب العروس وهذا ما لا يطاق! أو قد تطلب والدة العريس أشياء ولوازم لها كي يتم الفرح والسرور، وبدون تلك الطلبات لا يمكن أن تكون فرحة مسرورة.

وأقول هنا: إذا لم تكن فرحة ومسرورة فلن تكون بهذه اللوازم الكمالية كذلك، ولو كانت تريد خير ابنتها لما فعلت ذلك، لأنها بفعلها ذاك تعقّد مسألة المهر والزواج وتزيد الطين بلّة.

وعليه فلا باس بأن يقتصر أبو العروس على شراء بدلة للعريس ولا يزيد في ذلك كيلا تضحى عادةً متداولةً، فقد يكون أبو العروس محتاجاً لخبز عشائه، ولشراء ما يسدّ جوعة أبنائه، فلم هذا الإحراج؟ ولم هذه القيود؟ اتقوا الله الذي بين ظهرانيكم وأنيبوا إليه يرحكم.

قد يتشبث البعض بأن الهدايا الكثيرة لأم العروس ولأخت العروس ولعمّ العروس تبعث على المحبة، ولكننا نقول له بأن هذه المسائل لا تبعث بالمرة على المحبة وعلى ما أظن أننا ضيّعنا المكان الذي يجب أن نقول فيه الدعاء.

يقول " مثنوي ": ذهب أحدهم إلى بيت الخلاء، وهنا شرع بقراءة أحد الأدعية التي يدعا بها في وقت الوضوء والمضمضة.

وعند الوضوء عاد ثانية إلى قراءة نفس الدعاء الذي كان يدعو به في بيت الخلاء بعد ذلك انتبه إلى حاله فقال:

أيها النفس لقد أصبحتِ في مأخذك للماء لكنك ضيعت مكان الدعاء.

وبناءً على ذلك إننا نظنّ بأن الذهب الكثير سيجلب لنا حبّ العروس! وإن الحب كله مقرون بإغراق العروس بالذهب! كلا إن المحبة لا يأتي بها إلاّ الإيمان والعمل الصالح والالتزام بما أنزل الله في كتابه الكريم:

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) (مريم/9).

فمن أحكم علائقه بالله تعالت أسماؤه تمكن من إصابة الهدف الذي يريد، وعندها يتمكن من حب الفتاة له، لأن الباري تعالى وعد الذين آمنوا من العاملين بأن يجعل لهم حباً ووداً ووئاماً في قلوب الناس، وقسماً بذات الله أنا على يقين بأنكم ـ أيها المؤكدون على الروتين الشائع ـ لا تجرؤون على القول بأن الله ورسوله وإمام زماننا راضون عن هكذا زيجات؟.

وإنكم لتدركون جيداً بأن عملكم هذا مخالف لشرعة الله الحقة، لذا ينبغي لنا جميعاً أن نساهم في كسر هذه القيود التي جعلت منا أُسارى لهذا الروتين الممقوت!.

 

3 ـ المهور الثقيلة

السد أو المانع الثالث والذي أضحى مصيبة في مجتمعاتنا المعاشة: هو المهر.

نسمع في بعض الأحيان بأن الأفراد الذين لا يرتبطون بدين، من الذين ليس لهم علاقة بالثورة الإسلامية يقولون بأن مهور فتياتهم تربو على المليون، والمليونين، والثلاثة ملايين، ولكن الحال الحاضر يقول أكثر من ذلك فقد سمعنا بأن المهور طغت عليها صبغة ثورية على أيامنا هذه، وإن بعض المتدينين قد وضع مهراً لابنته يتجاوز المائة وأربعة والعشرين ألف سكّة ذهب تيمناً بالمائة والأربعة وعشرين ألف نبي ورسول!! وهذا مما يجعل الشاب يهرب من الزواج بعيداً، وقد يضاف شيء آخر إلى ذلك وهذا ما سمعناه في مدينة قم المقدسة وهو "حق اللبن"، وهو من الأمور الخرافية البائسة! ومعنى حق اللبن هو: أن والدة الفتاة تطالب العريس بأجور ما سقته من لبن لابنتها التي ستضحى زوجةً لهذا العريس، وهذه الأجور لا تعطى للأم بل للأب، وحق اللبن هو إحدى الحيل التي يراد منها بيع البنت تحت هذا العنوان، وإن هذه الاموال التي تؤخذ من العريس تحت طائلة " حق اللبن " تحددها أم الفتاة.

إن الكثير من الفقهاء يشكلون على المهر، ويرجعون ذلك إلى نظر الشرع المقدس، أي لو اتفق أن يتقدم شخص لا يملك شيئاً فهل يمكن أن يقبل في ذمته مليوناً؟.

إن أغلب الفقهاء يقولون: إن الشخص الذي لا يمتلك شيئاً لن يتأتى له أن يقبل مليوناً في ذمته، ويقول بعض الفقهاء ومن جملتهم مرجع تقليدكم: إن الذمة واسعة، ومن لم يكن لديه مليون، لا يمكن أن يستحصل أحدٌ منه شيئاً، ولكنها ستبقى في ذمته.

قال رسول الله (ص) بصدد المهر:

" تياسروا في الصداق، فإن الرجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكه[3] "[4].

إن فلاناً من الناس يحاول ربط هذا الفتى بمهر ثقيل كي يبقي على ابنته، ولو كان الفتى غير منسجمٍ مع تلك الفتاة، غير محب لها بالرغم من أنه يصرف لها ما تريد من الأموال، وهذا ما تريده أنت أيضاً، ويسمح لها بالذهاب اينما شاءت، وهذا ما يوافق هواك أيضاً، لكنه لا يتعامل مع ابنتك مثلما يتعامل الزوجان المحبّان، فتراه على سبيل المثال غير مجامل لابنتك كونه لا يحبها، ولا ينسجم معها، فما العمل حينذاك؟ وما الذي تستطيع فعله كي تجعل هذا الرجل يحبّها؟ إنّه لا يضربها، ولا يشتمها، لكنه عبوس، لا يرغب بالتحدث إليها بالمرة.

وبمرور الأيام ستشعر البنت بأنها في زنزانة انفرادية، وما إن تمضي السنة حتى نسمع تلك البنت تقول: اخرجوني من هذه الدار، سأتنازل عن كل شيء في سبيل أن يطلقني، وإن صداقي حلال له مقابل حريتي التي سلبت.

لذا، أيها الآباء، ايتها الأمهات! إننا لا نوافق على تزويج فتياتكم بدون مهر، ولا نوافق أيضاً على تزويجهن بالملايين والمليارات، اجعلوا الأمر وسطاً فلا بأس من أن يكون المهر، نسخة من كتاب الله المجيد، وبضعة مسكوكات ذهبية بحيث لا تتجاوز الخمس، لا إفراط ولا تفريط.

قال أمير المؤمنين عليّ (ع):

(لا يرى الجاهلُ إلاَّ مفرِطاً أو مُفَرِّطاً)[5].

إن على المتقدم للخطبة أن يراعي شأن الفتاة، مثلما ينبغي للفتاة مراعاة شأن الفتى الخاطب، وما هو مقدار شأن الفتى أو شأن الفتاة؟.

إن الكثير من الأسر تساهم في توجيه ضربة روحية إلى الفتى والفتاة منذ الليلة الأولى التي جاء فيها الخاطب، لتصل في النهاية إلى كراهية ظاهرية ظانّين بأنهم يبيعون منزلاً فهذا يقول كم سعر هذه الدار، وآخر يقول إن الثمن عالٍ جداً ولا بأس ن تخفيضه قليلاً، ليصلوا في النهاية إلى تعيين القيمة الأصلية لتباع الدار، ويستلم المبلغ.

أما بالنسبة للخطوط، فالأمر على أيامنا هذه لا يختلف كثيراً عن وضعية بيع وشراء الدار يجلس أهل العروس في مواجهة أله العريس، فيسأل أهل العريس عن قيمة المهر؟ فيقال لهم: مليارد! فيجيبون: ما الذي حدث؟ خفضوا الثمن قليلاً!.

وقد تحتد لهجة الحديث في بعض الأحيان، لتبرز حالة من التجريح في البين الأسري، وقد تصل تلك الحالة إلى قمتها فتكسر أركان المحبة التي كان يحملها الفتى لتلك الفتاة، والمحبة كما تعلمون مثلها كمثل الزجاجة إذا كسرت صعب التئامها.

يتفق الجميع على الثمن، ويشرب العروسان عصير الفرح، ولكن يبقى شيء لا يمكن أن ينسى على مدى الدهر، ألا وهو عداوة أم العريس للعروس وأهلها، هذه العروس التي تسببت في أن يكون المهر بهذه الكيفية المضرة بابنها، وعندها لا يمكن أن تستقيم حياة تلك العروس ما دامت ترى أم عريسها المختلفة معها في كل شيء.



[1]  الإيقاف هنا نعني به: حبس مالٍ وصرف منفعته لجهةٍ معينة، ويجوز في الخيرات ابتداءً وانتهاءً.

[2]  وسائل الشيعة/ ج14،ص7.

[3]  الحسيكة: العداوة والحقد.

[4]  كنز العمال/ ح44731.

[5]  نهج البلاغة/ الحكمة رقم 67.