هل يمكن تغيير الأخلاق وتهذيبها؟
قد زعم قوم من القاصرين البطالين أنه لا يمكن تغيير الأخلاق وتهذيبها لأمرين:
أحدهما: إن الخلق صورة الباطن كما أن الخلق صورة الظاهر، وكما لا يمكن تغيير صورة الظاهر فكذا لا يمكن تغيير صورة الباطن.
وثانيهما: إن حسن الخلق إنما يحصل بقمع الغضب والشهوة وحب الدنيا وغيرها، وهذا أمر ممتنع والاشتغال به تضييع عمر بلا فائدة، فإن المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الحظوظ العاجلة، وهو محال.
ويقال لهؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثاً: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات الشرعية، ولما حث الشارع على تحسين الأخلاق وإنكار حصول هذا المعنى في حق الإنسان مع الاعتراف بوقوعه في البهائم ومشاهدة ذلك بالوجدان أمر غريب، فإنا نجد انتقال الصيد من التوحش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل من الصيد إلى التأدب، والفرس من الجماح إلى السلامة والانقياد. وكل ذلك تغيير للأخلاق.
وتحقيق الجواب: إن الموجودات منها ما لا مدخل للإنسان في تغييره وتبديله كما لا مدخل له في أصله، كالسماء والكواكب وأعضاء البدن ونحوهما مما وقع الفراغ من وجوده وكماله، ومنها ما وجد وجوداً ناقصاً ونيط به قوة قبول الكمال باختيار الإنسان وسعيه، كالنواة تكون نخلاً وتفاحاً، والأخلاق من قبيل القسم الثاني.
والجواب عن الثاني أن الإنسان غير مكلف بقلع قوة الغضب والشهوة بالكلية، كيف ولو قمعت شهوة الأكل والوقاع لهلك الإنسان وانقطع النسل ولو قمع الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ويهلك، بل المطلوب ردهما إلى الاعتدال والانقياد إلى العقل والشرع، كما تقدمت الإشارة إليه ويأتي تفصيله.
والأنبياء الذين هم سادات المجاهدين لم يخلوا من الغضب والشهوة، وقد مدح الله قوماً بقوله:(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) ولم يقل والفاقدين الغيظ، وذلك أمر ممكن، وكفى بالوجدان غنىً عن البيان.
من كتاب: الاخلاق للسید عبدالله شبر
![]()