العناد

إنّ العناد مشكلة تعاني منها أكثر الأمّهات... وهو مصدر تعب ونكد لهنّ... والأم تحرص دوماً على طاعة ولدها لها... ولذا تظل متحيّرة حيال رفضه لما تريد منه... ولا تدري كيف تتصرّف إزاء عناده.

ومع إنّ العناد ليس غريزة تولد مع الطفل كما تتصوّر بعض من الأمهات... بل هو مؤشّر على خلل في نفسيَّة الطفل نتيجة سوء التعامل مع غرائزه الفطرية النامية في المرحلة الأولى من عمره... فالطفل حين بلوغه السنتين تبرز استعداداته الفطرية التي تحتاج إلى رعاية واهتمام لبناء شخصيته المتزّنة... وأيّ خطأ أو انحراف عن الطريق الصحيح والسليم يجعله معانداً... فالعناد إشارة خطر تدل الوالدين على ضرورة تقويم وتعديل سلوكهم... ولذا حاء في الحديث الشريف:

(رحم الله من أعان ولده عل برِّه). (عدّة الداعي/ ص 61)

وحتى يتجنّب الوالدان حالة العناد عند أبنائهم... لا بدّ من الإشارة على كيفية التعامل الصحيح مع الطفل في المرحلة الأولى من حياته... وهي كما يلي:

التعامل الصحيح مع الأولاد (المرحلة الأولى من عمره):

1 ـ إشباع حاجته في الحبّ والحنان.

2 ـ الإهتمام بوجوده.

3 ـ تمتعه بالحرية الكافية.

إشباع حاجة الطفل إلى الحبّ والحنان

إنّ الطفل في المرحلة الأولى من عمره (من عمر 1 إلى 7 سنين) يحتاج إلى الحبّ والحنان لتنمية قدراته النفسية، كما يحتاج إلى الطعام والماء لتنمية قدراته الجسدية... وكل فرد يحتاج إلى قوة النفس لممارسة نشاطاته الحياتية، وتعتبر حجر الأساس في النجاح في الممارسات اليومية... فالطالب في المدرسة يحتاج إلى قوّة النفس مع المذاكرة لتحقيق النجاح، لأنّ المذاكرة مع ضعف النفس لا تنفع شيئاً... والمعلّم يحتاجها أيضاً، كذلك الطبيب وكذلك الزوجة والأم.

وتاريخنا الإسلامي يسجّل للأمة الإسلامية قوّتها وصلابتها في مواجهة قريش وعدتها وعددها بما أوتيت من ثقة بالنفس يحمله أفرادها إضافة الى أن باب خيبر. الذي يعجز الرجال الأشدّاء عن حمله استطاع الإمام علي(ع) بقوّة نفسه أن يحمله وليس بقوّته العضلية.

إنّ إشباع حاجة الطفل من الحبّ والحنان ضروري، لذا أكّدتها التربية الإسلامية في النصوص التالية:

عن النّبيّ(ص):

(أحبّوا الصبيان وأرحموهم). (بحار الأنوار/ ح104)

وقال الصادق(ع):

(إنّ الله ليرحم الرجل لشدّة حبّه لولده). (الافي/ ج2)

وعنه أيضاً(ع):

(برّ الرجل بولده برّه بوالديه). (من لا يحضره الفقيه/ ج2)

ولا يكفي أن نحمل الحبّ لأولادنا في قلوبنا، بل ينبغي من الوالدين إظهاره لهم من خلال السلوك مثل تقبيلهم.

جاء في الحديث الشريف عن علي(ع):

(من قبَّل ولده كان لهُ حسنة، ومن فرَّحه فرَّحهُ الله يوم القيامة). (بحار الانوار/ ج 104).

وجاء رجل إلى النّبيّ(ص) فقال: ما قبّلت صبيّاً قطّ، فلمّا ولىّ قال النّبيّ(ص):

(هذا رجل عندنا إنّه من أهل النار). (بحار الانوار/ ج 104).

وكذلك بادخال الفرح إلى قلوبهم من خلال حمل الهدايا لهم والتوسعة عليهم. قال النّبي(ص): من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّه من فرَّح ابنه فكأنّما أعتق رقبة من ولد إسماعيل.

(ليس منّا من وسّع عليه ثمّ قتر على عياله). (بحار الانوار/ ج 104).

 الإهتمام بوجود الطفل

إنّ الطفل بحاجة أيضاً في السبع سنوات الأولى من حياته إلى شعوره بأنّه يحتل في قلوب والديه مكاناً مهماً سواءً أكان ذكراً أو أنثى، ذكيّاً أو بليداً، جميلاً أو قبيحاً... وينبغى للوالدين الإنتباه إلى هذه الناحية، مثل الإصغاء إليه حين يتحدّث... وأخذ مشورته في القضايا العائدة إليه... واحترام رأيه حين يختار... ونحن نلحظ إنّ المربّي الإسلامي يوجّهنا إلى هذه المعاني... ففي قصّة إبراهيم الذي جاءه الأمر الإلهي في الذبح، ومع أن الأمر الإلهي لا يتغيّر ولا يتبدّل، لكنّ إبراهيم(ع) لا ينفّذه إلاّ بعد المشورة:

(يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك، فانظر ماذا ترى).

كذلك سيّدة النساء الزهراء(ع) تحرص على إسماع أبنائها دعاءها لهم في صلاة الليل مع استحباب اخفائها، والسبب واضح لتأكيد اهتمامها بهم وبأنّهم يحتلّون في قلبها مكاناً، الأمر الذي دعاهم إلى الإستغراب والتساؤل عن السبب في أن يكونوا في المرتبة الأخيرة في تعدادها للمؤمنين في ركعة الوتر، فتقول لهم(ع): (الجار ثمّ الدار).

إنّ من المؤسف أن نجد بعض الآباء لا يهتمون بوجود الأبناء فيتجاهلونهم في وجود الضيوف، فلا يقدّمون لهم الطعام ولا تعطى لهم فرصة في الحديث... الخ.

تمتّع الطفل بالحرية الكافية

لا بدّ أن يحصل الطفل على الحرية في المرحلة الأولى من حياته، فلا بدّ أن يجد المكان المناسب له في لعبه وحركته وترتيب لوازمه دون تدخّل الكبار... ولا بدّ أن يجد الحرية في الحركة دون تحذير... وأن لا يجد من يعيد ترتيب ممتلكاته بعد أن رتّبها بنفسه... وأن يجد الحرية في ارتداء ما يعجبه من الملابس واختيار ألوانها... فمادام هو السيد في هذه المرحلة وهو الأمير فلا بدّ أن يكون ترتيب البيت بشكل يتناسب مع حركته ووضعه كذلك يجدر بالوالدين التحلّى بالصبر للحصول على النتائج الحسنة.

كيف يكون التعامل خاطئاً؟

إنّ نفسية الصغير حين تصطدم بجملة من التصرّفات الخاطئة في تعامل الأبوين معه... يبرز العناد كوسيلة للدفاع عن شخصيته وإثبات هويته وذاته... ومن هنا يمكن تلخيص أبرز معالم التعامل:

 سوء تعامل الوالدين مع الطفل (المرحلة الأولى):

1 ـ التدخل في شؤونه.

2 ـ السخرية من قدراته.

3 ـ تثبيطه عن العمل.

4 ـ تحقيره.

التدخل في شؤون الطفل

إنّ الطفل في المرحلة الأولى من عمره قد لا يحسن إنجاز العمل بنفسه، مثل أن يرتدي ثيابه أو يتناول الطعام وحده أو يسير في الشارع دون أن يأخذ بيد أمّه أو غير ذلك من الأعمال... ويجدر بالأم أن تتركه وشأنه مع أعماله وتتدخل في الوقت الضروري فقط... حين تجده متحيّراً بإدخال يده مكان الرأس في الثوب الذي يرتديه أو تغيير الملعقة التي يعجز عن حملها وإيصالها لفمه، وهكذا في الأمور الأخرى.

السخرية من قدرات الطفل

إنّ قدرات الطفل في المرحلة الأولى من عمره ضعيفة ومحدودة ولكنّه يرغب في إنجاز بعض الأعمال الكبيرة لمثل عمره... وعلى الوالدين التصرّف بحكمة معه والحذر من السخرية من قدراته فيما لو أصرّ على فعل شيء، مثل محاولته حمل الصحون إلى مائدة الطعام أو إصلاح لعبته المكسورة أو إرتداء حذائه.

تثبيط الطفل عن العمل

يود الطفل أن يعتمد على نفسه في الأعمال التي يرغب في إنجازها، فيرفض ابتداءاً تدخل الكبار... وهنا نلحظ أن البعض من الأمّهات يثبطن أولادهن بقولهن للصغير مثلاً حين يحاول حمل الأطباق: إنك لازلت صغيراً لا تقدر على ذلك... أو تقول له: لا تحاول إصلاح لعبتك فلا يمكنك ذلك... وهكذا.

تحقير الطفل

إنّ تحقير الطفل فيما لو أخطأ أو رفض طاعة والديه من الامور الخطيرة التي سوف نأتي إليها بشيء من التفصيل في باب العقوبة... إنّ قول الوالدين للطفل: حيوان، جبان، كسلان.. أو إجباره على فعل شيء لتحقيره مثل ارتدائه الفوطة بعد أن تخلّص منها أو ضربه أمام الآخرين أو حبسه... تؤثّر على نفسيّته وتجعله معانداً... ولذا ينهي النبي(ص) المربية التي قرصت الحسين وهو رضيع في حضن جدّه(ص) لتبوله... مؤكّداً صلوات الله عليه بأنّ الثوب إذا تنجّس يطهّره الماء، ولكن النفس لا تعالج بهذه السهولة.

الطفل المعاند كيف نتعامل معه؟

بعد أن أصبح واضحاً كيف نتعامل مع الطفل حتى نقيه الأمراض النفسية مثل العناد وغيره... نأتي إلى الطفل الذي أصيب بهذا المرض نتيجة سوء التعامل معه... وهل له علاج؟

الطفل المعاند يحتاج إلى اسلوب خاص في تربيته يختلف تماماً عن الطفل السويّ... وهي كالتالي:

التعامل مع الطفل المعاند (المرحلة الأولى من عمره):

1 ـ (لا تفعل) تستبدل بـ (افعل).

2 ـ عدم ذكر عناده أمام الآخرين.

3 ـ يحتاج إلى المزيد من الحرية والإستقلال.

4 ـ إستخدام اسلوب المنافسة معه.

(لا تفعل) و(افعل)

كيف تتصرّف الأم مع طفل يمارس عملاً لا ترضاه؟

إنّ الطلب منه أن لا يفعل هذا... لا يجدي معه شيئاً ما دام معانداً، وسيرفض حتماً كل ما تريده منه... والأولى في مثل هذه الحالة أن تستبدل الأم كلمة لا تفعل بكلمة افعل حتى تخرجه من العناد باسلوب لطيف مثلاً.

حين تجد الأم طفلها يكتب على الحائط... فبدل أن تقول له لا تكتب على الحائط... تقول له: تعال وأرسم بهذه الأقلام الملوّنة على هذه الورقة... بشرط أن لا يظهر على وجه الأم أيّة علامة رفض لفعله، بل لا بدّ أن تتظاهر بعدم اهتمامها بما يقوم به من عبث وإن كان في قلبها مذعورة ممّا يصنع... كذلك حين تريد الأم المحافظة على حاجة ثمينة... فلا تقول له: لا تلعب بهذه الحاجة لأنها خاصة بي... إنّها في مثل هذه الحالة تغريه على العبث بها من دون أن تشعر.

ذكر عناد الطفل أمام الآخرين

إنّ ذكر مساوئ الطفل أمام الآخرين خطأ فادح تقوم به بعض الأمّهات في محاولة لتفريغ شحنات غضبهن وألمهن من عناد أطفالهن المؤذي... إنّ سماع الطفل لمثل هذه الأحاديث تزيد عقدة الحقارة عنده، الأمر الذي يزيده عناداً وحقداً لمن حوله... ولذا تجد الأم طفلها أكثر إصراراً وعبثاً وعناداً بعد سماعه ذكر تصرّفاته السّيئة للآخرين.

حاجة المعاند إلى مزيد من الإستقلالية والحرية

إنّ الطفل الذي يفتقد إلى الحرية في المرحلة الأولى من طفولته يكون كالنبات الفاقد للهواء النقي فينمو ضعيفاً مصفرّاً لا يعجب الناظرين... والأجدر بالوالدين أن يتحلّوا بالصبر أمام عبث الطفل المعاند وطريقة أكله ولعبه ومشيه ما عدا إيذائه الآخرين... إنّ التصرّفات غير المرضية في حركته وسلوكه، نتيجة طبيعية لفقدانه الحرية الكافية لنموّ غرائزه في جوٍّ سليم... لذا يكون علاجه بالسكوت عن سلوكه وعدم التحذير والتدخّل في شؤونه ريثما يرجع إلى الوضع الطبيعي...

وإنّ الإصرار عليه في تغيير سلوكه يزيد الطين بلّه، لأنّ الإصرار يعني سلب حريته في الحركة، لذا يزيده عناداً بشكل لا ينفع معه بعدئذٍ أي علاج.

استخدام المنافسه

إنّ الطلب من الطفل المعاند في مرحلة الطفولة الأولى في أن يعمل كذا أو كذا، يواجه عادة بالرفض وعدم الإستجابة... وحتى نحمل الطفل على انجاز بعض الأعمال الضرورية ينبغي استخدام اسلوب المنافسة... فمثلاً إن أرادت الأم من صغيرها أن يسرع في مشيه معها في الشارع، وطلبها منه ذلك لا معنى له مادام معانداً... والأولى أن تقول له: لنرى من يصل إلى البيت أوّلاً أنت أم أنا.

وحين تريد الإسراع في تناوله للطعام تقول:

لنرى من الفائز الأول في الإنتهاء من إفراغ الصحن من الطعام.