هل تجب المساواة بين الأبناء؟

كيف نعالج الغيرة عند الأبناء؟

لا تقولي له لا تفعل مثل الصغار

الشجار بين الأخوة

التعلُّم والإرشاد

تعليم الطفل دون غضب وتوتّر

المرور بالحوادث بوعي

أثر القصص الهدّامة

هل يستعمل طفلك الكلمات البذيئة؟

 سؤال

ان بيتي حجيم لا يطاق نتيجة شجار الاولاد فيما بينهم.. واتساءل هل كل البيوت مثل بيتنا.. أم السبب في كثرة الأولاد.. هل من علاج؟

هل تعلم ان الغيرة احد أهم اسباب الشجار بين الأخوة؟

تتصور اكثر الامهات ان الغيرة تختفي من حياة الأبناء في الكبر وهو خطأ بل تختفي مظاهرها الطفولية فقط لتأخذ لها مظاهر أخرى.

هل ان النبي يعقوب(ع) هو السبب وراء حقد ابنائه على يوسف.

لا يصح أن تقولي لطفلك إن هذه هدية لك من أخيك الوليد.

الغيرة

إنّ كثرة الأولاد ليست سبباً في شجار الإخوة فيما بينهم كما تتصوّر بعض الأمّهات الكريمات... بل الغيرة أحد أهم أسباب العراك بين أفراد الأسرة... والغيرة من الأمراض التي تدخل بيوتنا بدون إذن وتسلب راحتنا... ولذا ينبغي الحرص على سلامة صحة الطفل النفسية في السبع سنوات الأولى من عمره أكثر من الإهتمام بصحّته الجسدية... وكثير من الأمراض الجسدية التي تصيب الطفل في هذه المرحلة تكون نتيجة لسوء صحّته النفسية... والغيرة من الأمراض النفسية الخطيرة التي تصيب الطفل في المرحلة والأولى من حياته نسبة إلى غيرها من الأمراض، كالكذب والسرقة وعدم الثقة بالنفس... فالغيرة تسلب قدرة الطفل وفعاليته وحيويته كالسرطان للجسد.

ويمكن للوالدين تشخيص المرض عند أطفالهم من معرفة مظاهره ودلائله... فكما إنّ الحمّى دليل إلتهاب في الجسم... كذلك للغيرة علائم بوجودها نستدلّ عليها... ومن هذه الظواهر:

مظاهر الغيرة في الطفل (المرحلة الأولى):

1 ـ الشجار بين الاخوة.

2 ـ البكاء لأتفه الأسباب.

3 ـ الإنزواء وترك الإختلاط.

4 ـ العبث في حاجات البيت.

إنّ الشجار بين الإخوة من أبرز معالم مرض الغيرة... وكذلك بكاء الصغير لأتفه الأسباب، فقد نجده في بعض الاحيان يبكي ويعلو صراخه لمجرّد استيقاظه من النوم، أو لعدم تلبية طلبه بالسرعة الممكنة، أو لسقوطه على الأرض... أمّا العبث في حاجات المنزل فهو مظهر آخر للغيرة التي تحرق قلبه وبالخصوص حين ولادة طفل جديد في الأسرة... أمّا الإنزواء وترك مخالطة الآخرين فهو أخطر مرحلة يصل إليها المريض في وقت يتصوّر فيه الوالدان أنّه يلعب ويلهو ولا يودّ الإختلاط مع أقرانه، وإنّ له هواية معيّنة تدفعه إلى عدم اللعب معهم، أو إنّه هادئ ووديع يجلس طوال الوقت جنب والديه في زيارتهم للآخرين... ولا يعلم الوالدان أنّ الغيرة حين تصل إلى الحدّ الأعلى تقضي على مرحه وحيويته تاركاً الإختلاط مع الآخرين ومنطوياً على نفسه.

إن الغيرة وأي مرض نفسي أو جسدي لا بد أن يأتي عارضاً على سلامتنا، ولا يمكن أن يكون فطرياً... فالسلامة هي أصل للخلقة وهي من الرحمن التي ألزم الله بها نفسه عزّ وعلا:

(كتب ربّكم على نفسه الرحمة). (سورة الأنعام/ الآية54)

والغيرة تبدو واضحة للوالدين في الطفل في مرحلته الأولى... وتختفي مظاهرها (فقط) بعد السابعة، حيث يتصّور الوالدان أن طفلهما أصبح كبيراً لا يغار وهو خطأ... فالطفل في المرحلة الثانية من حياته يقل اهتمامه واعتماده على والديه ويجد له وسطاًغير الأسرة بين أصدقائه ورفاقه في المدرسة أو الجيران... ولا تنعكس مظاهرها إلاّ في شجاره مع إخوته في الأسرة... أمّا في المجتمع فله القسط الأوفر من آثار الغيرة التي يصاب بها الأبناء.

أمّا أسباب الغيرة عند الطفل في المرحلة الأولى من عمره، فهي كالتالي:

أسباب الغيرة عن الطفل:

1 ـ الاهتمام بواحد وتجاهل الآخر.

2 ـ المقارنة بين الأبناء.

إنّ الكائن البشري صغيراً أم كبيراً، إمرأة أو رجلاً أسود أو أبيض... يمتلك قيمة وجودية من خلال سجود الملائكة له:

(وإذ قلنا للملائكة آسجدوا لآدَم). (البقرة/34)

إضافة إلى أنّ كل المخلوقات جاءت لتأمين احتياجاته ومسخّرة لخدمته:

(وسَخَّر لّكُمْ ما فيِ السموات وما في الأرض جميعاً منه). (سورة الجاثية/ الآية12)

وفي الحديث القدسي:

(يا ابن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي).

وقيمة أخرى إنّه يحمل نفحة من روح الله بخلاف الكائنات الأخرى:

(فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي). (سورة ص/ الآية72)

ولأهميّه وجود الكائن الإنساني اختصّت به أحكام إلهيّة منذ ولادته، مثل حرمة قتله ووجوب دفع الديّة حين تعرّضه لأيّ أذى مثل خدشه أو جرحه، أو جنونه وحتّى الطريق الذي يسير فيه لا يجوز تعريضه للأذى فيه بأن ترمي الأوساخ فيه أو تقطع الطريق بسيارة أو حاجة، حتى وقوفك للصلاة فيه... إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية التي تعكس لنا مدى اهتمام الخالق بوجود الإنسان ووجوب احترامنا له.

وحين يتعرّض الطفل إلى تجاهل الآخرين يبرز العناد كوسيلة دفاعية لما يتعرّض له من أذى في عدم الإهتمام به... كذلك حين يهتمّ الوالدان بواحد ويتجاهلان الآخر... ولقد رفض المربّي الإسلامي هذا التعامل مع الأبناء لأنّه يزرع الحقد في قلبه لأفراد أسرته وحتى لأبويه وللناس... فلقد أبصر رسول الله(ص) رجلاً له ولدان فقبّل أحدهما وترك الآخر... فقال رسول الله(ص):

(فهلاّ واسيت بينَهُما). (من لا يحضره الفقيه/ ج3)

هل تجب المساواة بين الأبناء؟

إنّ التربية الإسلامية ترفض من الأبوين الإهتمام بطفل مقابل تجاهلهم الآخر... ولكن لا بأس بالإهتمام بواحد أكثر من الأبناء الآخرين مع عدم تجاهل أحد منهم... والقرآن الكريم حين يتعرّض إلى قصّة يوسف وإخوته الذين حقدوا عليه وألقوه في البئر، يقرّ أنّ نبيّ الله يعقوب كان يهتم ويحبّ جميع أبنائه ولكنّه يخصّ يوسف بنصيب أكبر لما يجد فيه من خير يفوق إخوته... تقول الآية الكريمة عن لسان إخوة يوسف:

(إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منّا) (يوسف/8).

ولم يقل إخوة يوسف إنّ أباهم ينفرد بحبّ يوسف دونهم، لأنّ تفضيل الوالدين لطفل على آخر ـ مع عدم تجاهل أي أحد من الأبناء ـ يدفع بالجميع إلى منافسة الطفل الذي اختص بالعناية في الميزة الي لأجلها اكتسب الأفضلية في قلب والديه... وتجعل الأبناء في حلبة السباق إلى فعل الخير.

ويجدر بالآباء أن يمتلكوا الحكمة في الميزة التي بها يتمّ التفضيل بين الأبناء... حيث تكون للمعاني الحقيقية مثل الإستجابة لفعل الخير والبرّ بالآخرين وامتلاك صفة الكرم والصبر على الأذى... فمن الصحيح أن يغدق الوالدان الحبّ لطفل أهدى لعبته المحبّبة لآخر مستضعف قبال إخوته الذين يحرصون على أشيائهم... إنّ هذا التفضيل يدفعهم إلى منافسته في هذا الفعل... طبعاً التربية الإسلامية لا تشترط التفضيل، بل تراه صحيحاً... فعن أحد الرواة قال:

سألت أبا الحسن(ع) عن الرجل يكون له بنون، أيفضّل أحدهم على الآخر؟ قال(ع): (نعم لا بأس به قد كان أبي عليه السّلام يفضّلني على عبد الله). (من لا يحضره الفقيه/ ج3)

إنّ بعض الأمّهات حين يفضّلن طفلاً على آخر لإمتلاكه صفة الجمال أو لأنّه ذكر، فإن هذا النوع من التفضيل خطأ في المنظور الإسلامي، ذلك لأنّ الجمال أو الذكورة أو غيرها من المعاني لا يمكن التسابق فيها... فلا يملك الطفل القدرة على أن يكون أجمل من أخيه الذي اكتسب الحظوة عند أبيه... وعندها لا يكون أمام الطفل إلاّ منفذ واحد للخروج من أزمته النفسية وهو الغيرة والحقد على من حوله في الأسرة والمجتمع... فعن مولى المتّقين علي(ع) إنّه قال:

"ما سألت ربيّ أولاداً نضر الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سالت ربيّ أولاداً مطيعين لله وجلين منه، حتّى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرّت عيني". (البحار/ ج104)

المقارنة بين الأبناء

أنّ استخدام الوالدين المقارنة بين الأبناء اسلوب مزعج لهم... فكما أنّ الزوجة تنزعج حين يطلب الزوج منها أن تكون مثل الجارة ماهرة في إعداد طبق الحلوى... أو يزعجها أيضاً تعنيفه لها رافضاً منها أن تكون مثل الجارة مهملة في ترتيب البيت... إضافة إلى الآثار الجانبية الأخرى من انكماشها وعدم ارتياحها من الطرف الآخر المقارن معها... والطفل كذلك نفسيّته مثل الكبير، فكما أنّ المقارنة تزعج الأم وكذلك الأب، فهي تزعجه هو أيضاً مع حالة من التوتّر تصيبه مقابل أخيه المقارن معه... لذا ينبغي على الوالدين عدم استعمال المقارنة بين الأبناء بالمديح أو الذم... مثل أن تقول الأم لصغيرها لماذا لا تكون مثل أخيك الذي يحافظ على ملابسه دوماً، أو لا تبكِ وتكون مزعجاً مثل أخيك.

كيف نعالج الغيرة عند الابناء؟

إن معرفة الداء نصف الدواء، كما يقول الحكماء... ولذا فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيراً في العلاج حين نتوقّى العوامل المسبّبة للمرض... إضافة إلى أنّ أهم علاج للغيرة يتركّز في إشباع الأبناء حاجتهم للحبّ والحنان مع الإهتمام بوجودهم... وهي نفس الأسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين... فالغيرة والعناد قرينان حين يوجد أحدهما تجدالآخر... وهي نتاج للعناد... ففي بادئ الأمر يكون الطفل معانداً لأسباب مرّت معنا... فإذا لم يتم علاجه، يتفاقم الأمر عليه ويصاب بمرض الغيرة... فلا ينسى الوالدان أن يسمّعاه كلمات الحبِّ والإطراء والتقدير والمديح والإهتمام بوجوده.

الإهتمام بالطفل الوليد

وقد تثير الأم الحديثة العهد بالولادة سؤالاً حول إمكانية توزيع الإهتمام على كل الأبناء في وقت يأخذ الرضيع كل اهتمام الأم ووقتها نحن ننصح مثل هذه الأم التي حين تهتم برضيعها، يقف الأكبر ينظر متأّلماً من الزائر الجديد الذي عزله عن والديه... أن تعالج الموضوع كما يلي:

علاج الغيرة من الوليد الجديد:

1 ـ إشعار الطفل بأنّه كبير.

2 ـ لا تقولي له: لا تفعل كذا مثل الصغار.

3 ـ إعطاؤه جملة من الإمتيازات.

4 ـ إرفضي إيذاءه واقبلي مشاعره.

إشعار الطفل بأنّه كبير

إنّ الأم وهي ترضع صغيرها بإمكانها أن تتحدّث مع الكبير قائلة: كم أتمنّى أن يكبر أخوك ويصبح مثلك يأكل وحده وله أسنان يمضغ بها ويمشي مثلك و.. و.. حتى أرتاح من رضاعته وتغييّر فوطته كالكبار، ولكنّه مسكين لا يتمكّن من تناول الطعام أو السيطرة على معدته.

وتقول لطفلها الأكبر حين يبكي الرضيع وتهرع إليه، نعم جئنا إليك فلا داعي للبكاء... إنّ أخاك سوف يعلّمك أن تقول إنّي جوعان بدل الصراخ والضجيج.

وبهذه الكلمات وغيرها من التصرُّفات يمكن إشعاره بأنّه كبير، والصغير يحتاج إلى هذه الرعاية.

لا تقولي له لا تفعل مثل الصغار

وحتى نجنّبه الغيرة من الرضيع يحسن بالأم أن لا تقول للطفل الكبير لا تبكِ مثل أخيك الصغير... أو لا تجلس في حضني مثل الصغار... أو لا تشرب من زجاجة الحليب العائدة لأخيك الصغير.

بل تقول له:

هذه اللعبة لك لأنّك كبير والحضن للصغار.

هذا الصحن لك لأنّك كبير وزجاجة الحليب لأخيك لأنّه صغير.

إعطاؤه جملة من الإمتيازات

لابدّ من إشعار الطفل بأنّه كبير وإنّ الإهتمام بالصغير لعجزه وعدم مقدرته... إضافة إلى إعطائه جملة من الإمتيازات لأنّه كبير... فلا يصح الإهتمام بالوليد دون أن يحصل هو على إمتيازات الكبار... ولا بدّ من الحرص على إعطائه بعض الأشياء لأنّه كبير، مثل أن تخصّيه بقطعة من الحلوى مع القول له: هذه لك لأنّك كبير، ولا نعطيها لأخيك لأنّه صغير... وهذه اللعبة الجميلة لك لأنّك كبير، أمّا هذه الصغيرة فهي للصغير... وكذلك يجب الحذر من إعطائه لعبة بعنوان انّها هدية له من أخيه الوليد... لأنّ هذا التصرّف يوحي له بالعجز عن تقديم هدية لأخيه مثلما فعل الأصغر منه... وتزيد غيرته منه.

إرفضي إيذاءه واقبلي مشاعره

لابدّ أن تمنعى بحزم محاولة الطفل الكبير إيذاء أخيه الصغير بأن يرفع يده ليهوى بها عليه... بأن تمسكي يديه أو الحاجة التي يحملها لضربه... ومع ذلك إمسكيه وأحضنيه بعطف واحمليه بعيداً عن أخيه... لأنّ الطفل بالحقيقة لا يريد إيذاء أخيه، ولكن سوء تعامل الوالدين واهتمامهم بالرضيع دونه دفعه إلى هذا الفعل... لذا ينبغي على الأم أن تمنع الأذى وتقبل مشاعره الغاضبة عنده لأنّه لا يملك القدرة على التحكّم بها.

الشجار بين الأخوة

أما الخصام بين الإخوة... فيمكن علاجه كالتالي:

علاج العراك بين الأخوة:

1 ـ عدم التدخّل في الخلافات.

2 ـ إذا نفذ صبرك فأوقفي النزاع دون الإستماع إلى أحد.

3 ـ لا تكوني مع أحد منهم وإن كان محقّاً.

4 ـ لا تجبري أحد الأبناء على مشاركة إخوته في اللعب.

يجدر بالوالدين عدم التدخلّ في الخلافات بين الأبناء... ما دام التدخّل لا فائدة مرجوّة منه بسبب الغيرة التي هي وقود النزاع بين الإخوة والتي تحتاج إلى علاج كما أسلفنا... هذا أن كانت الخلافات لا تتعدى الايذاء الشديد بأن يكسر أحدهما يد الآخر... أو يكون أحدهما ضعيفاً يتعرّض للضرب الشديد دون مقاومة... إنّ الأفضل في مثل هذه الحالة إيقاف النزاع... ولو إنّ عدم تدخُّل الوالدين تنهي الخلاف بشكل أسرع، ولكن لعلّ نفاد صبر الوالدين يجعلهم يتدخّلون في النزاع، وهنا يجدر بهم أن لا يستمعوا إلى أيّ أحد  من أطراف النزاع... ولا الوقوف مع المظلوم أو العطف عليه.. لأنّ الإستماع وإبداء الرأي وإبراز العواطف لأحد دون آخر يزيد في الغيرة التي تدفعهم إلى العراك... كما يجدر بالوالدين عدم إجبار طفلهم الذي انفرد باللعب أن يشارك إخوته الذين يريدون اللعب معه أو بلعبته... إنّ إجباره يولّد حالة الشجار فيما بينهم أيضاً.

سؤال

ـ طفلي الصغير لا يعرف كيف يتصرف امام الآخرين.. لا يحسن الادب.. ولقد عجزت عن تقويمه وتعليمه السلوك الحسن.. فماذا افعل؟

الاباء قدوة لابنائهم ومنهم يتعلمون السلوك.

حب الناس أول الطريق لألزام اطفالنا الادب.

كونا هادفان في اختياركما للقصة التي ترويانها لطفلكما.

السلوك الحسن

كلُّ أُم تطمح في أن يكون طفلها ذا سلوك حسن مع أفراد أسرته وجيرانه وأقربائه... وتشعر بالخجل فيما لو أساء التصرُّف بكلمة بذيئة أو مشينة... إضافة إلى أنّ الطفل السيئ السلوك يكون منبوذاً محتقر لدى الآخرين، ممّا يؤدِّي إلى تعاسة الطفل وشقائه... لذا كان من الضروري أن يتحلّى أطفالنا بالسلوك المهذَّب... أمّا كيف نخطو نحو السلوك المهذَّب؟

إنّ السلوك المهذَّب لدى الطفل في مرحلته الأولى أمر يأتي بطبيعته تماماً كما أنّه بطبيعته يمشي على قدميه دون يديه... ولكن نحتاج معه إلى أمرين:

خطوات نحو السلوك المهذّب للطفل في مرحلته الأولى:

1 ـ التعلُّم والإرشاد.

2 ـ حبُّ الناس.

التعلُّم والإرشاد

إنّ الطفل في المرحلة الأولى من عمره يحتاج إلى تعليمه الآداب والأسس التي بها يتعامل مع الآخرين كباراً وصغاراً... وعلى تعليم هذه المرحلة من العمر تقوم أخلاقه في المرحلة الثانية... ولذا جاء في الحديث الشريف عن الصادق(ع):

(دع إبنك يلعب سبع سنين ويؤدّب سبعاً).

وقد يهمل بعض الآباء ضرورة تعليم وإرشاد أبنائهم في السبع سنوات الأولى من عمرهم بحجّة إنشغالهم بأمور أخرى مهمة لطلب الدين أو الدنيا... فيأتي التوجيه من المربِّي الإسلامي للآباء:

عن النبيّ(ص) أنّه قال:

(لأن يؤدّب أحدكم ولداً خيرٌ له من أن يتصدَّق بنصف صاع كلّ يوم). (بحار الأنوار/ ج104).

ومع تأديب الطفل وتعليمه السلوك في المرحلة الأولى من عمره لا يحتاج إلى وقت بقدر ما يحتاج إلى وعي ومراقبة لسلوك الطفل والتدخّل في الوقت المناسب... مع مراعاة الشروط اللازمة، وهي:

شروط تعلّم الأطفال السلوك:

1 ـ ممارسة الوالدين للآداب.

2 ـ تعليم الطفل بدون غضب وتوتّر.

ممارسة الوالدين للأداب

إنّ تعليم الطفل في المرحلة الأولى من عمره آداب السلوك لا يأتي عن طريق إلقاء المحاضرات عليه وطرق أسماعه بجملة من النصائح بقدر ما يأتي عن طريق إلتزام الوالدين بالسلوك... ولا يمكن لأيِّ فرد صغيراً أو كبيراً أن يلتزم بنصيحة المربّي قبل أن يلزم نفسه بها... ولذا نلحظ رسول الرحمة محمّداً(ص) يرفض طلب أُم في نصيحته(ص) ابنها بعدم تناوله للتمر بسبب تناوله(ص) للتمر في ذلك اليوم، وطلب منها أن تأتيه يوم غد حتّى يمتنع صلوات الله عليه عن تناول التمر ليمكنه نصيحة الطفل بها.

نعم إنّ من الصعب جداً أن تطلب الأم من طفلها أن يعير لعبته إلى ضيفه الزائر ليلهو بها بعض الوقت... ويجدها تمتنع من الإستجابة لطلب الجيران لماكنة فرم اللحم... إنّ الطفل يتعلّم من تصرُّف أمّه هذا إنّه ينبغي الحرص على ما يملك ولذا تصرَّف، وكما تعلّم من والديه، بهذا الشكل مع الآخرين... وهكذا أيضاً حين يدخل على أبيه مع ضيوفه ولا يؤدّي التحية لهم... فيطلب الأب منه بإصرار أن يسلّم، في وقت يجد الطفل أباه لا يؤدّي التحية حين دخوله البيت... ومن هنا أكّدت التربية الإسلامية على ضرورة إلتزام الأبوين بما يريدون من الأبناء:

(أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم).

والقرآن الكريم يوجّهنا إلى هذه الحقيقة:

(كَبُرَ مَقْتَاً عِنْدَ اللهِ أنْ تَقُولوا ما لا تَفْعَلون). (الصف/3)

تعليم الطفل دون غضب وتوتّر

قلنا سابقاً إنّ الوالدين عليهما تعليم أولادهما أدب السلوك حتى يلتزموا به... لأنّ الكائن البشري قابل للتعلّم بخلاف الحيوان:

(عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). (العلق/5)

فالإنسان لا يمكنه النطق والتكلّم بدون تعليم ولو ترك وحيداً لما تعلَّم الكلام واللغة... أمّا الحيوان فيعجز عن النطق حتّى مع التدريب والتعليم... وكذلك لو تركنا صغير الإنسان في غرفة مع صغير الحيوان ووضعنا بجانبهما ناراَ تشتعل... نلحظ أنّ الصغير يتوجّه إليها متصوّر إنّها لعبة جميلة، ويحذرها صغير الحيوان لإدراكه بالفطرة... أمّا الإنسان فيدركها من خلال التعليم والتجربة.

ومن هنا كانت مسؤولية الآباء تعليم أطفالهم شريطة أن يكون بدون غضب وتوتّر... فكما أنّ الأم ترفض من زوجها قوله لها غاضباً حانقاً: كان يجب أن تقومي بزيارة للجيران... كذلك الطفل يرفض التعلّم مع الغضب والتوتّر... فلا يصح أن تقولي له وأنت غاضبة... من المفروض أن تحافظ عل ملابسك من الإِتّساخ... والأولى أن تقولي له بهدوء: كم هو جميل أن نحافظ على ملابسنا من الإتساخ... إنّ الطريقة الأولى تجعل الطفل معانداً للتعلّم والعمل، بعكس الثانية التي توصّلنا وبسرعةٍ إلى الهدف المطلوب.

حب الناس

إنّ تنمية الإستعدادات الفطرية والغرائز المعنوية لدى الطفل... أمر يعود بالنفع عليه وعلى والديه والمجتمع... ومن هذه الغرائز حبُّ الناس... ذلك لأنّ كلّ إنسان إجتماعي بطبعه... وكلّما ازداد حبّاً لمن حوله زادت بهجته وأنسه في الحياة... لذا نلحظ أنّ الإسلام اهتمّ بهذا الأمر كثيراً حتّى جعل العمل في خدمة الناس امراً تعبُّديّاً به يحصل المعبود على القرب الإلهي... فلقد جاء في الحديث القدسي:

(الخلق عيالي.. أقربكم منّي مجلساً أخدمكم لعيالي).

وعن مولى المتّقين علي(ع):

(إصلاح ذات البين خير من عامّة الصلاة والصيام).

وعلى هذا الأساس يجب العناية بغريزة حبّ الناس التي تولد مع الطفل وتحتاج إلى رعاية الوالدين لتنمو وتتجذَّر... ويمكن أن يتكون الرعاية بالشكل التالي:

إنماء غريزة حبُّ الناس عند الطفل في المرحلة الأولى:

1 ـ سلوك الوالدين.

2 ـ المرور بالحوادث بوعي.

سلوك الوالدين

إنّ سلوك الوالدين ذو أثر فعّال على تربية الطفل وبناء شخصيّته... والمنهج التربوي في الإسلام يحمّل أتباعه على الإنطلاق من قاعدة حبُّ الناس في تربية النفس وفي العمل التغييري في الأمة... فالمؤمن له حقوق وعليه واجبات، فالمؤمن لا يسخر من أخيه ولا يظهر عيبه ولا يخذله ولا يؤذّيه، ويكون معه في الشّدة، وإن سَرّه كان في ظل الله، وإن آثره على نفسه حصل على القرب الإلهي... و... و... وأخيراً نجد أنّ الملتزم بالإسلام لا يمكن إلاّ أن يمتلأ قلبه بحبِّ الناس كلّما إزداد إيماناً وارتباطاً بخالقه... ويكتسب الطفل من والديه ويتعلّم في ظلّهما حبّ الناس... حين ترحبِّ أمّه بالضيف لأنّه حبيب الله... ولا ترضى أن يسمعها حديثاً من عيوب أقرانه لأنّه من الغيبة التي حرّمها الله... وتعطي للجيران ما يطلبونه منها حتّى لا تكون من المنبوذين في القرآن:

(وَيَمْنَعُونَ الماعُون) (الماعون/7).

المرور بالحوادث بوعي

إنّ الطفل في سنواته السبع الأولى كثيراً ما يرافق والديه ويكون أكثر الوقت معهما... ويمكن للآباء الإستفادة من بعض القضايا والحوادث لإحياء غريزته في حبّ الناس... فمثلاً حين المرور على البقّال لشراء بعض الخضروات منه، يمكن أن تحدّث الأم طفلها عن الطعام الذي تعدّه من الخضر يكون بفضل البقّال الذي يذهب من الصباح الباكر ونحن نائمون إلى المزرعة ليأتينا بما نحتاج إليه من الطماطة والكرفس والخيار والبطاطا... حيث يقوم الفلاّح في المزرعة بحرث الأرض... و... و.

وهكذا يمكن سرد قصة تهدف إلى تكافل الناس وحبّ بعضهم للآخر ليستفيد منها في حبّه للآخرين.

وأد الغريزة

ومن خلال سلوك الوالدين والإستفادة من بعض القضايا والحوادث التي يمرُّ بها الطفل وأخرى غيرها يمكن إنماء غريزة حبّ الناس الوليدة في كل طفل... كما نحذِّر في الوقت نفسه من وأد هذه الغريزة التي تؤدّي بالطفل مستقبلاً إلى الشقاء... فلا يمكن العيش براحة واستقرار والقلب لا يمتلك حبّاً للآخرين... أمّا كيف نميت هذه الغريزة عند أطفالنا، فتكون بالشكل الآتي:

وأد غريزة حب الناس

1 ـ سلوك الوالدين.

2 ـ القصص الهدّامة.

3 ـ الإكراه في الكرم.

التعلّم من الوالدين

سلوك الوالدين مرة أخرى يفرض وجوده في التعليم، ولكنّه في هذه المرّة ذو بعد سلبي، حيث يقتل الغريزة الإنسانية بدل أن يرعاها... فالأم مثلاً حين ترفض من طفلها الذي يصرّ على ارتداء سروال الصوف في فصل الصيف بقولها له: إنّ الناس تضحك عليك حين يشاهدونك وأنت بهذا الشكل.

وحين تخشى عليه من الذهاب وحده لشراء حاجة، تقول له: إن ذهبت وحدك فسوف يختطفونك ويسرقون ما عندك.

إنّ هذه الأقاويل وغيرها مع فرض صحّتها لكنّها تميت علاقته مع الناس وتثبت في نفسه حقداً عليهم لأنّهم يقفون حائلاً دون تحقيق رغباته... والأجدر بالآباء أن يمنعوا أبناءهم بأعذار أخرى ليس لها آثار سلبية على الطفل وبالخصوص في المرحلة الأولى من عمره.

كذلك حين تبدي الأم ضجرها من كل الضيوف الزائرين... أو تجهد نفسها وأفراد عائلتها بترتيب وتنظيم البيت لإستقبال الضيوف اتّقاء لكلام الناس عليها... مع أحاديثها المتواصلة عن الشرورو التي تتلقّاها من الناس وصمتها عن كثير من المعروف الذي أسدى إليها... كل هذه التصرّفات تعكس للطفل الصغير أنّ الناس مصدر للشر والأذى دوماً.

أثر القصص الهدّامة

إنّ للقصة أثراً بالغاً على نفسيّة الطفل في مرحلة حياته الأولى، والقصة حين يستمع الطفل إليها مثل البذر الذي يستقرّ في التربة ليثمر بعد حين... وينبغى على الوالدين التفكّر بهدف القصة قبل سردها للطفل... وقراءة بسيطة لقصّة ليلى والذئب التي يعرفها أكثر أطفالنا مثلما يعرفون أسماءهم... تجد أنّها تصور الناس بأنّهم يظهرون لك الحبّ والولاء ويضمرون لك الشرّ والعداء... من خلال شخصيّة الذئب الذي تمثّل بصورة الجدّة المحبّة للأطفال... كذلك قصّ جحا والحمار التي تصوّر الناس بأنّهم يتصيّدون حركات الأفراد للحديث عنهم بسوء، ولا بدّ من اتّقاء شرورهم التي تلاحقك في كلّ حركة صحيحة أو خطأ... وقصة قطر الندى التي يتمركز محورها حول شخصية (زوجة الأب) المؤذية الحقودة... التي تجعل الطفل قلقاً من أمثال هذه الشخصيات التي قد يبتلى بها... والأجدر بالأدب القصصي أن يعكس صورة زوجة الأب بالمربّية الحنونة التي تحبُّ الأطفال وترعاهم.

الإكراه في الكرم

كثير من الآباء يفرضون حالة الكرم على أطفالهم الصغار... فالصغير حين يحمل قطعاً من الحلوى أو يلهو بلعبته المفضّلة... فتبادر الأم حين مرورهاً بصديقة مع طفلها، أو تزورها إحدى الصديقات بأن يعطيه جزء من قطعة الحلوى أو يشاركه في اللعب... ويرفض طفلها وتلحُّ عليه كثيراً حتّى يخشى غضبها فيعطيه ويشاركه... إنّ فرض الكرم على الطفل لا يخلق عنده خلق الكرم كما يتصوّر الوالدان... بل تبعث في نفسه كراهيةً وحقداً للناس.

كيف نسلك مع الطفل الخجول

قد يكون بعض الأطفال خجولين... بحيث يمنعهم الخجل من التصرُّف السليم أمام الغرباء... وتحاول الأمّهات، وفي سبيل إخراج الطفل من حالة الخجل التي تعتريه، توجيه أنظار الضيوف إليه... في أن تطلب منهم أن يردّوا على سلامه، أو ينظروا إلى ما يرتديه... إنّ هذا التصرّف يزيد الطفل خجلاً، والأولى أن تحاول الأم إلى صرف انتباه الغرباء عنه... ليأخذ وضعه الطبيعي دون التركيز عليه... ويكون طلبها للطفل في أن يسلِّم أو يقول شكراً بشكل خفيّ لا يسمعها الضيوف وبعيد عن أعينهم.

هل يستعمل طفلك الكلمات البذيئة؟

قد يأتى الطفل يوماً وهو يتفوّه ببعض الكلمات البذيئة التي تعلّمها من أقرانه ـ في المرحلة الأولى من طفولته ـ وهنا تنزعج الأم، ولكن ما هو أفضل عمل يقوم به الوالدان يحمل الطفل على التنازل عن هذه الكلمات... إنّ أفضل طريقة هي القول وبكل هدوء وحزم:

(إنّها كلمة بذيئة لا يصحّ استعمالها).

إنّ رفض الوالدين الحادّ أو استعمال العقاب... يدفع الطفل إلى العناد وترديدها أكثر... وفي حالة خوفه من عقوبة والديه يستعملها في وقت غيابهما.

لماذا قلة الادب؟

وقد تتحيَّر بعض الأمّهات تجاه ما يمارسه الأبناء من سوء السلوك وقلّة الأدب في علاقاتهم مع الآخرين... وبالرغم من تعليمهم والتزام الآباء بالسلوك المهذّب... إنّ أهم الأسباب التي تدفع الطفل إلى هذه التصرّفات ـ سوء السلوك ـ مع تعليمهم، هي كالتالي:

سوء السلوك عند الطفل:

1 ـ العراك بين الوالدين.

2 ـ التعامل الخاطئ مع الطفل.

العراك بين الوالدين

إنّ النزاع بين الوالدين وبمرأى أبنائهم يترك آثاره الجانبية في نفوسهم فيصعب بذلك ترميمها وعلاجها... ومن هذه الآثار هو السلوك غير المهذّب للأبناء... ولا أدري لماذا لا يمسك الوالدان عن الشجار في حضور الأبناء... ولعلّهم غافلون عمّا يخلقونه من آثار سلبية في نفوسهم.

التعامل الخاطئ مع الطفل

والجهل في التعامل مع الأبناء ـ كما أسلفنا سابقاً ـ كعدم احترامهم وقسوة العقوبة الموجّهة إليهم... وحرمانهم من الحرية الكافية... كل هذه التصرّفات وغيرها تدفع الطفل إلى سوء الخُلُقْ مع غيره.

طفلك قليل الأدب:

1 ـ لأنّه غير محترم في الأسرة.

2 ـ لأنّه يتعرّض للعقوبة القاسية.

3 ـ لأنّه لا يتمتّع بالحرية الكافية.