.

:الموضوع

الفصل الخامس 1

ألف: آفات المحبة:

2 ـ الضرب والبذاءة

 

 

7 ـ أسمى من صلاة الليل

إن إحدى فضائل تشكيل الأسرة، وتربية الأبناء هو أنها أسمى من أيّة صلاة مستحبة، أي يمكن القول بأنها أسمى من صلاة الليل بالرغم من أن صلاة الليل مهمة جداً، وإن القرآن وعد بإعطاء المقام المحمود للذي يصلّي نافلة الليل والناس نيام:

(ومن الليل فتهجّد بهِ نافلةً لك عسى أن يبعثك ربُّك مقاماً محموداً) (الإسراء/79).

أما الثواب الذي يمكن أن يكون اسمى من ثواب قيام الليل هو قيام المرأة في قلب الليل لترضع طفلها، أو لهدهدته حتى ينام، أو قيام تلك السيدة في منتصف الليل من أجل مداراة زوجها، أو قيام زوجها من أجل مداراتها.

جاء في الخبر أن الرجل يغفر له جميع ذنوبه إذا اغتسل غسل الجنابة، وكذا الأمر بالنسبة لزوجته حيث يغفر الله لها ما تقدم من ذنبها وما تأخّر حينما تغتسل.

والجدير بالذكر أن بعض الروايات تتعرض إلى مسالة الغسل فتذكر بأن كل قطرة تسقط إلى الأرض من جسم الرجل أو امرأته بعد الغسل تضحى ملكاً يستغفر لهما يوم القيامة. وإذا ما حملت المرأة كانت أنفاسها عبادة، ونومها عبادة، ومشاكل حملها عبادة، وعندما تلد ولداً مجرداً من المعاصي تضحى هي الأخرى مجرّدة عن المعاصي بعدما يغفر الله جميع خطاياها.

أيتها السيدة! احذري من أن يخالط عملك عمل لا يرضى الله به، أحذري أن تعصي الله من خلال عدم التزامك بما يقوله لك زوجك، واعلمي بأن طاعة الزوج واجبة ولازمة، وأنت أيها الرجل! ينبغي لك أن تعلم بأن مساعدة الزوجة في الأمور المنزلية فيه الثواب والأجر الجزيلان.

جاء في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل إلى بيت عليّ (ع) فرآه ينظف عدساً، فأخبره  (ص) بأن مساعدة الزوجة فيه الثواب الكثير ثم قال وقال حتى بلغ بذلك ثواب الشهيد.

أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية أنّها أتت النبيّ صلى الله عليه وآله وهو بين أصحابه فقالت: " بأبي أنت وأمي! إني وافدة النساء إليك، واعلم ـ نفسي لك الفداء ـ أنّه ما من امرأة كائنة في شرق ولاغرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنّا معاشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقتضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضّلتم علينا بالجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحجّ بعد الحجّ، وافضل من ذلك الجهاد في سبي الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أموالكم فما نشارككم من الأجر يا رسول الله؟.

فالتفت النبيّ صلى الله عليه وآله وأصحابه بوجهه كله ثم قال: " هل سمعتم مقالة قطّ أحسن من مسألتها من أمر دينها من هذه؟ " فقالوا: يا رسول الله ما ظنّنا أن امرأة تهتدي على مثل هذا!.

فالتفت النبيّ صلى الله عليه وآله إليها ثم قال لها: " انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعّل إحداكنّ لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كلّه.

فأدبرت المرأة وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً "[1].

وجاء في الخبر أن المرأة التي تطهو وتنظف وترتب الأمور في بيتها لها مثل ثواب الشهيد، ولا تظن امرأة بأن الثواب يقتصر على الذهاب إلى مكة فقط.

قالت لي إحدى النساء: توسط لي في الذهاب المستجب إلى مكة! فقلت لها إذا كنت ترومين ثواب سبعين حجة فما عليك إلاّ أن تُنفقي أموالك هذه التي تريدين بها مكة للفقراء والضعفاء والمساكين، وعندها تغيّر لونها وقالت لي: كلا، لن أفعل ذلك، فإن كان فيك قدرة على ذلك فافعل، وإلاَّ فلا تتحدث أكثر من طاقتك!

قال الإمام الباقر محمد بن عليّ عليه السلام:

" لأن أعول أهل بيت من المسلمين، وأشبع جوعتهم، وأكسو عريهم، وأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليَّ من أن أحجّ حجَّة، وحجّة، وحجّة، حتى انتهى إلى عشرة ومثلها، ومثلها، ومثلها، حتى أنتهي إلى سبعين "[2].

إن الذي يكدّ على عياله، ويسعى جاهداً من أجل جلب لقمة العيش إليهم يمكن أن يعتبر كالمجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله، وإن من تبسم بوجه زوجه، وشكرها على ما تقوم به من أعمال يومية في المنزل أضحت له كحور العين في جمالها وخصالها، ولا تظنوا أن حور العين كنساء الدنيا، كلا، إنهن أسمى وأرفع من ذلك كثيراً وإن الواحدة منهن لو خرجت إلى الدنيا، لما احتاج الناس بوجودها على شمس أو قمر.

وكذا الأمر بالنسبة للزوجة التي تستقبل زوجها بوجه حسن، وثغر باسم، وبكلام مؤدب ولطيف ينسيه التعب الذي كان يعاني منه قبل لحظات.

جاء في الخبر أن الرسول الأكرم  (ص) رأى في ليلة المعراج أن بعض الملائكة في الجنة جلسوا جانباً بدون عمل، وبعضهم يعمل قليلاً، ثم يركن جانباً، فسأل  (ص) جبرئيل (ع) عن ذلك فأجاب بأنهم ينتظرون قدوم مواد البناء من الحياة الدنيا.

لذا ينبغي القول بأن العمل الصالح، الإنفاق، والتصدق وما على ذلك يمكن أن يحتسب مواد بنائية، تستعمل في بناء القصور والدور والمساكن التي تعدّ للخيّرين المحسنين.

*     *     *

الفصل الخامس 1

المحبة والرحمة في البيت آفات المحبة

المحبة والرحمة في البيت

إن بحثنا في هذا الفصل يدور حول المحبة والرحمة في البيت، وقد يكون هذا الفصل افضل ما طرحنا في مجمل بحوثنا، لذا كان علينا أن نتحرى كثيراً ونهتم أكثر بهذا الفصل متمنين شمولنا بلطف بقية الله الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعال فرجه الشريف لكي نتمكن من العمل بها جاء في هذا الفصل من قضايا تعنى بالمحبّة والرحمة في البين الأسري.

إنّ المحبة تشبه بعض الشيء قانون الجاذبية في هذا العالم، هذا القانون الذي يقوم العالم بأسره على أساسه، مثلما تقوم الأسرة والبيت على أساس المحبة والرحمة.

لو سُلب قانون الجاذبية من هذا العالم ـ ابتداءً من الذرّة وانتهاءً بالمجرّة ـ لا ختلّت النظم القائمة فيه، ولساد الفناء في مجمل عالم الطبيعة.

فإذا ما انعدمت المحبة في المنزل، وبين افراد الأسرة الواحدة فسوف تنفلت عرى الالفة، ويؤول المنزل إلى قبر يملأه العذاب الشديد، لأن الدار الخالية من المحبة لا يمكن أن تكون فيها حياة حقيقية، لا يمكن أن يكون فيها إلاّ الموت، الموت التدريجي المقرون بالعذاب.

وبناء على ذلك منح الباري تعالت أسماؤه في وقت تشكيلها عنايةً خاصة ورحمة منه ولطفاً حتى يسكن الواحد إلى الآخر:

(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم/21).

هل تعلمون أن لكل بناء ملاطاً ـ وهو ما يوضع من الإسمنت ونحوه بين قطع الطابوق أو الحجر لتماسكها ـ وأن ملاط الزواج وتشكيل الأسرة هو المحبة والود والألفة؟.

قال الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم:

(ما بُنِي في الإسلام أحبَّ إلى الله عز وجل من التزويج)[3].

أما الآن فسنبحث في مسألتين: الأولى: ما هي المسائل التي يمكن أن تبعثر المحبة في البيت، بل ويمكن أن تقتضي عليها بالمرة.

المسألة الثانية: ما هي القضايا التي تساعد على ترسيخ عرى المحبة في البيت.

 ألف: آفات المحبة:

1 ـ الحدّة:

إن أول شيء يمكن أن يُذهب المحبة من البيت إلى غير رجعة هي الحدة، الاختلاف، الغضب، وهذه كلها لا تبقي على الألفة والانسجام والودّ في البين العائلي.

فإذا ما ردّت المرأة على زوجها بحدّة، اشتعلت نار الغضب، وإذا ما تفاقم الأمر بدت العداوة والبغضاء لتصل في نهاية الأمر إلى كسر زجاجة المحبة، وحينما تبدل المحبة بالنفور، وهذا ما تفعله الحدّة في أغلب الأحيان، ناهيك عن مسألة القياس التي يستعملها بعض الرجال فهي الأخرى تُميت المحبة في كلا القلبين، وتبدل الألفة بالنفور، كأن يقول الرجل لامرأته: إنك لا تجدين شيئاً بالمرة، وإن جارتنا فلانة أفضل منك بكثير حيث يقول زوجها بأنها امرأة جيدة، وطاهية ماهرة و.. و...

إن مثل هذه العبارات تنزل على رأس المرأة، كالصاعقة التي تهوي على زرع يابس بالإضافة إلى تهيئة القلب لأن يكون قاسياً من جرّاء الحقد الذي جلبته تلك العبارات، وقد أكد علماء النفس على هذه القضية فحرّموا مقارنة الزوجة بغيرها من النساء، وتنكّروا للتحدث إليها على هذه الشاكلة، لأن المرأة لا يمكن أن تنسى هذه العبارات ما دامت حيّة، وإذا أراد الشخص أن يشطب على تلك العبارات فسوف يحتاج على جهد إضافي للوصول إلى قلبها ثانيةً.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

" قول الرجل للمرأة إنِّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً "[4].

2 ـ الضرب والبذاءة

إن مسألة الضرب والبذاءة لا ترتبط بما نبحث فيه أصلاً، وأكرر مقولتي التي طالما ذكَّرت بها إخواني وهي، إذا جرى السبّ والشتائم على لسان رجل أو امرأة ـ والعياذ بالله ـ فسيعرف الجميع بأن هذا الرجل وتلك المرأة لا يتمتعون بشخصية إسلامية ولا إنسانية بالمرة، وأن الله تباركت أسماؤه، ورسوله الكريم  (ص) يمقتان مثل هؤلاء الأفراد.

" كان للإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) صديقٌ لا يكاد يفارقه، إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذَّائين ومعه غلامٌ له سنديٌّ يمشي خلفهما، إذْ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله الصادق (ع) يده فصكَّ بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمَّهُ؟ قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع؟ فقال: جعلت فداك إن أمَّةُ سنديّة مشركة، فقال: ما علمت أن لكل أمةٍ نكاحاً، تنحَّ عنّي، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما "[5].

من هذا نفهم بأن الرجل الذي يسبّ ابنه، أو امرأته حتى ولو كان هناك قصورٌ منهما فهو مغضبٌ لله جلَّت صفته، وأن المرأة التي تشتم زوجها أو ابنها لا ينبغي لها أن تتوقع من الباري تعالى غير الغضب، وأن الرسول الأكرم  (ص)، وفاطمة الزهراء (ع)، والأئمة الأطهار (ع) غاضبون عليها، وأن السبّ أو الشتم سيتجسد في عالم البرزخ ليضحى رفيقاً للسبّاب، ويتجسد أيضاً يوم القيامة على شكل حيوان مفترس يلتهمه ولا يموت.

قال الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام:

" دخل يهودي على رسول الله  (ص) وعائشة عنده فقال: السَّامُ عليكم فقال رسول الله  (ص): عليكم، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد عليه  (ص) كما ردّ على صاحبه ثم دخل آخر فقال مثلَ ذلك فردّ رسول الله  (ص) كما ردّ على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير فقال لها رسول الله  (ص): يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إنَّ الرفق لم يُوضع على شيءٍ قطّ إلاَّ دانه ولم يُرفع عنه قطّ إلا شانه، قالت: يا رسول الله أما سمعت قولهم: السام عليكم؟ فقال: بلى! أما سمعت ما رددت عليهم؟ قلتُ: عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا: عليك "[6].

قال تعال في محكم كتابه المجيد:

(يوم تَجِدُ كُلُّ نفسٍ ما عمِلتْ مِنْ خَيرٍ مُحْضراً، وما عملت من سوءٍ، تودُّ لو أنَّ بينها وبينه أمراً بعيداً) (آل عمران/30).

لذا يجب على المسلم أينما كان، وكيفما كان، أن يكون مؤدباً، ملتزماً، يُدرك ما يقول، وهذا ما يوصي به الإمام الصادق جعفر بن محمد (ع) أصحابه دائماً، فالمعلم لا يجدر به أن يكون لعّاناً ولا بذيئاً مع تلاميذه، والزوجة يجب عليها أن تبتعد عن السبّ والشتيمة، وكذا الولد عليه أن ينتبه لهذه المسألة الحساسة والمهمة، وليعلم الجميع بأن المسلم ليس بلعّان ولا طعّان ولا فاحش ولا بذيء.

أما بالنسبة للضرب فهو الآخر حاله كحال السبّ والشتم والبذاءة في الكلام، وأن الرسول الأكرم  (ص) نهى عنه كثيراً، وهدد الرجل الضارب لزوجته بسبعين ضربة سوط من يد مالك جهنم في يوم القيامة لأن الضرب ليس من شأن المسلم الحقيقي، ليس من عمل الإنسان الواعي، ومن فعل ذلك، رجلاً كان أو امرأة عُدَّ أحمق ووضيعاً، وعليه نخرج من هذا البحث لأن البذاءة والضرب تميت القلوب، بعد أن تُذهب المحبة منها.

سأل رجل النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الزوجة ولا تقبّح، ولا تهجر إلاَّ في البيت "[7].



[1]  الدرّ المنثور/ ج2، ص153.

[2]  بحار الأنوار/ ج99، ص5.

[3]  وسائل الشيعة/ ج14، ص3.

[4]  وسائل الشيعة/ ج14، ص10.

[5]  أصول الكافي/ ج4، ص16.

[6]  أصول الكافي/ ج4، ص464.

[7]  أبو داود وابن حبان في (صحيح).