.

:الموضوع

الإسلام ورغبات الإنسان

الحياة من منظار إسلامي

الحياة المرفهة2

 الحياة المترفة 3

 

مقدمة 2

الإسلام ورغبات الإنسان

إن شرعة الإسلام الحقّة توجب علينا إرضاء غرائزنا ورغباتنا، وتحرّم الانتحار، وهذا ما تحدث عنه الاخبار والروايات الكثيرة والمتواترة.

فالإنسان لا يحق له بتاتاً قتل رغباته، وسحق غرائزه بعيداً عن إرضائها وإقناعها، وهذا ما صوّبه القرآن المجيد في بعض آياته حيث حبّب للبشر العمل من أجل الحظوة بالآخرة من دون نسيان النصيب الدنيوي الذي يشتمل على إرضاء الغرائز والرغبات والميول.

(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا) (القصص/76)

أيها الإنسان! إن ما لديك من ثروات، وقدرات، وإمكانات عقلية وأمنية أعطيت لك من أجل أن تستفيد منها في كسب الآخرة، أما ينبغي لك أن تكون على حذرٍ من نسيان دنياك التي تعيش فيها الآن.

إنك لا تستطيع أن تحيا لبُعدٍ واحد، وأن الغور في أسبار الدنيا الدنيّة إلى حدّ الانحطاط خطأٌ فاحش؛ لذا يجب القول بأنك لن تستطيع صرف كل عمرك وعقلك وسلامتك ومالك 100% من أجل الآخرة، ولا أن تصرف ذلك 100% من أجل الدنيا، بل يجب عليكم ابتغاء ما آتاك الله للآخرة دون نسيان نصيبك من هذه الدنيا التي تعيش وتحيا فيها.

ففي صدر الإسلام، وكذا في زمان الأئمة من أهل بيت رسول الله (ص) كانت هذه الأفكار المنحرفة تُطرق في بعض الأحيان هنا وهناك؛ أي كان البعض يعتقد بأنه يجب عليه أن يعمل ليلاً نهاراً من أجل الآخرة، فتراه يترك الدنيا، ويتفكر لرغباته وغرائزه، بل ويحاول قتل تلك الرغبات والغرائز بشتى الوسائل.

وعندما تصل هذه الأفكار المنحرفة إلى سماع الرسول الأكرم (ص) والأئمة الأطهار من أهل بيته الشريف تراهم يردّون بشكل يشوبه الردع والتنديد لأولئك الأفراد ولما يصدر عنهم من أعمال لا تمت بصلة إلى ما جاء به الإسلام العظيم.

نقل لنا المرحوم صاحب الوسائل رواية جاء فيها:

جاء إلى رسول الله (ص) ثلاث نساء لتقول أولاهن: يا رسول الله، لقد عاهد بعلي نفسه بأن لا يعاشر امرأة بعد اليوم؛ وقالت الثانية: يا رسول الله، لقد صمم بعلي على أن لا يطعم لحماً بعد اليوم؛ وقالت الثالثة: يا رسول الله، إن بعلي أخبرني بأنه سوف لن يستعمل عطراً بعد الآن.

تقول الرواية: بان الغضب الشديد على رسول الله (ص) لأنه رأى بأنَّ الفكر المنحرف بدأ يتفشى بين أفراد المجتمع الإسلامي، وحينها دخل إلى المسجد على غير موعد ـ وتقول الرواية؛ بأن السرعة التي جاء بها الرسول (ص) إلى المسجد لم تكن طبيعية، حيث كانت عباءته تخط التراب من بعده كونها كانت معلّقة في أحد كتفيه الشريفين ـ وأمر بجمع الناس في ذلك المسجد، فترك القوم أعمالهم ليتوجهوا إلى باحة المسجد! ما الذي حدث؟.

صعد الرسول (ص) المنبر الشريف ليقف على أول سلالمه، وليخبر الناس بأنه سمع ما يمكن أن يعدّ بمثابه شيوع للفكر المنحرف بين أصحابه.

ما هو هذا الفكر المنحرف الذي شاع بين القوم؟ بعد ذلك صرّح الرسول (ص) باستطعامه للّحم، وتناوله للغذاء اللذيذ، وارتدائه للملابس الجيّدة,وتعطرّه بالعطر، ومعاشرته للنساء، ومباشرته لهن.

ثم قال: (فمن رغب عن سنتي فليس منّي)[1].

وقال أيضاً: " أما إنّي أصلّي وأنام وأصوم وأفطر وأضحك وأبكي فمن رغب عن منهاجي وسنّتي فليس مني "[2].

لقد تطرّق الرسول الأكرم (ص) إلى ردّ الأفكار المنحرفة في أكثر من "10" موارد " وقد نقل لنا المرحوم فيض في كتاب " الصافي " رواية تدلّ على أن مثل هذه المسألة قد تكررت في زمن رسول الله (ص)، وكان الرسول (ص) في كل مرَّة يردّ على تلك الأفكار المنحرفة، بل وينزّل الله فيها آيات تنذر بالعذاب الأليم.

والجدير بالذكر أنه كلّما نزلت آية قرآنية تتطرق إلى عدم الانشغال بالدنيا وزخارفها، خاف نفرٌ من المسلمين، وقبضوا أيديهم عن كل ما يمتّ بصلةٍ للحياة الدنيا، بل واستداروا 180 درجة إلى جهة أخرى.

نقل لنا المرحوم فيض في كتابه الموسوم "الصافي" رواية جاء فيها: أن امرأة جاءت إلى عائشة في مسألة خاصة ـ وكانت ذات بعل ـ فسألتها عائشة: هل مات بعلك (لعدم تزيّنها بزينة المتزوجات) فأجابت: كلا، ولكنّه ذهب مع اثنين من أصحابه إلى الصحراء للتهجد والتعبد بعد نزول إحدى الآيات التي تتحدث عن عذاب الآخرة، لذلك صمم أن لا يعاشرني بعد نزول تلك الآية، وأن صاحبه الأول قرر أن لا يطعم طعاماً لذيذاً، والثاني صمم على ترك معاشرة الناس.

أخبرت عائشة رسول الله (ص) بالأمر، فغضب رسول الله (ص) غضباً شديداً ودخل إلى المسجد على غير موعد حتى أنّه من عجالته، كان طرف عباءته يجثو التراب خلفه، فأمر الناس بالاجتماع إليه، وما أن اجتمعوا حتى وقف على أول سلالم منبره ليخبرهم بأنه سمع ما يسيء إلى سمعة الإسلام العزيز وأن البعض قد تركوا نساءهم، ومعاشرة الناس، واستطعام اللذيذ من الطعام وذهبوا إلى الصحاري والجبال للتعبد. بعدها قال: " فمن رغب عن سنتي فليس منّي ".

هكذا كان نهج وطريقة الرسول الأكرم (ص)، وكذا كانت طريقة ونهج الأئمة الأطهار من أهل بيته المبارك.

إن التاريخ الإسلامي يخبرنا كثيراً عن زهد أمير المؤمنين (ع)، وهذا ما يعرفه العدو والصديق عنه، ولكنه كان ملتزماً بالزهد الذي جبّبه الإسلام إلى نفوس العالمين، لا الزهد الذي يمجّه.

عندما دخل أمير المؤمنين عليّ (ع) للمرة الأولى إلى الكوفة، ورد مسجدها ليرى عدّة من الرجال مشغولين بالتعبّد والصلاة ـ وكان الوقت على ما يبدو ضحى ـ فسأل عنهم؟ ـ كونهم انشغلوا بالتبتل على غير وقته ـ فقيل له: إنهم رجال الحق؟ إنهم رجال تركوا الدنيا وراء ظهورهم، واتخذوا من المسجد محلاً لعبادتهم، فإن أصابهم شيء من الطعام تناولوه، وإلاّ فهم صابرون.

غضب الإمام عليّ (ع)، وبان عليه الغضب ـ وبناءً على ما جاء في " أسد الغابة " ـ حمل الإمام عليّ (ع) سوطاً عليهم، وقال: إن عملكم هذا ليس من الإسلام في شيء، إنها البدعة، وإن مثلكم كمثل الكلب إن أعطي ما يطعمه، وإلاّ صبر؛ وخلاصة القول: طردهم أمير المؤمنين (ع) من المسجد خوفاً من شيوع البدع في شرعة الله الحقّة.

تعرّض الجزء الثاني عشر من وسائل الشيعة إلى الكثير من الروايات التي تمتدح العمل وتذم الركون إلى الراحة والدعة، وقد وردت تلك الروايات عن أئمة أهل البيت النبويّ الشريف تواتراً.

داخل أمير المؤمنين عليّ (ع) إلى أحد بيوتات أشراف البصرة واعترض على ذلك الرجل لما رأى منه ترفاً وإسرافاً، ومن أجل الفرار من الجواب قال ذلك الرجل، يا أمير المؤمنين لي أخ انزوى قبل مدّة في داره بعد أن فضَّلَ الزهد والابتعاد عن الناس، فترك الدنيا وزينتها، واهتم بالعبادة وحلاوتها.

وهنا ترك أمير المؤمنين الإصرار على اكتساب جواب إسراف ذلك الرجل، وبدا بالتفكير بأخيه الذي انحرف عن الصواب وانزوى في داره، لأنه رأى أن الاهتمام بالثاني أوجب من متابعة الأول.

وبناءً على ذلك طلب أمير المؤمنين (ع) من الرجل استدعاء أخيه، ولما حضر سأله عما هو فيه من وضع، وسأله عن سبب تركه للدنيا؟.

فقال: يا أمير المؤمنين، إنني أتأسى بك! فقال الإمام عليّ (ع) ما مضمونه أن خليفة المسلمين ينبغي له أن يعيش معيشة أضعفهم، أما أنت فلك الحدّ الوسط.

جاء أحدهم إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)،فسأله الإمام (ع) عن أحواله فأجاب: يا بن رسول الله (ص)، بلغت من العمر آخره، فتركت العمل وشرعت بالتبتل إلى الله في إحدى زوايا المسجد.

قالها الرجل وكان يظنّ أن الإمام (ع) سيثني عليه، وسيبارك له عمله ذاك؛ لكن الذي حدث غير ذلك، فقد ردّد الإمام الصادق (ع) عبارة "هذا من عمل الشيطان" ثلاث مرّات،وعندئذ أسقط في يده ليقول: ماذا افعل إذن يا بن رسول الله.

وقتها نصحه الإمام (ع) بالعمل ما دام حياًّ، فإن لم يكن محتاجاً فعليه أن يعين زوجه، أو ابنه، أو جاره أو من يستطيع أن يحميهم من الفقر والفاقة، بدون أن تُفدى الآخرة في سبيل الدنيا الدنيّة، وبدون أن يهتم بالعمل أثناء أوقات الصلاة، أو أوقات العبادة بشكل إجمالي؛ ففي وقت العبادة ينبغي للإنسان أن يعبد، ووقت العمل ينبغي له أن يعمل.

يحضرني أن أتعرض إلى جملةٍ هنا قيلت بحقّ أمير المؤمنين عليّ (ع) يمكن أن تكمل موضوعنا هذا الذي بدأناه ويمكن أن يستفيد منها الشباب في مجمل حياتهم وهي: " كان اسداً في النهار، وراهباً في الليل " أي أنه كان في الليل كأحد العبّاد الملتزمين بالعبادة، أما في النهار فقد استطاع الإمام عليّ (ع) وعلى مدى " 25 " سنة من عمره الشريف أن يقدّم للمجتمع الإسلامي ذاك" 26 " بستاناً ومزرعةً يستفيد منها الضعفاء والفقراء والمساكين المعوزين.

وعليه نقول: لا يجدر بالشباب أن ينتحروا، أو يقتلوا غرائزهم كبتاً، أو ينزووا عن المجتمع الذي يعيشون فيه، لأن قتل الغرائز والميول ومحاربتها ليس من النهج الإسلامي في شيء، وإن نهج الإسلام هو: إرضاء الغرائز، وهكذا قال العلم أيضاً بعد أن أكّد على سموّ القانون الإسلامي الذي يصلح لكل زمان ومكان.

إن جميع علماء النفس قالوا، وجميعكم تعلمون بذلك وهو ما أثبتته التجارب بأنَّ الأفراد المنزوين، والتاركين للدنيا، كأن يكون شابا يستطيع الزواج ولا يتزوج فتاةً تتمكن من قبول المتقدم إليها ولا تفعل ذلك فإنّ رغباتهم وميولهم تتحوّل من ضمير الشعور إلى ضمير اللاشعور لتتبدل بعقدة نفسية، وإن حصل ذلك، واتفق أن يكون ذلك المعقّد أو تلك المعقدة على رأس سلطة، أو مسؤولية، و قدرة، لأحضى ذلك الرجل أو تلك البنت كالكلب المسعور الذي ينهش كل شيء يصبح أمام عينيه.

وإذا لم يتمكنوا من بلوغ المناصب والمقامات، كانوا أشبه باليائسين والبائسين والمنكسرين روحياً مما يجعلهم غير قادرين على إنجاز أتفه الأعمال وأقلّها عناءً وتعباً، ويمكن القول إنهم أقرب للموتى منهم إلى الأحياء، لذا تراهم ملفوظين ومطرودين من قبل مجتمعاتهم.

وبناء على ما تقدم نفهم أن مثل هؤلاء الأفراد لا يتأتّى لهم أن يتحملوا الحياة الزوجية أو يستطيعوا تربية الأولاد الذين ينبغي أن يقدموا إلى المجتمع الإسلامي بدون عقد نفسية، فإن كان المعقد يحمل نفسه على الزواج في بعض أحيانه إنما يحاول صنع مشكلة معقدة له علامة على عقدته التي يحملها في خفايا نفسه، وإن فضّل الدعة والراحة وإلاَّ فهو كالكلب العقور إن تمكن مادياً أو معنوياً.

إن القرآن المجيد يتعرض لهكذا أفراد في بعض آياته، ولكنه لا يتعرض إلى عقدهم أو أسمائهم.

فالفرد الذي قتل غريزته، وأصرّ على معصيته مع مرور الأيام، سيضحى قسيّ القلب،مجرداً من العواطف والمشاعر والأحاسيس الإنسانية، وسيكون مصداقاً للآية المباركة.

(إنَّ شرّ الدوابّ عند الله الصُمُّ البكمُ الذين لا يعقلون) (الأنفال/22).

إن الإنسان الذي يمتلك فكراً ولا يستفيد منه أو يستخدمه في التفكير، أضل من الحيوانات وأكثر ضحالة من الكلاب المسعورة، فالذي ماتت فطرته قتل في بعض الأحيان غريزته الدينية، بسبب قتله لغريزته الجنسية قبل ذلك، ولهذا برزت فيه عقدة الحقارة التي ساهمت في قتل فطرته الدينية؛ ومن فعل ذلك دخل ضمن دائرة المشمولين بالآية المباركة.

(ولقد ذرأنا لجنّهم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون) (الأعراف/178).

فقتل الفطرة الدينية معصية كبرى، وعدم الاهتمام بالغرائز الجنسية، والرغبات النفسية، والميل إلى الغذاء وباقي الغرائز الاجتماعية يخرج الإنسان من ضمير الشعور إلى ضمير اللاشعور فيصاب الإنسان عندها بعقدة نفسية حادّة لا يمكن الخروج عليها، وإن استطاع الخروج عليها لم يكن ذلك بالأمر الهين عليه.

الحياة من منظار إسلامي

إن الاقتصاد الإسلامي يقسم الحياة إلى ثلاثة أنواع: الحياة الضرورية، الحياة المرفّهة، الحياة المترفة.

1 ـ الحياة الضرورية

وتعني: أن للإنسان كلّ الحق في الانتفاع ما هو موجود على هذه الكرة الأرضية من طعام أو لباس أو سكن بدون أن يكون مسرفاً أو مقتراً، وإذا ما سعى الفرد حثيثاً لتأمين هذه المسائل له ولأفراد عائلته، مَنَّ الله عليه بالثواب والأجر الجزيل. " الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله "[3].

وأمّا المقصر في هذا السعي من أجل أسرته، فلا يعدّ إلاّ مخطئاً وعاصياً لما جاء في شرعة الله الحقّة، فالذي يتمكن من العمل والكدّ على عياله، ولا يفعل ذلك يعتبر مضراً بحق الناس! وإن أصل هذا الإضرار حرام، لذا يكون ترتيب وضع الأسرة واجب ولازم، ومن لم يستطع ذلك لعلَّةٍ فيه أو مرض، وجب على الدولة الإسلامية الالتزام بتهيئة الطعام واللباس والمسكن وباقي المسائل الضرورية لهذه الأسرة التي يكون مُعيلها غير قادر على ترتيب أوضاعها بالشكل الطبيعي؛ هذا بالإضافة إلى مشاركة الجميع في هذا الأمر الخيري.

وبصدد هذه القضيّة قال تعالى في محكم كتابه الكريم.

(لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفساً إلاَّ ما آتاها) (الطلاق/7).

وتعني هذه الآية الشريفة، أنه: يجب على كلّ فرد أن يمرّر حياته الضرورية على قدر إمكانيته، فمن تمكن من إدارة أسرة، أسرتين، عشر أسرٍ فلا يبخل بتلك الإدارة (لينفق ذو سعة من سعته)، وأما ذلك الذي لا يتمكن من فعل ذلك فلا بأس عليه من التصرف على قدر إمكانيته.

فمن استطاع توفير لقمةٍ واحدة من طعامه، أو لباس واحد زائدٍ عن حاجته، أو تمكّن من إسكان أحدهم (مستضعف) معه في داره، عُدَّ مساهماً في تهيئة الحياة الضرورية للآخرين، ولهذا يجدر القول: إن هذه الآية الكريمة تفهمنا بأننا جميعاً مسؤولون.

كلكم تذكرون خطبة رسول الله (ص) في آخر جمعة من شهر شعبان والتي جاء فيها تذكير الجميع بضرورة الإنفاق في سبيل الله، وعندها قام له أحدهم ليقول: وكيف بالذي لا يملك شيئاً؟ فيرد عليه الرسول (ص): " ولو بشقَّ تمرة " أو " ولو بشربة من ماء ".

إن معنى هذه الرواية هو معنى تلك الآية المباركة، فمن استطاع أن يتصدق بتمرة فليفعل، ومن تمكن من إنفاق شربة ماء فلا يبخل بها على الآخرين، فالذي منحه الباري تعالى إفطاراً يستطيع أن يُؤثر على نفسه بعض الشيء ليقدمُه إلى الآخرين من الذين لا يمتلكون شيئاً يطعمونه؛ ولا أريد في هذا المجال أن أتعرض لمسالة التضحية والإيثار لأنها مسالة أخرى غير التي نبحث فيها.

فبحثنا يدور حول الحياة الضرورية أو متطلبات الحياة وضرورة توفّرها لجميع البشر، فهي من منظار إسلامي تعتبر أمراً واجباً ولازماً، ولا معنى لعبادة ذلك الذي يتعبّد ويُذهب بحياته الضرورية أدراج الرياح، حيث لا يمكن أن يقبل الإسلام حالة بضعة نفرات يجلسون إلى موائد الطعام يأكلون ويشربون، ويجلس إلى جانبهم فقيرٌ معدمٌ عاجزٌ لا يتمكن من ترتيب وضع وجبة طعام واحدة.

إن الإسلام وشرعته الحقّة، والإنسانية بصورة عامة ترفض أن يعيش هذا البشر بدون أن يكون له ملجأ يأويه من حرّ الصيف وبرد الشتاء، ولبا يستره، وطعام يسدّ به جوعته.

2 ـ الحياة المرفّهة

لقد عدّ الإسلام العظيم الحياة المرفّهة حياةً محمودة، بل حتى إن القرآن الكريم حبّبها إلى الناس، وأن الرسول الأكرم (ص) ذمَّ أولئك الذين يحملون في أذهانهم أفكاراً منحرفة تقول بالتنكر لهذه الحياة المرفّهة، من مثل الامتناع عن تناول الغذاء اللذيذ وما إلى ذلك.. ومن أجل ذلك قال الباري تعالى في محكم كتابه العزيز.

(قُل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الزرق) (الأعراف/32).

أيها المسلمون! إن كل ما خلق الله تعالى في هذه الدنيا هو من أجلكم، فلم لا تستثمرونه؟ ولماذا تحرّمون على أنفسكم استطعام الغذاء اللذيذ؟ أو تمنعون أبناءكم من الزواج أو التمتع باللذات التي أباحها الله تعالى لهم؟.

فالكافر يأكل في هذه الدنيا من أجل عينك، ومن أجل وجودك، فلم هذا التحريم على نفسك، وقد أباح الله لك حلال الدنيا، وجميع ما في الحياة الآخرة.

إن هذه الآية المباركة تخبرنا بأن الحياة المرفّهة ينبغي أن تكون من نصيب جميع أفراد البشر، وأن الإسلام أجاز للرجل ذلك إن استطاع أن يرفّه عن نفسه وعن باقي أفراد أسرته.

إن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد ناضج وناجح، هذا إذا طبق بالشكل الذي يكون فيه قانون المواساة اساساً له، ولكن حينما يُنسى قانون المواساة، ويرفع من البين الاجتماعي يضحى الاقتصاد الإسلامي غير فاعل في المجتمع؛ ولقد أخبرتنا الروايات كثيراً عن تأسف الرسول الأكرم (ص) ولعدة مرات على عدم الالتزام بقانون المواساة.

الجميع يجب أن يحيوا حياةً مرفهةً، ومن حرم نفسه من ذلك فقد عصى ربّه، بل لم يمارس إلاّ عملاً خاطئاً غير صائب، على حدّ قول القرآن المجيد: لا ينبغي فعل ذلك بتاتاً: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده " وكذا بالنسبة للرسول الأكرم والأئمة الأطهار فهم الآخرون كانوا قد أوصوا بضرورة التمتع بحياة طيبةٍ سعيدةٍ ومرفعة، وتنكّروا لأولئك الذين يضيرون بحياتهم، ويتلاعبون بمقدرات عوائلهم وأقربائهم وأصحابهم.

نرى في بعض مجتمعاتنا الإسلامية أن السيدة الفلانية ترفض الزواج بعد أن استشهد زوجها منذ مدّة طويلة، ناهيك عن رفضها لخلع الملابس السوداء، هذا بالإضافة إلى غضبها حينما يذكر عنها أسم الزواج!.

ونقول لها: إن غضبها ذاك لا مبرّر له بالمرّة، وأنه خلاف ما جاء به الإسلام العظيم.

إن الشاب الذي يستطيع أن يتزوج ولا يفعل ذلك، والبنت التي تروم الزواج وترفض الخاطبين متبجحين بأن الوقت لم يحن بعد لا أظنهم صادقين في عواطفهم وفي حديثهم ذاك، ولا بأس عليهم أن يسألوا غرائزهم الجنسية ليأتي الجواب من تلك الغدد التي ترشحت في الدم، وليس من اللسان، وليحاولوا أيضاً توجيه السؤال لنبيهم الأكرم محمد بن عبد الله (ص)، ليجيبهم بصراحة.

" النكاح سنتي، فمن رغب عن سُنتي فليس مني "[4].

إذن، هذا الحديث يخبرنا بعدم إسلامية ذلك الشاب الذي يستطيع الزواج ولا يتزوج، وعدم إسلامية تلك البنت التي ترغب في الزواج وتتبجح بحجج واهية ما أنزل الله بها من سلطان، حالها حال تلك الأرملة التي تغضب وتثور حينما يورد اسم الزواج عندها.

وهنا ينبغي لنا القول وتوجيه الخطاب للفتيات والفتيان الذين يمتثلون للعقائد المخالفة للإسلام، والمناهضة لشرعة محمد بن عبد الله (ص) وسنّته القائمة إلى يوم القيامة، بأن عليهم أن يتدبّروا كتاب الله العظيم، وسنّة الرسول الأكرم (ص)، وما جاء عن الأئمة الأطهار من آل بيت الرسول (ص)، وأن يسمعوا ويطيعوا للمراجع العظام والعلماء الأعلام، لكي يطمئنوا بأن امتناعهم ذاك خطأ فاحش، ومعصية كبرى، لأنَّه يدخل في دائرة البدع التي ينبغي للعلماء أن يفندوها من خلال إظهار علمهم للناس، قال رسول الله (ص):

" إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله "[5].

3 ـ الحياة المترفة

وهي إحدى أنواع الحياة التي يرفضها قانون الإسلام ويذمّها بشدة، ويعتبر الممارس لها فاسقاً، وهي الحياة التي تجعل الإنسان يتغير في جميع مفاصل مسيرته، أي المقيّدة للإنسان بشكل ممجوج، نظير الزواج الذي يعمل به الفتيات والفتيان على أيامنا هذه، وأعني الزواج الترفي، بالإضافة إلى التقيّد بالسكن الترفي، أو ارتداء اللباس الترفي.

والترف هنا يعني البطر؛ فقد نرى رجلاً متزوِّجاً ولا حاجة له بزوجة أخرى، لكنه يجري وراء النساء بطراً، وتشبهاً، وترفاً، وقد تفعل إحدى النساء ذلك، حيث تحاول أن تطلب الطلاق من زوجها الذي وفّر لها كل شيء، لتتزوج رجلاً متشبهاً بالغرب، أو يعرف كيف يلبس لباس الأجانب بطراً وترفاً وتشبهاً في بعض الأحيان، وهذا لا يجرّ على مثل هذه المجتمعات المترفة، والبطرة غير الهلاك والتدمير.

قال تعالى في محكم كتابه:

(وإذا أردنا أن نهلك قريةّ أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمَّرناها تدميراً) (الإسراء/16).

وقال أيضاً في سورة أخرى:

(وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال، في سمومٍ وحميم، وظلٍ من يحموم، لا باردٍ ولا كريم، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين) (الواقعة/41 ـ 45).

لذا ينبغي على البشر أن لا يكون بطراً.. تزوج ولكن لا تجري وراء كلّ من ترى، وتجمل ولكن لا تعمل من شعر رأسك موديلاً لنساء محلتك، إن هذا الشيء مرفوض، ولا يمكن أن يعمل به المسلم العاقل الرزن.



[1]  وسائل الشيعة: ج14، ص 74.

[2]  الكافي/ ج2، ص85.

[3]  وسائل الشيعة/ ج12، ص43.

[4]  بحار الأنوار/ ج103، ص 220.

[5]  أصول الكفاية / ج1 باب البدع والرأي والقياس.