:الموضوع

الاختلاف بين خلقتي الرجل والمرأة رحمة

الموعظة

انموذج للتعاليم الإسلامية

الاختلاف بين خلقتي الرجل والمرأة رحمة

لقد أسلفنا أن وجود الرجل تعقلي وبالنتيجة فإنه أعقل من المرأة، وذكرنا أن وجود المرأة عاطفي وبالمحصلة فإن عاطفتها تغلب على عاطفة الرجل.

هذا الفارق ليس تمييزاً وحسب بل هو معلم وآية من آيات الباري ـ جلت قدرته ـ ومنشأ السكون والمحبة والرحمة بين الرجل والمرأة.

(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون).

المرأة غير ناقصة العقل

هكذا قالها المرحوم العلامة الطباطبائي، قال، إن قضية ذكر الإسلام لمسألة خلق المرأة والنقص في عقلها ملاصق لها هي قضية خطط لها الغربيون. والجدير بالإشارة إليه أنه ليس في عقل المرأة نقص، والعراقيل والاشكالات التي قد تصدر من المرأة مرجعها للتأثير العاطفي الشديد الذي تتسم به النساء على السواء مما يجعلها تفقد السيطرة على زمام الأعمال التي تتصف بالحلول العقلانية. لهذا منع الإسلام المرأة من ممارسة التكاليف التي تتسم بتحكيم العقل مجرداً عن العاطفة من مثل القضاء والجهاد والحكومة.

فالمرأة من هذه الناحية تتفاضل مع الرجل في كونها سبب السكينة والهدوء وإزاحة القلق والاضطراب، بينما الرجل وبسبب إنجازه للأعمال الاجتماعية المختلفة وإدارة المنزل يحظى بأفضليته عليها، وعليه فالرجل والمرأة وجهان لوجود واحد، إذن يجب أن يسعيا معاً فمن جهة وجود الرجل "الوجود التعقلي" وتدبيره وإدارته مالياً وتربوياً للأسرة، ومن جهة أخرى المرأة "الوجود العاطفي" التي يلزم أن تكون متواضعة ومطيعةً وأذناً صاغية قبالة الرجل "الوجود التعقلي".

صفات النساء الجديرات

(فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) سورة النساء، الآية: 34.

لقد وهب الله سبحانه وتعالى المرأة الجديرة أو اللائقة صفتين:

1 ـ التواضع والطاعة

إن من صفات المرأة اللائقة هو الالتزام بتنفيذ أوامر الزوج والتواضع له وعدم ملاسنته أو الرد عليه وترك المسائل أو القضايا التي تجر إلى المخاتلة، وعدم مخالفتها لما فطرها الله عليه.

المرأة المسلمة حقاً هي المطيعة المصغية لأوامر زوجها ونواهيه، فهو رب الأسرة الذي له أن يدير شؤونها، لكن من غير امتهان وتسلط.

2 ـ حق الرجل على زوجته

للزوج أن يأمر زوجته، ولكن ليس في مجال تنظيف الملابس أو تهيئة الغذاء وشبههما، لأنه ليس للرجل حق في هذه الأمور فحقه الاستمتاع فقط.

ومع أنه ليس للزوج حق في إصدار أوامره لزوجته في تهيئة الغذاء أو كي الملابس أو مناولته قدح ماء، فإنّ على الزوجة أن تطهو الطعام وتهيئ اللباس النظيف والجو الحياتي اللازم لمعيشة هادئة، ذلك ما تقتضيه المحبة الصادقة والذوق السليم من الزوجة الصالحة(1).

وليس الأمر مرتبطاً بما للرجل على المرأة من حقّ شرعيّ يجب أن تنفذه فقط وإنما هو أوسع من ذلك وأعمق، فلو طلب أي منهما شيئاً خارج ذلك الحق كان على الآخر تنفيذه انطلاقاً من المحبة والتعاون لا من الوجوب الشرعي.

3 ـ العفة

إن الصفة الثانية من صفات المرأة المسلمة هي "العفة"، في الخلاء وفي الجلاء أي: في السر والعلن، فتحفظ زوجها في حضوره وغيابه.

وظائف المرأة

من واجبات المرأة المسلمة التهيؤ لاستقبال زوجها قبل حضوره المنزل والتبسم في وجهه ساعة دخوله وإظهار السرور به والمودة له والإصغاء لما يقول وإشعاره بالرضا عنه.

وظيفة الرجل حيال المرأة غير المطيعة

لقد جاء في القرآن الكريم: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن) سورة النساء، الآية: 34.

 

الموعظة

هي الإرشاد الممزوج بالتلطف والتحبب إلى الشخص المراد نصحه

فيجب أن تكون كالشمس التي لا تبخل بنورها الذي تبعثه من كل جوانبها، وأن تنبعث من الدليل السهل الجميل.

ويختلف النصح باختلاف الإنسان المنصوح له، فإذا كان امرأةً استدل الناصح بالقضايا العاطفية والنفسية، وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله الحكيم: (وجعل بينكم مودة ورحمة). أي أنه لا داعي للوعظ العقلي المستند للبراهين المنطقية الجافة.

فإذا قصرت المرأة في واجباتها خوطبت بلطف ومحبة يوقظان عواطفها، فإذا دخلت، واستقبلتك زوجك بلباس الطبخ وعليها البرم والنصب يجب أن لا تصرخ في وجهها وتطلق لسانك عليها.

وإنما عليك أن تعاملها بلطف وهدوء ومحبة، وتذكرها بألطف قول أن مثل هذا يخفض حرارة الود في الأسرة.

 من منظار أحد علماء النفس

قال أحد علماء النفس: على الزوج الجيد أن ينظف حذاءه من الطين العالق به حين الدخول إلى المنزل، وعليه أن ينحي الغم والضجر والقلق من صدره والعبوس من وجهه قبل وروده إلى المنزل كما فعل بالطين العالق بحذائه.

وكذا الزوجة عليها أن تنظف المنزل وترتبه، وتخرج الكناسة منه، وأن تخرج الغم والأذى والفتور من ساحة الأسرة إخراجها الأوساخ من ساحة المنزل.

 انموذج للتعامل الإسلامي

نضرب لك مثلاً على التعامل الإسلامي فافترض أنك شاهدت المنزل ساعة دخولك غير نظيف أو غير مرتب، ولا يليق بحياة إسلامية.

ماذا تفعل؟

يجب أن تعظ امرأتك موعظة حسنة، وتنبهها على النواقص بلطف مذكراً أن النظافة من الإيمان، ثم تشير إلى تأثير الجو النظيف في تربية الأبناء وسلامتهم ورشدهم متحدثاً عن واجب الأبوين في هذا الصدد.

ومثل هذا الحديث اللين المهذب سيؤثر في الزوجة، ويزيل ما يؤخذ عليها، فالموعظة التي تبدأ باللطف وتنتهي بالبيان لابد أن تكون طيبة الثمار.

 تكرار النصيحة

كان أستاذنا المرحوم "آية الله العظمى البروجردي" يكرر ويلح على بعض المسائل التي كانت صعبة الفهم على بعض الدارسين في مدرسته حيث كرر في وقتها "قاعدة الفراغ" سبعة عشر يوماً، والغرض الأساسي من هذا التكرار هو إرساء قواعد الفهم في ذهن الدارس أولاً، وإقناعه بالموضوع المدروس ثانياً.

وفي بعض الأحيان يتطلب التكرار استبدال الألفاظ التي تتناول الموضوع الرئيسي لما له من تأثير في عملية الإقناع. والتكرار للموعظة يستلزم سعة الصدر والترفع على الانفعال والتوتر اللذين يوسعان الهوة بين الناصح والمنصوح له.

فالإنسان المسلط على عقله وقلبه يحظى دوماً بالنصر والوصول إلى أهدافه، حاله حال الكليم موسى (ع) الذي طلب من المولى بدعائه أن يساعده في شرح صدره وتيسير أمره فقال: (قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي) سورة طه، الآيات: 25 ـ 28.

فالآية الشريفة تشير بوضوح إلى أن من يملك نفسه عند الغضب ويفتح قلبه للآخرين يستطيع بلوغ غاياته وحل مشكلاته. ويستجيب له الناس.

أثر المودة في الحياة الزوجية

إن إيفاء مسؤولية الأسرة يتطلب الصبر وسعة الصدر والايثار والعفو والعقل المخطط والاستفادة من المعلومات التي تدخل ضمن هذا المضمار؛ فإدارة البيت والمحافظة على سلامة الأسرة يوجزها قولهم السائر: "رئيس القوم خادمهم".

لقد ذكرنا أن أقصر الطرق لإدامة البيت السعيد هو استخدام العطف والمودة وإيجاد الانسجام بالتفاهم والتناصح، وإلى هذا أشار القرآن في حديثه عن لقمان (ع): (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) سورة لقمان، الآية: 13.

في هذه الآية الشريفة يتجلى لنا مقام الموعظة وأثرها مقروناً بالتلطف والعطف وما يبديه لقمان الحكيم لابنه معتمداً الاستدلال أساساً في التحدث إليه ومجتنباً التحقير أو الانتقاص منه لما للتحقير والانتقاص من أثر سلبي يطيح بالمقاصد السامية التي يرنو إليها، بل وقد يتسبب في خروج الابن على الأعراف والقيم السامية.

الاستنارة بالروايات في الموعظة

لموعظة الأهل يستنار بما ورد عن أهل البيت ـ (ع) بحسب المناسبة.

فيقال مثلاً: ورد في الروايات أن من يطول لسانها على زوجها يجر يوم القيامة حتى يطأه الحشر جميعاً.

أو أن الرسول الأكرم (ص) رأى ليلة المعراج نساء علقن من ألسنتهن في جهنم، فسأل جبرئيل (ع) عن ذلك، فقال: هؤلاء من أطلن ألسنتهن على أزواجهن.

ولابد من عرض هذه الروايات بمنتهى اللطف وعدم المس بإحساس المخاطب بها، وإلا أضرت كثيراً.

خلاف المرأة والرجل

يجب الانتباه على أن الكدر ينشأ من تقصير الطرفين عادة.

وهذا لا يعني ان المقصر هو المرأة وحدها أو الرجل وحده، بل الباعث هو حب النفس وضيق الصدر.

فلو أن جماعة اتسع صدرها، وتخلت عن الأثرة، لولى النزاع، وارتفع الكدر.

فلو كان الحديث مع الزوجة التي تجاسرت أو ما فتئت تتطاول عليه في حديث لا يليق لكان من الأنسب أن يذكر لها ما روي في المرأة التي ترد على زوجها بما لا ينسجم والحياة الزوجية وكيف أن لسانها أصبح طويلاً على حدٍ كان الناس معه يسحقونه تحت أقدامهم، أو تلك الرواية التي تتطرق إلى أن الرسول (ص) في ليلة المعراج رأى بأم عينه كيف أن عدة من النساء قد شددن من ألسنتهن إلى عالٍ حينها سأل الرسول (ص) جبريل عن سبب هذه الحالة فأجاب أن هؤلاء النسوة من النساء اللاتي يرددن القول على أزواجهن بما لا يليق وكن السبب في تعاسة الأسرة الواحدة.

طبيعي أن بيان مثل الأحاديث التي تحمل في جنباتها العظة والنصح ينبغي أن تسدى بشكل تشوبه الرحمة والمودة واسباغ العاطفة والتلطف أثناء سردها والابتعاد عن الحدة والإساءة إلى الشخص الذي يراد نصحه خوفاً من الوقوع في الآثار السلبية التي سوف تتسبب في نتائج لا تحمد عقباها.

منشأ الخلاف بين الرجل والمرأة

من الجدير بالذكر أن أكثر الخلافات التي يمكن أن تحصل بين الرجل والمرأة يرجع سببها إلى الطرفين. وكذا لا يمكن أن نعتبر المرأة فقط السبب الأساسي في الخلافات المنزلية ولا الرجل لوحده هو المخطئ، ويمكن أن نعزو السبب إلى عدم رحابة الصدور إلى حب الذات والتنكر للطرف المقابل وهذا قد يشمل الطرفين [الزوج والزوجة] على السواء.

ومن بديهيات الحياة أنه لا يوجد اثنان يتفقان اتفاقاً فكرياً وأخلاقياً، ومن الجملة الرجل وزوجه، لأن هذا التوافق يحصل بين الأنبياء والأولياء فقط لما لأرواحهم من اتحاد وتسليم محض لأمر الباري تعالى.

ومن هنا لا يتوقع أن يتفق الزوج والزوجة على كل الجزئيات فالاختلاف هو أحد الأمور الطبيعية التي لا ينبغي ان تؤثر في الأسرة تأثيراً سيئاً وتزلزل استقرارها.

إن الحل لمسألة الاختلاف في الأسرة هو التحمل وتقبل ما يقال برحابة صدر، فالزوج أو الزوجة يجب أن يضعا في ذهنيهما الابتعاد عن الحدة والصراخ أو الانتقاد الهدام، ويسعيا للتفاهم بكل هدوء ورحابة صدر وبالوعي وضبط النفس، يمكن أن تتضح الأمور ويزول الخلاف بسرور فإذا صفا الجو يشهدان الله ـ تعالى ـ على ما كان السبب الأساسي في بروز ذلك الخلاف.

ميل الرجل

من الرجولة وكمال الشهامة أن يعتذر الزوج لزوجته حينما يتبين له أنه كان السبب في بروز الخلاف. ولو اتضح للرجل تقصيره وظهر أنه هو السبب الأساسي في الخلاف لتعذر عليه أن ينصح لزوجته إذا قصرت بعدئذٍ، وما كان لمواعظه ونصائحه من أثر مستقبلاً. لأنه هو الأولى بالنصح.

وبصدد هذه القضية تفضل استاذنا الكبير القائد العظيم للثورة قائلاً: إن المثل الشائع: "كلمة الرجل واحدة" ليس صحيحاً، فالرجل الذي يشتبه في ارتكاب قضية خلافاً للعرف أو الشرع يجب أن يعترف بذلك، لأننا لسنا معصومين، ومن المسلم به أن نقع في الخطأ.

فعلينا أن نقر بأخطائنا، فذاك من القوة لا من الضعف، ومن الكمال لا من النقص.

والشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون موفقاً في حياته هو ذلك الشخص الذي يتمتع بأخلاق كريمة تساعده على تقبل الحقائق برحابة صدر.

وبغير هذا سوف يكون إنساناً مستبداً وغير مقبولاً في المجتمع.

ومن علامات المروءة والشهامة إعطاء الحق لأصحابه إذا علم بأنه ليس بصاحب لذلك الحق.

وقد ينزغ الشيطان للرجل في أن الاعتراف للزوجة بالحق يجعلها امرأة جسوراً لا توقر زوجها ولا تسمع له.

غير أن منطق الإيمان لا يزن بهذا الميزان، فالإمام الحسن (ع) في معرض حديثه لجنادة قال: "من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطنة فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاته".

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) سورة مريم، الآية: 96.

 التغاضي عما مضى:

من الصفات الأخرى التي ينبغي أن يتصف بها كل من الرجل والمرأة التغاضي عن الأخطاء السابقة لحفظ مركزية توجيه الأسرة هذه الخصلة الحسنة تتجلى في سيرة الأئمة المعصومين وأنبياء الله (ع) هؤلاء العظام الذين طالما تجاوزوا عن أخطاء الناس وتناسوا ما سلف.

وفي أحد الأيام دخل المدينة رجل من أهل الشام، وقع نظره على الإمام الحسن (ع) وكان لا يعرفه، ولكن بعد أن تجلت له هوية الإمام التي سبقتها أسئلته عن شخص الإمام الحسن، امتعض هذا الرجل الواقع تحت تأثير إعلام السوء الذي كان يتبناه أعداء بيت العصمة آنذاك، وبدأ يكيل السباب والشتائم إلى الإمام (قربة إلى الله)؛ وبعد أن أخلى ما في جعبته من الكلام البذيء الذي لا يليق عرفاً ولا شرعاً، التفت إليه الإمام الحسن (ع) من دون أن يظهر عليه شيء من الغضب أو عدم الارتياح، ونظر إليه نظرة ملؤها العطف والرحمة تالياً من القرآن المجيد ما يخص الأخلاق الحسنة، مضيفاً إليها نحن مستعدون لكل مساعدة تريد.

ثم سأله: "هل أنت من أهل الشام؟".

فأجاب "نعم".

بعدها تفضل الإمام قائلاً "أنا لي معرفة سابقة بهذا التعامل والأخلاق وأعلم منبع تلك الأخلاق الفاضلة؛ يا رجل إنك غريب في هذا البلد وقد تكون لك حاجة يمكن أن أقضيها لك فانزل علينا نكرمك: نكسوك وننقذك".

وقف الرجل الشامي إزاء الإمام (ع) مذهولاً، متعجباً لأنه كان يتوقع عكس ذلك، ولم يكن ليتصور أن الإمام يمتلك عفواً على هذه الشاكلة، وقال: ليت الأرض انشقت وابتلعتني قبل أن أفعل ما فعلت، فوالله ما كان أبغض إلي من الحسن وأبيه قبل قليل، وليس أحد أحب إلي الآن منهما سلام الله عليهما.

 مثال آخر من الروايات:

جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:

"العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين".

وكذا قال أمير المؤمنين علي (ع) بصدد العفو:

"إذا قدرت على ظلم الناس تذكر قدرة الله عليك" و"العفو عند المقدرة"(2).

وقال لهم: أنتم الذين جعلتم مني أن أكون عزيز مصر؛ وبعد ملاقاته لأبيه مروراً بسني الهجرة التي جاوزت الأربعين سنة قال لأبيه: "إن الشيطان نزغ بيني وبين أخوتي".

وتجاوز كذلك عن ظلم زليخا التي أدت به على أن يمضي تسع سنين في غياهب السجون.

فليكن التجاوز عن الأخطاء الذي فعله الأنبياء وأولياؤهم ومن سار على نهجهم درساً وعبرةً؛ وهو ما تفصح به هذه الآية الشريفة:

(وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم) سورة النور: الآية: 22.

 تأثيرات الماضي

إذا ما تغاضى الإنسان في محيط الأسرة أو المجتمع بشكل عام عن الأخطاء الصغيرة كان لذلك أثر حسن، وأثمر التصافي والتحابب.

المهم في هذا التصرف أنه مدعاة لعفو الله ـ تعالى ـ في الآخرة عن الأخطاء والذنوب التي أقترفها هذا الإنسان المتجاوز عن أخطاء الآخرين.

فوجود العفو وغض النظر عن بعض الأخطاء داخل الأسرة يحفظ سلامة الأسرة، ويبعث على الفوز بغفران الله سبحانه وتعالى.

فما أطيب أن تنيروا مشاعل الرأفة والعفو لتحرقوا بها الأخطاء فيما بينكم من أجل نثر بذور المحبة داخل أسركم لتتمكنوا من العيش بسلام في ظلم العفو والرحمة.

 تأثير التفاهم في الحياة

إن السعادة واللذة المعنوية في الأسرة الواحدة هي رهينة التفاهم، فمنه تنبعث الألفة والانسجام، وبه تحل الثقة والاطمئنان في الأسرة، ويستقر نظامها، ويشرق صفاؤها وسرورها.

وقد نقل "أحمد بن حنبل" في مسنده نقلاً عن عائشة قولها: "في أحد الأيام كان رسول الله (ص) في البيت وإذا بطبق من غذاء تحمله جارية "لصفية"(3) كانت قد أرسلته إلى رسول الله (ص)، وحين وقوع نظري على تلك الجارية أحسست برجفة تسري في بدني وكأني خرجت من عالم الآدمية، وأخذت بطبق الغذاء منها ورميت به بعيداً بعدها نظرت إلى رسول الله (ص) فرأيته مدهوشاً متحيراً تظهر على عينيه علامات الغضب والتنفر مما فعلت فلذت به من غضبه وقلت: يا رسول الله تجاوز عني ولا تدع عليّ. فقال: استغفري ربك يا عائشة.

قلت: وكيف ذاك يا رسول الله؟

حينها قال الرسول (ص): جهزي طبقاً مثل ذاك الذي أرسلته صفية، واطبخي غذاء مثل ذاك الذي أرسلته وأرسليه إليها، "أي إلى صفية"(4).

وبهذا الصدد تتعدد النماذج الكثيرة التي تحكي عن رحابة صدر النبي الأكرم (ص) وسعيه الحثيث في حل المشاكل بمعاملته الروحية والعقلية، مستنداً إلى القرآن الكريم في إسداء النصح إلى من كانوا يحيطون به.

ومن خلال وقوفنا على سيرة النبي الكريم (ص) ينبغي لنا أن نقتدي بهذه السيرة المباركة، ونغض أبصارنا عن التجاوزات والأخطاء الجزئية التي تتيح لنا فرص النصح والموعظة حلها وتجاوزها بكلام لين مهذب يشعر المخاطب بالمودة والرحمة.

إن الالتزام والتمسك بسيرة أهل بيت العصمة والطهارة والاستفادة من الروايات المتواترة عنهم يتيحان لنا معرفة الأسلوب الأمثل في التناصح والتفاهم سواء في حدود الأسرة أم في حدود الأمة التي لا تصلح إلاّ بصلاحنا، ولا ترقى برقينا في سلم الوعي الفاعل والشعور السليم.

 روايات أخرى

نذكر نماذج أخرى لما لهذا الموضوع من أهمية خاصة في حياة المجتمع:

نقل عن أحد المعصومين (ع): أفضل النساء امرأة قالت لزوجها في حال الغضب: يدي بيدك وأمري لأمرك مطاع(5). وكذلك قال (ع): إذا نامت المرأة وبعلها غير راضٍ عنها لعنتها ملائكة الله حتى تفيق من نومها(6)

وإذا ما تحدث الرجل مع أهله بهذه الروايات بطريقةٍ كان فيها منشرح الصدر متبسماً طبعت أثرها الحتمي على أهله.

 حسن الخلق

ليس من حق الرجل أن يعامل زوجته بشدة وحدة في حالة بروز الخلافات والمشاكل حتى ولو لم يكن له يد في بروز هذه المشكلات، إذ ليس من حق الزوج أو الزوجة على السواء الاخلال بقانون الأسرة وتفتيت نظام أول مدرسة لتعليم وتربية الأولاد.

ونقرأ في تاريخ الإسلام كيف أن الرسول محمداً (ص) شارك في دفن أحد أصحابه وكيفية مواراته بالتراب بيديه الطاهرتين في حين وقفت أم المتوفي على الجسد فتخاطبه قائلة: لن أبكي لأجلك، ولماذا البكاء عليك؟ وبيد رسول الله أنزلت إلى القبر؛ فأي سعادة هي التي حباك الله بها حين جعل رسوله (ص) ينزلك إلى مثواك.

وحين انصرفت أمه، قال رسول الله (ص) ووجهه صوب أصحابه؛ لقد اعتصر القبر فلاناً حتى هشم أضلاعه.

فقال أصحاب الرسول (ص) وكيف ذاك يا رسول الله؟ أو لم يكن من الصالحين؟

فأجابهم (ص): نعم، هو كذلك، ولكنه كان يسيء الخلق مع أهله.

وإذا ما كان الإنسان مسلطاً على عقله، غير سريع الغضب ممتازاً برحابة الصدر، فلن يكون هناك خلافات أسرية غير قابلة للحل، علاوة على الراحة التي سيحظى بها في أول ليلةٍ في القبر، إضافة إلى تجاوز الله تبارك وتعالى عن خطيئته يوم يقوم الاشهاد.

 حسن الظن

تحظى مسألة حسن الظن بأولوية التفكير الجاد في المجتمع والأسرة إذ يجب التفكير والحكم على المسائل والقضايا بعقل يخالطه حسن الظن، لأن العيش في الخيال وإساءة الظن بالآخرين يسبب عقداً كثيرة تجر إلى الانطواء والأمراض العصبية والاغتياب، وإشاعة قضايا ما أنزل الله بها من سلطان.

وفي يوم القيامة يحشر الذين يسيئون الظن بالآخرين على هيئة الذباب، لأنهم كانوا في الدنيا يلوثون المجتمع ويعيبون على الناس وينتقصون منهم حالهم حال الذباب الذي يلوث الغذاء والهواء.

فالإنسان جدير أن يرى كمالات وألطاف الآخرين ويتجاوز عن نقاط الضعف والأخطاء التي يمكن أن يمارسوها.

وفي قصة عن نبي الله عيسى (ع) أنه كان ماراً على قريةٍ برفقة أصحابه، وفي الطريق شاهدوا معزاةً ميتة تثير على الانتقاد، وقتها بدأ أصحاب النبي (ع) بالتعرض للمعايب التي كانت فيها أما عيسى (ع) فقد قال: "اعجب لأسنان هذه الميتة كم هي بيضاء ناصعة".

وفعلى نبي الله عيسى (ع) هذا يعلمنا كيف نسدل الستار على عيوب الآخرين ويدلنا على أنه حتى الميتة فيها نقاط مدح إيجابية.

 صفات الزوجة المثالية

لقد أشارت أغلب الأحاديث إلى صفتين من صفات الزوجة المثالية؛ وهنا نعرض صفات أخرى.

 الزوجة ظهير لزوجها

من الصفات الحسنة للزوجة المثالية أنها لا تستبدل بزوجها كل عالم المخلوقات؛ ولهذا الأمر عدة حالات:

أولاً: في الحالات التي يمكن أن يتقول أقاربها ومعارفها على ما لا صحة له ولا يليق بزوجها، ترد ما يفترون رداً مؤدباً جريئاً مهذباً يحفظ الحق على أهله.

ثانياً: سلوكها وعملها يتساويان في الغنى والضنك، بل تتقرب إلى زوجها وتتواضع له أكثر حينما يمر بحالات الفقر والفاقة وضنك العيش، مستعينةً بالصبر، محافظةً على توازنها قبالة المشاكل المادية.

ثالثاً: عدم طرح الخلافات والأخطاء الخاصة بالأسرة خارج نطاقها.

الهوامش:

(1) طبيعي، إن التعامل في المؤسسات الإسلامية ومنها القوات العسكرية والجيش يجب أن يقوم على المحبة والألفة والتفاهم، وإذا قدر أن يكون التعامل جافاً وقانونياً بحتاً، فلن يوفق أحد في إنجاز عمل بالشكل المطلوب، ولن يمكن تحقيق القانون في مؤسسات القوات العسكرية بغياب المحبة والذوق وبذلك سوف ينعكس على مجمل المجتمع ومنها أسر القوات العسكرية نفسها.

(2) سفينة البحار، مجلد 2 صفحة 208.

(3) اسم إحدى زوجات النبي "ص".

(4) مسند أحمد، ج6، ص272.

(5) بحار الأنوار ج103 باب أصناف النساء.

(6) المصدر السابق نفسه.