.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

العمل والشريعة الإسلامية

عمل الزّوجة

المرأة والعمل السياسي

خاتمة

 

العمل والشريعة الإسلامية

لقد دعت الشريعة الإسلامية إلى العمل، وأكّدت الحثّ بما لا مزيد عليه من النصوص والمفاهيم والمواقف العمليّة.

منها قوله تعالى: (هو الذي جعل لكم الارض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النّشور). (الملك / 15)

ومنها قوله تعالى: (فإذا قُضيت الصّلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله).(الجمعة / 10)

ومنها قوله تعالى: (وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدّنيا).(القصص / 77)

وكما دعت الشريعة الإسلاميّة الى العمل والانتاج، أوضحت اختلاف الطّاقات والمؤهِّلات البشريّة، وضرورة التكامل بتبادل المنافع بين أفراد النوع البشريّ، قال تعالى: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخريّاً). (الزخرف / 43)

وكما حثّ القرآن على العمل والإنتاج وتبادل المنافع، اعتبر الرسول محمّد (ص) العمل والإنتاج جهاداً وعبادة، فقد جاء ذلك في ما رُوي عنه (ص) من قوله:

«الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»[1].

«العبادة سبعة أجزاء، أفضلها طلب الحلال»[2].

وقد كرّس الفقهاء جهداً كبيراً من دراساتهم وتحليلاتهم للعمل والانتاج ، فاستنبطوا أحكام الشريعة وموقفها من العمل الانتاجي والخدمي، وقسّموه من حيث الحكم الشرعيّ إلى خمسة أقسام هي:

1 ـ الوجوب: اعتبرت الشريعة الإسلامية العمل من أجل سدِّ الحاجة وإشباعها للنفس، أو لمن تجب إعالته، واجباً، بل أوجبت على المدين القادر على العمل أن يعمل من أجل قضاء دينه.

2 ـ اعتبرت العمل من أجل التوسعة في النفقة، وتوفير الرّفاه، وعمل البرّ والمعروف، من المستحبّات التي حثّت الإنسان على مزاولته.

3 ـ حرّمت الشريعة الإسلامية العمل في الأشياء المحرّمة؛ كصناعة الخمر والمخدِّرات والرّقص والزِّنا  الخ، كما حرّمت كل عمل يقود الى الوقوع في الحرام، وإن كان محلّلاً بذاته.

4 ـ اعتبرت الشريعة الإسلامية بعضاً من الاعمال عملاً مكروهاً بذاته، أو لاجل غيره.

5 ـ وفيما عدا ما ذكرنا آنفاً، فانّ الاصل الذي ثبّتته الشريعة الإسلامية في العمل هو الإباحة، وبذا يكون العمل من أجل جمع المال وزيادة الثروة أمراً مباحاً، ما زال يجري وفق المباح في الشريعة.

وعند دراسة وتحليل مفاهيم الآيات والنصوص لا نجد فيها ما يمنع المرأة من العمل، ويخصِّص الإباحة بالرّجل، وإن ورد حثّ الرّجل ومخاطبته في بعض النصوص.

عمل الزّوجة

حدّدت الشريعة الإسلاميّة الأحكام الخاصّة بعمل الزّوجة بالآتي:

1 ـ من حقّ الزّوجة أن تشترط على الزّوج أن لا يمنعها من العمل في عقد الزّواج.

2 ـ أن يوافق الزّوج على عمل زوجته بالتفاهم بينهما؛ إذا أرادت العمل من غير شرط مسبق. وفي حال عدم موافقة الزّوج على عمل زوجته فلا يعني ذلك أنّ الشريعة الإسلامية هي التي منعت المرأة من العمل، بل إنّ ذلك يعود للعلاقة بين الزّوج وزوجته.

3 ـ إذا تزوّجت المرأة، وكانت قد أجّرت نفسها للخدمة مدّة معيّنة مع آخرين، فإنّ عقد العمل لا يبطل، وإن كان العمل منافياً لحقّ الزّوج.

4 ـ إذا تعاقدت الزّوجة على إجارة نفسها للخدمة من غير علم الزّوج، توقّفت صحّة الاجازة على موافقة الزّوج فيما ينافي حقوق الزّوج، وينفذ العقد فيما لا ينافي حقّه.

5 ـ يسري حكم إجارة المرأة نفسها للخدمة على كل عقد للعمل تبرمه المرأة.

ومن خلال دراسة أحكام الشريعة لا نجد نصّاً يحرِّم العمل على المرأة بالعنوان الاوّلي.

وانّما يستدلّ من يحرِّم العمل على المرأة خارج البيت، ويعترض البعض بأنّ عمل المرأة ضمن مؤسّسات العمل المختلطة يقود الى الفساد والوقوع في المحرّمات، أي أنّ الحرمة جاءت بسبب ما يؤدِّي إليه الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء خلال ممارسة الأعمال من الوقوع في الحرام.

وبذا تكون تلك الحرمة حرمة بلحاظ العنوان الثانوي لا بلحاظ العنوان الاوّلي، وبعبارة أخرى هي من باب تحريم مقدّمة الحرام (سدّ الذرائع)، أو تحريم المباح الذي يقود الى الوقوع في المحرّم.

وينبغي أن نشير هنا إلى أنّ العمل الذي يقود إلى الوقوع في الحرام هو محرّم على كلا الجنسين، الرّجل والمرأة. وعندئذ يستوجب الموقف منع الاختلاط، وتوظيف العنصر الذي يحتاجه العمل بغضّ النظر عن كونه رجلاً أو امرأة.

لقد اتّضح لنا من خلال تفسير الآية الكريمة: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخريّاً) أنّ الاختلاف في الطاقة والمهارة والاستعداد للعمل تختلف من فرد لأخر، بغضّ النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، وأنّ تبادل المنافع وإشباع الحاجات الماديّة والخدميّة يتم بين أفراد المجتمع جميعاً؛ ويقدِّم كل فرد، بغضّ النظر عن جنسه (ذكر أو اُنثى) جهده، وطاقته الممكنة؛ لاشباع حاجة المجتمع؛ ليشبع هو أيضاً حاجته من خلال عملية التبادل المادّي والخدمي في المجتمع، فالفلاّح يقدِّم الإنتاج الزراعي، والمهندس والعامل الفنِّي يقومان بصنع الآلة، والطبيب يقدِّم العلاج، والمعلِّم يؤدِّي وظيفته بتعليم الأجيال، والتاجر يوفِّر السلع في الأسواق، والجندي يدافع عن الأوطان، والحارس يكافح اللّصوص... الخ.

إنّ دراسة وتحليل الأحكام والمفاهيم الإسلامية جميعها تؤكِّد لنا أنّ الإسلام لم يحرِّم نوعاً من العمل، أو العلم على المرأة، بعد أن أباحه للرّجل، فللمرأة أن تمارس أي عمل من الأعمال، كالزراعة والصناعة والطب والهندسة والإدارة والوظائف السياسية[3] والخياطة وقيادة الطائرة والسيارة والتعليم والتربية... الخ.

فليس في الإسلام عمل انتاجي، أو خدمي محلّل للرّجل، ومحرّم على المرأة. فالكل في أحكام الشريعة سواء في ذلك، انّما الفرق بين الرّجل والمرأة في بعض الواجبات التي كلّف بها الرّجل، أو المرأة، أو في بعض الصلاحيّات التي بُنيت على أسس علمية روعي فيها التكوين النفسي والعضوي لكل منهما، وضرورة تنظيم الحياة الاجتماعية وإدارتها.

فانّ الأصل في الشريعة الإسلامية هو إباحة العمل، بل ايجابه في بعض الإحيان، إلاّ ما حرّم في الشريعة أو ما أدّى الى الوقوع في المحرّم.

وإذا كانت هناك صيحات تحريم العمل من قِبَل البعض على المرأة، فانّ ذلك يحتاج الى دليل، وليس هناك من دليل شرعي يدل على التحريم.

والتأمّل العلمي في تحليل العلماء للواجبات، وتقسيمها الى واجب عيني وكفائي، يتّضح لنا من خلال دراسة الواجب الكفائي أنّ النظام الإسلامي أوجب على الأفراد من غير أن يحدِّد جنس الفرد، رجلاً كان أو امرأة، أوجب عليهم توفير حاجة المجتمع بشتّى صنوفها بشكل جماعي؛ كالطب والهندسة والتعليم والزراعة والتجارة والنقل والأمن وغيرها من الأعمال التي يحتاجها المجتمع، بل ويتحوّل الواجب الكفائي الى واجب عيني على الفرد، أو الأفراد الذين تنحصر فيهم القدرة على أداء ذلك الواجب، وبغضّ النظر عن جنس الرّجل أو المرأة.

من ذلك نفهم أنّ تقسيم العمل الوظيفي في المجتمع، وأداءه يقوم على أساسين: شخصيّ وجماعيّ، وفي كلتا الحالتين لم يفرِّق الإسلام بين الرّجل والمرأة، بل في مجال بعض الواجبات الكفائية، كواجب الطب والتعليم النسويّين مثلاً يتوجّه الوجوب فيهما الى الجنس النسويّ.

المرأة والعمل السياسي

من المسائل الأساسية التي وضعت للنقاش والحوار الفكري والحضاري في القرن العشرين هي مسألة حقوق المرأة، ومنها المشاركة في الحياة السياسية، والعمل السياسي.

وممّا يثير الاستغراب أنّ أولئك المنادين بحقوق المرأة السياسية يوجِّهون التهمة الى الفكر الإسلامي، والمعتقدات الإسلامية، ونعتها بأنّها أفكار ومعتقدات تحرم المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، وتمنع عليها العمل السياسي. ودعموا مزاعمهم تلك بالأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يشاهدونها في البلدان الإسلامية، من غير أن يفرِّقوا بين الإسلام كنظام وشريعة ومبادئ، وبين الكثير من أتباع الإسلام الذين لا يمثِّلونه في سلوكهم السياسي والاجتماعي، وأنّ الذي يشاهدونه في مجتمع المسلمين، هو مختلف عمّا ينبغي أن يكون في المجتمع الإسلامي، فصورة المرأة في مجتمعات المسلمين تلك ، وطريقة التعامل معها، وقيمتها في المجتمع في مساحته المخالفة للاسلام هي وليدة تصوّرات ومفاهيم نشأت عن أعراف وتقاليد وممارسات اجتماعية لا تمثِّل الإسلام، لا سيّما الموقف من المرأة في الحقل العلمي والثقافي والاجتماعي والسياسي، وعلاقتها بالرّجل.

إنّ السياسة في الفكر الإسلامي تعني رعاية شؤون الأمّة في مجالاتها الحيوية كافّة، وقيادة مسيرتها في طريق الإسلام؛ لذا فهي مسؤولية اجتماعية عامّة، كلّف بها المسلمون جميعاً.

وتلك المسؤولية هي في مصطلح العلماء واجب كفائي، يتوجّه فيه الأمر والخطاب لعموم المسلمين، بغضّ النظر عن كونهم رجالاً ونساءً إلاّ ما ورد من استثناء.

مثل قوله تعالى: (أن أقيموا الدِّين ولا تتفرّقوا فيه).(الشورى/ 13)

ومثل قوله تعالى: (وعد الله الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الارض كما استخلف الّذين من قبلهم). (النور / 55)

وقوله: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأُولي الامر منكم).(النساء / 59)

وفي كل تلك الآيات يتوجّه الخطاب فيها الى عموم المسلمين رجالاً ونساءً، فإقامة الدِّين بعقيدته وبكامل أنظمته السياسية والاجتماعية والتعبّدية... الخ، هي مسؤولية الجميع، وخطاب الطاعة لاُولي الأمر الوارد في الآية التي تحدّثت عن الطاعة هو متوجّه الى جميع المكلّفين، والوعد بالاستخلاف متوجِّه الى كل الذين آمنوا وعملوا الصالحات رجالاً ونساءً.

وقوله تعالى في سورة الممتحنة، الآية 12: (يا أيُّها النّبيُّ إذا جاءَكَ المؤمناتُ يُبايِعْنكَ على أن لاَ يُشْرِكْنَ باللهِ شَيْئاً وَلا يسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوف فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ،
ممارسة عملية ودليل قرآنيّ نفّذه الرسول (ص) في حياته التبليغية والسياسية، على قبول بيعة المرأة لوليّ الأمر بل ووجوبها، فانّ البيعة في هذه الآية هي بيعة طاعة لوليّ الأمر، على الالتزام بأحكام الشريعة وقوانينها، والإقرار بولايته، وتمثِّل البيعة أبرز مصاديق الحقوق السياسية في المجتمع الإنساني.

ولعلّ من أوضح الأدلّة على دور المرأة السياسي وحقوقها السياسية في الإسلام، ما جاء في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآيات الولاية والولاء العامّة الدلالة والشاملة للرِّجال والنِّساء.

وقد استدلّ الفقيه والمفكِّر الإسلامي الكبير الشهيد السيد محمّد باقر الصدر (قدِّس سرِّه) بهذه الآية على أنّ كل مؤمن ومؤمنة مؤهّل للولاية السياسية، وأنّ الرِّجال والنِّساء سواء فيها، جاء ذلك في نص قوله:

«وتمارس الأمّة دورها في الخلافة في الاطار التشريعي للقاعدتين القرآنيّتين التاليتين: (وأمرهم شورى بينهم) و(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر).

فإنّ النص الاوّل يعطي الأمّة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشورى، ما لم يرد نص خاص على خلاف ذلك النص[4]، والنص الثاني يتحدّث عن الولاية، وانّ كل مؤمن ولي الآخرين. ويريد بالولاية تولِّي أموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه. والنص ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية. وينتج عن ذلك الأخذ بمبدأ الشورى، وبرأي الأكثرية عند الاختلاف»[5].

وقد دخلت المرأة المسلمة ميدان السياسة على عهد رسول الله (ص)، كما سجّلت آية البيعة ذلك، فقد دخلن الميدان السياسي، وشاركن في الحياة السياسية، دخلت المرأة المسلمة أيضاً وأبدت رأيها في مسألة الامامة والسياسة والخلافة بعد وفاة الرسول (ص)، وأفضل الشواهد على ذلك هو موقف السيدة فاطمة الزهراء (ع) بنت الرسول الأكرم محمّد (ص) وزوج الامام عليّ بن أبي طالب (ع)، التي دخلت الميدان السياسي بعد وفاة أبيها (ص)، فكانت الى جنب عليّ في تحرّكها ومواقفها السياسية فانظمّ إليها جمع من المهاجرين والأنصار ، فتشكّل ذلك الوجود العقيدي والسياسي المعارض والرّافض لبيعة السّقيفة والدّاعي لإعادة البيعة للامام عليّ (ع)، وقد كانت تتّصل بالأنصار في بيوتهم، وتطالبهم بالبيعة لعليّ (ع) معارضة بيعة السقيفة.

فقد جاء في بعض مصادر التاريخ:

«... وخرج عليّ كرّم الله وجهه، يحمل فاطمة بنت رسول الله (ص) على دابّة ليلاً في مجالس الانصار، تسألهم النّصرة، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله (ص)، قد مضت بيعتنا لهذا الرّجل[6]، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا عنه»[7].

كما سجّلت كتب التاريخ حوارات ومواقف سياسية رافضة دارت بين فاطمة الزهراء (ع) والخليفة أبي بكر وعمر بن الخطّاب.

وبالتأمّل في الآيتين (آية الشورى، وآية ولاية المؤمنين) كما وضح من تفسير الشهيد الصدر لهما، نجدهما أساساً فكريّاً واسعاً للحقوق السياسية، بل للواجبات السياسية للاُمّة بكل عناصرها، الرجاليّة والنسائية، على حدٍّ سواء. والآية الكريمة الأخرى التي توجب العمل السياسي بمستوى الكفاية على الرِّجال والنِّساء كمعارضة الحكّام الطّغاة، وإقامة الدولة الإسلاميّة وتوجيه الرأي العام السياسي... الخ، هي قوله تعالى: (ولتكن منكم أُمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأُولئك هم المفلحون).

إنّ القرآن الكريم في هذه الآية يوجب أن تكون من المسلمين اُمّة (جماعة) تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وهذه الجماعة شاملة للرِّجال والنِّساء على حدٍّ سواء، بدليل قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأُولئك هم المفلحون).

ومن الواضح في الفكر الإسلامي أنّ المساحة السياسية هي مساحة واسعة تضمّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ اللّذين يشملان الدعوة إلى إقامة النظام الإسلامي، ومواجهة الحكّام والأنظمة الظالمة والمنحرفة، كما يشمل المشاركة في إدارة السلطة، وتخطيط سياسة الأمّة، والتثقيف السياسي والشورى والبيعة كاختيار الحاكم وممثِّلي الأمّة، والمشاركة في التمثيل عن الأمّة في المجالس التي نسمِّيها بمجالس الشورى (البرلمان) والتي تمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من منطلق سياسي... الخ.

ومن دراسة الظروف والأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يجب العمل في اطارها، نستنتج أنّ هذه الأمّة (الجماعة) التي دعا القرآن الى إيجادها بقوله: (ولتكن منكم اُمّة...) لا تستطيع أن تمارس دورها كجماعة، كما أراد القرآن إلاّ إذا كانت جماعة منظّمة، تمارس أعمالها وفق وسائل وأساليب متطوِّرة، تتناسب وظروف المرحلة التاريخية التي يعيش فيها المسلمون.

وهذا يعني وجوب مشاركة المرأة بقدر الكفاية في الجماعات والنشاطات السياسية وفي الهيئات والتنظيمات والمؤسّسات الفكرية والاصلاحية المختلفة، إذا تعذّر أداء هذا الواجب بشكله الفاعل إلاّ من خلال ذلك.

ومن هذه الأسس القرآنية نفهم أنّ الحياة السياسية مفتوحة أمام المرأة في الإسلام، كما هي مفتوحة أمام الرّجل، وعلى المستويين ـ الواجب العيني والكفائي ـ أو إباحة المشاركة في الحياة السياسية بكل مجالاتها.

ونستطيع أن نورد مثلاً عمليّاً لحقوق المرأة السياسية في الإسلام، هو مشاركة المرأة الفعلية في الحياة السياسية في جمهورية إيران الإسلامية، فقد منحها الدستور حق الانتخاب والمشاركة في البرلمان (مجلس الشورى) وفي الوظائف والنشاطات والتنظيمات السياسية، بل وشاركت المرأة في الثورة الإسلامية على النظام الشاهنشاهيّ، شاركت في الإضرابات والتظاهرات، وتوزيع المنشورات، وإلقاء الخطب، فكانت مع الرّجل في كفاحه السياسي خطوة بخطوة، فنالت كامل حقوقها السياسية في ظلّ النظام الإسلامي.

خاتمة

وفي الختام ليس للمرأة من حقوق وكرامة إلاّ في الإسلام، الذي ثبّت مبدأ الحقوق والكرامة لأفراد النوع البشري كافّة بقوله: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً).

وبقوله: (ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف).

وبقوله (ص): «مِن خُلْقِ الأنبياء حبّ النساء ».

فليس أمام المرأة إلاّ أن تطالب بحقّها كما حمله القرآن اليها، وتلتزم بواجبها كما حدّده القرآن لها، كاُم بنت وزوجة، وفرد له حقّ الولاء والحبّ في المجتمع، يوظِّف طاقته الفكرية والنفسية والجسدية في مواطن الخير والطّهر والصّلاح، بعد أن جرّبت مرارة العيش في متاهات الحياة الغريزيّة المبتذلة، في عالم الحضارة الماديّة المنهار.

 

[1]  الكليني / الكافي / ج 5 / كتاب المعيشة / ص 67.

[2]  الحرّاني / تحف العقول عن آل الرسول / مواعظ النبيّ (ص) .

[3]  يستثني الفقهاء من ذلك عدم جواز تولِّي المرأة ولاية أمر المسلمين والقضاء. ويذهب البعض إلى أنّ ليس هناك نص يعتمد عليه في منع المرأة من تولِّي القضاء.

[4]  كالنص الوارد عن الرسول (ص) في إمامة أهل البيت (ع) في حجّة الوداع وغيره.  راجع مسند أحمد / ج 1 / ص 118 ، وسنن ابن ماجة / ج 1 / ص 43 / ح 116 ، ومستدرك الحاكم / ج 3 / ص 109.

[5]  الشهيد السيد محمّد باقر الصدر/ الإسلام يقود الحياة/ ص 171 .

[6]  يعنون بذلك (أبا بكر).

[7]  ابن قتيبة الدينوري/ الامامة والسياسة / ج 1، ص 19.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست