.

 

نبذة مختصرة عن حياة  المؤلف الشهيد رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تنطلق العبقرية والعظمة من اماكن معينة او حيز محدود فحسب، سواء كان هذا الحيز عائلياً او دراسياً او ما إلى ذلك، بل قد تنطلق من كوخ متواضع في قرية نائية او من عائلة مغمورة وغير مشهورة بالعلم او الحكم او السياسة..

في قرية صغيرة من قرى كربلاء الدم والشهادة والثورة كانت تسكن عائلة الحاج ناصر _ احد المتنفذين في عشيرته (البوحسن) _ وكان الشاب (معن) اكبر أولاده متطلعا منذ نعومة اظافره لطلب العلم ومتشوقاً للدراسة الدينية ولكن والده يرفض ذلك بشدة فأذا رآى هذا الشاب طلاب العلم يؤمون كربلاء للدراسة يبقى متحسراً لحرمانه من نعمة العلم فإذا عرض طلبه على والده زجره بشدة واخيرا إعتمد على نفسه فتعلم القراءة والكتابة من زملائه في القرية، وقرأ القرآن إلى أن صار معلما فيه.. وعندما رزقه الله ولدا كانت الامنية الكبرى في نفسه: ان يرى ولده طالب علم فلما اكمل ولده الصف السادس الابتدائي منعه من مواصلة الدراسة في المدارس الرسمية.. وهكذا بدأ شهيدنا حياته الدراسية، ولم تمض عليه في حوزة كربلاء إلا عدة شهور.. وبينما كان الوالد يستقبل زوار الامام الحسين (ع) من المشاة في الزيارة الشعبانية، حيث كان يفتح بيته لزوار الامام الحسين (ع) في هذه المناسبة استضافه احد طلاب العلم في النجف الاشرف، ودار الحديث حول الدراسة في الحوزة، فأقترح عليه ان ينقل ولده إلى الحوزة العلمية في النجف الاشرف، بعد أن رأى فيه علائم الذكاء والنبوغ، رغم صغر سنه فما كان اليوم الثاني إلا واصبح الوالد في النجف الاشرف ليدخل ولده في مدرسة العلوم الإسلامية.

ومن هنا برزت معالم النبوغ في شخصية شهيدنا، فجلب ذكاؤه نظر المجدين من طلاب العلم فحظى بأهتمامهم ورعايتهم لما يتسم به من ذكاء خارق، وذهن ثاقب، وجدية منقطعة النظير، حتى كان الامام الشهيد الصدر يسميه بالطالب المجد.. ومن جديته ان الكتاب ما كان ليفارقه ابدا حتى في المجالس العامة مع اخوانه فبينما كانوا يتفكهون في مجالسهم تراه منشدا إلى كتابه، واذا اشكلت عليه مسألة من مسائل الفقه والاصول تجده يعيدها مرات ومرات ولا يتركها حتى فهمها، ويهضمها جيدا، وهكذا استمر شهيدنا بجدية متناهية حتى قطع مرحلة السطوح في سنوات لا تتعدى اصابع اليد ليلتحق بالدراسات العليا المعبر عنها بـ (البحث الخارج) وما مضت سنوات حتى لمع نجمه في حلقات الدرس العليا..

ومما زاد في جديته وفاعليته انتماؤه لحزب الدعوة الإسلامية عام 1390 هـ، وظل مندكا في هذا التيار المبارك، رغم الهجمه الشرسة، التي شنتها سلطات البعث الكافر في بغداد، على الدعوة المباركة، سنة 1394 هـ، فطورد شهيدنا الغالي، على اثرها مطاردة عنيفة جدا، مما حمله على تغيير زيه، لمواصلة علمه.. وبالرغم من هذا، لم يكن ليوقفه عن تحصيله، فكان يكلف زملاءه، بتسجيل محاضرات الامام الشهيد الصدر والسيد الخوئي ليتابعها يوماً بيوم فلما ضاق به الأمر  اضطر لأن يخرج من النجف الاشرف ليختفي في محافظات اخرى وبالرغم من هذا الحرج والمضايقة لم ينقطع عن العمل الرسالي فكان يلتقي بأخوانه في اماكن محددة ليتدارس معهم ظروف الدعوة فيوصلوا له الاخبار ويأخذوا منه التوجيهات والطروحات الرسالية..

واما الساعات التي ينفرد فيها وحده في المكتبة فقد كنت أرى منه: العجب العجاب في الجدية والتهام الكتب بمختلف انواعها.. كنت أراقبه عن كثب فأذا انبلج النهار ثنى ركبتيه وانكب على المطالعة إلى وقت الظهر وهكذا بقية الليل والنهار لا يتوقف عن البحث والدرس وقد كنت احصى الساعات التي يقضيها في القراءة والبحث حتى كانت تصل إلى (16) ساعة في الليل والنهار وربما بلغ في بعض الاحيان اكثر من ذلك وغالبا ما كنت أراه منكبا على الورقة والقلم حتى يطلع الفجر.. حتى إذا اعترضت عليه يوما لكثرة اتعابه قال:

(ان هدفنا اوسع واكبر من اعمارنا ونحن يجب علينا في اوقات المطاردة واستحالة التحرك. ان ننقطع إلى الدرس والبحث واذا فسح لنا المجال للعمل فيجب ان ننطلق بكل ما أوتينا من قوة لاقامة الدولة الإسلامية..).

وبناء على هذا الفهم الحركي نجده في فترة اختفائه وعلى وجه التحديد بعد اعدام كوكبة الدعوة الأولى سنة 1394 هـ ـ 1395 هـ انتج عدة بحوث في ظروف خمسة اشهر منها:

1 _ الحرية في الإسلام.

2 _ بحث ضخم بعنوان (العلاقة الفقهية في الاقتصاد الإسلامي).

3 _ شرح الاسس المنطقية للسيد الصدر.

وكتب اخرى لا اذكرها جيدا.. ولما هدأت العاصفة الهوجاء وخف الطلب، عاد مرة اخرى إلى النجف الاشرف ليواصل عمله بصورة اوسع وهنا تجلت خصاله الرسالية وبرزت شخصيته العلمية، واستطيع ان اوجزها بالنقاط التالية:

 

1 _ الاستماتة في سبيل الله:

كان شعاره (المستميت لايموت) وكان يقول: اننا نحن الدعاة يجب ان لانفكر بشيء اسمه الحياة حتى قيام الحكومة الإسلامية في العراق، اننا وقود الثورة الإسلامية والتفكير بغير هذا غير صحيح فما علينا إلا ان نتحرك بجد وفاعلية ونشاط ونبذل كل شيء في سبيل هذا الهدف العظيم حتى تسفك دماؤنا في سبيل الله تعالى..

وكم كان اصدقاؤه يحذرونه من سطوة الظالمين لحقدهم عليه، وحبذوا له الخروج من العراق إلا انه رفض ذلك بشدة واصر على مواصلة عمله في العراق وان ادى ذلك إلى استشهاده.. وكم مرة قال: اننا باقون ها هنا تسفك دماؤنا.. ولتركز هذا العنصر في شخصيته ما كان الخوف ليعرف إلى نفسه طريقا ابدا.. ذلك لانه أعطى نفسه لله.. وكان يرى انها ملكه يتصرف بها كيف يشاء.

 

2 _ الجدية والدأب على العمل:

كان دائب العمل ليل نهار على الصعيدين الفكري والاجتماعي بلا انقطاع ولاتوقف.. بين دراسة وتدريس وبحث، ودعوة إلى الله متواصلة لا تفتر، ولا تلين. وكنت أرى منه العجب فهو كلما إزدادت الصعاب، والمصائب يزداد عزيمة، ومضاء، ومواصلة للعمل. إن انبعاثه للعمل بهذه الدرجة يدل على أن نفسه وصلت إلى حد اليقين في إيمانها بصحة الفكر الذي نذر نفسه له، حتى عاد لا يرى في الوجود قوة مؤثرة غير القوة المطلقة التي آمن بها..

كل هذا كان يستوحى من سلوكه، وصموده، واصراره على العمل كانت تصله اخبار سيئة جدا فلا تعيقه عن عمله ولا تؤثر فيه، بل كان يعتبر ذلك أمر ا طبيعيا وخلاصة القول: ان الرجل كان دؤوبا مجدا في عمله بمستوى قل نظيره في اوساط المجدين..

 

3 _ الابتكار والتفنن في اسلوب العمل والبحث:

منذ سنة (1394ه) وقوى الظلم، والعدوان تواصل البحث عنه في كل حدب، وصوب. وماتركت مكاناً تتوقع ان تجده فيه، إلا اقتحمته، وبأساليب متباينة، إلا انها لم تفلح إلا بعد ست سنوات، ولم يكن هو المقصود وانما كان من باب الصدف.

لقد اكتسب مهارة كبيرة في العمل السري، والتملص من الاعداء، والتخفي عنهم إلى حد إنه دخل السجن بأسم مستعار وحكم عليه بالسجن المؤبد، ونقل إلى أبي غريب إلى ان كشفه اعتراف احد الموقوفين سامحه الله..

واما اسلوبه في البحث، والمناظرة فقد كان مبتكراً وجامعا ومانعا حيث انه كان واسع الثقافة في العلوم الحديثة على شتى اصعدتها. اضافة إلى تخصصه في العلوم الإسلامية.. كان دقيقا وادبيا في المناظرة رأيته وقد ناظر الشيوعيين، ودعاة الاشتراكية، ومروجي الحضارة الغربية يستمع إليهم إلى ان يفرغوا ما في جعبهم.. وبعد ذلك ارآه ينقض على افكارهم مفنداً، وناسفاً وما يقومون عنه إلا وهم قد نبذوا ما جاءوا به..

قصده احد دعاة الوجودية يوماً، وبقي فترة يتحدث له عن الفلسفة الوجودية، ولما انتهى، اخذ الشيخ الشهيد يشرح له عن الفلسفة الوجودية ابتداءاً بتأسيسها ومرورا بأهدافها وانتهاء بأسرارها وابعادها فبقي ذلك الرجل متعجبا وظن انه وجودي مثله، وبعد ان شرحها له وشده إليه انقض على الفلسفة الوجودية واخذ ينسفها لبنة لبنة إلى ان انتزعها من ذهنه وقام عنه بعد مجلس طويل، وهو يقول عنه عجيب امر هذا العالم ما اعمق ثقافته. انه لم يكن كلاسيكيا، انه عميق الفكر.

 

4 _ العمق الثقافي:

كان شهيدنا واسع الباع في العلوم الإسلامية عميق الغور فيها، وخصوصا: الفقه والاصول والمنطق والفلسفة على ما وصفه عارفوه من زملائه طلاب العلم.

وقد حضرت دروسه في تدريس المنطق وكتاب فلسفتنا واقتصادنا فكان كالسيل المنحدر من جبل شاهق لايتوقف في مسألة ولاتشكل عليه قضية، وكان يشرح كتب السيد الشهيد ويزيد عليها وقد اشار مرة إلى ان اقتصادنا وفلسفتنا _ بالرغم من _ اكباره لهما _ بعد ان قطعا فترة عشرين سنة من الكفاح الفكري أصبحا الان بحاجة إلى المزيد من التوسيع لما استجد من بحوث فكرية في الرأسمالية والماركسية والاشتراكية..

كنت اراه دائما يركز على بحث الفلسفات الاجنبية الشرقية منها والغربية وكذلك في العلوم الاقتصادية بكل اشكالها. مضافا إلى عمقه الفكري في العلوم الإسلامية. وكان ينوي القيام ببحث مقارن بين القوانين الغربية والدساتير الإسلامية.. كان دائم الاطلاع على ما يستجد من بحوث في العلوم الحديثة بصورة مستمرة قلما يفوته كتاب يصدر في ذلك وعندما تتمعن في مكتبته يأخذك العجب، وتتصور ان صاحب هذه المكتبة فيلسوف ماركسي او يوناني..

وعلى كل فأن أبا سجاد كان عالما، ومفكرا رساليا بكل ما للكلمة من ابعاد وكان يؤكد دائما على زملائه وطلابه بقراءة الفكر الإسلامي أولاً واستيعابه، وهضمه، وتمثيله، فإذا وصل إلى درجة لا يدخل الشك في نفسه من أي جانب من جوانب الفكر، انتقل إلى قراءة الفكر المادي بشقيه الشرقي والغربي.. واخذ الجوانب الايجابية ومقارنته مع الفكر الإسلامي لابراز معالم القوة في شريعة السماء..

 

5 _ عمق الوعي الحركي:

اتسم شهيدنا بروح حركية عالية لا تفتر ولا تلين ابداً في كل الظروف ولهذا لم يكن يهدأ له بال دون عمل وخدمة متواصلة للمبدأ السامي رغم تعالي الروح الحركية وسيطرتها على نفسه لم يكن ارتجاليا في أعماله بل كان دقيقا في التخطيط والتنفيذ، وقلما سلك طريقا او قام بعمل قبل ان يحسب له الف حساب. ولهذا واصل عمله في العراق طيلة ست سنوات من المطاردة العنيفة، المتواصلة في كل مكان، ولكن لم يثبت على نفسه أي اثر ولم يعط أي مستمسك يطمع السلطة الغاشمة فيه.. كان عالي الانضباط دقيق التحرك بين بغداد، والنجف، وديالى، والبصرة متنكرا، وحاملا هوية مزورة يعبر بها نقاط التفتيش.

وكان عميق الغور كتوماً إلى حد كبير بحيث انني عشت معه فترة طويلة، ولم استطع ان اقف على حقيقة انتمائه للدعوة المباركة، إلا بعد ان عرفتها من بعض اصدقائه وزملائه. ونتيجة لتفانيه وذوبانه في مبدئه الحركي كان يخرج في ايام المحنة من الصباح، ولايرجع حتى منتصف الليل متنقلا من فرد إلى آخر يقضي حاجة هذا ويوجه ذاك وينقذ الثالث من ورطته.

 

6 _ انشداده للثورة الإسلامية في إيران:

عندما انفجرت الثورة الإسلامية في إيران   ملكت على شهيدنا كل احاسيسه، ومشاعره، ووقته. لذا كنا نراه دائم التفكير فيها، ويتابع احداثها ساعة بعد ساعة، ويرفد اخوانه بالموقف السياسي، والتحليل العميق للاحداث، ويؤكد للمؤمنين بما يبعث الامل في انتصار الإسلام، ويقول: (ان الامام الخميني سيعود إلى إيران ، ويقود المسيرة، ويحطم كل عروش الطاغوت، وان الانتصار حتمي ان شاء الله وعلينا ان نكون الامتداد الطبيعي للثورة الإسلامية المظفرة وان نعمل بكل جهودنا على انجاح تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران  اكثر من اهتمامنا في العراق، لانه لاسامح الله لو انتكست هذه الثورة، فلا يقوم للإسلام قائم حتى قيام صاحب الامر.. وعلينا ان نعمل بكل توجيهات الامام حفظه الله.. ولذلك كان حريصا كل الحرص في بيان ابعاد الثورة واهدافها، وعظمتها، ولهذا رأيناه يشد الناس إلى قيادة الامام، ويعمل على تحصيل صور الامام ليوزعها في النجف الاشرف وخارجه..).

وكثير ما كان يجلب لنا اكثر من كتاب كان ممنوعا في العراق يومذاك، وكانت هذه الكتب قد تهرأت وتلف بعض موضوعاتها من كثرة تداولها.

ولا انسى ذلك الموقف الذي كان يتتبع فيه عناوين الكتب في مكتبتي وافرز مجموعة من الكراسات منها كتب قد حصلت عليها من دار التوحيد وكان مثل هذه الكتب قليل ومحذور في العراق آنذاك، وطلب مني ان يأخذها لينتفع بها الاخوة الدعاة، فلما قلت له: ارجو المحافظة عليها وارجاعها قال: ان الدعوة المباركة قد علمتنا ان الداعية لا يملك شيئا ومثل هذه الاشياء تساهم في تغيير الامة وان طلابنا بحاجة إليها فينبغي ان لا نبخل عليهم[1].

 

7 _ الايثار ونكران الذات:

في ايام المحنة الاخيرة سنة 1979 برزت على شهيدنا سمة نكران الذات، وذوبان المصلحة الخاصة في مصلحة الإسلام إلى حد لايصدق. فقد كان الدعاة المشردون من المحافظات الاخرى يأوون إلى النجف الاشرف للتخفي فكان ابو سجاد يبذل كل جهده لتأمين اختفائهم وراحتهم ووصلهم بحلقات العمل.. ولهذا تراه يخرج من بيته ويسكن فيه عائلة، او عائلتين من المطاردين ويذهب هو ليفتش عن مأوى له ولاطفاله، ولقد رأيته والله يشهد يدور على الطلبة ليأخذ من هذا صحنا، ومن ذاك قدرا ومن ثالث فراشا، ليؤمن استقرار الدعاة المشردين حتى خرج من ثلاث بيوت أجرها لنفسه وبقي هو وعائلته في بيت ليس فيه غير فراش لايكفي لشخص واحد، وتوسد هو وزوجته حجرا في ذلك البيت بعد ان امن مأوى اكثر من عشرين عائلة من عوائل الدعاة في النجف الاشرف، وكنت اراه فاقد الراحة إذا عرف بأن احد الاخوة الدعاة في حاجة شيء.. ولا يهدأ له بال حتى يؤمنها اما هو وعائلته فلا يهمه ان وفرها، او لم يوفرها..

 

8 _ السمو الروحي:

كان شهيدنا عميق التدين، قوي الانشداد إلى الله تعالى. يتجلى ذلك بدقة التزامه في الاحكام الشرعية.. بصورة واعية تامة.. فإذا ما انفتل إلى صلاته تراه خاشعا خاضعاً باكيا.. واما إذا سكن الليل واختلى ربه تراه ناحباً متوسلاً داعياً.. وكان يتستر على أعماله هذه بحيث يحاول ان لا يعرفها احد.. واما تكتمه على أعماله، وعدم ذكرها ابدا، فقد كان بدرجة عالية جدا فما سمعته يوما قال انا الذي قمت بالعمل الفلاني، او تحدث عن انجاز قام به، او عن هدف حققه، او خطوة خطاها… كان لايحب ان تذكر أعماله ابدا، ويحرم على الشخص الذي عرفها ان يذكرها. وكان يبني إعداده الروحي على الحب، والخوف والرجاء. كما ذكر كل في كتابه الإعداد الروحي.

 

9 _ تطلعه إلى الشهادة:

اذكر يوما كنا جالسين في النجف مع مجموعة من الاخوة من طلبة العلم وبعض الدعاة.. واخذ كل منهم يتحدث عن إعتقاله وتعذيبه ومواقفه وكان ابو سجاد صامتاً يستمع بدقة لعرض الاخوة فتبسم وقال: (اظن ان الله لايحبني ولذا فاني الوحيد منكم لم يبتلني الله بما ابتلاكم) فضحكنا وعلقنا بفكهاهة على كلامه وكثيراً ما سمعته يقول، وهو ساجد: اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك.. وكان يؤكد دائما ان التطلع للشهادة من العناصر الرئيسية التي يجب ان تتجلى في شخصية الداعية، ومن هذا المنطلق كتب في ختام وصيته:(واوصي والدي إذا رزقني الله الشهادة ان يجعلا يوم شهادتي كيوم عرسي) وفعلا عندما سلمت جثته الطاهرة وقفت والدته المثكولة به لتطلق نغمات الفرح التي اطلقتها يوم عرسه..

9 _ تطلعه إلى الشهادة:

كان الهم بأمر الإسلام، وحال المسلمين ووضع الامة واوضاع العاملين، هو الحالة الملازمة لابي سجاد حتى كان يسأل عن كل الامور المتعلقة بذلك، ويتابع الاخبار والاحداث ويهتم بجميع التفأصيل، ولطالما رأيته يفكر فيما ينبغي ان نعمله، ونسعى إليه للنهوض بحالة الامة وتغييرها بالإسلام، حتى رأيته يستنكر على العامل في سبيل الله ان تكون له ساعات يخلد فيها إلى الراحة والدعة عن العمل، ومتابعته..

كان في احد المرات وفي شهر رمضان المبارك تواقاً لزيارة الاماميين العسكريين في سامراء ولكنه قال: ان الغياب عن العمل ولو لفترة قصيرة هو تفريط وتقصير فلا بد لي ان لا اسافر سفرة كهذه وان كان ذلك السفر طاعة تتحقق فيها زيارة الامامين (عليهما السلام) ولكن ظروف العمل لا تسمح بذلك، ولقد كا ن يتابع حالة اخوانه، ويتابع شؤونهم المعاشية، وطبيعة أعمالهم الرسالية، فهو يسأل عن طبيعة الأعمال التي قام بها اخوانه من علماء المناطق، وعلاقة المؤمنين بهم، ويسعى جاهدا لتسديدهم ومناصحتهم[2].

 

11 _ التقشف والزهد[3]:

لم يكن الشيخ ابو سجاد يرى إلا وهو في حالة الكادحين المستضعفين حتى ان احد الاخوة ممن كان يراه في بيتي قد ظن انه عامل، لانه لم ير عليه، إلا مظهر ضعاف الناس.

ولقد صحبته مدة تزيد على السنة وهو يرتدي نفس الثوب الذي كثيرا ما ألححت عليه بتركه وطلبت منه ان يتقبل مني هديه لاستبداله، الأنه بالي فرفض بشدة وكان يجيب إنه يكتفي به وهو يسد حاجته.

وحتى الكتاب الذي هو رأس مال طلب العلم، وقد يفرط في كل شيء، ولكنه لايفرط في كتابه، ولا يمكن ان يبيعه او يهديه لاحد، إلا ان شهيدنا السعيد الشيخ حسين معن كان يشتري مجموعة من الكتب التي هو بحاجة إليها ثم يسرع في قراءتها. واستخراج ما هو محتاج منها إليه ثم يرسلها إلى صاحب المكتبة ليبيعها، او يستبدلها بكتب اخرى ينتفع بها بنفس الطريقة او يحتفظ بها هو مهم منها، ويضعه تحت تصرف العاملين.

 

12 _ صموده:

استمر شهيدنا في جهاده، حتى نصب له فخ كافر وقع فيه وادخل السجن بأسم مستعار.. وضرب في السجن ارقى آيات الصمود والثبات والمهارة في التخلص من التهم الموجهة اليه.. إلا ان احكام البعثيين تصدر جزافا، وحسب المزاج وإلا كيف حكم عليه بالسجن المؤبد بأسم مستعار غير معروف، وحامله مجهول، ونقل إلى ابي غريب كسجين حتى كشفت الشخصية الحقيقية. وكان يوما مشهودا في دوائر الامن حتى اقيمت الافراح في مديرية الامن العامة عندما اكتشفوا ان هذا الشخص هو الشيخ حسين معن، الذي قضوا ست سنوات في التفتيش عنه وفي هذا الوقت اعتقلت عائلته، والده وزوجته وطفلاه سجاد وعارف.

يروي لنا احد الموقوفين معه انه حين صدر عليه حكم الاعدام عقدوا له مجلسا مع أساتذة عمل النفس والسياسة والاجتماع بأشراف مدير الامن المجرم سعدون شاكر واخذوا يوجهون له اسئلة حول حزب البعث وحزب الدعوة فأنطلق يبين لهم مباديء الدعوة الإسلامية واصالتها، وفساد حزب البعث، وعمالته فقال له فاضل الزركاني:

_ ياشيخ حسين. لو بقيت معهم ساعتين لجعلتهم دعاة.

فرد عليه شهيدنا البطل قائلاً:

_ اعطني نصف ساعة أخرى لأجعلهم دعاة.
وهكذا مضى أبو سجاد إلى ربه، مضرجاً بدمه الثائر مسطرا احرفاً من نور، لتبقى تضيء الدرب، للأجيال السائرة في طريق ذات الشوكة اللاحب.

فسلام عليك يا ابا سجاد!

يوم ولدت.

ويوم جاهدت.
ويوم وقفت تتحدى الظالمين، وانت تحمل نور السماء.

والسلام عليك:

يوم تقف بين يدي الله تعالى.
مخاصماً اعداء الإسلام.

يا ابا سجاد.. وعارف!

إن حزني عليك لا ينقضي..

ولايمكن ان أنساك..

فأذكرنا عند ربك..
فأننا إخوتك.

وعلى الدرب سائرون..

الحاج ابو حسين الربيعي

1 ربيع الأول 1405 هـ

 


[1]  تفضل بكتابة هذه النقاط الشيخ ابو محمد الرفاعي.

[2]  تفضل بكتابة هذه النقاط الشيخ ابو محمد الرفاعي .

[3]  تفضل بكتابة هذه النقاط الشيخ ابو محمد الرفاعي.