.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

إختلاف الأفراد والنظام الإجتماعي

إعجاز رؤوس الأصابع

التسبيح التكويني... شهادة على حكمة الله

الأرض حاضنة لزهر الشمّام والبطيخ

الأسنان والمعدة الملائمة لأنواع الحيوانات

التسبيح الملكوتي لا تسمعه أذن من كان في عالم الملك

النملة وعمود التلغراف، والإنسان والعالم الآخر

حلم الله وكفر جهل الإنسان

إبراهيم(ع) والضيف الكافر الذي تحوّل إلى موحّد

معرفة الله واجبة بحكم العقل

أنظر إلى خالقك وخلق طعامك

الحيوان يحني رأسه حتى يأكل

الكواكب السماويّة وإنبساط الأرض

 

إختلاف الأفراد والنظام الإجتماعي:

(وإختلاف السنتكم...)

إن إختلاف اللهجات هو من آيات الله الكبرى. هناك على وجه الأرض 4.5 مليار من البشر هم من حيث الخلق يختلفون، أي لا يوجد حتى شخصان إثنان فقط ليس بينهما إختلاف، والحكمة من ذلك هي المحافظة على النظام الإجتماعي للإنسان، وإلا للزم الفساد. فلو أنّ زيداً ـ على سبيل المثال ـ قتل عمراً ثم أرادوا بعد ذلك إعتقال القاتل فربما يشتبه عليهم الأمر ويعتقلون شبيه زيد ويعاقبونه. وقد يحدث مثل ذلك في أمور أخرى من مثل المديونية والزواج وغير ذلك.

ومن جملة أوجه الإختلاف بين البشر... إختلاف اللهجات. إنكم تشاهدون أنّ الجميع لهم أعين وحواجب وغير ذلك. ولكن لكل فرد مميّزاته الخاصة به والتي تميّزه عن غيره ومن هذه المميّزات: الحناجر واللهجات فهي الأخرى ليست واحدة في الأفراد مع أنها ـ أي الحنجرة ـ التي يصدر عنها الصوت هي بنفس الحجم تقريبا في جميع البشر. مع هذا بالإمكان تمييز الأشخاص من لهجاتهم فمثلاً في الهاتف عندما تسمع صوت محدّثك، تعرف من هو دون أن يعرّفك بنفسه.

إعجاز رؤوس الأصابع:

في ما يتعلّق بيوم القيامة يقول تعالى: (بلى قادرين على أنّ نسوّي بنانه) (القيامة/4).

فحتى رؤوس الأصابع هي الأخرى مختلفة فيما بينها مع أنّ حجمها واحد تقريباً في جميع الأفراد إلاّ أنّ خطوطها ليست متشابهة، بل لا يوجد حتى شخصان إثنان فقط تتشابه خطوط رؤوس أصابعهما ولهذا ففد راج البصم بين البشر وصار مستعملاً في كل الأمم ذلك لأنه بالإمكان تزوير إمضاء الإسم والختم أما بصمة الإصبع فمن غير الممكن تزويرها أو التلاعب بها لأنها أكثر ثباتاً من التوقيع والختم.

إن حقيقة الإنسان هي علمه وإدراكاته تلك التي تثبت وإلا فإنّ بدنه يتحوّل إلى تراب والذي يبقى ويستقر في ذاته هو العقل وما يدرك حيث لا تتم إنسانية إلاّ بهما ولهذا علينا أن نسعى لنزيد في الجانب الذي يخلد منّا والسبيل إلى ذلك هو التدبّر في آياتٍ من هذا القبيل وذلك لزيادة المعرفة الإلهية عندنا.

التسبيح التكويني... شهادة على حكمة الله:

(يُسبح لله ما في السموات وما في الأرض)

لقد تحدّث القرآن الكريم عن تسبيح الموجودات في أكثر من موضع فحدّث عن تسبيح جميع أجزاء عالم الوجود، من ارفعها إلى ادونها فالخلق كله بجميع مراتبه يُسبّح الله.

إن التسبيح التكويني العقلي الذي يتعلق بمعرفتنا الإستدلالية يعني أنّ كل جزء من العالم...، كل موجودٍ من الموجودات هو شاهد صادق على أن صانعه قادر عليهم... حالة كل موجود وخصائصه هي شهادات صادقة على أنّ صانعه ليس فيه أيّ نقص، فقد وضع كل شيء في موضعه... في النباتات والحيوانات وبإختصار فإن جميع الموجودات هي هكذا.

الأرض حاضنة لزهر الشمّام والبطيخ:

أنظروا إلى الشمّام تلاحظوا أنه لو كان نباته مرتفعاً عن الأرض لما استطاع أنْ يحمل ثمرة بثقل الشمّام بل ربما يستطيع أن يحمل واحدة أو إثنتين ولكنه سوف يتكسّر إذا ما زاد العدد عن ذلك. لهذا لا بد لسطح الأرض أنْ يكون حاضناً له.. لا بد لزهره أن يتمدّد فوق سطح الأرض ليتحوّل بعد ذلك بمساعدتها إلى شمّام أو بطيخ.

البعض من النباتات تنمو جذورها أفقياً في الأرض وبعضها الآخر ينمو عموديّاً، واثناء سقوط المطر، ترتوي تلك التي نمت جذورها أفقياً بينما تبقى النباتات التي نمت جذورها عمودياً في الأرض لا يصيبها إلا القليل القليل من الماء لذا فإن هذا النوع من النباتات كاللّفت والفجل جُعلت أوراقها تنمو على نحوٍ تُشبه الميزاب لتتلقى ماء المطر وتجعله يصب بالقرب من جذور تلك النباتات.

إن هذه النباتات تُسبح الله أي أنها تشهد على أنّ صانعها ذو قدرة وحكمة لا متناهيتين.

الأسنان والمعدة الملائمة لأنواع الحيوانات:

في عالم الحيوان جهز ما كان منها آكلاً للعشب بأسنان ومعدة يناسبانه وما كان منها آكلاً للحم بأسنان ومعدة اخريين تناسبانه.. للحيوان آكل العظام كالكلب مثلاً، وهبت له أسنان قاطعة وكاسرة للعظام ومعدة حارقة تهضم هكذا مادة.

فيما يتعلق بالأنسان فقد جعلت أسنانه الأمامية (الأنياب) ـ والتي هي لتقطيع الطعام ـ حادة وأسنانه الخلفية (الطواحن) ـ والتي هي لطحن ومرت الطعام ـ عريضة. هذا اللسان الموجود في الفم، أي خصائص مذهلة له؟! إنّ له دوراً مهماً في أكل الطعام. إنه يلعب دور ناقل اللّقمة إلى نواحي الفم المختلفة ومن ثم إرسالها إلى الداخل.

إنكم تلاحظون انه من أجل تنعيم الطعام بواسطة الأسنان لا بد للفك أن يتحرك. أوّلاً إقتضت حكمة الله أن يتحرّك الفك الأسفل وليس الفك الأعلى. تصوّروا لو كان الفك الأعلى هو الذي يتحرّك لكان تحرّك الرأس بكامله أثناء الأكل. فما كان أبشعه من منظر؟! ثم إن مجرّد إنطباق الفكين الأعلى والأسفل على بعضهما البعض ليس كافياً لتنعيم الطعام بل أفضل طريقة لذلك هي أن يدور الفكان أحدهما فوق الآخر لا أن يطبق أحدهما على الآخر بشكل مباشر. إذا يجب أن يكون الفك الأسفل، إضافة إلى حركته الأولى، قادر على الدوران.

ثم إنه عندما يحرّك الطعام ضاغطاً عليه بواسطة الأسنان تبرز هنا الحاجة لملعقة متحركة ومحركة في آنٍ واحدٍ وهذه الوظيفة يقوم بها اللسان فيقلّب الطعام من هذه الجهة إلى تلك ويُعيد ما سقط منه من تحت دولاب الطاحونة..

يعيده مرة أخرى فيجعله تحت الأسنان حتى ينعم أكثر وعلى نحوٍ أفضل. إنه يقوم بعمله هذا دون أن ننتبه نحن لما يقوم به ودون أن يقع في شرك الأسنان فيسحق تحتها. أحيناناً يقع طرفٌ منه تحت الأسنان وذلك حتى نعرف قدر العافية ونتذكر هذه النّعمة.

إنّ الأسنان واللسان تسبح الله تعالى أنّ خالقنا وخالق كل الأعضاء التي ترتبط بنا بنحو من الأنحاء عليم وقادر مطلق. هذا النوع من التسبيح... التسبيح التكويني... كل العقلاء قادرون على إدراكه ولكنه يحتاج إلى تأمل وتدبّر.

يشهد أنّه واحدٌ لا شريك له

 

كُلّ نباتٍ والأرض تخرجه

التسبيح الملكوتي لا تسمعه أذن من كان في عالم الملك:

نعم هناك نوع آخر من التسبيح يختلف عن التسبيح العقلي وهو غير التسبيح الذي قدّمنا له حيث يدل الأثر، تكوينياً، على المؤثر وكتاب عالم الوجود على عدم نقص كاتبه. وهذا التسبيح الذي ذكرنا هو كتسبيح الإنسان غير الإرادي بواسطة اللسان الملكوتي، فأجزاء عالم الوجود كلّها بل وحتى كل ذرّة من ذرات أجسادنا أنا وأنتم تُسبّح الله تعالى بنحوٍ ملكوتي لا يمكننا نحن سماعه. فنحن موجودون في عالم الملك الذي ظاهره صامت ولكن ملكوته ذاكر.

يقول تعالى في القرآن الكريم: (وإن من شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم). إن الذي يدركه العقلاء هو التسبيح العقلي. إذاً فالمقصود من هذه الآية هو التسبيح الملكوتي. إنّ أجزاء العالم كلّها مرتفعة أصواتها بتسبيح الله فلو أنّ أحداً يخرج من عالم الملك إلى عالم الملكوت لأدرك أيّ ضجّة يمتلئ بها عالم الوجود من ذكر وتسبيح وحمدٍ لله تعالى.

من الروايات المسلّم بها في معجزات النبي(ص) تسبيح الحصى في يديه صلوات الله وسلامه عليه.

فقد روي أنه (ص) أخذ الحصى بيده ثم قدّمها بين يدي أصحابه فسمعوا صوت تسبيحها. إن الحصى تسبّح هي الأخرى والمعجز في ذلك هو سماع صحابة الرسول لصوت هذا التسبيح. فمن كان في عالم الملك لا يمكنه سماع الصوت الملكوتي ولكنه استطاع بواسطة القدرة الإعجازية التي له إسماع آذان عالم الملك التي لهم الصوت الملكوتي. إنه ليس بالإمكان إنكاره التسبيح الملكوتي بحجّة أنه غير محسوس فنسبة علم الإنسان إلى جهله هي كنسبة القطرة إلى ماء البحر.. هي كنسبة المحدود إلى اللامحدود. إن على الإنسان أن لا يصيبه الغرور.. عليه أن لا يتصوّر نفسه أدرك كلّ شيء ويُنكر ما لم يدركه فهو ما أن ينكر حتى يعلم أنه جاهل.

النملة وعمود التلغراف، والإنسان والعالم الآخر:

أحد الباحثين يضرب مثالاً جيّداً فيقول: إنّ النملة عند ما تمرّ بالقرب من عمود التلغراف لا تتصوّره بينها وبين نفسها أكثر من جسم عادي ولكنها هل تعلم أنّ هذا العمود قد أقامه الإنسان وأنه قد مدّ فوقه أسلاكاً تؤمّن الاتصال بين مدينتين أو بين مدنٍ متعدّدة وتتكفّل بالعديد من الحاجات الاجتماعية والسياسية والإقتصادية لمجتمع ما.

إنها لا تعلم عن وظائف هذا العمود وهذه الأسلاك شيئاً بل هي ترى الظاهر فقط. والإنسان هو الآخر كذلك لا يعلم شيئاً عمّا وراء المادّة وعالم الأرواح... لا يعلم شيئاً عن العلاقة فيما بين الأرواح... رزق الأرواح ما هو؟ وكيف هي حياتها؟ كيف هو الملكوت... لا يعلم. أنه فقط يرى الظاهر. واستناداً إلى حكم العقل فإن (عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود). والعاقل هو الذي لا ينكر ما لا يعلم.

إن تسبيح الأشياء الحقيقي والتكويني يختص بعالم الملكوت وآذاننا هي من عالم الملك وهو لا يختص بالأصوات التي تبلغ آذاننا بإصطدامها بالهواء.

حلم الله وكفر جهل الإنسان:

أذكر بالمناسبة نكتةً وهي أنه تعالى يقول في آخر الآية (وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) إلى أن يقول: (إنه كان حليماً غفوراً) فكيف يذكر بحلم الله تعالى بعد أن ذكر ما ذكر.

ما هو السرّ في ذلك يا ترى؟ ربما لو أراد الله سبحانه وتعالى أن يفهم الناس التسبيح الملكوتي للأشياء لربما هلكوا فهم لا يمكنهم تحمل سماع الصوت الملكوتي فكل من يسمع الصوت الملكوتي لأجزاء بدنه لا يمكنه حينئذٍ البقاء على قيد الحياة، بل سوف ينهار، أما الله سبحانه وتعالى فهو الحليم المطلق.

إن العزة الإلهية تقتضي أن يُعرّف الله تعالى الإنسان بملكوته حتى لا يتعدى حدوده ولا يعجب بنفسه ولكنه تعالى لا يفعل لأن تعريفه به لا يصلح له وهو لا يزال على قيد الحياة فهو إذا ما عرفه فقد يفقد عقله. إنّ الله تعالى حليم.

إنه يحلم على الإنسان حتى وإن كفر مع أن كل عضوٍ من أعضاء بدنه وكل ذرةٍ من ذراته تسبّحه تعالى قائلة: سبحان الله. ولكن الإنسان مع ذلك يُنكر. إن من حقه أنّ يعرّفة إلى ملكوته ولكنه تعالى بحلمه يتغاضى عن كفره ويحلم عليه. والأعجب من ذلك بعد أن يقضي الإنسان عمراً معرضاً عن الله تعالى عاملاً بهواه ثم بعد ذلك يستغفر ويتوب إلى الله فإن الله يغفر له: (الإسلام يجبُّ ما قبله). إن رحمته واسعة إلى حدّ (إنه كان حليماً غفوراً). إن الله يرحم للأنسان ضعفه ويقبل عذره والشّقي هو من لا يُقبل بوجهه على هكذا إله.

إبراهيم(ع) والضيف الكافر الذي تحوّل إلى موحّد:

هناك حديث في (إرشاد القلوب) لمؤلفه المرحوم المجلسي(ره). في هذا الحديث أنّ إبراهيم الخليل(ع) لم يكن ليأكل دون أن يشاركه في طعامه ضيف وعندما كان لا يجد من يضيفه كان في بعض الأحيان يسير لمسافة ميلٍ حتى يجد ضيفاً يشاركه طعامه. في أحد الأيام ذهب إبراهيم(ع) يبحث عن ضيف فالتقى أحدهم ودعاه إلى طعامه يشاركه فيه.

وعندما جلسا ليأكلا، ابتدا ابراهيم(ع) ببسم الله، وأمّا ضيفه فلم يقل شيئاً، قال له ابراهيم: لماذا لم تذكر إسم الله؟ قال الرجل: ومن يكون الله؟ أنا لا أعرف لي إلهاً. فقال له إبراهيم: إذاً قم وإذهب من هنا فأنا لا أشارك في طعامي من كان منكراً لله. فقام الرجل وذهب وبقي إبراهيم وحيداً فأوحى الله تعالى إليه أنْ: يا إبراهيم، إن هذا الشخص الذي مضت لنا سنوات وسنوات ونحن نرزقه ولم نعترض عليه واليوم قد حوّلنا رزقه عليك... لماذا طردته؟

فقام إبراهيم(ع) من ساعته وتبع ذلك الشخص وظل يترجاه حتى يعود وهو يستنكف إلى أنّ قال لإبراهيم(ع) في النهاية وبعد أن رأى مقدار إلحاحة عليه وإصراره: أعود ولكن شرط أن تُخبرني ما الذي حدث لك حتى عُدت ترجوني وتلحّ عليّ بالعودة بعد أن طردتني فقال له إبراهيم(ع) الحقيقة إنّ الله تعالى عاتبني عندما طردتك. فقال الرجل؛ تباً لي ما أحقرني إذ أنا معرض عن ربٍ رحيم كهذا. يا إبراهيم عرّفني بإلهي... ثم صار الرّجل بعد ذلك مؤمناً موحّداً.

القصد من هذه القصة هو إظهار أنّ على الإنسان أنّ يتفكر قليلاً ليرى ما الذي لم يعطه إيّاه الله؟ فما كان لازماً له أعطاه إيّاه، من النّعم الظاهرة والباطنة.

في مقابل كلّ ذلك ماذا فعلت أنا؟ ماذا عبدت؟ ماذا عرفت؟ (ما عبدناك حقّ عبادتك وما عرفناك حقّ معرفتك).

قام إلى ربه فاعتذر

 

إنّ العبد من إذا قصّر

(أول الدين معرفته وكمال معرفته توحيده)

معرفة الله واجبة بحكم العقل:

قضية معرفة الله هي من القضايا العقلية الواجبة قطعاً بحيث أنّ كل عاقلٍ يحكم عقله، بوجوب معرفة خالقك، والمنعم عليك وأنه عليك أن تشكره. والأوامر التي جاء ذكرها في القرآن الكريم من قبيل: يجب أن تتدبّروا.. أنظروا... يجب أنّ تمعنوا النظر... تفكّروا... وغير ذلك. كلّها إرشادات من حكم العقل، أي ما كان العقل يدركه بصرف النظر عن مقولة القرآن من أنه على الإنسان أن يعرف خالقه والمنعم عليه، وعليه شكره.

العقل يقول إنه عليك أن تتعقّل الآيات والموجودات... عليك أن تتدبّر وتتفكّر، القرآن الكريم هو الآخر قد ذكر بهذا الأمر، بل في بعض الآيات أكّد عليه.

أنظر إلى خالقك وخلق طعامك

(فلينظر الإنسان مم خلق)

إن الإنسان عليه أن ينظر في أصل خلقه، كيف خلق من قطرة الماء المنتنة، هكذا جهاز عظيم (هيكل الإنسان).

(فلينظر الإنسان إلى طعامه) على الإنسان أن ينظر إلى الطعام الذي يأكله. عليه أن لا يكون كالحيوان كل همّه النواحي المادية للطعام ولذة البطن وإلا فما الفرق بينه وبين الحيوان من هذه الناحية؟

بل عليه حينما يأكل الطعام أن يلتفت إلى ما كان عليه هذا الطعام في الأصل، من الذي هيّأه، هذا الخبز الذي يأكله ماذا كان سابقاً؟

(أنّا صببنا الماء صباً)... نحن صببنا عليه ماء (المطر)... صببناه ولكن ما أجمله من صبّ... حبة حبة وليس دفعة واحدة.... أيُّ أيدٍ حولت هذا القمح إلى خبز يؤكل هذه كلها وسائط نعم الله علينا.

وكما يقول سعدي:

لتحصل على خبزك وتأكله دونما أن تغفل

 

الغيم والريح والشمس والقمر، بل والكون كلّه يعمل

فليتفكّر الإنسان قليلاً في هذا الخبز الذي يؤكل وهذا الماء الذي يُشرب.. إنه ساهٍ عن كلّ ذلك، لدرجة أنه بكل بساطة يضعه في فمه... يأكله... يهضمه ويرمي بفضلاته إلى الخارج، إن على الإنسان أن يتدبّر في كلّ هذا الذي يحدث، عليه أن يتعرّف إلى المنعم الذي يغمره بنعمه.

الحيوان يحني رأسه حتى يأكل

لا يوجد حيوان إلا ويحني رأسه حتى تأكل طعامه ويشرب شرابه أما الإنسان فقد وهبه الله تعالى يدين إثنتين يخدمانه فهو يتناول بهما طعامه دون أن يضطر يحني رأسه، ثم يضعه بكل بساطة في فمه. إنّ هذا نوع من أنواع تكريم الإنسان[1]. ذلك لأن الرأس مركز الإدراكات، لذا يجب ألاّ ينحني لأكل الطعام بل يجب أن ينحني فقط لرب العالمين لأنه عزيز وشريف.

إن الإنسان عليه أن يضع رأسه العزيز والشريف هذا على أحقر الأشياء وهو التراب تواضعاً لرب العالمين.

الجمل.. عجيبة في الخلق

وفي آية أخرى يقول تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت)[2]. لماذا لا تتفكّرون في خلق الجمل، هذا الحيوان العجيب وكيفية خلقه تلك... إن لكل حيوان، يمشي على أربع، ركبةً واحدة، بينما الجمل له ركبتان وأرجله تطوي مرّتان. ثم أنظروا إلى ذلك الإتساق القائم بين أرجله ورقبته.

قيل أنه نقل لأفلاطون أنّ في الحجاز حيواناً له أيدٍ وأرجل طوال وركبتان. فقال أفلاطون: لا بد أنّ لهكذا حيوان رقبة طويلة كذلك، لأنه لا بد له أن يأكل وحتى يستطيع ذلك لا بد أن تكون رقبته متناسبة مع قوائمه.

ثم إنه تعالى جعل طعامه كذلك ملائماً للبيئة التي يحيا فيها، ففي مناطق الحجاز حيث الصحاري الحارقة وحيث لا وجود للنبات، لذا فقد جعل طعامه شوكاً جافاً، أي أنه تعالى جعل لسانه وفمه ومعدته ملائمين لأكل وهضم هذا الشوك المذكور، فكيف يا ترى يأكل هذا الشوك دون أن يصاب لسانه بجرح أو ألم؟ ثم كم هو صبور على العطش والجوع لأنه يحاول أنّ يتكيّف مع بيئته. إنه قادرٌ على تحمل العطش لمدة تزيد على العشرة ايّام ويقال أنه بالقرب من نحره يوجد ما يشبه القربة يستعملها لتذخير الماء.

الكواكب السماويّة وإنبساط الأرض

ألق نظرةً إلى فوقك، سوف ترى كل هذه الكواكب العظيمة بأحجامها التي تفصل بينها ملايين الكيلومترات الضوئية... سوف تراها تتلألأ وتدور في إنتظام في مدارات حُدّدت من قبل وذلك على نحوٍ لا يصطدم بعضها بالبعض الآخر.

ثم ألق نظرةً إلى الأرض من تحتك كيف جعلها منبسطة مع أنها كروية الشكل ودائماً في حال حركة... كيف جعلها صالحة للحياة لا هي مستنقعات كلّها بحيث لا يمكن القرار عليها، ولا هي صلبة كلّها فلا يمكن البناء أو الزرعة فيها، بل جعلها متنوعة لتكون صالحة للحياة ومختلف أنواع الإستغلال، الزراعة والبناء وجميع الإستغلالات الأخرى.

ولينظر الإنسان إلى الجبال أيضاً (ووتد بالصخور ميدان ارضه)[3]. نعم إنّ الجبال هي التي تحول دون زوال الكرة الأرضية، إنها كالمسامير دُقّت بإحكام في سطح الأرض حتى لا ينفرط عقدها لما لها من سرعة مذهلة في حركتها الوضعية والإنتقالية.


[1] ((ولقد كرمنا بني آدم..)) الاعراف 70.

[2] ((سورة الغاشية الآيات 17ـ22.

[3] نهج البلاغة/ الخطبة الأولى.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست