.

:الموضوع

الفصل الرابع2

3 ـ الهدوء والسكينة

المرأة والرجل يزيّن أحدهما الآخر

النسل الصالح

يقول الإسلام: أيها السيد! أيتها السيدة! احذروا التفكير في شخصٍ آخر على زمن المواقعة أو المباشرة، وتخبرنا الروايات الواردة عن رسول الإنسانية محمّد بن عبد الله (ص) وعن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم بأن الذي يفعل ذلك ويلدُ له ابن فاسد، أو ابن زانٍ فلا يلومنّ إلا نفسه.

إن الإسلام يهتم بصلاح الأبناء إلى أقصى حالات الاهتمام، ويحسب لذلك ألف حساب، فهو يرفض أن يباشر الرجل زوجته وفي حجرتها طفل رضيع له من العمر "10" أيام صاحٍ، إلاّ إذا كان نائماً، ويحذر من أن يسمع أحد أنفاس الزوجين أو كلامهما في وقت المواقعة، ويؤكد على مسألة الامتناع عن النظر إلى ما حرّم الله تعالى لأن ذلك كلّه له تأثيرات سلبية على روحيّة الطفل.

فالكاسب ـ على سبيل المثال ـ الذي يمزح ويضحك مع النساء الأجنبيات اللواتي يأتينه لشراء ما عنده من بضاعة، لا يمكن أن يقدّم جيلاً صالحاً إلى مجتمعه، وكذلك المرأة التي توزّع الابتسامات هنا وهناك وتمزح مع غير محارمها لا يتأتى لها تقديم نسل صالح للمجتمع الذي تحيا فيه.

إن الإسلام العظيم يحث المسلمين على قراءة الأذان في أذن الوليد اليمنى، وقراءة الإقامة في الأذن اليسرى كي لا يصيبه شر ولا مخمصة.

قال رسول الله (ص):

" يا علي! إذا ولد لك غلام أو جارية، فأذن في أذنه اليمنى، وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشيطان أبداً "[1].

وعن مولانا عليّ بن الحسين عليهما السلام قال:

" حدثتني أسماء بنت عميس قالت: حدثتني فاطمة (ع) لما حملت بالحسن بن عليّ (ع) وولدته جاء النبيّ صلى الله عليه وآله، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى.. فلمّا كان بعد حول، ولد الحسين (ع) وجاءني النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا أسماء هلمّي أبني، فدفعته في خرقةٍ بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعته في حجري فبكى.. "[2].

وعن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال:

" من ساء خلقه فأذّنوا في أذنه "[3].

ومن أراد أن يكون ابنه من المقرّبين إلى الإمام الحسين (ع) فليمسح بتربة الإمام الحسين على لسانه ثم يسقيه لبن أمّه، وليحذر المرء من إطعام ابنه طعاماً محرماً، أو مشبوهاً، وليحاول جهد الإمكان أن يسقيه لبن أمّه، وليعلم بأن لبن الأم يسهم كثيراً في سلامة الطفل وتقبّله وفهمه مستقبلاً.

علينا أن نحذر ونحتاط من أن نستخدم الكلام النابي أمام أبنائنا لأن ذلك سيجرّ الطفل إلى أن يكون هو الآخر سبّاباً أو لعّاناً، وهذا ما سيكتبه الحفظة الكرام في وثيقة أعمالنا، كلمّا سبّ الأبناء أحداً من الناس:

" من سن سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزها، ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً "[4].

ومن الطريف أن إحدى السيدات كانت تقول بأنها عندما كانت تشعر بحدوث نزاع في دارها مع زوجها ترسل أبناءها إلى منزل أبيها وأمّها، ولا تدعوهم إلى المنزل ثانية إلاّ بعد انتهاء ذلك النزاع، إنها حقًّا امرأة ذكية.

أيها السيد! ايتها السيدة! إذا أردتم اغتياب أحدٍ، أو ممارسة نزاع أو خصام، أو سبّ مسلم، فما عليكما إلاّ أن تخرجا ابنكما الذي هو في المهد وتضعوه على الثلج خارج منزلكما، كيلا يتعلم منكما الكلام البذيء، وإذا ما مات جسم الطفل، فهو أفضل من أن تموت روحه، لذا عليكما أن تفكّرا قليلاً بالجيل القادم قبل أن تشرعا في كل مرّة بالتعرض للآخرين بالسوء، أو بالتحدث بما لا يرتضيه الشرع المقدس.

لقد كانت أمهاتنا في العهد الماضي يرتدين الأزر بالإضافة المقنعة، هذا علاوة على ارتدائهن لثوبين، وإذا أردن أن يتحدثن لأحدٍ من الرجال الغرباء وضعن في أفواههن حصاةٍ كيلا تكون أصواتهن رقيقة فيطمع الذي في قلبه مرضٌ.

وكان آباؤنا يواظبون على قراءة القرآن الكريم صباح مساء، وكانوا من الذين يرتادون المساجد ويستمعون إلى المحاضرات الإسلامية، أما نحن وعلى حالنا هذه ماذا يتوقع لأبنائنا؟ وكيف هو الحال الذي سيصيرون إليه؟.

إن هؤلاء النساء اللواتي كن يرتدين الأزر والمقانع ـ مع الأسف ـ كن يصطحبن كبريات بناتهن إلى الأسواق بدون إزار، وبكلّ جرأة، ولولا الخوف والخشية من أزواجهن لخرجن هن كذلك بدون إزار! وهذا ما نراه اليوم، حيث تأتي بعض النساء إلى مرقد السيدة فاطمة بنت موسى بن جعفر (ع) كاسيات عاريات، وبدون أدنى حياء.

قالت لي إحدى النساء الخيّرات أنها رأت في منامها السيدة فاطمة عليها السلام تقول: كنت في السابق امتعض من النساء الأجنبيات اللواتي يأتين مرقدي بدون حجاب، أما اليوم فأنا أئن من النساء اللواتي يدّعين الإسلام، بالإضافة إلى ادعائهنّ بأنهنّ منّا، ومن أحبابنا ومريدينا.

حقًّا كان حلماً عجيباً! الويل لمن تفعل ذلك من عذاب يوم القيامة وعذاب القبر.

إن ذلك الطفل الذي ينشأ في حجر هكذا أمّ، أو ينشأ في بيت يسمع فيه صوت الغناء والموسيقى صباح مساء، أو تعرض فيه الأفلام المبتذلة المهيّجة للشهوات، أو تسمع فيه الغيبة والتهمة والنميمة، والنزاع والخلاف والضرب لا يمكن أن يكون نسلاً صالحاً! لذا ينبغي لكم أن تحذروا حدوث مثل هذه القضايا في منازلكم.

وفي يوم القيامة تنادى بـ " يا أيتها القاتلة " أو ينادى الأب " أيها القاتل " عندها يقول: لم أكن أتمكن من هكذا فعل، فأنا أقل من ان أقتل أحداً، عندها يأتيه الجواب: إنك قتلت العالم بأسره لأنك لم تقدّم إلى المجتمع البشري نسلاً صالحاً.

*     *     *

الفصل الرابع2

فوائد الزواج

سنبحث في هذا الفصل ما يتعلق بتشكيل الأسرة والفوائد المترتبة على ذلك.

1 و 2 ـ إرضاء الغريزة الجنسية، وتقديم النسل الصالح

ذكرت سلفاً بأن إرضاء الغريزة الجنسية ضروري ومفيدٌ بلحاظ القضايا النفسية، وبنظر شرعة الإسلام الحقّة، وتعرضت أيضاً في البحث السابق إلى مسألة تقديم النسل الصالح إلى المجتمع، وذكرت بأن ذلك مرهونٌ بتشكيل الأسرة، وأن العدو اللئيم ومن أجل الحؤول دون بروز ظاهرة النسل الصالح في المجتمع وجّه ضربات قاصمة للأسرة، وقلتُ أيضاً بأن عالم اليوم تنكّر ـ وبدون حياء ـ لتشكيل الأسرة، وكان ذلك من خلال تشكيل الأحزاب الشيوعية، والغوغائية البمتذلة.

وعليه يجب علينا، وخلافاً لما تقوم به تلك التشكيلات الوضعية، بترتيب الوضع البيتي وتشكيل الأسرة حتى نتمكن من تقديم نسل خير صالح ومفيد للمجتمع البشري، وهذا بحدّ ذاته يعتبر ضربة لتلك الأفواه الفاغرة الغربية منها والشرقية، والوحشية والتافهة، الصهيونية وغير الصهيونية.

3 ـ الهدوء والسكينة

أما الفائدة الثالثة والتي هي جزء من بحثنا وقد ذكرت القرآن الكريم فهي الهدوء والسكينة: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) (الروم/21).

لو تحّرينا الطبيعة لعلمنا بأن الرجل بدون المرأة يضحى عضواً ناقصاً، وأن المرأة بدون رجل كذلك، وفي الحقيقة أن الرجل والمرأة هما وجود واحد كامل، يستند أحدهما إلى الآخر، ولا يمكن الفصل بينهما.

ويمكن أن نقول بأن عبارة الزوج تليق بهما أكثر من غيرهما كونهما يكمّل حدهما الآخر، وهذه هي طبيعة الزوج.

إن الرجل ليستند إلى المرأة بنظر القرآن، بنظر الطبيعة، وبنظر الحالة النفسية، وأن المرأة لتركن إلى الرجل.

في هذه الحياة، وفي هذا العالم يحتاج كل شخص إلى شخص آخر يفرغ عنده ما في قلبه ساعة الشدّة، وفي اللحظات الخاصة جداً، ولو دقتنا مليًّا في القرآن الكريم، وفي الطبيعة، لما رأينا أحنّ من الزوجين بعضهما على بعض، لذا يقول القرآن المجيد بأنهما مخلوقان بسكن أحدهما للآخر ويهدأ، وأنهما لا يمكن أن يتخلى أحدهما عن الآخر، وعليه فلا بُدّ لهما من العيش بعنوان زوج يكمل أحدهما الآخر:

(وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم/21).

أي جعل بينكما الألفة، وهذا الأمر ملاصق للرجل والمرأة منذ أن خلقها الله، حيث جعل المحبة والمودّة والرحمة بينهما، هذا إذا لم نوجّه أي ضربة قاصمة لهذا السكن المألوف ولتلك المحبة والودّ الذي حباه الباري لنا منًّا وعطاءً جميلاً.

إن الدار التي لا يتمتع فيها الزوجان بهذه السكينة، ولا يستفيدان فيها من هذه الألفة لا تعدو أن تكون كالفرد الذي لا يغالبه النوم، وأقول قولي هذا باعتبار أن الذي لا يأتيه النوم تراه مضطرباً قلقاً لا يعمل فكره بالمرّة، ويبدو النحول والخمول على جسمه، ولكن قوته التخيلية تضحى متفاقمة.

فالنوم على حدّ قول القرآن المجيد يوجب الهدوء والسكينة، ويقول أيضاً إن الرجل والمرأة يوجبان الهدوء لبعضهما البعض، فالذي هو مجرّد ليس له زوجة، كالذي ليس له دار، والتي ليس لها زوج كالفرد الذي غاب النوم عن عينيه؛ لذا يجب علينا أن نحافظ على حالة الهدوء والسكينة هذه من خلال تخلّينا عن كلّ ما يمكن ان يسهم في تفتيت هذه الحالة والتي تعدّ بمثابة سكن وسكينة.

المرأة والرجل يزيّن أحدهما الآخر

إن الرجل والمرأة بنظر القرآن المجيد ليس فقط يسكن أحدهما للآخر، بل ويزيّن أحدهما الآخر أيضاً.

قال عزّ من قال في محكم كتابه:

(هن لباس لكم، وأنتم لباس لهن) (البقرة/187).

إن اللباس في هذه الآية المباركة ينضوي تحت ثلاث معان، المعنى الأول: أن الزوجين يزيّن أحدهما الآخر، باعتبار أن اللباس زينة والشاهد على ما نقول هو إطلاق القرآن المجيد كلمة زينة على اللباس في آية أخرى:

(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجدٍ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) (الأعراف/31).

وبناءً على ذلك تضحى الآية "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" هن زينة لكم وأنتم كذلك زينة لهن.

أما المعنى الثاني فهو: أن المرأة قد تضحى سبباً في عدم انحراف الرجل، وقد يكون الرجل سبباً في عدم خروج المرأة من جادّة الصواب، وهذا ما سنتعرض له لاحقاً بحول الله تعالى.

أما المعنى الثالث فهو: أن الرجل ستر للمرأة، وكذا المرأة سترٌ لزوجها، فالرجل غير المتزوج مثل ذاك الذي لم يستر عورته، والمرأة التي لا زوج لها كتلك التي لا ترتدي حجاباً أو إزاراً يستر عورتها.

وعليه تكون الآية الشريفة التي ذكرناها: الرجل زينة أمرأته، وكذا المرأة زينة لزوجها، لذا يجب على الزوجين أن يعرفا كيف يحافظان على هذه الزينة.

قال الإمام الصادق جعفر بن محمّد(ع): " إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلّد، وليس للمرأة خطر، لا لصالحتهن ولا لصالحتهن، فأما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة، هي خير من الذهب والفضة، وأما طالحتهن فليس خطرها التراب، التراب خير منها "[5].

وقال الإمام زين العابدين وسيد الساجدين عليّ بن الحسين (ع):

" وأمّا حق الزوجة فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقكّ عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها "[6].



[1]  تحف العقول/ ص17.

[2]  بحار الأنوار/ ج 104، ص111.

[3]  بحار الأنوار/ ج104، ص122.

[4]  كنز العمال/ خ43079.

[5]  وسائل الشيعة/ ج14، ص17.

[6]  بحار الأنوار/ ج74، ص5.