.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

الفصل الثامن: في بيان حضور القلب

الفصل التاسع: أحاديث في الترغيب في حضور القلب

 

الفصل الثامن

في بيان حضور القلب

من الآداب القلبية حضور القلب الذي يمكن أن يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات وقلّ ما ذكر في الأحاديث الشريفة شيء بهذه المثابة، وقلّ ما اهتمّ بشيء من الآداب كهذا الأدب، ونحن وان ذكرنا في رسالة سر الصلاة، وهكذا في كتاب الأربعين قدرا مستوفى منه وبيّنا درجاته ومراتبه ولكن نذكر في هذا المقام أيضاً شيئا منه تتميما للفائدة وتحرزا عن الإحالة فنقول:

كما ذكرنا سابقا بأن العبادات والمناسك والأذكار والأوراد إنما تنتج نتيجة كاملة إذا صارت صورة باطنية للقلب وتخمّر باطن ذات الإنسان بها ويتصور قلب الإنسان بصورة العبودية ويخرج عن الهوى والعصيان، وذكرنا أيضاً أن من أسرار العبادات وفوائدها أن تتقوى إرادة النفس وتتغلب النفس على الطبيعة وتكون القوى الطبيعية مسخّرة تحت قدرة النفس وسلطنتها وتكون الإرادة الملكوتية نافذة في ملك البدن بحيث تكون القوى بالنسبة إلى النفس كملائكة الله بالنسبة إلى الحق تعالى " لا يعصون الله ما أمرهم " (التحريم: 6) " وهم بأمره يعملون " (الأنبياء - 27).

ونقول الآن: إن من أسرار العبادات وفوائدها المهمة التي تكون بقية الفوائد مقدمة لها. أن تكون مملكة البدن بجميعها، ظاهرها وباطنها، مسخّرة تحت إرادة الله ومتحركة بتحريك الله تعالى وتكون القوى الملكوتية والملكية للنفس من جنود الله وتكون كلها كملائكة الله بالنسبة إلى الحق تعالى، وهذه من المراتب النازلة لفناء القوى والارادات في إرادة الحق ويترتب على هذا بالتدريج النتائج العظيمة ويكون الإنسان الطبيعي إلهيا وتكون النفس مرتاضة بعبادة الله وتنهزم جنود ابليس بالمرة وتنقرض ويكون القلب مع قواه مسلّما للحق ويبرز الإسلام ببعض مراتبه الباطنية في القلب وتكون نتيجة هذا التسليم لإرادة الحق في الآخرة أن الحق تعالى ينفذ إرادة صاحب هذا القلب في العوالم الغيبية ويجعله مثلا أعلى لنفسه تعالى، فكما أنه تعالى وتقدس يوجد كل ما أراد بمجرد الإرادة يجعل إرادة هذا العبد أيضاً كذلك كما راوه بعض أهل المعرفة عن النبي صلى اله عليه وآله في وصف أهل الجنة (ما معناه) أنه يأتيهم ملك فيستأذن للدخول عليهم وبعد الاستئذان يدخل فيبلّغ السلام من الله تعالى عليهم ويعطيهم رسالة مكتوباً فيها (يخاطب الإنسان الذي هو مخاطب به) من الحي القيوم الذي لا يموت إلى الحي القيوم الذي لا يموت أما بعد فإنني أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك تقول للشيء كن فيكون، فقال صلى الله عليه وآله: فلا يقول أحد من أهل الجنة للشيء كن إلا ويكون. (قال الشيخ الاكبر في باب الواحد والستين وثلاثمئة من الفتوحات وورد في الخبر في أهل الجنة أن الملك يأتي إليهم فيقول لهم بعد أن يستأذن عليهم في الدخول فإذا دخل ناولهم كتابا من عند الله بعد أن يسلّم عليهم من الله واذا في الكتاب لكلّ انسان يخاطب به: من الحّي القيوم الذي لا يموت إلى الحّي القيوم الذي لا يموت. أما بعد: فإني أقول للشيء كن فيكون وقد جعلتك... وقال أيضاً في السؤال السابع والاربعين ومئة من الباب ثلاثة وسبعين من الفتوحات، بعد أن نقل القول الشريف بسم الله من??? العبد بمنزلة كن من الحق قال: اليوم تقول للشيء كن فيكون فقال صلى الله عليه وآله وسلم فلا يقول أحد من??? أهل الجنة لشيء كن إلا ويكون. وقال الشيخ في الفصّ الاسحاقي من فصوص الحِكَم: العارف يخلق بهمته ما يكون له وجود من خارج محل الهمّة ولكن لا تزال الهمّة تحفظه.

تبصرة: الخبر المذكور لو كان صحيحا فليس من مختصات أهل المرتبة العالية من الجنة لان من أهل من يتلقّى السلام والكلام والمقام من الله سبحانه بدون واسطة كما أشير إلى ذلك في بعض الاحاديث والمتناولون الكتاب من الله في هذا الخبر بواسطة الملك فهذا المقام عام لجميع أهل الجنة ومن المقامات العامة، ولذلك قال فلا يقول أحد من أهل الجنة بشيء كن إلا ويكون. فافهم.)

وهذه هي السلطنة الإلهية التي أعطي العبد إياها لأجل تركه إرادة نفسه وتركه سلطنة الهوى النفسانية وتركه إطاعة ابليس وجنوده، ولا تحصل كل من هذه النتائج المذكورة إلا بالحضور الكامل للقلب، وإذا كان القلب في وقت العبادة غافلا وساهيا لا تكون عبادته حقيقية بل تشبيه اللهو واللعب ولا يكون لمثل هذه العبادة أثر في النفس البتة ولا تتجاوز العبادة من الصورة والظاهر إلى الباطن والملكوت كما أشير إلى ذلك في الأحاديث، ولا تكون القوى النفسانية بمثل تلك العبادة مسلمة للنفس ولا تظهر سلطنة النفس لها، كذلك القوى الظاهرية والباطنية لا تكون مستسلمة لإرادة الله ولا تنقهر المملكة تحت كبرياء الحق كما هو واضح جدا، ولذا ترون أنه بعد مضيّ أربعين أو خمسين سنة لا يحصل أثر في أنفسنا بل تزداد يوما فيوما ظلمة القلب وتعصيّ القوى ويزيد اشتياقنا إلى الطبيعة وإطاعتنا الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية آنا فآناً وليس هذا كله إلا من جهة ان عبادتنا قشور بلا لبّ وفاقدة للشرائط الباطنية والآداب القلبية، ولولا هذه الجهة ففي حين أننا نرى أن كتاب الله سبحانه قد نصّ على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا النهي ليس صوريا البتة بل لا بد أن يزهر مصباح في القلب ويضيء نور في الباطن يهدي الإنسان إلى عالم الغيب، ويوجد زاجر إلهي ينهى الإنسان عن العصيان والتمرد، وها نحن أولاء نحسب لأنفسنا في زمرة المصلين وقد مضت علينا سنون ونحن مشتغلون بهذه العبادة العظيمة ومع ذلك لا نرى في أنفسنا هذا النور ولا نجد في باطننا هذا الزاجر والمانع فالويل لنا يوم نعطى صور أعمالنا وصحيفة أفعالنا في ذلك العالم بأيدينا ويقال " كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " (الإسراء - 14) وانظر هل تليق تلك العبادات بالقبول من جنابه، وهل هذه الصلاة مع هذه الصورة المشوّهة الظلمانية مقرّبة لك إلى بساط الحضرة الكبريائية؟ وهل ينبغي لك أن تسلك مع هذه الأمانة الإلهية ووصية الأنبياء هذا السلوك، وهل يجوز أن تسمح للشيطان الرجيم الذي هو عدو الله أن يتدخل فيها بيده الخائنة؟ ولماذا صارت الصلاة التي هي معراج المؤمن وقربان كل تقيّ مبعدة لكم عن

الساحة المقدسة ومهجرة لكم عن جناب القرب الإلهي؟ فهل لنا في ذلك اليوم سوى الحسرة والندامة والشقاوة والخجلة والانفعال نصيب؟ يا لها من حسرة وندامة ليس لها في هذا العالم شبيه، ويا لها من خجلة وانفعال لا نقدر أن نتصور لها نظيرا، فإن الحسرات في هذا العالم مهما بلغت ممزوجة بآلاف من الرجاء، وكذلك الخجلات في هذه النشأة سريعة الزوال وهذا بخلاف ذلك العالم فإنه يوم بروز الحسرة والندامة كما قال تعالى " وأنذروهم يوم الحسرة اذ قضي الآمر " (مريم - 39) فالأمر المنقضي لا يجبر والعمر التالف لا يستعاد فواحسرتاه على ما فرطت في جنب الله

فيا أيها العزيز: اليوم يوم الامهال والعمل وقد جاء الانبياء وأتوا بالكتب ودعوا بدعوات مع هذه التشريفات ومع تحملهم الآلام والشدائد كي يوقظونا من نوم الغفلة وينبهونا من سكر الطبيعة ويوصلونا إلى عالم النور ونشأة البهجة والسرور وإلى الحياة الابدية والنعم السرمدية واللذائذ الدائمة وينجونا من الهلاك والشقاوة والنار والظلمة والحسرة والندامة وكل ذلك لأجل أنفسنا ومن دون أن تعود عليهم - سلام الله عليهم - نتيجة ومن دون أن تكون لتلك الذوات المقدسة حاجة بإيماننا وأعمالنا، ومع ذلك ما أثّرت فينا دعوتهم وقد أخذ الشيطان بمسامع قلوبنا وتسلط على باطننا وظاهرنا بحيث لم يؤثر فينا شيء من مواعظهم أيّ أثر بل لم يصل إلى سمع قلوبنا شيء من الآيات والاخبار وما تجاوز ظاهر السمع الحيواني.

وبالجملة أيها القارئ المحترم الذي تطالع هذه الاوراق لا تكن ككاتبها خاليا من جميع الانوار وصفر اليد عن جميع الاعمال الصالحة ومبتلىً بالاهواء النفسانية وارحم أنت نفسك واكتسب من عمرك نتيجة وانظر بالدّقة في حال الانبياء والاولياء الكمّل وارم الرغبات الكاذبة والوعود الشيطانية ولا تغترّ بغرور الشيطان ولا تنخدع بخدع النفس الأمّارة فإن تدليسات الشيطان والنفس دقيقة وانما ليعمّيان على الانسان كل أمر باطل فيراه بصورة الحق ويغران الانسان حينما يأمل التوبة في آخر العمر وينتهيان بالانسان إلى الشقاوة. ومع أن التوبة في آخر العمر وعند تراكم ظلمات المعاصي وكثرة مظالم العباد وكثرة حقوق الله أمر صعب ومشكل للغاية. فاليوم مع ان الارادة في الانسان قوية والقوى الحيوانية على حالها وشجرة العصيان بعد لم تكبر وسلطنة الشيطان في النفس لم تستحكم والنفس جديدة العهد بالملكوت وقريبة الافق إلى فطرة الله وشرائط حصول التوبة وقبولها سهلة فهما لا يدعان الانسان يقوم بالتوبة ويخلع جذور هذه الشجرة الواهنة ويقضي على هذه السلطنة غير المستقلة ويعدانه بالتوبة في أيام الشيب التي تكون الارادة فيها ضعيفة والقوى نحيفة والاشجار المختلفة للمعاصي ذات جذور عميقة وقوية وسلطنة ابليس في الظاهر والباطن مستقلة ومستقرة وألفة الانسان للطبيعة شديدة والبعد عن الملكوت أزيد ونور الفطرة خافتا وشرائط التوبة صعبة وشديدة وليس هذا إلا الغرور والافتتان.

وحيناً آخر يبعدان الانسان بوعد شفاعة الشافعين عليهم السلام عن ساحة قدسهم ويجعلانه عن شفاعتهم مهجورا، فإن الانغمار في المعاصي يجعل القلب بالتدريج مظلما ومنكوسا ويجرّ أمر الانسان إلى سوء العاقبة، وانّ طمع الشيطان في أن يسرق إيمان الانسان وإنما يجعل الدخول في المعاصي مقدمة لها حتى يصل إلى النتيجة المطلوبة. فهذا الانسان إن كان طمعه في شفاعة الشافعين فلا بدّ له أن يسعى ويجتهد في هذا العالم في الحفاظ على الرابطة بينه وبين الشافعين وأن يتفكر في حال شفعاء يوم الحشر كيف كان حالهم في العبادة والرياضة، ولو فرضنا أنكم ترتحلون من هذه الدنيا مع الايمان بالله ولكن إذا كانت أثقال الذنوب والمظالم كثيرة يمكن ألا يشفع فيكم في أنواع الذنوب في البرزخ والقبر، وكما نقل عن الصادق عليه السلام من أن البرزخ على عهدتكم وعذاب البرزخ لا يقاس بعذاب هذه الدنيا وطول مدة البرزخ لا يعلمه إلا الله ولعله يطول ملايين من السنين.

ويمكن أن يكون في القيامة أيضاً بعد مدة طويلة في أنواع العذاب التي لا تطاق، انكم لا تنالون الشفاعة، كما أن هذا المعنى وارد في الاحاديث أيضاً، فهذا الغرور من الشيطان يمسك الانسان عن العمل الصالح و يخرجه من الدنيا، إما بلا إيمان أو مع أثقال ذنوب كثيرة ويبتليه بالشقاوة والخسران.

وربما يعد الشيطان الانسان بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين، وبنفس هذا الوعد يقطع الشيطان يد الانسان عن ذيل الرحمة. وهذا الانسان غافل عن أن بعث الرسل وإرسال الكتب وإنزال الملائكة والوحي والالهام على الانبياء والهداية إلى طريق الحق كل ذلك من شؤون الرحمة لأرحم الراحمين، وقد اتسعت الرحمة الواسعة لجميع العالم ونحن على جانب عين الحياة نهلك من الظمأ، هذا القرآن هو أكبر رحمة الله فان كنت تطمع في رحمة أرحم الراحمين فتأمل رحمته الواسعة واستفد من هذه الرحمة فانه قد فتح طريق الوصول إلى السعادة وبيّن طريق الهداية من الضلالة، وأنت تلقي تفسك في الهلاك وتنحرف عن الطريق المستقيمة. فليس في الرحمة إذن أي نقصان، ولو كان من الممكن أن يُري الله الانسان طريق الخير والسعادة في طور آخر لكان سبحانه أراه إيّاه بمقتضى رحمته، ولو كان من الممكن أن يوصل الانسان إلى السعادة إكراها لكان الانبياء يوصلونه بالاكراه، لكن هيهات، ان طريق الاخرة طريق لا يمكن ان يسعى فيها الا بقدم الاختيار، وان السعادة لا تحصل بالجبر، وان الفضيلة والعمل الصالح بلا اختيار ليسا فضيلة ولا عملا صالحا، ولعل هذا معنى الآية الشريفة " لا إكراه في الدين " (البقرة - 256). نعم ما يمكن أن يعمل فيه الاكراه والاجبار هو صورة الدين الالهية لا حقيقته، وان الانبياء عليهم السلام كانوا مأمورين أن يفرضوا على الناس صورة الدين ما أمكنهم، وبأي نحو ممكن حتى صورة العالم صورة العدل الالهي، ولكنهم بالنسبة إلى الباطن فليس لهم إلا مجرّد الارشاد حتى يمشي الناس في هذه الطريق بأنفسهم وينالوا السعادة باختيارهم. وبالجملة، هذا الوعد بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين هو أيضاً من غرور الشيطان ليقطع يد الانسان عن الرحمة بطمع الرحمة.

الفصل التاسع

أحاديث في الترغيب في حضور القلب

في ذكر قليل من أحاديث أهل البيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم في الترغيب في حضور القلب، ونحن نكتفي هنا بذكر بعضها:

 فعن الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله: " اعبد الله كأنك تراه، وان لم تكن تراه فإنه يراك"، يستفاد من هذا الحديث مرتبتان من مراتب حضور القلب، الأولى: أن السالك يكون مشاهدا جمال الجميل في تجليات حضرة المحبوب على نحو تكون جميع مسامع قلبه مسدودة عن سائر الموجودات، وتكون بصيرته مفتوحة لجمال ذي الجلال الطاهر ولا يشاهد غيره، وبالجملة يكون مشغولا بالحاضر وغافلا عن المحضر والحضور. والمرتبة الثانية التي هي دون تلك المرتبة أن يرى السالك نفسه حاضرا في محضرة ويلاحظ أدب الحضور والمحضر. فالرسول الاكرم كأنه يقول ان كنت تستطيع أن تكون من أهل المقام الأول وتأتي بعبادة الله على ذلك النحو فافعل والا فلا تغفل عن أنك في المحضر الربوبي. ولمحضر الحق تعالى أدب تكون الغفلة عنه لا محالة بعدا عن مقام العبودية، وإلى هذا أشير في???الحديث الذي رواه أبو حمزة الثمالي (الثمالي هو أبو حمزة ثابت بن دينار الثقة الجليل صاحب الدعاء المعروف في اسحار شهر رمضان. كان من زهّاد أهل الكوفة ومشايخها وكان عربيّا أزديّا، روى عن الفضل بن شاذان قال: سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا عليه السلام يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي وذلك أنه خدم أربعة منّا علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمّد وبرهة من عصر موسى بن جعفر عليهم السلام. انتهى. (كش) عن علي بن ابي حمزة في خبر قال: قال الصادق عليه السلام لابي بصير: اذا رجعت إلى ابي حمزة الثمالي فأقرئه منّى السلام وأعلمه انه يموت في شهر كذا في يوم كذا. قال أبو بصير: جعلت فداك والله لقد كان فيه أنس، وكان لكم شيعة. قال: صدقت ما عندنا خير لكم. قلت: شيعتكم معكم؟ قال: ان هو خاف الله وراقب نبيّه وتوقى الذنوب فاذا هو فعل كان معنا في درجتنا. قال علّي: فرجعنا تلك السنة فلما لبث أبو حمزة الاّ يسيرا حتّى توفّي رحمه الله. مات في سنة خمسين ومئة (قن)) رضي الله عنه، قال: " رأيت علّي بن الحسين عليه السلام يصلي فسقط رداؤه عن منكبه فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك، فقال: ويحك أتدري بين يديّ من كنت؟ ".

وفي حديث أيضاً عن الرسول صلى الله عليه وآله " إنّ الرجلين من أمتي يقومان إلى الصلاة وركوهعما وسجودهما واحد وان ما بين صلاتهما مابين السماء والأرض " وقال النبي صلى الله عليه وآله: " اما يخاف الذي يحول وجهة في الصلاة أن يحول الله وجهه إلى حمار ". وقال صلى الله عليه وآله: " من صلّى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ذنوبه " وعنه صلى الله عليه وآله " ان من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر وان منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " وان " مالك في صلاتك الا ما أقبلت عليه بقلبك ". وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " اذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله اليه، أو قال أقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلّته الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء والملائكة تحفّه من حوله إلى أفق السماء ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول أيها المصلّي لو تعلم من ينظر اليك ومن تناجي ما التقتّ ولا زلت من موضعك أبدا ".

وقال الصادق عليه السلام: " لا تجتمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة فإذا صلّيت فأقبل بقلبك إلى الله عزّ وجلّ فإنه ليس من عبد يقبل بقلبه على الله عزّوجلّ في صلاته ودعائه إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين وأيّده مع مودّتهم إيّاه بالجنة ". وعن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام أنهما قالا: " إن مالك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه فيهما فإن أوهمها كلها أو غفل عن آدابها لفت فضرب بها وجه صاحبها ". وعن أبي جعفر عليه السلام قال: " ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع منها له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه وإنما أمرنا بالنافلة ليتمّ لهم بها ما نقصوا من الفريضة ".

وعن الصادق عليه السلام " اذا أحرمت في الصلاة فأقبل اليها لأنك ان أقبلت أقبل الله إليك وإن أعرضت أعرض الله عنك فربّما لا يرفع من الصلاة الا ثلثها أو ربعها أو سدسها بقدر ما أقبل المصلّي إليها وان الله لا يعطي الغافل شيئا ". (أقول: نقلت الحديث الصادقي عن الترجمة للاستاذ دام ظله.)

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه (لاه) " والاحاديث في هذا الباب كثيرة وهذا المقدار كاف لارباب القلوب اليقظة وأصحاب الاعتبار. (قال المحدث الجليل الفيض الكاشاني.. إن قيل: المستفاد من هذه الآيات والاخبار أن الصلاة من يغفل عما يقول فيها ويفعل، ليست مقبولة إلا بقدر ما أقبل عليه منها. والفقهاء لم يشترطوا إلا حضور القلب عند التكبير والتوجّه عنده. فكيف التوفيق، وأيضا فإن المصلّي في صلاته ودعائه مناج ربّه كما هو معلوم. وقد ورد في الخبر أيضا، ولا شكّ أن الكلام مع الغفلة ليس بمناجاة، والكلام إعراب عما في الضمير ولا يصحّ الاعراب عمّا في الضمير الا بحضور القلب فأي سؤال في قوله اهدنا الصراط المستقيم اذا كان القلب غافلا ولا شك ان المقصود من القراءة والاذكار، الحمد والثناء والتضرع والدّعاء. والمخاطب هو الله تعالى وقلب العبد بحجاب الغفلة محجوب عنه فلا يراه ولا يشاهده بل هو غافل عن المخاطب ولسانه يتحرك بحكم العادة. فما أبعد هذا عن المقصود بالصلاة التي شرّعت لتصقيل القلب وتجديد ذكر الله ورسوخ عقد الايمان بها هذا حكم القراءة والذكر، وأما الركوع والسجود فالمقصود التعظيم بهما قطعا. والتعظيم كيف يجتمع مع الغفلة؟ واذا خرج عن كونه تعظيما لم يبق الا مجرّد حركة الظهر والرأس وليس فيه من المشقة ما يقصد الامتحان به ثم يجعل عماد الدين والفاصل بين الكفر والاسلام ويقدّم على ساير العبادات ويجب القتل بسبب تركه على الخصوص.

فاعلم أن بين القبول والاجزاء فرقا، فإن القبول من العبادة ما يترتب عليه الثواب في الآخرة وتقرّب إلى الله زلفى، والأجزاء ما يسقط التكليف عن العبد وان يثب عليه، والناس مختلفون في تحمّل التكلف، فالتكليف انما هو بقدر حوصلة الخلق وقابليتهم في سعتهم وقصورهم، فلا يمكن أن يشترط عليهم جميعا إحضار القلب في جميع الصلاة فإن ذلك يعجز عنه كل البشر الا الأقلين، وغذا لم يكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مردّ له إلا ان يشترط منه ما يطلق الاسم ولو في اللحظة الواحدة وأولي الخطاب به لحظة التكبير والتوجّه فاقتصر على التكليف بذلك، ونحن مع ذلك نرجو ان لا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل حال التارك بالكلية فإنه على الجملة أقدم على الفعل ظاهرا وأحضر للقلب لحظة، وكيف لا والذي صلى مع الحديث ناسيا، صلاته باطلة عند الله ولكن له أجر ما بحسب فعله وعلى قدر تصوّره وعذره، وقد ذكرنا في باب العقائد في الفرق بين العلم الباطن والظاهر ان قصور الخلق أحد الاسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من أسرار الشرع.

وحاصل الكلام أن حضور القلب هو روح الصلاة وان أقل ما يبقى به الروح الحضور عند التكبير، فالنقصان منه هلاك وبقدر الزيادة عليه يبسط الروح في أجزاء الصلاة، وكم من حيّ لا حراك به قريب من الميت. فصلاة الغافل في جميعها إلاّ عند التكبير حيّ لا حراك به.

وقال أيضا: اعلم أن المعاني الباطنة التي بها يتم حياة الصلاة بجمعها ست جمل وهي: حضور القلب والتفهّم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء. فالأول حضور القلب، ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس له ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل والقول مقرونا بهما ولا يكون الفكر جاريا في غيرهما، ومهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عنه فقد حصل حضور القلب ثم التفهّم لمعنى الكلام وهو أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ ولا يكون حاضرا مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردنا بالتفهّم، وهذا مقام يتفاوت فيه الناس إذ ليس يشترك الناس في تفهّم المعاني للقرآن والتسبيحات، وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك، ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم أمورا، تلك الأمور من الفحشاء والمنكر لا محالة.

ثم التعظيم وهو أمر وراء حضور القلب والفهم، اذ الرجل، ربما يخاطب غيره بكلام هو حاضر القلب فيه ومتفهم لمعناه ولا يكون معظما له.

ثم الهيبة: وهي زائدة على التعظيم، اذ هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لان من لا يخاف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الاجلال.

ثم الرجاء: فالعبد ينبغي أن يكون راجيا بصلاته ثواب الله كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله.

ثم الحياء: ومبدؤه استشعار تقصير وتوهّم ذنب، ولنذكر أسباب هذه المعاني الستة:

فاعلم أن حضور القلب سببه الهمّه، فان قلبك تابع لهمّك فلا يحضر الا فيما يهمّك، ومهما أهمّك أمر حضر القلب شاء أم أبى فهو مجبول عليه ومسخّر فيه، والقلب اذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلا بل كان حاضرا فيما الهمّة مصروفة اليه من أمور الدنيا، فلا حيلة ولا علاج لاحضار القلب الاّ بصرف الهمة إلى الصلاة، والهمّة لا ينصرف اليها ما لم يتبيّن أن الغرض المطلوب منوط بها وذلك هو الايمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى وان الصلاة وسيلة اليه، فاذا أضيف هذا إلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهانتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة.

وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى، وعلاجه ما هو إحضار القلب مع الاقبال على الفكر والتشمّر لرفع الخواطر الشاغلة، وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تتحدث الخواطر إليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر، فمن أحب شيئا أكثر ذكره فذكر المحبوب يهجم على القلب بالضرورة، ولذلك ترى من أحب غير الله لا تصفو صلاته عن الخواطر.

وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد بين معرفتين، إحدهما معرفة جلالة الله وعظمته وهي من أصول الايمان، فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه.

الثانية: معرفة حقارة النفس وخسّتها وكونها عبدا مسخّرا مربوبا حتى يتولد من المعرفتين: الاستكانة والانكسار والخشوع لله، فيعبر عنه بالتعظيم، وما لم يمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الربّ لا ينتظم حالة التعظيم والخشوع، فإن المستغني عن غيره، الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله لأن القرينة الاخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجيها لم تقترن بها.

وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس يتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وانه لو أهلك الاولين والآخرين لم تنقص من ملكه ذرة، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع.

وبالجملة، كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة.

وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله وكرمه وعميم انعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة، فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة. وأما الحياء فباستشعار التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث داخلها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعاله مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله، والعلم بأنه مطّلع على السريرة وخطرات القلب، وان دقّت وخفيت، وهذه المعارف إذا حصلت يقينا أنبعث منها بالضرورة تسمّى الحياء. (انتهى كلامه رفع مقامه))

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست