.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

قوله تعالى وما أدراك ما ليلة القدر

في بيان كيفية نزول الملائكة على ولي الأمر

 

  قوله تعالى: " وما أدراك ما ليلة القدر ":

هذا التركيب للتفخيم والتعظيم وعظمة المطلب وعظمة الحقيقة خصوصا بملاحظة المتكلم والمخاطب، فمع أن الحق تعالى جلّت قدرته هو المتكلم والرسول الأكرم هو المخاطب، مع هذا الوصف ربما يكون المطلب ذا عظمة بمقدار لا يمكن إظهاره في نسج الألفاظ وتركيب الحروف والكلمات فكأنه تعالى يقول: لا تدري ما ليلة القدر في حقيقتها العظيمة ولا يمكن بيان حقيقتها ونسج الحروف والكلمات ونظمها لا يليق بتلك الحقيقة.

ولهذا مع أن كلمة ما لبيان الحقيقة فقد صرف النظر عن بيانها وقال ليلة القدر خير من ألف شهر فعرّفها بخواصها وآثارها لأن بيان حقيقتها غير ممكن، ومن هنا أيضا يحتمل بحدس قوي أن تكون حقيقة ليلة القدر وباطنها غير هذه الصورة والظاهر، وإن كان هذا الظاهر أيضا ذا أهمية وعظمة ولكن ليس بمثابة يعبّر هذا النحو من التعبير بالنسبة إلى رسول الله الولي المطلق والمحيط على كل العوالم.

إن قلت: بناء على ما ذكر من أن باطن ليلة القدر حقيقة الرسول المكرم وبنيته التي احتجبت فيها شمس الحقيقة بتمام شؤونها فالإشكال يكون أعظم لأنه لا يمكن أن يقال له - صلى الله عليه وآله - نفسه ما أدرك ما ليلة القدر التي هي صورة الملكية لك.

قلت أن لهذا المطلب وهذه اللطيفة باطنا وذلك لمن ألقى السمع وهو شهيد.

فأعلم أيها العزيز.. حيث إن في باطن ليلة القدر الحقيقيّة يعني في البنية المحمدية والصورة الملكية أو في العين الثابتة المحمدية جلوة الاسم الأعظم والتجلي الأحدي الجمعي الإلهي فلهذه الجهة ما دام العبد السالك إلى الله يعني الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله في حجاب نفسه فإنه لا يتمكن من مشاهدة ذلك الباطن وتلك الحقيقة كما ورد في القرآن الشريف في حق موسى بن عمران لن تراني يا موسى.. مع أن التجلي الذاتي أو الصفاتي قد حصل له عليه السلام بدليل: " فلما تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخرّ موسى صعقـا " (الأعراف - 143). وبدليل فقرات الدعاء الشريف العظيم الشأن السمات كما هو واضح جدا، والنكتة في هذا أيضا أنه يا موسى ما دمت في الحجاب الموسوي والاحتجاب النفسي لا يمكنك المشاهدة لأن مشاهدة جمال الجميل لمن خرج عن نفسه، فإذا خرج عن نفسه فيرى بعين الحق وعين الحق ترى الحق لا محالة فجلوة الاسم الأعظم التي هي الصورة الكمالية لليلة القدر لا ترى مع الاحتجاب بالنفس، فهذا التعبير بناء على هذا التحقيق يكون صحيحا وفي مورده.

فإن قلت: إن ليلة القدر هي نفس البنية الأحمدية باعتبار احتجاب شمس الحقيقة فيها لا نفس الشمس حتى يصحّ هذا التوجيه. قلت: في لسان أهل النظر شيئية الشيء بصورته الكمالية والأشياء ذوات الأسباب وخصوصا السبب الإلهي لا تعرف بحقيقتها إلا بمعرفة أسبابها.

وفي لسان أهل المعرفة نسبة الظاهر والباطن والجلوة والمتجلي ليسا أمرين مفترقين بل الحقيقة الواحدة تتجلى بالتجلي الظهوري حينا وبالتجلي البطوني حينا آخر، كما يقول العارف المعروف:

 ماعد مهائيم هستيها نما تو وجود مطلق وهستي ما (البيت للعارف الرومي يقول:

نحن اعدام نتظاهر بالوجود وأنت الوجود المطلق وأنت وجودنا).

وفي هذا الكلام كما يقول العارف الرومي لا انتهاء له (قد تكررت في أشعار العارف الرومي جملة (إين سخن بايان ندارد) أي هذا الكلام لانتهاء له فمقصود الامام دام ظلّه من نقل القول هذه الجملة فقط لا أصل المطلب فتنبّه " المترجم ") وصرف النظر عنه أولى.

قوله تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر:

إذا لاحظنا الصورة الظاهرة الملكية لليلة القدر فكونها خيرا من ألف شهر بمعنى أنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، أو أنها والعبادة والطاعة فيها خير من ألف شهر حمل اليهود فيها سلاح ليقاتلوا في سبيل الله.

أو أن ليلة القدر خير من ألف شهر سلطنة بني فلان كما في الروايات الشريفة.

وإذا لوحظت حقيقة ليلة القدر فيمكن أن يكون ألف شهر كناية عن جميع الموجودات باعتبار أن ألف العدد الكامل، والمراد من الشهر أنواعها، يعني أن البنية الشريفة المحمدية وهي الإنسان الكامل خير من ألف نوع وهي جميع الموجودات كما قال بعض أهل المعرفة.

وقد لاح في نظر الكاتب احتمال آخر وهو أن تكون ليلة القدر إشارة إلى مظهر الاسم الأعظم يعني المرآة التامة المحمدية صلى الله عليه وآله وألف شهر عبارة عن مظاهر الأسماء الأخر، وحيث أن للحق تعالى واحدا وألف اسم. واحد من الأسماء مستأثر في علم الغيب فلهذه الجهة ليلة القدر أيضا مستأثرة وليلة قدر البنية المحمّدية أيضا مستأثرة ولا يطلّع عليها غير الذات المقدسة للرسول الخاتم صلى الله عليه وآله.

تنبيه عرفاني:

وليعلم كما أن الولي الكامل والنبي الخاتم صلى الله عليه وآله ليلة القدر باعتبار بطون الاسم الأعظم فيه واحتجاب الحق فيه بجميع شؤونه كذلك هو يوم القدر أيضا باعتبار ظهور شمس الحقيقة وبروز الاسم الجامع من أفق تعيّنه كما هو نفسه صلى الله عليه وآله يوم القيامة أيضا.

وبالجملة، ذاته المقدسة ليلة القدر ويومه، ويوم القيامة أيضا يوم القدر، فبناء على هذا لعل النكتة في التعبير عن سائر المظاهر بالشهر وعن هذا المظهر المقدس التام بالليلة هي أن مبدأ الشهور والسنين هو اليوم والليلة كما أن الواحد مبدأ للعدد وهو صلى الله عليه وآله بباطن الحقيقة - وهو الاسم الأعظم - مبدأ لسائر الأسماء وبتعينه وعينه الثابتة أصل الشجرة الطيبة ومبدأ التعينات، وتدبر، تعرف، واغتنم.

قوله تعالى: " تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر "

وفي هذه الآية الشريفة مطالب نذكر بعضها بطريق الإجمال:

الأمر الأول

في ذكر صنوف ملائكة الله والإشارة إلى حقيقتها على الإجمال:

اعلم أن بين المحدثين والمحقّقين اختلافا في تجرّد ملائكة الله وتجسّمها، وكافة الحكماء والمحققين وكثير من الفقهاء يقولون بتجردها وبتجرد النفس الناطقة، وأقاموا لذلك براهين متينة، ويستفاد التجرد من كثير من الروايات والآيات الشريفة كما قال المحدث المحقق مولانا محمد تقي المجلسي (هو والد المولى محمد باقر المجلسي كان وحيد عصره وفريد دهره اورع أهل زمانه وأزهدهم وأعبدهم استفاد العلم من شيخ الاسلام والمسلمين الشيخ بهاء الدين العاملي والعلامة الزاهد المقدس الورع المولى عبدالله الشوشتري وبعد فراغه من التحصيل أتى النجف الاشرف واشتغل بالرياضات وتهذيب الاخلاق وتصفية الباطن وله مكاشفات ومنامات حسنة ليس هاهنا مقام ذكرها ومصنفاته كثيرة منها شرحاه العربي والفارسي على كتاب من لا يحضره الفقيه كل منها يزيد على مئة ألف بيت وأرتحل إلى جوار رحمة الله تعالى في سنة 1070 (غع)). الوالد الماجد للمرحوم المجلسي في شرح الفقيه في ذيل بعض الروايات: أن هذا يدّل على تجرّد النفس الناطقة.

وقال بعض الأكابر من المحدثين بعدم التجرد، وغاية ما استدلّوا به أن القول بالتجرد مناف للشريعة وصرّحوا بأن المجرد ليس سوى ذات الحق تعالى وتقدس. وهذا الكلام ضعيف في الغية لأن نظرهم في هذا لعلها كانت معطوفة على أمرين:

الأول قضية حدوث العالم زمانا فتوهم أن تجرد شيء سوى الحق ينافيه.

والثاني: كون الحق تعالى فاعلا باختيار، فتوهموا أنه يخالف تجرّد عالم العقل والملائكة، وكلا المسألتين من المسائل المعنونة في العلوم العالية وقد اتضح فيها عدم تنافي المسائل من هذا القبيل مع الوجود المجردّ بل القول بعدم تجرد النفوس الناطقة وعالم العقل وملائكة الله ينافي كثيرا من المسائل الإلهية وكثيرا من العقائد الحقة وليس الآن مجال لبيانه، والحدوث الزماني للعالم على نحو توهمته هذه الطائفة مناف لأصل مسألة الحدوث الزماني فضلا عن أنه مخالف لكثير من القواعد الإلهية والحق الموافق للعقل النقل عند الكاتب أن لملائكة الله أصنافا كثيرة وكثير منها مجرد وكثير منها جسماني برزخي ولا يعلم جنود ربك إلا هو.. وأصنافها على حسب التقسيم الكلي ما قالوا أن الموجودات الملكوتية على قسمين:

قسم لا تعلّق به بعالم الأجسام لا تعلقا حلوليّا ولا تعلقا تدبيريا. والقسم الآخر ما له التعلق بأحد هذين الوجهين.

والطائفة الأولى قسمان: قسم يقال له الملائكة المهيمنة وهم المستغرقون في جمال الجميل والمتحيرون في ذات الجليل وعن سائر الخلق غافلون لا يتوجهون إلى سائر الموجودات.

ففي أولياء الله أيضا طائفة بهذه الصفة، فكما أننا مستغرقون في البحر الظلماني للطبيعة وعن عالم الغيب وذات ذي الجلال غافلون مع أن الحق تعالى ظاهر بالذات وكل ظهور شعاع ظهوره كذلك هو غافلون عن

العالم وما فيه ومشغولون بالحق وجمال الجميل. وفي الرواية: " أن لله خلقا لا يعلمون أن الله خلق آدم وإبليس ".

والقسم الثاني: طائفة جعلها الله تعالى وسائط رحمته وجوده وهي مبادئ سلسلة الموجودات وغاية أشواقها، ويقال لهذه الطائفة أهل الجبروت ويقدمها ويرأسها الروح الأعظم، ولعل الآية الشريفة، " تنزّل الملائكة والروح " (القدر - 4). أيضا تكون إشارة إلى هذه الطائفة من الملائكة واختصاص الروح بالذكر مع أنه من الملائكة لعظمته، كما في الآية الشريفة: " يوم يقوم الروح والملائكة صفا " (النبأ - 38) أيضا إشارة إلى ذلك.

ويقال للروح باعتبار القلم الأعلى كما قال صلى الله عليه وآله وسلم " أول ما خلق الله القلم ".

ويقال له باعتبار آخر العقل الأول كما قال صلى الله عليه وآله وسلم " أول ما خلق الله العقل ". وقال بعض: أن الروح هو جبرائيل.. وعند الفلاسفة جبرائيل آخر الملائكة الكروبيين وأنه الروح القدس ويعتقدون أن الروح أول الملائكة الكروبيين. وفي الروايات الشريفة أيضا " أن الروح أعظم من جبرائيل " كما في الكافي الشريف عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " (الاسراء - 85) قال: " خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله وهو مع الأئمة وهو من الملكوت ".

وفي بعض الروايات أن الروح ليس من الملائكة بل أعظم من الملائكة، ولعل للروح في لسان القرآن، والأحاديث إطلاقين كما أن له في لسان أهل الإصطلاح إطلاقات، فروح من صنوف الملائكة كما قال عليه السلام " أنه من الملكوت " وروح هو روح حضرات الأولياء وليس من الملائكة وأعظم منها. فبناء على هذا يمكن أن يكون الروح في السورة الشريفة القدر باعتبار التنزّل في ليلة القدر عبارة عن الروح الأمين أو الروح الأعظم، وفي الآية الشريفة " يسألونك عن الروح " (لاسراء - 85) عبارة عن الروح الإنساني الذي هو مرتبة الكمال أعظم من جبرائيل وسائر الملائكة وهو من عالم الأمر بل ربما يتحد مع المشيئة التي هي الأمر المطلق.

والقسم الآخر من ملائكة الله هو الملائكة الموكلة بالموجودات الجسمانية والمدبرات فيها ولها صنوف كثيرة وطوائف لا تعدّ لأن لكل موجود علوي أو سفلي فلكي أو عنصري وجهة ملكوتية ينتقل بتلك الوجهة إلى عالم ملائكة الله ويتصل بجنود الحق، كما أن الحق تعالى يشير إلى ملكوت الأشياء بقوله " فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ".

وقال النبي صلى الله عليه وآله في كثرة الملائكة كما في الروايات " أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع ". وقد ذكر في الروايات الشريفة الكثيرة ما يرجع إلى كثرة الملائكة وكثرة صنوفها.

 

الأمر الثاني

في بيان كيفية نزول الملائكة على ولي الأمر

اعلم أن الروح الأعظم وهو خلق أعظم من ملائكة الله بمعنى أنه واقع في الرتبة الأولى من ملائكة الله وأِشرف وأعظم من الكل وملائكة الله المجردة قطان عالم الجبروت ولا يتجافون عن مقامهم والنزول والصعود لهم بالمعنى الذي للأجسام مستحيل لأن المجرد مبرأ ومنزه عن لوازم الأجسام فتنزلهم أعم من أن يكون في مرتبة القلب أو الصدر أو الحس المشترك للولي أو أن يكون في بقاع الأرض والكعبة وحول قبر رسول الله أو في البيت المعمور بطريق التمثّل الملكوتي أو الملكي كما قال تعالى في شأن تنزل الروح الأمين على مريم. " فتمثل لها بشرا سويا " (مريم - 17) كما إن للأولياء الكمَّل أيضا يمكن أن يكون تمثل ملكوتي وتروح جبروتي فلملائكة الله استطاعة الدخول في الملك والملكوت وقدرته وقوته على نحو التمثل، وللكمّل من الأولياء قدرة الدخول في الملكوت والجبروت على طور التروّح، والرجوع من الظاهر إلى الباطن، وتصديق هذا المعنى لمن فهم حقائق المجردات سهل سواء المجرد الملكوتي أو الجبروتي أو النفوس الناطقة التي هي أيضا من المجردات الجبروتية أو الملكوتية وتصور مراحل الوجود ومظاهر ونسبة الظاهر إلى الباطن والباطن إلى الظاهر.

وليعلم أنه لا يمكن تمثل الجبروتيّين والملكوتيّين في قلب البشر وصدره وحسه المشترك إلا بعد خروجه من الجلباب البشري وحصول المناسبة بينه وبين تلك العوالم، وإلا فما دامت النفس مشتغلة بالتدبيرات الملكية وغافلة عن تلك العوالم لا يمكن أن تحصل لها هذه المشاهدات أو التمثلات، نعم ربما يمكن أن يحصل للنفس انصراف عن هذه العوالم بإشارة من أحد الأولياء وتدرك إدراكا معنويا أو صوريا من عوالم الغيب بمقدار لياقتها وربما يكون للنفس انصراف عن الطبيعة بواسطة بعض الأمور الهائلة فتدرك انموذجة عن عالم الغيب كما ينقل الشيخ الرئيس قضية رجل صافي الضمير أنه أخذ براءة من النار في حج بيت الله. وينقل ما يشبهها الشيخ العارف محي الدين فجميع هذه الأمور أيضا من انصراف النفوس من الملك وتوجهها إلى الملكوت وربما يمكن أن نفوس الأولياء الكمل بعد انسلاخها عن العوالم ومشاهدة الروح الأعظم أو سائر ملائكة الله تصحو وتحفظ حضرات الغيب والشهادة بواسطة قوتها، وفي هذه الصورة تشاهد حقائق الجبروتيين في جميع النشآت في آن واحد وربما يحصل تنزل الملائكة بقدرة الولي الكامل بنفسه والله العالم.

الأمر الثالث

اعلم أن ليلة القدر حيث أنها ليلة مكاشفة رسول الله وأئمة الهدى عليهم السلام فلهذا تنكشف لهم جميع الأمور الملكية عن غيب الملكوت وتظهر لهم الملائكة الموكلة بكل أمر من الأمور لحضراتهم في نشأة الغيب وعالم القلب وتنكشف وتعلم لهم جميع الأمور التي قدرت للخلائق في مدة السنة وكتبت في الألواح العالية والسالفة على نحو الكتابة الملكوتية والاستجنان الوجودي، وهذه المكاشفة مكاشفة ملكوتية محيطة بجميع ذرات عالم الطبيعة ولا يخفي لولي الأمر شيء من أمور الرعية.

ولا ينافي أن ينكشف لهم في ليلة واحدة أمر السنة وفي حالة جميع الأمور وفي لحظة جميع المقدرات الملكية والملكوتية.

وتنكشف أيضا بالتدريج في أيام السنة الأمور اليومية على طريق الإجمال والتفصيل.

فمثلا ورد في كيفية نزول القرآن في الحديث أنه نزل جملة واحدة في البيت المعمور ونزل في طول ثلاث وعشرين سنة على رسول الله، والورود في البيت المعمور أيضا نزول على رسول الله.

وبالجملة ربما يتصل ولي الأمر بالملأ الأعلى والأقلام العالية والألواح المجردة فتحصل له المكاشفة التامة لجميع الموجودات أزلا وأبدا، وربما يتصل بالألواح السافلة فيكتشف مدة مقدرة. وتمام صفحة الكون حاضرة في محضرة الولوي وكل أمر يقع يكون منظورا لهم عليهم السلام وقد ورد في روايات عرض الأعمال على ولي الأمر أنه كان في كل خميس وأثنين تعرض الأعمال على رسول الله وأئمة الهدى عليهم السلام.

وفي بعض الروايات أنها تعرض في صبيحة كل يوم. وفي بعضها تعرض عليهم أعمال العباد صباحا ومساء وهذه كلها أيضا على حسب الإجمال والتفصيل والجمع والتفريق، وقد وردت في هذه الأبواب روايات شريفة عن أهل بيت العصمة والطهارة مذكورة في كتب التفاسير كتفسير البرهان والصافي.

قوله تعالى: سلام هي حتى مطلع الفجر:

هذه الليلة المباركة هي السلامة من الشرور والبليات والآفات الشيطانية حتى مطلع الفجر أو أنها سلام على أولياء الله وأهل الطاعة، أو أن ملائكة الله التي تلاقيهم لتسلم عليهم من الله تعالى إلى طلوع الفجر.

تنبيه عرفاني

كما ذكر سابقا في بيان حقيقة ليلة القدر أنها تعبّر عن مراتب الوجود وتعينات الغيب والشهود بالليل باعتبار احتجاب شمس الحقيقة في أفقهم وبناء عليه فليلة القدر هي ليلة احتجب فيها الحق تعالى بجميع الشؤون وأحدية جمع الأسماء والصفات التي هي حقيقة الاسم الأعظم وهي التعين والبنية للولي الكامل وهو في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه المقدسة وبعده أئمة الهدى واحدا بعد واحد، فبناء على هذا ففجر ليلة القدر هو وقت ظهور آثار شمس الحقيقة من خلف حجب التعينات، وطلوع الشمس من أفق التعينات فجر يوم القيامة أيضا وحيث أنه من مدة الغروب واحتجاب شمس الحقيقة في أفق تعينات هؤلاء الأولياء الكمل إلى وقت طلوع الفجر وهو مدّة ليلة القدر تلك الليلة صاحبة الشرف سالمة من التصرفات الشيطانية مطلقا، وكما احتجبت الشمس من دون كدورة وبلا تصرفات شيطانية تطلع بهذه الصفة فقال تعالى: " سلام هي حتى مطلع الفجر " وأما سائر الليالي فهي: فإما أن السلامة ليست فيها أصلا وهي ليالي بني أميّة وأمثالهم أو أنها فاقدة للسلامة بمجموع معانيها وهي ليالي سائر الناس.

خاتمة:

قد علم من البيانات العرفانية والمكاشفات الإيمانية التي ظهرت بتأييد من الأولياء العظام على القلوب المنيرة لأهل المعرفة إن السورة المباركة التوحيد كما أنها نسبة الذات المقدسة للحق جل وعلا كذلك السورة الشريفة القدر نسبة أهل بيت العظام عليهم السلام، كما ورد في روايات المعراج مثل ما رواه محمد بن يعقوب بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة النبي صلى الله عليه وآله في السماء في حديث الإسراء قال عليه السلام " ثم أوحى الله عز وجل إليه اقرأ يا محمد نسبة ربك تبارك وتعالى الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وهذا في الركعة الأولى ثم أوحى الله عز وجل إليه اقرأ بالحمد لله فقرأها مثلما قرأ أولا ثم أوحى الله إليه: اقرأ: إنّا أنزلناه فإنها نسبتك ونسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ".

والروايات الشريفة في فضل السورة المباركة القدر كثيرة منها ما في الكافي الشريف عن أبي جعفر عليه السلام قال " من قرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر يجهر بها صوته كان كالشاهر سيفه في سبيل الله ومن قرأها سرّا كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله، ومن قرأها عشر مرات غفرت له على نحو ألف ذنب من ذنوبه ". وفي خواص القرآن روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله " من قرأ هذه السورة كان له أجر من قاتل في سبيل الله " والحمد لله أولا وآخرا.

اعتذار:

مع أنه كان في نية الكاتب في هذه الرسالة أن يكفّ عن المطالب العرفانية غير مأنوسة النوع، ويكتفي بالآداب القلبية فقط للصلاة.. والآن أرى أن القلم قد طغى وفي خصوص تفسير السورة الشريفة قد تجاوزت عن الموضوع المقرّر عندي فلا بدّ لي من أن أعتذر للأخوة الإيمانيين والاخلاّء الروحانيين، وفي ضمن الاعتذار أقول:

إذا رأيتم في هذه الرسالة مطلبا غير مطابق لذوقكم فلا ترموه بالباطل بلا تأمّل لأن كل علم له أهل ولكل طريق سالك رحم الله امرأ عرف قدره ولم يتعدّ طوره.. ويمكن أن يغفل بعض عن حقيقة الحال ولعدم اطّلاعهم على المعارف القرآنية ودقائق السنن الإلهية يظنّون أن بعض مطالب هذه الرسالة تفسير بالرأي وهذا الظنّ خطأ محض وافتراء فاحش لأنه:

أولا: أن هذه المعارف واللطائف كلها مستفادة من القرآن الشريف والأحاديث الشريفة ولها شواهد سمعية كما ذكر بعضها في خلال المباحث ولم يذكر أكثرها رعاية للاختصار.

وثانيا: جميع تلك المعارف أو أكثرها موافقة للبراهين العقلية أو العرفانية، والأمر بهذه الصفة لا يكون تفسيرا بالرأي.

وثالثا: أن ما ذكرنا من المطالب أم نذكره في بيان الآيات الشريفة فهو من قبيل بيان مصاديق المفاهيم غالبا وبيان المصداق ومراتب الحقائق ليس بتفسير أصلا حتى يكون تفسيراً بالرأي.

ورابعا: بعد جميع المراحل ذكرنا المطالب في الموارد غير الضرورية على سبيل الاحتمال وبيان أحد المحتملات رعاية لغاية الاحتياط في الدين مع أنه ليس هنا محل للاحتياط، ومن المعلوم أن باب الاحتمال ليس مسدودا على أحد وليس مربوطا بالتفسير بالرأي وهنا مطالب أخرى كففنا عنها رعاية للاختصار.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست