.

 

ولكن لماذا الاعداد الروحي؟

أولاً: التربية الروحية واستقامة المسيرة

ثانياً: التربية الروحية وتماسك الصف

ثالثاً: التربية الروحية والثبات على الدين

رابعاً: التربية الروحية وعمل الأئمة

ولكن لماذا الإعداد الروحي؟

عرفنا الآن كيف ان الله تعالى قدر لرسوله ان يمر بفترة إعداد روحي من اجل تحمل القول الثقيل.. وان ذلك هو زاد المترسمين خطاه في كل جيل.. ولكن لماذا؟ وما هي علاقة حب الله تعالى، والاخلاص له في خوفه ورجائه وربط القلب به بتحمل المكاره واعباء طريق ذات الشوكة، واثقال المسيرة؟.

والجواب على ذلك: أن للتربية الروحية علاقة صميمة وارتباطاً وثيقاً بـ (استقامة المسيرة) على خط الإسلام فكرياً وعملياً و (بتجاوز فتنة الاضطهاد) والتعذيب الجسمي والنفسي التي يتعرض لها رسول الله (ص) وأصحابه بـ (فعالية) علمهم و (تماسك) صفهم.. ولنعرض ذلك بشيء من التفصيل فيما يلي:

 

(1)   – التربية الروحية واستقامة المسيرة:

ليس من الهين ان تستقيم مسيرة المؤمنين العاملين في سبيل الله على الخط الذي يرتضيه الله تعالى، ويشترعه الإسلام من الناحية الفكرية المفاهيمية، والناحية العملية والسلوكية.

(1)    – لان الحضارة الجاهلية والمفاهيم الاجتماعية المادية التي كان يعيش في وسطها اصحاب الرسول (ص) تدعوهم إلى الانحراف.. بسبب انهم ابناء هذه البيئة التي تعيش هذه المفاهيم الحضارية المادية فمن المعقول ان تؤثر فيهم عن طريق (الوراثة) الفكرية و (الايحاء) الثقافي.. والميل النفسي عند كل إنسان إلى التوافق الاجتماعي واتخاذ الاخلاء، ولو عن طريق التنازل الفكري والسلوكي.

(2)    – ولان استعجال النصر.. والنزق واستباق المراحل تدعو هؤلاء المؤمنين إلى التنازل عن بعض افكارهم وتليين

مواقفهم من اجل أن تجد دعوتهم طريقها إلى قلوب الناس، وتتقدم في الجو الاجتماعي، ولو على حساب بعض جوانبها الرسالية.

(3)    – ولان الاهواء الشخصية هنا، قد تتجمع وتظهر في صيغ ثقافية لتعمل على حرف المسيرة، وتمييع الشخصية الإسلامية الأصيلة، والارتباط بالله سبحانه وبرسالته..

هذه العوامل وغيرها دواع الانحراف ملازمة لكل عمل اجتماعي في عصر الرسول (ص) أو بعده.. والتربية الروحية شرط ضروري للتعالي على هذه العوامل، والانفلات من تأثيرها لان التربية الروحية تقيم المؤمن في علاقة محكمة مع الله.. يعبده سواه ويرجوه، ويعمل له لا لغيره.. يتأثر بوحيه، ورسالته، ويقطع صلة (التأثر) بالناس، ويقيم معهم بدل ذلك صلة (التأثير) والتوجيه..

لان الانفصال عن الناس وحضارتهم.. وعن اهواء النفس وشهواتها لا يتم الآ من خلال عمل تربوي جاد يبني الإنسان فيه نفسه مع الله ويقطعها به عما سواه (يعبده ولا يعبد غيره، ويرجوه ولا يرجو غيره، ويخافه ولا يخاف غيره).. وبكلمة يقطع قلبه وشعوره وكيانه عن كل شيء عدا الله وما أمر الله به (ان يوصل) بهذا وحده يمكن ان تستقيم وتثبت على خط الإسلام.

ونكرر.. ليست الاستقامة المطلوبة هينة او يسيره ونزيد هنا.. حتى على رسول الله (ص) نفسه.. ومن هنا ينقل عنه (ص) انه كان يقول (شيبتني هود) اشارة إلى قوله تعالى في سورة هود (فأستقم كما أمرت).

وفي رواية عن إبن عباس (ما نزل على رسول الله (ص) آية كانت اشد عليه، ولا اشق من هذه الآية ولذلك قال لاصحابه حين قالوا له اسرع اليك الشيب يا رسول الله: شيبتني هود والواقعة) [1].

ولنقرأ هنا مجموعتين من الآيات الكريمة نزلت على رسول الله (ص) من اجل تحصينه – وهو المعصوم – من الحيف، أو الانحراف عن خط الإسلام.. وهما مجموعتان عجيبتان تدعوان للتفكير، والدرس، والتأمل الكثير.. بشكل واضح بين الاستقامة على خط.. والتربية الروحية..

1–  (فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل، وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ،ولقد آتينا موسى الكتاب، فاختلف فيه، ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم، وانهم لفي شك منه مريب.

وان كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم انه بما يعملون خبير، فأستقم كما أمرت، ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار، ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون واقم الصلوة طرفي النهار، وزلفا من الليل، ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين) [2]

2 – (وان كادوا ليفتنونك عن الذي اوحينا اليك لتفتري علينا غيره واذاً لاتخذوك خليلا، ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً، إذا لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا.. اقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل، وقرآن الفجر أن قرآن الفجر كان مشهودا، ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا، وقل ربي ادخلني مدخل صدق، واخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيراُ..) (الاسراء 73 – 80).

والآيات التالية لها تعلق ايضاً بما سبقتها..

 

(2)  – التربية الروحية وتماسك الصف:

تماسك الصف يعتمد على وحدة الاهداف، والمنطلقات، ووحدة المشاعر، والتعاطف القلبي.. ويتعرض تماسك الصف إلى عوامل التفتيت، والتجزئة باستمرار.. (اختلاف الآراء، والمصالح الشخصية التي تغلب على المصلحة العامة عند بعض الناس، واختلاف المذاقات والمشاعر الخ)..

والتربية الروحية.. وبناء العلاقة بالله تعالى – وتنميتها هي دائماً في صالح التماسك.. فان التربية الروحية تعمل على ما يلي:

أ – توحيد المنطلق النفسي للمؤمنين في العمل.. (الدافع والهدف).. حب الرسالة، والرغبة في نشرها وتطبيقها مقابل الرغبات الشخصية، والاهداف الذاتية التي تختلف عادة من شخص إلى آخر.

ب – الحب في الله تعالى، حب المؤمنين، والأنس بهم والاخوة فيما بينهم والمشاركة الوجدانية[3].

ج – التقيد بالخلق الإسلامي في التعامل بين المؤمنين.

د – الحرص على المصلحة الدينية والخوف على الرسالة.

هذه المعاني الأربعة وما يتفرغ عنها هي أساس التماسك والحصانة من التزلزل والتصدع.. وهي معان لايبنيها سوى الأيمان بالله، والأخلاص له تعالى، وحبه الذي ينبسط على المؤمنين، وكذلك طاعته، والصبر عليها في مواجهة الأهواء الشخصية ومشاعر الأنا والأستقلال.. وهذه الأمور هي جوهر البناء الداخلي الروحي للمؤمن..

(وما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم ولكني اراكم قوماً تجهلون، ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم افلا تذكرون) [4].

(ان سرعة ائتلاف الابرار إذا التقوا، وان لم يظهروا التودد كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الانهار وان بعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا وان اظهروا التودد بالسنتهم كبعد البهائم من التعاطف وان طال اعتلافها على مذود واحد).

 

(3)  – التربية الروحية، والثبات على الدين:

واوضح مما سبق صلة التربية الروحية، والثبات على الدين في الايام الصعبة، وامتصاص المحن، والحرب النفسية والاضطهاد الجسمي، والنفسي الذي تواجه به الجاهلية اصحاب الرسول (ص) ومن بعدهم، ومن العذاب والمواجهة هو سمة المؤمنين في القرآن الكريم:

(وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير، فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، والله يحب الصابرين، وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرانا وثبت اقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، فأتهيم الله ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين) [5].

(الذين قال لهم الناس: ان الناس قد جمعوا لكم فأخشوهم، فزادهم إيماناً، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله، وفضل لم يمسهم سوء، واتبعوا رضوان الله، والله ذوفضل عظيم) [6].

(قال آمنتم له قبل ان آذن لكم انه لكبيركم الذي علمكم السحر، فلا قطعن ايديكم، وارجلكم من خلاف، ولاصلبنكم في جذوع النخل، ولتعلمن أينا اشد عذاباً، وابقى، قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، والذي فطرنا فاقض ما انت قاض، وانما تقضي هذه الحياة الدنيا، انا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا، وما اكرهتنا عليه من السحر والله خير وابقى) [7].

الى آخر ما هنالك من آيات الصمود الإيماني في مواجهة قوى الضغط والعذاب.

كيف اتيح لهذه الافواج المؤمنة ان تصمد في وجه التحديات، وتواجه الآلام، والإغراءات، والاضطهاد بالصبر والثبات؟ وما هو غذاء اصحاب موسى، واصحاب الاخدود الربيين، واصحاب محمد في رحلة المكاره، والمصاعب؟ وبأي وقود استطاعوا الثبات، والتحدي حتى وهم تحت سياط الجلادين، وقبضة الطغاة؟

كان غذاؤهم، وعزاؤهم، ووقودهم في كل هذه المرحلة الزهد.

(اقض ما انت قاض انما تقضي هذه الحياة)

وذكر الله، والتوكل عليه، واحتسابه.
   (وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)

(والذين إذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون)

(والله خير وابقى)

والتطلع إلى ثواب الله تعالى في اليوم الآخر، واسترخاص هذه الحياة الزائلة إلى حيث تلك الحياة الخالدة.. والافق الواسع في تصور الحياة، ووعي حركتها، وقلة متاع الظالمين.. وهكذا خوف الله واستشعارمراقبته.. وهذا هو ايضاً جوهر التربية الروحية..

وامثلة الصابرين بالله تعالى في المحنة، والبلاء بسبب عمق صلتهم بالله تعالى، وشديد تعلقهم به كثيرة جداً نعرف الكثير منها، ونجهل الكثير.

سجل القرآن الكريم بعضها وسجل التأريخ بعضها الآخر، واسدل ستار الزمن على الكثير من صبر الصابرين في الله، ونحن هنا نستشهد بالمثالين التاليين، في كل تلك الحوادث:

1 – عن الفضل ابن شادان انه (سعى بمحمد بن ابي عمير إلى السلطان: أنه يعرف اسامي عامة الشيعة بالعراق، فأمره السلطان ان يسميهم، فأمتنع، فجر، وعلق بين (العقارين) نخلتين، وضرب مائة سوط قال الفضل فسمعت ابن ابي عمير يقول: لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب الالم الي، فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمد بن يونس بن عبدالرحمن يقول: يا محمد بن ابي عمير اذكر موقفك بين يدي الله تعالى، فتقويت بقوله فصبرت، ولم اخبر، والحمد لله) [8].

2 – ومن أروع ما يرويه الأصفهاني عن مجموعة الحسنيين التي سجنت من قبل المنصور، لعدم بمكان محمد إبن عبدالله (ذو النفس الزكية) الذي كان قد بويع الخلافة سراً منذ العهد الأموي، ما رواه عن علي بن الحسين العابد الذي كان ضمن هذه المجموعة الصابرة.

(أ) – عن أحد السجناء منهم: حبسنا في المطبق، فما كنا نعرف أوقات الصلاة إلا بأجزاء القرآن يقرأها علي بن الحسين.

(ب) – وفي رواية: لما حمل بنو الحسن إلى أبي جعفر أتى بأقياد يقيدونه بها، وكان علي بن الحسين قائماً يصلي وكان في الأقياد قيد ثقيل، فجعل كلما قرب إلى رجل تفادى منه واستعفى، فأنفتل علي من صلاته فقال: لشد ما جزعتم من هذا.. ثم مد رجليه فقيد به.

(ج) – وعن أحد السجناء: لما حبسنا كان معنا علي بن الحسن وكانت حلق أقيادنا قد أتسعت، فكنا إذا اردنا صلاة أو نوماً جعلناها عنا، فأذا خفنا دخول الحراس أعدناها، وكان علي بن الحسن لايفعل فقال له عمه: يا بني ما يمنعك أن تفعل؟ قال: لا والله لا أخلعه أبداً حتى أجتمع أنا، وأبو جعفر عند الله تعالى فيسأله لم قيدني به؟

(د) – وعن أحدهم: لما دخلنا السجن قال علي بن الحسن (ع):

(اللهم ان كان هذا من سخط منك علينا، فأشدد حتى ترضى)

(هـ) – وعن الحسن بن نصر قال: حبسهم ابو جعفر في محبس ستين ليلة ما يدرون بالليل، ولا بالنهار، ولا يعرفون وقت الصلاة إلا بتسبيح علي بن الحسن، قال فضجر عبدالله (ابو محمد) ضجرة فقال: ياعلي، إلا ترى ما نحن فيه من البلاء؟ إلا تطلب إلى ربك عزوجل ان يخرجنا من هذا الضيق والبلاء؟ قال: فسكت عنه طويلاً ثم قال: ياعم: ان لنا في الجنة درجة لم نكن لنلقيها إلا بهذه البلية او بما هو أعظم منها، وان لابي جعفر المنصور في النار موضعاً، لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا مثل هذه البلية، أو اعظم منها. فأن تشأ تصبر فما اوشك احسبنا ان تموت، فنستريح من هذا الغم، كأن لم يكن منه شيء،.. وان لم تشأ ان ندعو ربنا ان يخرجك من هذا الغم، ويقصد بابي جعفر غايته التي له في النار فعلنا قال: لا، بل اصبر، فما مكثوا إلا ثلاثا حتى قبضهم الله اليه.. [9].

(ط) – ومن روايات أبي الفرج ايضاً، وعن ابي عبدالله إبن موسى قال: سألت عبدالرحمن بن أبي الموالي وكان معه بنو الحسن بن الحسن في المطبق: كيف كان صبرهم على ماهم فيه؟ قال: كانوا صبراء، وكان فيهم رجل مثل سبيكة كلما أوقدت عليه النار أزدادت خلاصا وهو إسماعيل بن إبراهيم، كان كلما إشتد عليه البلاء إزداد صبراً. [10].

هذه بعض الآثار العملية الهامة للجانب الروحي.. وهناك آثار أخرى:

فالمؤمن العامل يصدر عن خليفة إيمانية، ورصيد روحي كبير، وعلاقة وثيقة بالله تعالى هو الأكثر أندفاعاً، وانتاجاً، والأكثر ثباتاً، واستقرار في ظل المتغيرات الحياتية، من رفاه، ورخاء إلى محنة وابتلاء ومن أنفتاح الناس، وتقبلهم إلى جفائهم، وتكذيبهم، ومن بساطة العمل لله إلى التعقد، والتشابك، أن الأيمان وحده بما له من آثار في النفس، والشعور هو وحده القادر على الجمع بين الأندفاع في العمل، والهدوء في المشاعر والتسامي في الوجدان. وهي معان من اصعب المعاني في المجال التربية.

كيف لاينطلق المؤمن من الأثار الخارجية؟ وكيف لاتهزه العواطف والمتغيرات؟ وكيف لاينشغل بجزئيات الحياة عن الأهتمامات الرسالية الكبرى؟ وكيف لايضيق صدره من مواجهات التكذيب والسخرية ويحتفظ بطمأنينة ورباطة جأشه في أحرج اللحظات؟ وكيف يحتفظ بدرجة اندفاعه، وينمو عنده هذا الأندفاع في مختلف الظروف والأحوال؟!

وخيراً.. كيف يحافظ على أستقامته الشرعية في معمعة العمل الأجتماعي، وضوضاء الحياة؟

والجواب: ان كل هذا ليس له سوى منبع واحد.. هو الأيمان حينما يثبت في الجوارح كلها في القلب والمشاعر، والأرادة، والوجدان.

التربية الروحية وعمل الائمة:

ومن الواضح تاريخياً، ان الائمة كانوا عموماً يعملون به لاجل بناء، وتكوين الشخصية الإسلامية المتكاملة كنقطة مشتركة ضمن النقاط المشتركة في عملهم (ع).. وكانت الشخصية الإسلامية في وعيهم. بوصفهم المعبرين الحقيقيين عن الإسلام هي هذا التلاحم، والتكامل بين الاطار الاخلاقي الشامل للعطاء الاجتماعي، والعمل الرسالي، وبين المضمون والمحتوى الروحي الذي يتمثل في العلاقة بالله تعالى.

كانوا (ع) يواجهون عملية التحلل الاخلاقي، والانصراف للدنيا والبعد عن الله.. والتنصل عن عبادة الله تعالى، وكانوا يواجهون الانحرافات العملية في الجماعة، التي افرزها عملهم، عندما حولت بعض قطاعاتها الولاءات إلى اداة للتنصل عن الالتزام الشرعي، ولتبرير الوضع المتحلل بدلاً من ان تفهمه على حقيقة، بوصفه عاملاً من عوامل الاستقامة، والالتزام بالشريعة، وكانو أولاً واخيراً. ينطلقون من دورهم الإيماني في الحياة الذي يتمثل – فيما يتمثل فيه – بتكوين اجيال مؤمنه تحمل الرسالة إلى العالم بأستمرار.. فيعملون على ذلك بمختلف الاساليب..

وقد سجلت المجاميع الحديثية النصوص الواردة عنهم حول الإيمان والاخلاق والتربية الروحية، حول الشخصية الإسلامية وبنائها فبلغ ذلك من الكثرة مبلغاً عظيماً.

ونحن هنا نسجل شيئاً من تلك النصوص التي تربط بين الولاء، والتشيع لخط أهل البيت (ع)، وبين العلاقة الروحية بالله تعالى:

(1)    – عن ابي جعفر (ع):

(لا تذهب بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا، إلا من اطاع الله عزوجل) [11].

(2)    – عن جابر عن ابي جعفر (ع) (قال: قالي لي: يا جابر ايكتفي من ينتحل التشيع ان يقول بحبنا أهل البيت فو الله ما شيعتنا، إلا من اتقى الله واطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع، والتخشع، والامانة، وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة) [12].

(3) – عن ابي الصباح الكناني عن ابي عبدالله (ع) في حديث:

(ما اقل والله من يتبع جعفراً منكم انما اصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، فهؤلاء اصحابي) [13].

(4) – وعنه (ع):

(ليس منا – ولا كرامة – من كان في مصرفيه مائة الف، أو يزيدون، وكان في ذلك المصر احد اورع عنه) [14]

- وعنه (ع):

(شيعتنا الشاحبون الذابلون الناحلون الذين إذا جنهم الليل استقبلوه بحزن) [15].

وعنه (ع):

(ان شيعة علي كانوا خمص البطون ذبل الشفاه، أهل رافة، وعلم، وحلم، يعرفون بالرهبانية فاعينوا علىما انتم بالورع والاجتهاد)

وعن ابي جعفر (ع)

(انما شيعة علي الحلماء العلماء الذبل الشفاه تعرف الرهبانية على وجوههم) [16].

ومن المناسب ان نذكر هنا ان الجيل الأول للمسلمين قد خرج مجموعة من أهل العبادة، والورع والتقوى، كانوا بسببها موضع مدح أهل البيت (ع) إذ يروى عن ابي جعفر (ع) في خبر صحيح قال: صلى أمير المؤمنين (ع) بالناس الصبح بالعراق، فلما انصرف وعظمهم فبكى وابكاهم من خوف الله، ثم قال: اما والله لقد عهدت اقواماً على عهد خليلي رسول الله (ص)، وانهم ليصبحون ويمسون شعثا غبرا خمصا، بين اعينهم كركب المعزى يبتون لربهم سجداً وقياماً يراوحون بين اقدامهم وجباههم يناجون ربهم، ويسألونه فكاك رقابهم من النار والله لقد رأيتهم مع هذا، وهم خائفون، مشفقون).

هذه بعض النصوص الشاهدة على ان الائمة (ع) كانوا يهدفون إلى بناء الشخصية الإسلامية بما تتضمنه من عبادة، وإيمان، وحب، واخلاص، وكل عناصر الروحية الإسلامية الاخرى. ومن هنا فهم (ع) يربطون بين الولاء، وبين التربية الروحية.. وما دراسة الهدف ضمن الاهداف العامة للائمة (ع) من الزاوية التاريخية فلها موضع اخر..

 


[1]  نعني بالمشاركة الوجدانية الشعور الجماعي بدلاً عن الشعور الفردي.. أي الشعور بـ (نحن) بدلاً عن الشعور بـ (انا) وينتج ذلك تداعي المؤمن في آلامه وافراحه واحزانه.. عن الصادق (ع): (المؤمن اخو المؤمن كالجسد ان اشتكى شيء منه وجد ألم ذلك في سائر جسده وارواحهما من روح واحدة، وان روح المؤمن لاشد اتصالاً بروح الله من اتصال شعاع الشمس بها) (الاصول ج 2 – ص 166) وهذا يعني ان الصلة العاطفية بين المؤمنين نابعة من صلتهم العاطفية بالله تعالى.

[2]  هود / 2920

[3]  آل عمران / 145 – 148

[4]  آل عمران / 173

[5]  طه 7173

[6]  اخبار معرفة الرجال ص 591

[7]  مقاتل الطالبين ص 139

[8]  نفس المصدر 135

[9]  اصول الكافي ج 2 ص 73.

[10]  نفس المصدر ص 74.

[11]  نفس المصدر ص 77.

[12]  نفس المصدر ج 7 ص 78.

[13]  نفس المصدر ج 2 ص 233.

[14]   نفس المصدر ج 2 ص 235.

[15]   سورة البقرة 183.

[16]  اصول الكافي ج 2 ص 76.