|
|||||||||
|
استحباب التطيب بماء الورد |
|||||||||
|
[ 16 ] (والحب ذو
العصف
والريحان *
فبأيّ آلاء
ربّما
تكذّبان) (سورة
الرحمن،
الآيات:12 ـ13). استحباب
التطيّب
بماء الورد: وخلاصة
معنى هذه
الآية
الكريمة هو،
أن الله تعالى
جعل الأرض
مصدراً
للحبوب
بمختلف
أنواعها
وضروبها،
هذا الحب (ذو
العصف) الذي
تتيبس
أوراقه،
فيخلص حباً
غذاءً
للإنسان
ويستحيل
العصف إلى
طعام
للحيوان،
وقد جعل الله
تعالى الأرض
مصدراً
للريحان
أيضاً، من كل
نبات طيب
الرائحة،
يدخل على
النفس
الارتياح
ويعمّها
بالهناء. وقد
جاء في الشرع
المقدس
باستحباب
التعطّر،
خصوصاً بعطر
ماء الورد
الذي يتم
استخراجه
بواسطة
عملية
التقطير
المعروفة من
الورود،
ويتأكد
الاستحباب
في تعطير
الرأس
والوجه بشكل
خاص في اليوم
الأول من شهر
رمضان
المبارك،
وعند الخروج
من المنزل،
ولعل أحد علل
استحباب
التعطر بماء
الورد هو
انتفاء
الفقر
والبلاء
والمرض عن
المتعطر، بل
دفع المرض
العضال عن
بدن الإنسان. ولو
قايسنا ما
نجده اليوم
من عطور
خلابة مع ما
هو موجود في
عالم الغيب
لألفيناها
من أردأ عطور
عالم
الوجود، حتى
ان عطور
الدنيا
جميعاً ما هي
إلاّ قطرة
واحدة من
بحار وعطور
عالم الغيب،
بل هي نسمة
من نسمات ريح
الجنة
العبقة
الشذّية،
هذه الريح
التي يشمها
الرجل
المؤمن من
على مسيرة
خمسمائة
عام، بل وفي
إحدى الروايات
المنقولة عن
الإمام
الصادق (ع) من
على مسيرة
ألفي عام،
وبالتأكيد
ان اختلاف
المسافة في
الروايتين
انما حصل
باعتبار
اختلاف
منازل
ودرجات
الأفراد
المؤمنين من
حيث درجة
الإيمان،
ففيهم من يشم
ريح الجنة من
مسافة
خمسمائة عام
وفيهم من
يشمها من
مسافة ألفي
عام. عرق
جبين النبي (ص)
عطر فوّاح: بل
ان الروح
المحمدية (ص)
المطهرة في
ارتباطها
ببدنها لم
تكن تظهر
واقعية
التجلّي
المحمدي
بأكثر من جزء
من أجزاء
المليون من
التجلّي
الكامل الذي
سيتحقق في
عالمي
البرزخ
والقيامة،
لأن الدنيا
صغيرة جداً
ازاء عظمة
تجلّي الروح
المحمدية،
ورغم ذلك كان
عطر محمد (ص)
أطيب وافضل وأعبق
كل العطور
والروائح
الطيبة في
هذه الدنيا
بأسرها، إذ
يروى أنه في
ليلة زفاف
السيدة
الزهراء
فاطمة(س)
حضرت زوجات
النبي (ص) وقد
حملن معهن
عطوراً تفوح
منها روائح
طيبة، وجاءت
(أم سلمة)
زوجة النبي (ص)
بقارورة عطر
مغلقة فغطّ
أريجه وشذاه
على جميع
العطور
قاطبة فجلب
انتباه جميع
من حضر
آنذاك،
فسألوها: من
أين لك هذا
العطر؟
فأجابتهم:
إنه عرق جبين
النبي (ص) قد
جمعته في هذه
القارورة
يوم كان
النبي (ص)
نائماً في
حجرتي في
نهار يوم
قائظ. وبقي
شذى هذا
العطر
المحمدي
يفوح في أزقة
المدينة
لحين من
الزمن فيشمه
كل رائح
وغادٍ. ولا
يفوتني
هنا أن
أعلمكم
بالمحرومين
من شم عطر
محمد (ص) انهم
اولئك الذين
يسمعون ذكر
اسمه الشريف
ثم لا يصلّون
عليه شحاً
وبخلاً. فبأيّ آلاء
ربّكما
تكذّبان؟! وبعد
ان تذكر
السورة
نتفاً من
النعم
والآلاء
الظاهرية
والمعنوية
تتوجه وتقول (فبأيّ
آلاء ربكما
تكذبّان)؟
خطاباً
موجهاً للجن
والأنس
يتكرر واحداً وثلاثين مرة
في هذه
السورة
الكريمة. التكذيب،
كفران النعم: والآلاء
هي النعم،
ومعنى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) هو
بأي نعمة من
نعم ربكما يا
معشر الجن
والانس
تكذبان،
والتكذيب هو
الكفران
والجحود هنا
في هذه
الآية،
فيكون معنى (تكذبان)
هو تكفران
وتجحدان ولا
تؤمنان، إذ
انه من
البديهي عدم
وجود من يكذب
وجود الشمس
والقمر
والأرض
والنبات
والحبوب
إذاً تعبير (تكذبّان)
الوارد هنا
هو تعبير
أدبي لا بد
وأن يحتمل
وجهاً ما،
وهذا الوجه
هو وضوح ورود
كلمة
التكذيب هنا
بديلاً عن
كلمة
الكفران. فكل
موجود يشهد
بلسان حاله
ان صانعه
عالم قادر،
وكل حبة قمح
أو رز أو
عدس، وكل غصن
ريحان، وكل
زهرة ووردة،
كل ذلك يشهد
بحكمة
الخالق
العظيم،
ويأتي
الإنسان
البائس
الكافر
ليكذب
شهادات جميع
تلك
الموجودات،
ويفوق ذلك
جهلاً في انكار
حتى شهادات
أعضائه
وجوارحه. ومع
ان كافة
الموجودات
تشهد لله
تعالى
بالوحدانية
والعلم
والقدرة
والحكمة،
تبقى
الأهمية
الكبرى في
وجود هذه
الشهادات
تكمن في قبول
وتصديق الجن
والانس بها. فأنت
أيها
الإنسان،
عندما تقع
عيناك على
وردة، تجدها
تخاطبك
بلسان حالها
قائلة لك إن
لي صانعٌ
ومبدعٌ قد
أفاض عليّ
بالنزر
اليسير من
معدن عطوره
الفواحة،
وهو ذات
الصانع
المبدع الذي
خصّك
بالقدرة على
الشم التي
أودعت في
أنفك. إذاً
من يكفر بهذه
النعم
وينكرها
ويكذّب بها
سوى المرء
الكافر؟
لأنه لا يقبل
شهادة الورد
هذه، بل ولا
يصدق بحاسة
الشم التي
لديه، وعلى
ذلك كان
ملكوت جميع
الموجودات
عدواً
للكافرين.
إذا معنى
قوله تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان) هو
فبأي شهادة
من شهادات
الموجودات
لا تصدقان؟! الاستفهام
التقريري من
الكفّار
والجاحدين: وأما
عن (أيّ)
الواردة في
هذه الآية،
فهي أداة
استفهام
تفيد
الاستفهام
التقريري
هنا،
والمقصود من
الاستفهام
التقريري هو
ما يريده
المتكلّم من
إقرار يصرّح
به المخاطب
بشأن موضوع
ما يحصل على
ما أراد
إقراراً من
المخاطب. وهذه
الآية
الكريمة هي
في الواقع
استفهام
الهي تقريري
يريد به
الباري عز
وجل ان يحصل
به على إقرار
المنكرين
والجاحدين،
فقوله تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)
تعني هل ترون
(أيها
الجاحدون) إن
خلق الأرض
واعمارها
بالكائنات
والزروع
والفواكه
والحبوب
والرياحين
موطناً
مناسباً
للرفض
والتكذيب؟!
لأن هذا
التكذيب ليس
في محله،
والأجدر بهم
ان يرددوا
بألسنتهم
القاليات (لا
إله إلا الله
وحده لا شريك
له) وهذا هو
الإقرار
المطلوب،
لأنه إقرار
له شأن عظيم
ينبثق عن
الإدراك
والحس
والعلم
والأيمان،
ولأن
الإقرار
التكويني
لجميع
الموجودات (ومنها
الكافر
والمنافق)
إنما يحصل
دون الحاجة
لوجود الحس
والادراك. حال
المؤمن عند
تلاوة
القرآن: وكما
ذكرنا في
بداية
تعرضنا
بالشرح لهذه
السورة
الكريمة،
الرواية
المنقولة عن
الصحابي
الجليل جابر
بن عبد الله
الأنصاري
عندما حدثهم
رسول الله (ص)
بصدد هذه
السورة
قائلاً (ع): ان
اخوانكم
الجن أحسن
إصغاءً لها
منكم، إذ
كلّما تلوت
قوله عز وجل (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)
ردّوا
قائلين (لا
بشيء من آلاء
ربنا نكذب)،
فقولوا انتم
أيضاً مثل
مقالتهم. وأمر
النبي (ص) هذا
في واقع
الحال هو
إشارة إلى
موضوعنا لمن
يدقق النظر
فيه، لأن
المؤمن
عندما يروم
قراءة
القرآن يجب
عليه أن يدرك
ان محدثه هو
صاحب القرآن
تعالى، ولو
وصل إلى قوله
عز وجل (يا
أيها الذين
آمنوا)
مثلاً لسارع
بالقول
لبيك،
وعندما يصل
إلى آية رحمة
يسأل الله من
رحمته،
وهكذا فيما
لو وصل إلى
آية عذاب
لسأل ربه ان
يقيه النار
والعذاب،
لأن القرآن
كلام الله
تعالى إذاً
علينا أن
نقول عندما
نتلوا أو
نسمع قوله
تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)
ونحن معنيون
بهذا الخطاب
الإلهي، (لا
بشيء من
آلائك ربي
اكذّب( لأنني
قد صدّقت
بشهادات
مخلوقاتك في وحدانيتك
وقدرتك
وعلمك
وحكمتك،
ولأنني أؤمن
بشهادة كل
شعرة وعرق
وعظم وشحم في
بدني يشهد لك
بالوحدانية.
يقول الإمام
الحسين (ع) في
دعاء عرفة (وأنا
أشهد يا الهي
بحقيقة
ايمان و.....
ولحمي ودمي
وشعري وبشري
وعصبي وقصبي
وعظامي ومخي
وعروقي
وجميع
جوارحي و..... ان
لو حاولت
واجتهدت و..
أن أُؤدي شكر
واحدة من
انعمك ما
استطعت ذلك
إلاّ بمّنك
الموجب عليّ
به شكرك
أبداً). سهم
الشهوات
يفقأ عين
البصائر: فالويل
والثبور
لذلك المرء
الذي يصم
أذنيه،
ويغمض عينيه
عن استماع
ورؤية هذه
الحقيقة
الباهرة،
ويصر
مكابراً
معانداً على
انكارها
وعدم التصديق والأيمان
بها. وكما
نعلم أن ما
من أمر إلاّ
وتدلل عليه
مجموعة
دلائل وتشهد
عليه جملة
شواهد
فتجعله
أمراً
واقعاً، ولو
تأملنا هذا
الكون
الرحب،
الواسع
بآفاقه،
لوجدناه
يشهد لله عز
وجل
بالوحدانية
والعلم
والقدرة،
وهذا مما لا
تستطيع
إدراكه جميع
العيون، إذ
إن العيون
والبصائر
التي فقأتها
سهام
الشهوات
والأهواء
والأوهام
الفاسدة لا
تستطيع بعد
ذلك رؤية
الصور
الإلهية
للأشياء مع
شديد الأسف،
إذاً هم (صم
بكم عمي) (سورة
البقرة،
الآية: 18). وقد
يستّمر
العمى إلى ما
بعد الدنيا (ومن
كان في هذه
أعمى فهو في
الآخرة أعمى
وأضل سبيلاً)
(سورة
الاسراء،
الآية: 72). لذا
وجب على
المؤمنين أن
يعربوا عن
آيات شكرهم
وثنائهم لله
عز وجل على
نعمة
الهداية، إذ
لولا هداية
الله لحل بنا
الضلال الذي
حل بسوانا،
يقول تعالى (الحمد
لله الذي
هدانا لهذا
وما كنّا
لنهتدي لولا
أن هدانا
الله) (سورة
الأعراف،
الآية: 43). الشكر،
سبيل التمتع
بالنعم: وقد
ورد
الاستحباب
في الاكثار
من الذكر
الآتي بين
الطلوعين (سبحان
الله العظيم
وبحمده،
استغفر الله
واسأله من
فضله) حتى
تطلع الشمس،
وهو ذكر نافع
للغاية، فقد
جاء رجل إلى
الإمام موسى
بن جعفر
الكاظم (ع)
وشكا له
الدين وعسر
الحال،
فأشار عليه
الإمام (ع)
بهذا الدعاء
بعد
الانتهاء عن
صلاة الفجر (ان
يذكره مائة
مرة كما في
رواية).
والقول
الثالث هو: (وإذا
أحزنك أمر،
فأكثر من قول
(لا حول ولا
قوة إلاّ
بالله العلي
العظيم)
فإنها مفتاح
الفرج وكنز
من كنوز
الجنة)[1]،
ومعنى لا حول
ولا قوة تعني
ان ما من قوة
أو قدرة سوى
قدرة الله
العلي
العظيم
وقوته، وعليه لا يكون
التمسك
الحقيقي
إلاّ بحول
الله وحده
وقوته ونبذ
ما سواه
تعالى في
الاتكال
عليه
والتمسك
بحبله، فهو
العون
الوحيد لمن
استعان به. محمد
(ص) وعلي (ع)
نعمتان
عظيمان: ونقل
صاحب تفسير
البرهان في
معرض تفسيره
لقوله تعالى (فبأي
آلاء ربكما
تكذبان)
نقلاً عن
الإمام
الصادق (ع)،
إن مصداق هذه
الآية في
آلاء الرب
هما محمد (ص)
وعلي (ع)،
فالمولى
تعالى يقول
فبأي نعمة من
نعم ربكما
تكذبان؟
أبنعمة وجود
خاتم
الأنبياء (ص)
محمد، أم
بوليه
الأكبر
والنبأ
العظيم
وآيته
الكبرى
وحجته
العظمى
وعينه
الباصرة
وأذنه
السامعة
ويده
المنفقة علي
(ع)؟
وبأيهمّا
تجحدان؟.
وهنا يفترض
بنا أن نقول (لا
بشيء من
آلائك رب
اكذب)، بل
نحن نحمدك
على ان
جعلتنا من
أمة محمد (ص)
ولم تجعلنا
من سائر
الامم، ولك
الحمد ان
جعلتنا من
المتمسكين
بولاية علي
بن أبي طالب (ع)،
ولكن انظروا
إلى اولئك
القوم الذين
كذّبوا
وجحدوا اشرف
أولاد آدم (ع)
يوم غدروا به
في عرصه
كربلاء فحق
عليهم بذلك
الشقاء
والويل
والعذاب
الأليم.
(فبأي آلاء
ربكما
تكذبّان *
خلق الإنسان
من صلصال
كالفخّار) (سورة
الرحمن،
الآيات: 13 ـ 14). فبأي
شهادات
الخلائق
تجحدان؟! فيا
معشر الجن
والأنس، بأي
نعمة من
نعمنا
تكذبان؟
وبأي شهادة
من شهادات
مخلوقاتنا
لا تصدقان؟
أبشهادة السماوات التي
دلت على عظمة
خالقهن؟، أم
بشهادة
الشمس
والقمر في
نظام
حركتهما
الدقيق
المؤكد على
حكمة
مبدعهما؟،
أم بشهادة
العدل
والميزان
الذي عمّ
جميع مفردات
هذا الوجود
العميق فشهد
بذلك على
قدرة الله
وعدله؟، ام
بشهادة
وجودكم،
وبيان
منطقكم
اللذين
وهبكم الله
اياهما؟!! (لا
بشي من آلائك
رب نكذّب بل (ربنا
آمنّا بما
أنزلت
واتبعنا
الرسول
فاكتبنا مع
الشاهدين) (آل
عمران،
الآية: 53). التكرار
في القرآن
يحقق أموراً
مهمة: أما
الجانب
الآخر الذي يفترض ان
نشمله
بالبحث
والشرح فهو
سبب تكرار
هذه الآية
الكريمة،
وهي أن هذا
التكرار
تعددي أم لا؟.
ونقول انه
مما لا شك
فيه أن
التكرار
التعددي
الذي يفتقر إلى القصد
والغاية لا
يعدو أن
يكون أكثر من
لغو فحسب،
وفوق ذلك،
فإن الكلام
الفصيح
والبليغ يجب
أن يتحرّى
عدم حصول
التكرار فيه
قدر
المستطاع،
باستثناء
الحالات
التي يكون من
ورائها بغية
مهمة
ومعقولة،
إذّاك يكون
مقتضى
البلاغة
حصول
التكرار،
وعليه يعد
التكرار في
هذه الصورة
تكراراً
لفظياً لا
تعددّياً،
فمثلاّ في
قصة آدم
وزوجه، وقصة
موسى وفرعون
نجد تكراراً
لبعض
الاحداث في
مواضع
متعددة من
القرآن
الكريم،
ولكن وبشيء
من التأني
ودقة
الملاحظة
نجد أن كل
موضع من
القرآن قد
أخذ في
استعراض
موضوع معين
استندت إليه
حالة
التكرار
الذي لا ينفك
في مراعاة ما
سبق وما لحق. ففي
قصة آدم
وحواء
ومحلهما في
الجنة
وخروجهما
منها كما
يذكر ذلك
القرآن، نجد
ان التكرار
قد حصل في
مواضع لأجل (ذم
الحرص) مثلاً
عندما أدّى
الحرص إلى
اخراجهما من
الجنة، في حين أن آدم (ع)
كان يطلب
بالحرص
البقاء في
الجنة،
وعندما يكرر
القرآن هذه
الحادثة في
موضع آخر
نجده يكرر
ذلك ليس بقصد
ذم الحرص
وإنما بقصد (ذم
التكبّر)
الذي يعد أول
معصية
ارتكبت
عندما عصى
إبليس ربه
استكباراً،
يقول تعالى (إلاّ
إبليس، أبى
واستكبر
وكان من
الكافرين) (سورة
البقرة،
الآية: 34). وعلى
هذا الاساس
ترتب موضوع
طرده
واخراجه
الأبدي من
الجنة، لذلك
نجد أن
المولى عز
وجل يوصينا
بقولة تعالى (يا
بني آدم لا
يفتننكم
الشيطان كما
أخرج أبويكم
من الجنة)
(سورة
الأعراف،
الآية: 27). في
موضع آخر كما
نلاحظ. الإلهام
الإلهي في
تعليم
دفن الموتى: أو
أن يكون
الهدف
المتوخّى في
التكرار هو
الفات نظر
القارئ أو
السامع (كما
في قصة آدم
وحواء) إلى
ان الأعمال
التي
يختارها
الإنسان
للتكسب
والمعيشة أو
للحصول من
خلالها على
النفع أو دفع
الضرر هو
إنّما تتحصل
وفقاً لما
يلهمناه
الله عز وجل،
وحتى موضوع
دفن الأموات
تحت التراب،
هو في
الحقيقة
إلهام الهي
للإنسان كما
في قصة آدم
في موضوع (هابيل
وقابيل)،
فبعد أن قتل
قابيل
هابيل، حمل
جثته وراح
يولول
صارخاً،
ويلاً لي،
كيف سأخفي
جثة أخي؟
وبأي شيء
سأغطّيه؟
حينئذ بعث
الله غرابين
(ليعلمانه)
فتنازعا
وقتل أحدهما
الآخر، بعد
ذلك احتفر
الغراب حفرة
لأخيه
وواراه
التراب،
فتعلّم
قابيل من
الغراب ما
يمكنّه من
دفن واخفاء
جثة أخية
هابيل حيث
نقرأ في قوله
تعالى (قال
يا ويلتا،
أعجزت أن
أكون مثل هذا
الغراب
فأواري سوأة
أخي) (سورة
المائدة،
الآية: 31). إذاً
من كل ما
ذكرنا من هذه
الشواهد
نخلص إلى أن
حصول
التكرار في
الموضوع
الواحد في
عدة مواطن من
القرآن
المجيد إنما
هو في واقعه
ليس
تكراراً، بل
هو كلام
مضغوط
لواقعة ما
تروم الآية
من خلاله
التدليل على
النقطة أو
النقاط
المطلوبة،
فتعمد إلى
استحضار ذهن
القارئ أو
السامع إلى
ما يسبق
التدليل وما
يعقبه
وببيان
يتلائم
واختلاف
البغية
الإلهية في
الطرح بين
حادثة وأخرى. التكرار،
يؤكّد الحجة
ويحقق الإقرار: قلنا
إن أداة
الاستفهام (أي)
الواردة في
الآية موضوع
بحثنا انما
جاءت في
صورتها
التقريرية،
وعليه
يتضمّن هذا
الأمر علم
المعاني،
فعندما يريد
المتحدث
الفصيح
البليغ أن
يحصل على
إقرار
المخاطب أو
المستمع
يلزمه أن
يكرر
العبارات
المتشابهة
ليوصل
بواسطتها
تأكيده
وتشديده على
الموضوع
الأساس الذي
حصل من أجله
التكرار،
فاللغة
العربية (وكذا
في الفارسية
أيضاً) تحتوي
على الكثير
من النماذج
من هذا
القبيل، فلو
أراد الوالد
أن يؤدب ولده
المسيء،
لأنطلق في
موضوع
التأديب من
استخدام
الحوار
الاستفهامي
خصوصاً مع
الشاب الذي
يتخطّى
مراحل
الطفولة
والصبا،
فيخدعه طيش
الشباب بعدم
الالتفات
إلى نصح والديه ومحاولة
الاعتماد
على نفسه في
صنع القرار
وكثيراً ما
يفشل،
فيتوجه إليه
والده
بالخطاب
قائلا: لم
فعلت ذاك؟ لم
اسأت تربيتي
فيك؟ ألم تكن
وليداً قد
لففناك
بالقماط
ونتعاهدك
بالحنان
والرأفة؟
ألم أكن أشقى
يومي كلّه من
أجل أن
أطعمك؟
أتنكر ذاك؟!
أتنكر عندما
كنت طفلاً
ضعيفاً
وامسك بيديك
وأحملك على
صدري لئلا
يعترضك
عارض؟! ألم
اكن اشتري لك
الملابس
وأكسوك من
أجودها؟
أتنكر ذاك؟!
وهكذا يذكر
الوالد ولده
بأفضاله
ونعمه عليه
بصور متعددة
ثم يعقب كل
قول بقوله
أتنكر ذاك؟!
وهذا
التكرار
الذي نراه في
هذا المثال
إنما جاء
ليؤكد
الحديث على
اصل الموضوع
ولكي يستحصل
الوالد من
ولده على
إقراره. ولو
كان المخاطب
ينبض قلبه
ويجري الدم
في عروقه
لذاب من فرط
حيائه،
ولطأطأ رأسه
خجلاً
واستحياءً
من ذكر أفضال
والده عليه
ولأعترف
وأقر بكل شيء
قيل له،
ولقال بكل
يقين (لا
أنكر من ذلك
شيئاً يا
والدي). إذاً
سياق الآيات
الكريمة في
هذه السورة
كما ذكرنا
تتناول نعم
الله وآلائه
وتحصي شيئاً
منها مما
تفضل به الله
عز وجل على
الجن والانس
ولا تلبث
السورة أن
تذكر
الإنسان
والجن في
عقيب كل آية
بقوله تعالى (فبأي آلاء
ربكما
تكذبان)
كيّما يقر
صاحب الفؤاد
الحي لمنعمه
عز وجل
بالنعم
المغدقة
عليه ولا يجد
بدّاً من
الاقرار بها
وعدم
إنكارها. آلاء
عديدة،
وتذكير
متجدد: إذاً،
ما هو الباعث على تكرار
هذه الآية
الكريمة
واحد
وثلاثين
مرّة في سورة
الرحمن؟ والجواب
هو: ان هناك
عدة أسباب
ذكرها
العلماء،
وقد اخترنا
منها أهمها
وأفضلها،
منها إن الله
عز وجل ذكر
في بداية هذه
السورة (آيات
الآفاق)
ثماني مرات
ثم أعقبهن
بذكر هذه
الآية، بعد
ذلك ذكر
الباري
تعالى جهنم
في سبع آيات (بعدد
أبوابها)
وأعقب كل آية
بآية
الاقرار، ثم ذكر
ثمانى آيات عن الجنة
(بعدد
أبوابها) ثم
استفهم
تقريراً في
نهاية كل آية
بآية
الاقرار،
لذلك نجد أن
التكرار في
آية الاقرار
جاء كلازمة
تأكيدية على
وجوب عدم
كفران النعم
التي قد تعدد
ذكر ألوانها
وضروبها،
فكان
التكرار
صورة من أروع
صور الفن
البلاغي في
القرآن كما
سنرى ذلك
لاحقاً. خلق
الإنسان من
صلصال: قلنا
إن هذه
السورة
تتحدث
وتخاطب
الثقلين (الجن
والانس)، فهي
بعد ان تورد
شيئاً من نعم
الله التي لا
تحصى وتشهد
الثقلين على
ذلك، تأتي
لتتحدث عن
نعمة النشأة
وكيفية خلق
الإنسان،
فتقول (خلق
الإنسان من
صلصال
كالفخّار)
والصلصال
يحتمل في
معناه وجهان
هما: أولاً:
الطين
المخلوط
بالرمل،
ثانياً:
الطين الجاف
الذي استحال
صلداً كما في
الاواني
المفخورة،
وقد وضحت
كلمة (كالفخار)
هذا المفهوم
للصلصال.
وعليه يتوضح
لنا ان خلق
الإنسان كان
من طين يابس
كالفخّار. لماذا
التعددية في
مبدأ النشأة
الآدمية؟ ولقد
أورد القرآن
الكريم عدة
مراحل لخلق
الإنسان
ونشأته في
مواطن
متعددة منه،
فمرة يعبّر
عن مبدأ
النشأة
بالتراب كما
في قوله
تعالى (أكفرت
بالذي خلقك
من تراب) (سورة
الكهف, الآية:
37) . و(منها
خلقناكم) (سورة
طه، الآية: 55).
ومرة يعبّر
عنها بالطين
كما في قوله
عز وجل (خلقتني
من نار
وخلقته من
طين) (سورة
الأعراف،
الآية: 12). ومرة
أخرى يعبر
عنها بالطين
المخلوط
باللجن،
وهنا جاء
التعبير
بالطين
المفخور. ولكي
نتجبّب
الالتباس
بالموضوع
هذا، نستعرض
سوية مضمون
الحديث
الشريف الذي
نقله السيد
ابن طاووس،
وهو حديث
يتولّى
التعريف
ببداية خلق
الإنسان على
نحو اجمالي
كما سنرى:ـ التراب،
عنصر أساس في
تركيبة
البدن: عندما
شاء الله
تعالى أن
يخلق خلقاً
ويسكنه في
أرضه،
ويحمّله
التكليف
بأداء
فرائضه، جاء
الأمر إلى
جبرئيل (ع)
بأن يهبط إلى
الأرض ويأتي
بحفنة من
ترابها، فما
أن هبط
جبرئيل إلى
الأرض ليفعل
ما كلفّ به
حتى أقسمت
عليه الأرض
بعزة الله
وجلاله أن لا
يقدم على أخذ
شيء من
ترابها
خوفاً من أن
يخلق الله
مخلوقاً من
مادّتها ثم
يعصي إلله عز
وجل عليها،
فرجع جبرئيل
(وبالطبع أن
الذي أقسم
على جبرئيل
هو ملكوت
الأرض، لا
التراب
الأصم هذا
كما أشرنا
إلى ذلك من
قبل)، فأمر
الله
ميكائيل (بعد
أن نقل
التماس
الأرض
وقسمها عليه) بالذهاب
والنزول إلى
الأرض
والأتيان
بحفنة من
ترابها،
ولما هبط
ميكائيل
اهتزت الأرض
وأقسمت عليه
أن يدعها
وشأنها،
وهكذا أوعز
الله تعالى
إلى عزرائيل
للتصدي
بتنفيذ هذه
المهمّة وان
لا يلتفت إلى
توسلات
الأرض
وقسمها
عليه، عندئذ
باشر
عزرائيل
مهمته
واقترب من
الأرض ورفع
منها حفنة
تراب دون أن
يعرها أذناً
صاغية وهي
تلتمسه
وتتوسل إليه
وتقسم عليه،
ولقد حمل
عزرائيل أول
ما حمل تراب
آدم (ع)،
ولذلك كان
هذا الملك هو
الموكّل
بقبض روح
الإنسان.
واستناداً
إلى تلك
الرواية فإن
حفنة التراب
كانت قد قبضت
من الأرض
الممتدة بين
الطائف ومكة
المكرمة
وطبقاً لما
أشار إليه
الإمام أمير
المؤمنين (ع)
في قوله
المنقول في
نهج البلاغة
(ثم جمع
سبحانه من
حزن الأرض
وسهلها،
وعذبها
وسبخها،
تربة سنّها
بالماء حتى
خلصت)[2]
ولقد
تعاهدها
الباري
تعالى
أربعين
يوماً وهي
على هيئة
التراب،
وهنا ندرك
بوضوح معنى
أن أصل
الإنسان من
التراب. المراحل
اللاّحقة في
نشأة خلق
الإنسان
الترابية: بعد
تلك
المرحلة،
جاءت
المرحلة
التالية
بصدور الأمر
الإلهي بصب
الماء على
ذلك التراب
لأربعين يوماً لأجل أن
يختمر
التراب
فيصبح طيناً (وخلقته
من طين)،
بعد ذلك تُرك
الطين
لأربعين يوم
أخرى كيما
تتغير صورته
فيصبح حماً (وهو
الطين
الأسود
المتغير
اللّون)
مسنوناً
(المصبوب في
حالة
السيولة
والميعان)،
ثم تمر
أربعين
يوماً أخرى
ليصير
صلصالاً (وهو
الطين
المتيبس)،
وهنا نرى من
خلال سلسلة
المراحل
المذكورة
آنفاً والتي
يعرضها
القرآن
الكريم في
موضوع
النشأة
الإنسانية
أنها (النشأة)
تتباين
بتباين
المراحل
المتوالية
للخلق والإنشاء. ولقد
كانت
الملائكة
تمر على
التراب وهي
في وحيرة ودهشة
متسائلة
ماذا يريد
الله عز وجل
أن يخلق من
هذا التراب؟ وبعد
ان تطوى كل
تلك المراحل
الابتدائية
في عملية خلق
الإنسان،
تأتي
المراحل
المتقدمّة،
فينظّم
البارئ
تعالى
الهيكل
العظمي لبدن
الإنسان ثم
يغطّيه
بالعروق
والعضلات
واللحم
والبشرة
الجلدية
وغير ذلك من
أنسجة
وأجهزة،
لتنهي مراحل
الصنع
الإلهي
للبدن
البشري، ثم
ينفخ الله
تعالى في ذلك
البدن من
روحه ليصبح
إنساناً (فإذا
سوّيته
ونفخت فيه من
روحي) (سورة
ص، الآية: 72). إذاً
ندرك من خلال
كل ما سبق
وضوح معنى
كلمة (صلصال)
في ذلك
السياق،
وهذا بالطبع
يختص بأبينا
آدم (ع) أبي
البشر، أما
ما يتعلق
بخلق سائر
الناس:ـ أصل
النشأة
ترابية
لجميع الناس: فهم
أيضاً شأنهم
هكذا وحتى
قيام
الساعة،
ونتساءل:
ماذا كنّا
نحن؟ ونحن لا
نرى أنفسنا
الاّ
أبداناً من
اللحم
والعظم
والجلود وما
سواها،
ونتساءل:
ماذا كنّا في
أرحام
أمهاتنا؟
ألم نكن
نطفاً وقرت
في تلك
الأرحام
واستقرت
فيها إلى
حين؟
وللإجابة
على هذ
التساؤل
نقول أولاً،
كيف تشكلت
هذه النطفة؟ والجواب
على ذلك هو
ان النطفة قد
تشكلت
وتكونت من
تركيبات
شاركت فيها
مختلف أجزاء
وأجهزة بدن
والدنا، ثم
انتقلت من
صلبه إلى
أوعية المني
التي دفقتها
هي الأخرى
كما نجده في
قوله عز وجل (يخرج من
بين الصلب
والترائب) (سورة
الطارق،
الآية: 7). ولقد كونّت
أجزاء بدن
الوالد هذه
النطفة
بواسطة
الأطعمة
التي تم
التغذّي
بها، وما هذه
الأطعمة
إلاّ القمح
وسائر
النباتات
المألوفة في
طعامنا
وغذائنا
وباقي
الأشياء
التي قد نشأت
من التراب إن
نباتاً أو
حيواناً،
وعليه يكون
أصل نشأتنا
جميعاً هو
التراب الذي
انبثقنا منه. لذلك
كان من
اللازم
علينا عندما
نصف أقدامنا
في الصلاة
لله عز وجل
أن نستحضر في
ضمائرنا
أننا لسنا
أكثر من حفنة
تراب رفعها
الباري
تعالى:
فنحن من
أصل ترابي
نشأنا، ثم
نعود إليه
تارة أخرى،
نعود إلى هذا
التراب
عندما ننتقل
إلى المثوى
الابدي في
المقابر،
هذه البيوت
التي
سندخلها إن
عاجلاً أو
آجلاً،
فطوبى لمن
زارها في
حياته واتعظ
بها. ولعله من
المناسب في
هذا المقام
أن نتطرق إلى
الموعظة
البالغة
التي أهداها
لنا سيدنا
أمير
المؤمنين (ع)
عندما يقول (ما
لابن آدم
والفخر؟
أولّه نطفة،
وآخره جيفة)
نعم لم الفخر
يا بن آدم،
لماذا تكثر
من تريد أنا،
أنا؟ أنا
فعلت
الافاعيل
تلك، وأنا
الذي صنعت
الصنائه هذه.
فتعالوا
لننتزع
الفخر
والكبر
والعجب من
نفوسنا،
ونرفض أن
نكون تبعاً
ليزيد الذي
يخاطب رأس
الحسين
الشريف (ع)
وهو يقول
متمثلاً
بأبيات ابن
الزبعرى:
|
|||||||||
|