الاتصال بالأرواح العالية

 خلاصة من الزيارات المطولة

 الاعتماد على المال والأولادكفر حقيقي

 طلب الاطمئنان عند قبر ولي الله

 المربي لنا جميعاً هو الله فقط

 مؤمن أصابه البلاء في قعر بئر

 الحسين (ع) وزينب (ع) نماذج الاطمئنان الكامل

 التسليم لما أراد الله.. رضا

 

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي)

صدق الله العلي العظيم [الفجر: 27ـ28]

 

اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، محبوبة في أرضك وسمائك، صابرة على نزول بلائك، شاكرة لفواضل نعمائك..

 الاتصال بالأرواح العالية

تشرح لنا هذه الآية المباركة أمراً وهو أن الغرض من دعوة الأنبياء وانزال الكتب السماوية وصول الإنسان إلى مرتبة الاطمئنان والرضا والتسليم الذي هو أعلا المراتب التي يمكن للإنسان أن يصلها خلال هذه الأيام المعدودة، وعندما يصل إلى هذه المرتبة يتصل بالأرواح العالية وعلى رأسها محمد وآل محمد.

ولأجل أن يتضح الموضوع أكثر نتوجه إلى عبارات من زيارة أمين الله لتتوضح النفس المطمئنة أكثر.

 زيارة أمين الله، جامعة ومهمة

أول حاجة تطلب "اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك"... هذه الزيارة الشريفة "أمين الله" مع أنها مختصرة ولكنها واقعاً جامعة ومن أفضل الزيارات.

أحد الأشخاص المؤمنين يسأل: كيف تكون زيارة أمين الله أفضل من جميع الزيارات مع أنها لا تتجاوز صفحة واحدة لا أكثر.

فقلت له: إنها من حيث الكمية وإن كانت قليلة، ولكن أنظر إلى كيفيتها، هذه الزيارة الشريفة إذا قصد أحد التوجه بها وكان طالباً لهذه المقامات فإن جميع النعم المعنوية تطلب في ضمن هذه الزيارة.

 خلاصة من الزيارات المطولة

إذا عرف الإنسان الإمام بصفة "أمين الله" يكفي ذلك أن يخاطب الإمام عن اعتقاد ويقين ويقول: أنت القيم على خزائن الله، كل ما يصل إلى العالمين إنما يصل بواسطتك.. أن يصدق بهذا المعنى.

"أشهد أنك جاهدت في الله حقّ جهاده.. وعملت بكتابه.. واتبعت سنن نبيه".

قصدي هو أهمية هذه الزيارة من ناحية الكيفية، فلو استطاع اظهار هذه الحقائق عن حضور القلب فهذه الأسطر القليلة تعادل عدة صفحات من الزيارة وهي خلاصة لتلك المطالب المفصلة.

 اطمئنان النفس أول الحاجات

(اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك)

يطالب بأعلى درجة.. مقام سلمان وأبو ذر، حتى يصل مقامه إلى الاتصال بالنفس الكلية الإلهية، محمد وآله عليهم السلام.

النفس في هذه الآية... هي الحقيقة الإنسانية التي يكون الجسد وسيلة لاجراء أوامرها، هي التي تشير إليها "أنا" وتقول أنا ذهبت، أنا قلت.. أنا فعلت.. إشارة إلى الذات والحقيقة.

المطمئنة أيضاً من الاطمئنان بمعنى القرار والسكون والذي هو ضد الاضطراب والتزلزل.. فالإنسان يبقى مضطرباً حتى يصل إلى الاطمئنان.. الاضطراب في أي شيء؟

 شرح الموضوع

الاضطراب في الاعتماد على الأسباب المادية

الإنسان الذي لم يعرف الله لحد الآن ولم يصل إلى مقام اليقين، فقلبه مضطرب في أي مقام كان أو مرتبة. فهو يعتمد في أموره المعاشية على الأمور المادية.

فهو مثلاً يرى كيف أن بعض الشباب يدرسون ويتعبون حتى يحصلوا على درجات أكثر ويأخذوا ورقة باسم الدبلوم أو الدكتوراه فعندما يرى أن هذه الورقة هي السبب في استخدامه في الإدارة وحصوله على الأموال فهو مضطرب وقلق دائماً خوفاً من عدم حصوله على الدرجة اللازمة.

أو الكاسب الفلاني نجده قلقاً خوفاً من التضرر بهذه المعاملة.. الجميع قلقون بهذا الشكل، فاللسان يقول "لا إله إلا الله" ويقرأ القرآن ويقول بأن الأمور بيد الله ولكن قلبه لم يصدق بذلك بعد.

والسبب في ذلك أنه لحد الآن يرى للأسباب المادية استقلالا.. يقول أن الخالق هو الله.. المدير والمدبر هو الله.. ولكن حاله حال الكفر، يعني أن يعتقد بأنه يحمل ثقل المعيشة على كتفه. يتخيل أنه فقط بهذه الأسباب يمكن إدارة الأمور وتدبيرها.

يرى لنفسه وللآخرين استقلالاً ذاتياً لذلك نراه قلقاً عندما يرى مستقلاً لوحده بدون حماية أو استناد، لأن الأسباب لا تتفق مع مزاجه دائماً، فكم من الأحايين يبتلى الشخص بفراق هذه الأسباب أو الخوف من فقدانها فينهار ويتحطم نهائياً.

 الاعتماد على المال والأولاد.. كفر حقيقي

فمثلاً كان لديه أموال ويتصور أنها هي التي تسير حياته، وقد فقدها الآن، فكأن الدنيا قد وصلت إلى نهايتها، يحتويه الهم والغم، ولو رأى أحد صورته الملكوتية لرأى الكفر الحقيقي وكأنما ليس له إيمان بالغيب. فالآن وقد فقد سبب من الأسباب فكأنما فقد كل شيء.

كان لديه أولاد، وكان يأمل أن يكبر ولده ويعينه في كبره، فعندما يموت سوف يفقد هدوءه ونرى عليه الفزع والجزع بهذا الشكل.

 انتحار بسبب القلق

قد يصل انهياره من أجل فقدان السبب في بعض الأحيان بحيث لا يرى لنفسه أي أمل، وينتحر.

الشاب الفلاني ينتحر لأنه لم يقبل في امتحاك البكالوريا، لأنه يرى أن حياته معلقة في رقبته، فكانت عينه على هذا السبب فقط ولم يصل إليه الآن لذلك يقطع أمله بالحياة وينتحر.

وهذا هو الكفر الحقيقي (قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور). [الصف: 13]. فهو قلق ومضطرب لأنه يفتقد الاطمئنان بالله.

 طلب الاطمئنان عند قبر ولي الله

على كل حال فالإنسان مادام لم يصل إلى حد الاطمئنان فهو في قلق في أية مرحلة كان.

أكبر نعم الله الإيمان الكامل "اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك" إلهي أنا جئت عند قبر وليك أطلب منك أن تمن عليّ بنعمة اطمئنان النفس... يا أمين الله، يا من بيده خزائن الله أنت كن وسيلتي إلى ذلك.

ما لم يصل إلى الاطمئنان فهو في كفر واقعي، إيمانه بالأسباب وليس بمسبب الأسباب، الشخص الذي يصل إلى حد الاطمئنان بخالقه يصير بحيث إذا فقد جميع الأسباب الظاهرية فسوف لا يفقد هدوءه لأنه لا يرى نفسه لوحده وإنما له مولى.

 خزائن مولاي مليئة

ولأجل توضيح المطلب نضرب لذلك مثالاً:

يقول مالك الدينار أو شخص آخر بأن علة انتباهي هو حادثة وقعت في زمان، أصاب مدينتنا القحط وكان جميع الناس في قلق شديد وحالة مؤلمة (نستجير بالله من القحط، فأنتم تتذكرون أيام القحط قبل سنوات وفي أيام الحرب العالمية وما كان عليه حالنا).

يقول: انه في تلك الحالة والناس جميعاً في قلق وخوف رأيت غلاماً ضاحكاً مستبشراً وهو غارق في عمله:

فقلت له كيف أراك ضاحكاً وكأنك لا تعلم بأن الجميع في وضعية يرثى لها؟

فقال: إن خزائن مولاي مليئة بالطحين فأنا لست حزيناً، فخزينة سيدي مليئة!

فوراً تنبهت إلى أن حالة هذا الغلام مع مولاه الظاهري بهذه الصورة، فقلبه قوي بخزينة مولاه وهو غير مضطرب أو قلق فيا ليت كنت كذلك مع مولاي الحقيقي يوماً واحداً وأقول أن عندي إلهاً، فأنا أمتلك كل شيء فخزينة ربي مملوءة دائماً.

فلو ضاعت الأموال فسأقول بأن لي رباً، فالهي قوة لقلبي، وليس قدرتي.

 الأولاد لهم رب أيضاً

بعض الأحيان يقول ماذا أصنع وعندي عشرة أفواه تطلب الطعام.. أتعتقد أن مسؤولية المعاش ملقاة على عاتقك؟

الطفل مال الله، وأنت أيضاً مال الله "وكل من أعطى الأسنان فهو يعطي الخبز".

فهو حزين لأنه يفكر، كيف سيكون حال أولادي من بعدي؟

هو أيضاً له رب وبيده أمره، فلا حاجة لأن يعتصرك الألم من أجله، كل هذه المخاوف والآمال المادية واضطراب القلوب كفر وانقطاع عن الله.

 المربي لنا جميعاً هو الله فقط

كم يؤكد ويثبت القرآن المجيد مسألة التوحيد الأفعالي، لعلنا نصل إلى درجة من الإيمان، وكم يشرح لنا هذه الحقيقة بأن الأمور كلها بيد الله ولا شيء منها بيد الغير.

أنت وأنا والآخرين كذلك كلنا لم نكن أكثر من قطرة ماء عفنة والله هو الذي أوصلنا إلى هذه المرتبة، كنت في المهد سابقاً ولم تصل إلى حد التمييز فمن الذي سخر لك الأب والأم يقوموا بخدمتك، في ذلك الوقت لم يكن باستطاعتك الوقوف على قدميك ولم تكن مستقلاً، فكيف أصبحت اليوم مستقلا؟

فالرزق بيد الله وليس بيدك، (وما من دابة إلا على الله رزقها) [هود: 6]

استمرار حياتك أيضاً معلق على إرادته ومادمت حياً فسيوصل إليك رزقك.

نعم... من أجل الحكم والمصالح فقد أمر بالسعي لتحصيل الرزق والتكسب، عليكم أن ترعوا وتزرعوا، وإلا فالمطر ليس بأيديكم، واستمرار حياتك مرتبط بالذي أعطاك أصل الحياة فلذلك لا ينبغي أن تقلق على قلة أو زيادة الأسباب.

 إذا بقيت إلى الغد فسيصلني رزقه

سمعتم بالصحابي أبا ذر فقد أرسل إليه معاوية بمئتي دينار عسى أنا يرجع عن علي (ع) فأشار أبو ذر إلى جراب وقال:

مادام هذا الجراب موجوداً فإني غير محتاج.

فلما نظروا إليه رأوا فيه قرصان من الخبز. فقال:

أحدهما يكفيني للافطار والآخر للسحر، فإذا كان الغد من عمري فالله سوف يوصل إلي برزقه، فاليوم القادم مشكوك أنه من العمر فلماذا أحمل همه؟

فالذي رعاني ودبر أموري لحد الآن، فسيرعاني في بقية عمري.

يجب أن تكون على يقين بأنك غير محتاج إلى أي أحد وأي شيء سوى الله. فكل ما سوى الله مخلوق فحتى أصحاب المقامات العالية محتاجون إلى الله وإلى ما تكون عليه إرادة الله. هذا فيما إذا كانوا هم السبب في نجاتك بواسطة كأن ذلك أو بدون واسطة.

 مؤمن أصابه البلاء في قعر بئر

هل سمعتم بقصة ذلك الرجل الالهي أم لا؟

بينما كان يسير في ليلة مظلمة وسط الصحراء إذ وقع في بئر، وبقي متورطاً في قعر البئر.. فجأة يمر بعض المارة فيضع صخرة كبيرة على فوهة البئر لكي لا يسقط أحد فيه ويسد فتحة ذلك البئر.

ولكن هذا الشخص كان أمله بالله وهو في قعر البئر وكان على يقين من أنه لو كان لعمره بقية ولم ينته أجله فسوف ينقذه الله.

فجأة رأى أن بعض الأتربة تسقط على رأسه فنظر فرأى ما يشبه ذيل الحيوان وقد تدلى إلى الأسفل فتمسك به وصعد إلى الأعلى.

يجب أن ينقذك الله بأي وسيلة أراد أن ينقذك بها من البئر.

ولو لم يرد ذلك فلا يمكن ذلك بأية وسيلة كانت.

 الخوف والحزن بعيد عن أولياء الله

الله هو مدبر الأمور... وبيده تدبير جميع الأمور، وبالنسبة إلى أي شخص كذلك، فجميع ذرات عالم الوجود مدبرها هو الله.

غرضي أن يتضح بأنه مادام الإنسان خائفاً وحزيناً على فقد الأسباب فهو ليس من أولياء الله لا يخافون ضياع أحد الأسباب المادية ولا يصيبهم حزن على ما هو آت.

"راضية بقضائك" فلو رأى ربي الصلاح في أن أصاب بهذا البلاء فذلك خير لي، ولو لم يكن صلاحاً فسوف لا يقع ذلك، فلذلك فهو غير قلق لا من الماضي ولا من المستقبل.

الشيء الذي يتخوف الناس العاديين منه إذا أراد الله ان يقع فحتماً سيكون خيراً لي فلماذا أتألم؟ وإذا لم يرد الله فسوف لا يقع اطلاقاً.

 الحسين (ع) وزينب (ع) نماذج الاطمئنان الكامل

الحسين (ع) يعلم منذ أن تحرك من مكة بأن المشاق والصعوبات في انتظاره ولكن بما أن لله فيها رضا وصلاح، وارتقاء درجة الحسين (ع) متوقفة على تحمله هذه المشقات، فقد قبلها الحسين (ع). الحسين (ع) له نفس مطمئنة، له استسلام لإرادة الله. وراضي بقضاء الله. وما أكثر ما حفظت زينب (ع) هدوءها وثباتها في هذا السفر أيضاً.

بل أنها كانت تهديء العيال والأطفال أيضاً..

ما هذا الذي يفعله الإيمان والنفس المطمئنة؟

يروون عن حالات زينب (ع) أنها عندما كانت في مجلس إبن زياد ويزيد وسوق الكوفة كان حالها بشكل كأن لم يصبها ما أصابها.

 الشيعة راسخون كالجبال

نعم.. فالمؤمن كالجبل في الثبات ولا تحركه رياح الحوادث.. إلهي أيمكن أن نستفيد نحن أيضاً من النفس المطمئنة.. أن نحصل على مرتبة من الرضا والتسليم ويكون لنا شبه بشيعة أهل البيت (ع).

أنا أتصور أن بيننا وبينهم فاصلة كبيرة، وعند الامتحان يكون معلوماً مقدار تعلقنا بالأسباب المادية والاتكال على ما سوى الله.

يجب أن يمتحن أولياء الله بفقدان الأسباب.. يمتحن إبراهيم (ع) ليصل إلى مقام الخليل.. أنت تريد أن تصل إلى منزلة سلمان وحبيب بن مظاهر. فهل حصل لك الاطمئنان بربك، أو انك قلق وتتصور نفسك مستقلاً، وقد جعلت لك أسياداً؟ تتساءل باستمرار لماذا كان كذلك وكيف ومتى؟ لأنك لا ترى نفسك عبداً، وتعين المصلحة بنفسك وعندما يقع خلاف ما تتوقع وتريد فسوف تعترض.

 التسليم لما أراد الله.. رضا

لذلك قالوا في معنى الرضا أنه ترك الاعتراض.. أن يكون حالة بشكل لا يحس بأي إعتراض على ما سيحدث له، راضٍ بكل ما أراد الله، ففيه صلاحي وخيري.

عندما نقرأ زيارة أمين الله يجب أن نطلب من كل واحد من الأئمة (ع) أن يتوسط لكي يوصلنا إلى مرتبة النفس المطمئنة والرضا بقضاء الله "اللهم اجعل نفسي مطمئنة بقدرك راضية بقضائك".

عندما تتوسلون بأهل البيت أيضاً اطلبوا هذه النعمة الباقية، وعندما تريد أن تموت ينبغي أن لا يختلف وضعك عن حالك الطبيعي أبداً، فلا تحزن على ذهابك من هنا، فرازقك في الدنيا هو الله وفي البرزخ الله كذلك، ويوم القيامة أيضاً كذلك.

ويقرأون على جثماننا أنه "إلهي عبدك وابن عبدك قد نزل بك" فلو كان حالك عند الموت كذلك فإن أثره سيكون كبيراً حتماً وتصدق حقاً بأنك قد وردت على بساط اللطف الإلهي.