44/09/08 (29 مارس 2023)
القائمة الرئيسية

 

عدد زوار الشبكة
copy html code
احصائيات الزوار
Flag Counter
شبكة التقوى الاسلاميه

البحث في الموقع

وتوارى نجم الحسين (عليه السلام)
محرم الحرام

وتوارى نجم الحسين (عليه السلام)

 

     إنجلت الغبرةُ ، وهدأ صهيلُ الخيلِ ، وسكتتِ الجيادُ عن الحَمْحَمةِ . وخَبَتْ بوارِقُ السّيوفِ ، ونكّستِ الرِّماحُ رؤوسَها ، ووجَمَ الكونُ ، وأسرعتِ الشّمسُ غَضْبى إلى زاويةِ المغيب ، واشرأبّتْ بجيدِها صحراءُ الطّفِّ وتِلاعُها ترقبُ الحادثَ الجَلَلَ ، وطوتِ النّخيلاتُ المتناثرةُ على حرفِ الصّحراءِ أطرافَها ، وقد تباعدتْ مِن حول الميدان ، وودّتْ أنْ لم يَنبُتْ بها القَدَرُ على أطرافِ هذهِ الارضِ المشؤومةِ لِئَلاّ تُشرَكَ بدمِ الحسينِ (عليه السلام) ، وسرى حفيفُ الرِّيحِ بِخُطى الثّاكلِ الحزينِ ينعى الجسدَ المُسجّى ، وينسجُ مِن سَفسافِ الرِّمال أكفاناً ، لِيُغَطِّيَ الاجسادَ الزّاكياتِ الطّواهِرَ ، الّتي مزّقتها أسنّةُ الرِّماحِ ، وعَبثتْ بها شَفراتُ السّيوفِ ، ورَكَلَتْها حوافِرُ الخيل .
     ها هو الحسينُ (عليه السلام) رجلُ العقيدة والمبدأ ، سِبْطُ النبيّ ، وريحانةُ الزّهراء ، قد أمسى مُقطَّعَ الاوصالِ ، مُمزَّقَ الاعضاءِ ، قد رُحِّلَ رأسُهُ الطّاهِرُ ، وحيلَ بينَهُ وبينَ الجسدِ بحدِّ السّيوف ، وها هو جسدُهُ الشّريفُ عار قد سُلِبَ مِن كلِّ لباس ، لا يسترُهُ شيء غير غبار المعركة ، وبُرْكة الدم الطّاهر الابي ، وها هي جموعُ الجريمة ترقبُ المشهدَ عن كَثَب ، وتتأمّلُ في جسدِ الحسين (عليه السلام) وأجسادِ الرِّجالِ الّذين تساقطوا مِن حوله .
     المنظرُ كئيبٌ، والجريمةُ بَشِعَةٌ ، وشلاّلُ الدمِ ، ينحدرُ في أرضِ الطّفوف . والاجسادُ أجسادُ القتلى ، تتناثرُ في رحابِ الميـدانِ تَناثُرَ النجوم في اُفق السّماء ، أبو الشهداء ، الحسين السبط (عليه السلام) وسبعة عشر من إخوته وأبنائه وأبناء عمومته وبني أخيه ، وستّون من أصحابه ، يملاونَ اُفقَ الميدان ، وعلى مَدى ساحة النِّزال . وعلى مَقرُبَة مِن أرضِ المعركةِ قد ضربَ مُخيّم الحسينِ (عليه السلام) أطنابَهُ ، ليسَ فيه إلاّ النِّسوةُ والاطفالُ الصِّغارُ ، وإلاّ عليّ بن الحسين السجاد (عليهما السلام) الّذي قعدَ به المرضُ العِضالُ عَن البروزِ إلى ساحةِ القتال .
ثمّ أمر قائد الجيش عمر بن سعد مجموعةً مِنَ الفرسان أن يطؤوا بحوافر خيولهم صدرَ الحسينِ وظهرَهُ ، فداسوا الحسينَ حتّى رضّوا ظهرَهُ وصَدْرَه .
ها هيَ خيول الاعداء تستأنفُ الحملةَ على أجسادِ القتلى ، تدوسُها بأحقادِها ، وتَرضُّها بحوافرِها، لِتَطأَ قلبَ الحسين (عليه السلام) وصدرَهُ بِطُغيانِها، وها هيَ أوباشُ العسكرِ الاموي تتّجه بحقد ووحشيّة نحوَ مُخيّم النِّساء .
     تعالى صراخُ النّسوة ، واستولى الفزعُ على قلبِ المخيّمِ الكئيبِ ، وتعلّقَ الصِّغارُ المذعورون بأذيالِ الاُمّهات البواكي . الغارةُ تقتربُ ، وصوتُ الحسين (عليه السلام) قد خبا ، وحَمْحَمَةُ الخيلِ وَقَعْقَعَةُ السِّلاحِ تملاُ جَوَّ المعركةِ بالرُّعبِ والفَزَع .
     دارت العيون المذعورة من حول المعركة ، وتعالت صيحات الاستغاثة : أين أنت يا حسين (عليه السلام) ؟ أما ترى اُولئك الاجلاف القُساة قد أغاروا على حُرَمِكَ ؟ أمّا تسمعُ صِراخَ الاطفال ؟ ألا يصِلُكَ صوتُ النِّساء ؟ هل حالَ القدر بيننا وبينك ؟
     لقد اقتحمت العساكر المتوحِّشة مخيّم الحسين (عليه السلام)، وسلبت نساءَهُ وأطفالَهُ، فأمسوا بينَ صبيٍّ قد انْتُزِعَ قِرْطُهُ مِن اُذُنِهِ والدمُ يسيلُ على صدرهِ ، وهوَ يصرخُ ألماً ويلوذُ بأمٍّ لاتستطيعُ أن تدفَعَ عنهُ عُدوانَ القُساةِ، وبينَ امرأة تستغيثُ مِن الضّرْبِ والسّلبِ ، كلُّ هذهِ الملحمةِ ولهيبُ النّارِ يَلتَهِمُ مُخيّمَ الحسين (عليه السلام) ، وألسِنَةُ الدّخانِ تُغطِّي سماء المعركة .
حدثَ كُلُّ ذلك ، المعركةُ ، وسَلْبُ المخيّم وأَسْرُ مَن فيهِ في نهارِ عاشوراء ، لم يَرحموا فيهِ طفلةً مفجوعةً ، ولا اُمّاً ثكلى ، ولا صبيّاً بريئاً ، حتّى روى الطبري في الجزء الرّابع ، صفحة 346 من كتابه «تاريخ الاُمم والملوك» : أنّ « المرأةَ كانت لَتُنازِعُ ثَوْبَها عَن ظَهْرِها حتّى تُغلَبَ عليه ، فيُذهبَ بهِ منها » .
     وقُطِّعت الرؤوسُ ، رؤوسُ الشّهداء ، وغُرِزَ بها رؤوس الرِّماح ، وتقاسم حملها القتلة الّذين شاركوا في صنع الجريمة . وسرى موكبُ الرؤوس وقد خلّفت أجسادَها في ساحة الوغى ، تأ لّقت الرؤوسُ أنجماً على أطرافِ الرِّماح ، يتقدّمها رأسُ الحسين (عليه السلام) على رأس رمح طويل، يحمله خِولّى بن يزيد الاصبحي، وحميدُ بن مسلم الازدي، في حين وُكِّل بباقي الرّؤوس الابيّـة شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الاشعث ، وعمرو بن الحجّاج ، ساروا برؤوس آل محمّد ، ورؤوس الكوكبة الابيّة من أصحاب الحسين (عليه السلام) هدايا يتقرّبون بها إلى عُبيدالله بن زياد ، والنِّساء الثّواكل ، والصِّبية المُرَوَّعَة ينظرونَ إلى رؤوسِ الاباء والازواج ، والابناء ، والاخوة ، والاحبّة ويودِّعونها وهي تقطرُ دماً ، وتكتبُ أروع فصول التاريخ بحروف لم تزل تنضح بذلك الدم الطّاهر الابيّ ، وتُرتِّل آيَ الشّهادة مِن فوق منابر الرِّماح .
     وقبلَ أن نودِّع أرض المعركة ، ونُشيِّع الرّؤوسَ الرّاحلةَ عن أجسادِها ، فلنقف إلى جوارِ شاعر وقفَ بعد ثلاثة عشر قرناً يصفُ المعركة، ويَصوغُ عواطفَ الاسى، ومشاعِرَ الحُزْنِ رِثاءً وقوافِيَ، ويندبُ الحسينَ (ع) وكأ نّهُ إلى جوارِ زينب والرّباب، يطلّ على ساحة النِّزال ، ويَشهدُ الجُثَثَ الطّاهراتِ الزّواكيَ ، ولنستمعْ له وهو يردِّد :


فغَدوا حَيارى لا يَرَونَ لِوَعْظِه إلاّ الاسِنّةَ والسِّهامَ جَوابا
حتّى إذا أسِفَت عُلوجُ اُميّة أن لا ترى قَلْبَ النَبيِّ مُصابا
صَلّت على جِسمِ الحُسينِ سيوفُهُمِ فَغَدا لِساجدَةِ الظُّبى مِحْرابا
ظَمآنَ ذابَ فؤادُهُ من غُلَّة لَوْ مَسَّتِ الصّخْرَ الاَصَمَّ لَذابا
لَهفي لجِسمِكَ في الصَّعِيدِ مُجرّداً عُريانَ تَكسوهُ الدِّماءُ ثِيابا
تَرِبَ الجَبِينُ وعَينُ كلِّ مُوَحِّد وَدَّت لِجِسْمِكَ لَو تكونُ تُرابا
لَهفي لِرأسِـكَ فَوقَ مَسلوبِ القَنا يَكسوهُ مِنْ أَنوارِهِ جِلْبابا
يَتلو الكتابَ على السِّنان وإِنَّما رَفعوا بِهِ فَوقَ السِّنانِ كِتابا
لِيَنُحْ كِتابُ الله مِمَّا نَابَهُ وَليَنْثَنِ الاِسلامُ يَقْرَعُ نَابا

 

     وهكذا بدا كلُّ شيء واجماً تلفّه الوحشةُ ، ويُغطِّيه وِشاحَ الحُزنِ المروِّع ، حتّى وجهُ القمرِ بدا شاحِباً يرمقُ المشهدَ الكئيبَ بلوعة واشمئزاز ، وحتّى الصّحراءُ وتلك النياقُ العُجَّف أحاطَها صمتٌ رهيب .
     سرى موكب الرّؤوس يخترقُ جوفَ الصّحراء ، يقودُهُ اُولئكَ القَتَلَة ، يستحثونَ الابل ، لِيَلْحَقوا بأميرِهِم ، ولِيُبَشِّروهُ بالفجيعةِ ، وليُقَدِّموا إليهِ رأسَ الحسين (عليه السلام) والرّؤوسَ الطّواهِر هديّة يلتمسون لها ثمناً .
     لقد سفكوا دماً حُرّاً ، وقتلوا إماماً هادياً كي يحظوا بدراهم معدودات ، ويكسبوا ثناءً تافهاً من سيِّدهم الاثم عُبيدالله بن زياد .

 

المصدر كتاب الامام الحسين بن عليّ (عليه السلام)

موقع البلاغ

translate this site
chose your language
click trans
  
الوقت الآن
الدخول
الاسم

كلمة السر



نسيت أو فقدت كلمة السر؟
يمكنك الحصول على كلمة جديدة من هنا.
استبيان الأعضاء
مارأيك بالشبكة بعد التطوير؟







يجب تسجيل الدخول للتصويت.
آخر تواجد للأعضاء
الحكمة 6 أيام
مشرف عام 60 أسابيع
المشرف العام 218 أسابيع
السيد كرار 530 أسابيع
Erronryoscito 629 أسابيع
benaelmo 629 أسابيع
vitrya 629 أسابيع
baenals 629 أسابيع
walcfaus 629 أسابيع
jaggche 629 أسابيع

الزيارات غير المكررة: 26,268,044 وقت التحميل: 0.01 ثانية