.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

التربية الحديثة

القسم الأول

النظريات

صراع الأجيال

الفرد والمجتمع

مشكلة الأجيال

ثورة الشباب

في المجتمعات النامية

وفي المجتمع العربي  

 

التربية الحديثة

القسم الأول

النظريات

صراع الأجيال

يشهد عالم اليوم حركات للشباب عنيفة فنحن نسمع عما جرى ويجري في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وسواها من بلدان الغرب من تحركات للشباب وثورات واضطرابات. ونحن نتساءل ـ مع العالم ـ عن أسباب هذه الحركات ودوافعها ومراميها.

وفي البلاد الشرقية بل وفي البلاد النامية حركات للشباب ـ وان كانت أخف ـ تحاول اثبات وجود الشباب ورفع صوتهم فما هي أهداف هذه الحركات؟ ومإذا يكمن وراءها؟ وما هو مصيرها؟

ان الجواب عن هذه الأسئلة ـ وسواها ـ أمر يهم الناس ـ كل الناس ـ ويهم المعنيين بأمور المجتمع من قادة وسياسيين ومربين ودعاة اصلاح. ولكنه يهم بصورة خاصة الآباء والأمهات والمربية ومن يعنون بشؤون الشباب ويتصلون بهم.

ولو أردنا تلخيص ما يجري في العالم لقلنا ان هناك ثورة من الأجيال الشابة على الأجيال القديمة: أعمالها وأهدافها وطرائقها ووسائلها فما سب هذه الثورة؟ وما هي دوافعها ومراميها ومستقبلها؟

الفرد والمجتمع

الإنسان هو الوحيد بين المخلوقات الذي يولد عاجزاً تماماً قاصراً كلية ولا يستطيع أن يحيا إلا إذا عنيت به اسرته وحافظت على بقائه ونشاته وعلمته.

والحق ان الإنسان ـ بخلاف الحيوان ـ يولد بقدر محدود جداً من السلوك الثابت وبقدرة كبيرة جداً على التعلم، ومن هنا كانت وظيفة المجتمع ممثلاً في الاسرة أولاً وفي المدرسة ثانياً وفي المؤسسات الاجتماعية ثالثاً في تربية الفرد وتعليمه واعداده لمقبلات ايامه.

وقدرة الإنسان الهائلة على التعلم هي سر تفوقه على سائر المخلوقات وعماد تحكمه في محيطه بمختلف أنواعه. ان الإنسان يتعلم من اسرته ومن مدرسته ومن مجتمعه كيف يواجه بيئته وما فيها من عوامل طبيعية ومصطنعة. وتحرص الاسرة منذ نعومة أظفار الطفل على تعليمه كيفية مواجهة الحياة ومطاليبها.

ومعلوم انه كلما تقدم المجتمع وزادت طرائقه ووسائله في مواجهة مطالب الحياة طالت طفولة الإنسان حتى لقد وصلت هذه الطفولة في أيامنا هذه إلى ما يقارب ثلاثين سنة من بداية حياة الإنسان.

وفي المجتمعات البدائية تكون الطفولة قصيرة ـ نسبياً ـ ويعلم المجتمع الطفل خلالها كيف يصطاد الحيوانات وكيف يدافع عن نفسه وكيف يقضي حاجاته ويرضي دوافعه، أما في المجتمعات المتقدمة فتتعاون الاسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى على تزويد الطفل ومن بعده الحدث والشاب بوسائلها وطرائقها في مواجهة مطاليب الحياة واعداد الإنسان لمستقبلة وحياته العملية.

ان مدرسة اليوم ـ ابتدائية وثانوية وعليا ـ تعلم الطفل حرفة وتخرجه للحياة مزوداً بمعلومات ومهارات وخبرات تعينه على مواجهة الحياة ومطاليبها وتساعده على قضاء حاجاته.

ومن هنا كانت أهمية الأسرة خاصة والمجتمع عامة في اعداد الطفل وتأهيله للحياة.

مشكلة الأجيال

يفهم مما تقدم ان الأجيال السابقة تعمل على اعداد الأجيال اللاحقة للحياة وتزويدها بالخبرات والمعلومات والمهارات التي تمكنها من الحياة. لكن الأجيال السابقة لها مفاهيم ومواقف وقيم وعادات وتقاليد تحرص على نقلها إلى أجيالها اللاحقة.

والمجتمع ـ كالفرد ـ حريص على مفاهيمه ومواقفه وقيمه وعاداته وتقاليده، وهو اذ ينقلها إلى أجياله الجديدة يطبعها بطابعه ويفرض عليها طرائقه في الحياة والتعامل وبذلك وحده يضمن بقاءه واستمراره.

والأجيال الجديدة بطبيعة الحال تخضع ـ ولو موقتاً ـ لسيطرة الأجيال القديمة وتأخذ عنها وتتأثر بها. لكن الحياة ـ بطبيعتها ـ في تغير وتبدل مستمرين. والمجتمعات نفسها وبسبب من أجيالها الجديدة المتلاحقة تتغير وتتبدل. ولذلك كله يحدث صدام بين الأجيال السابقة والأجيال الاحقة.

ان المفاهيم والقيم والمثل والعادات والتقاليد تتبدل وتتغير. وابناء الأجيال الجديدة يجدون أنفسهم مشدودين ـ من جهة ـ إلى قيم مجتمعهم ومثله وعاداته وتقاليده وطرائقه، كما يجدون أنفسهم ـ من جهة أخرى ـ مسوقين إلى الثورة على بعض هذه القيم والتقاليد والمثل والطرائق والعادات. وهكذا يحدث الصراع بين الأجيال.

وقبل أن نخوض في الحديث عن هذا الصراع نحب أن نلاحظ ان تطور المجتمع ـ كل مجتمع ـ وتغيره وتبدله انما يكون متدرجاً وبطيئاً. وانه ما من فرد يستطيع أن يتنكر لماضيه ولعادات مجتمعه ومثله وتقاليده تماماً. وحتى في الثورات ـ وهي التي تشتمل على هدم وبناء وتغيير جذري في القيم والمثل والمفاهيم ـ فإنه لا يوجد انقطاع بين الماضي والحاضر ولا قلب تام لكل ما يتصل بالماضي.

على ان المجتمع الذكي الواعي مجتمع يحرص على وضع خمائر التغيير في عجينة التكوين. ومعنى هذا ان مثل ذلك المجتمع يؤمن بالتطور والتقدم ويأبى الجمود والسكون ويعلم انه لا بد للمجتمع إذا أراد أن يكون حياً ناشطاً متوثباً من ان يتغير ويتبدل ويتطور ويحرص على أن يكون هذا التطور نحو الأحسن. وقديماً قال حكماء العرب: " ربوا أولادكم على غير أخلاقكم، فقد خلقوا لزمان غير زمانكم " .

لكن المجتمعات ـ كالأفراد ـ تصاب بالجمود والسكون أحياناً وتحرص على قديمها حرصاً أعمى وتتمسك به بلا هوادة فتضطر الأجيال الجديدة للثورة والقلب والاجتثاث من الجذور وبناء مجتمع جديد يؤمن بمثل وقيم جديدة ويتبنى طرائق وأساليب طارفة.

لكن نحب أن نلاحظ ها هنا أمرين. أولهما: ان الجديد لا يلبث أن يصبح قديماً لا بد من الثورة عليه وتجديده ولذلك كان الصراع بين الأجيال مستمراً متواصلاً. وثانيهما: ان بعض الأجيال القديمة تجمد أكثر من بعض، وان بعضها الآخر يكون أقدر على فهم أجياله الجديدة ومسايرتها ولذلك فهو يمتص ثورتها ويخفف من غلوائها ويواجهها في منتصف الطريق. وهذا ما يسمى أحياناً بحركات الاصلاح.

على انه لا بد من الاشارة في مقامنا هذا إلى أمر على جانب كبير من الخطورة الا وهو ان العصر الذي نعيش فيه بالذات شهد من التقدم العلمي والتقني والثورة في الآداب والعلوم والفنون والتطبيقات العلمية ما أخل إلى حد كبير بالتوازن الاجتماعي وزعزع العلاقة بين الأجيال. وهذا ما سنحاول شرحه في الفقرة التالية.

ثورة الشباب

للقديم حرمته بل وقدسيته أحياناً ولكن للجديد بريقه ولمعانه وطرافته. وإذا كان الشيوخ يتصفون ـ أحياناً ـ بالحكمة وسداد الرأي وغنى التجربة والخبرة فإن الشباب روح الأمة الوثابة وشعلتها المضيئة وحيويتها الدافقة. انهم أمل الأمة ومستقبلها وعدتها في مواجهة الأحداث.

وشباب اليوم ـ بالذات ـ متعلم متنور مندفع جسور ولذلك فإن من واجب الأجيال القديمة التي تقبض على ناصية الأمور وتوجهها أن تفسح للشباب مكاناً في توجيه شؤونهم وتعطيهم صوتاً في رسم أقدارهم. ان هذا ـ باختصار ـ ما يطلبه شباب اليوم.

اني أفهم حركات الشباب في مختلف أنحاء العالم وثورتهم على انها احتجاج على احتكار الأجيال القديمة السلطة واستئثارها في تسيير دفة الأمور وتجاهلها لمطاليب الأجيال الجديدة ومفاهيمها ومثلها.

خذ مثلاً ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية: لقد كانت المجتمعات القديمة حتى منتصف هذا القرن ـ تترك للأجيال الكهلة وما قبلها أن تقرر شؤون السلم والحرب وان تسوق الشباب إلى ساحات الوغى متى شاءت وكيف شاءت. كما انها كانت تترك لهذه الأجيال أن تقرر نوع العلاقات الاجتماعية بين طبقات المجتمع وقومياته وعروقه. وبديهي ان هذه الأجيال القديمة لم تكن تتصرف دوماً التصرف الحكيم.

لقد كانت الحروب تقرر وتخاض لأسباب اقتصادية وقومية تخدم مصالح الطبقات المتحكمة وأجيالها القديمة. ولقد كانت العلاقات بين الطبقات تقوم على هذا الأساس وكذلك التعامل بين السود والبيض وغير ذلك من الأمور.

ولم يكن للشباب في الماضي صوت يرفعونه وكسمة تسمع في تقرير مصيرهم ومصير بلادهم وطبقاتهم ومواطنيهم.

ولكن الحرب العالمية الثانية وما تلاها من حروب في كوريا وفيتنام وحركات عمالية وانتفاضات للسود الاميركان وبزوغ للعالم الثالث، نقول كان لهذه الأمور كلها بالاضافة إلى التقدم العلمي والتقني وزيادة التعليم وانتشاره بين الطبقات المحرومة أثرها في فتح عيون الشباب على المخاطر التي تتعرض لها بلادهم والظلم اللاحق بطبقاتهم ومواطنيهم فقاموا يثورون على الحرب في فيتنام وعلى المعاملة السيئة للسود وعلى الظلم الواقع على العمال وغير ذلك مما يشكو منه المجتمع الأميركي.

وحين وقف المجتمع الأميركي بمؤسساته التليدة ووسائله الشديدة ومنظماته الراسخة في وجه الشباب انصرف شبابه ـ أو بعضهم على الأقل ـ إلى التعبير عن ألمه واحتجاجه وعجزه ويأسه بحركات كحركات (الهيبز) وانتفاضات وأعمال عنف وقعت في الجامعات وما يتصل بها من المؤسسات التي يوجد فيها الشباب.

بل ان بعض الشباب الأميركي لجأ إلى المخدرات والجنس وسواها هرباً من الواقع الأليم المحيط به واحتجاجاً على الظلم اللاحق به وان كان لا يني يشارك في التحركات والثورات وأعمال العنف والتخريب.

ولو ان القائمين في المجتمع الأميركي أدركوا ـ كما يدرك كل عاقل ـ انه لا بد للشباب ـ على المدى البعيد ـ أن ينتصر وأن يتخلص من القيود التي يحاول أبناء الجيل القديم أن يكبلوه بها لواجهوا ثورته مواجهة أكثر تعقلاً واعمق حكمة ولأعطوه كلمة أقوى في تقرير مصيره.

وما قلناه عن المجتمع الأميركي يصح على غيره من المجتمعات الغربية أما المجتمعات الشرقية فلها أساليبها في امتصاص ثورة الشباب وتنظيم فاعلياته واعطائه الكثير من الفرص عن ذاته وحقه في الحياة.

على ان الذي يهمنا في مقامنا هذا هو أن نقف وقفة قصيرة عند المجتمعات النامية عامة والمجتمع العربي خاصة.

في المجتمعات النامية

معظم المجتمعات النامية لم تنل استقلالها إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وبعضها نال استقلاله السياسي ـ ولو اسمياً ـ ولكنه لم ينل بعد استقلاله الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. وقد حرصت هذه المجتمعات على التعاون فيما بينها فكونت ما يسمى بالعالم الثالث. ويتخذ هذا التعاون أشكالاً عديدة ويصل حدوداً مختلفة. ولكن دول العالم الثالث تتشابه في أمر واحد وتتميز به إلا وهو حرصها على الاستقلال عن الكتلتين المتصارعتين وعملها على الإفادة من خبراتهما دون التورط في منازعاتهما. على ان هذا لا ينفي ان هذه المجتمعات جميعها تلحق لاهثة بركب الحضارة عاملة على أن تقطع أوسع الخطى في أقصر مدة. وهي في جريها هذا تتعثر أحياناً وتقع فريسة للمؤامرات والدسائس أحياناً أخرى.

على ان الذي يهمنا هو ان عالم اليوم ضيق وما يجري في بلد يلقى صداه في البلدان الأخرى فكيف إذا كان ما يجري إنما يقع في بلد عملاق مثل الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا أو انكلترا أو سواها من البلدان المتقدمة.

ومن هنا نستطيع القول انه كان لحركات الشباب في العالم ـ والغربي بخاصة ـ صدى في البلدان النامية. ولقد كان هذا الصدى يتجلى أحياناً في تقليد أعمى مثل اطالة الشعر أو لبس أنواع خاصة من الثياب، كما يتجلى أحياناً في حركات جدية وتطلعات صادقة إلى قدر أكبر من المساهمة في تقرير مصير البلاد.

وهنا لابد من تأكيد حقيقة هامة جداً الا وهي ان للشباب في البلاد النامية من الأهمية ما يفوق أهميته في البلاد المتقدمة، ذلك بأن الشباب في البلاد النامية هو المتعلم وهو الواعي وهو القادر على التغيير، انه بكلمة واحدة الأمل الوحيد للأمة.

ولذلك فإني ـ شخصياً ـ أعلق أهمية كبرى على حركات الشباب في البلاد النامية وعلى واجب الأجيال الحاكمة في رعايتها وتشجيعها وتوجيهها وإتاحة الفرص لها لكي تمارس حقها الكامل في توجيه البلاد والأخذ بيدها إلى حيث يجب أن تكون بين الأمم الراقية من جهة، ومن جهة أخرى واجبها في تجنيبها كل انحراف ممكن مما يعود على البلاد بأسوأ النتائج.

وفي المجتمع العربي

مجتمعنا العربي مجتمع نام وينطبق عليه ما ينطبق على سواه من المجتمعات النامية الأخرى. وأحب أن ألاحظ ان شبابنا العربي يواجه اليوم تحديات كبرى عليه أن يقف لها وان يحاول مواجهتها بذكاء وشجاعة وعزم.

وأول هذه التحديات تحد سياسي قومي يتناول بقاء الأمة العربية ووجودها، انه تحدي الاستعمار والصهيونية وما تستهدفانه من الأرض العربية والوجود العربي والخيرات والثروات العربية.

وثاني هذه التحديات تحد علمي وتقني. اننا متخلفون عن العالم وعلينا أن نلحق به ولن نستطيع ذلك إلا إذا حققنا تقدماً علمياً وتقنياً هائلاً يضعنا في مصاف الدول المتقدمة لا سيما وان عدونا متقدم علمياً إلى حد كبير.

وثالث هذه التحديات تحد اقتصادي. ان اقتصادنا متخلف بالرغم عما في بلادنا من ثروات، وما لم نستكمل تحررنا الاقتصادي فإننا لن نستطيع كسب معركتنا.

ورابع هذه التحديات تحد اجتماعي. ان مجتمعنا مجتمع متخلف تتفشى فيه الأمية وتعيث فيه الانقسامات وتسيطر عليه عادات وتقاليد فاسدة.

هذه التحديات وسواها تحتم علينا أن نلتفت إلى الشباب، إلى أمل أمتنا العربية، إلى مستقبلها، انها تحتم علينا أن نعد هذا الشباب العربي أحسن اعداد وان نتيح له الفرصة لكي يقودنا إلى آمالنا في الحرية والخلاص من براثن الاستعمار والصهيونية وفي الوحدة وحلمنا الكبير في وطن عربي كبير وحلمنا في العدالة الاجتماعية وتمتع كل مواطن بحقه في حياة حرة كريمة.

ولست أحب لأحد أن يفهم من كلامي أني أبخس الشيوخ والكهول ـ وأنا منهم ـ حقهم ولكني أحب أن يفهم اني أؤمن بالشباب وبدورهم في انهاضنا من كبوتنا وايصالنا إلى ما نصبو إليه من عزة ومنعة وتقدم.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست