.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

بعض النتائج الخالدة لتأثير روسو

تربية الميول الطبيعية ضد تربية الجهد المصطنع:

مفهوم التربية كعملية حياة:

تبسيط العملية التربوية:

الطفل هو العامل الايجابي في التربية:

أساس التطور التربوي في القرن التاسع عشر:

تاثير النزعة الطبيعية على المدارس

جوهان برنارد بيزدو Johann B.Base Dow

الفيلانتروبيوم (بيت المحبة الإنسانية) Philanthropium:

النزعة السيكلوجية في ا لتربية

صفاتها العامة

حركة بستالوتزي

طبيعة عمله ومعناه:

حياته وأعماله:  

 

بعض النتائج الخالدة لتأثير روسو

تربية الميول الطبيعية ضد تربية الجهد المصطنع:

يمكن تلخيص نظريات روسو التربوية فيما يلي: التربية عملية طبيعية غير مصطنعة. انها نمو من الداخل لا تنمية خارجية مصدرها اعمال الغرائز والميول الطبيعية لا ردود فعل على القوى الخارجية انها توسع القوى الطبيعية لا الحصول على المعلومات. وأخيراً فليست التربية تهيئة لحياة مقبلة في أهدافها وصفاتها عن حياة الطفولة.

لقد استهدفت التربية القديمة تكوين طبيعة الطفل من جديد عن طريق فرض الطريقة التقليدية القديمة في الفكر والعمل والعاطفة عليه. انها استبدلت ردود فعل الطفل الطبيعية الغريزية بردود فعل مصطنعة أوجدتها أجيال طويلة من شكلية الدين والعقل والاجتماع لقد كانت العاطفة الإنسانية تعتبر شراً ولذلك فقد كان من الواجب أن يفصل بين القلب وبين الرغبات الطبيعية. كما كانت الحواس البشرية غير موثوق بها ولذلك فلم تكن تعتمد في الثقافة والمعرفة وكانت الغرائز والميول البشرية الصادرة عن الطبيعة تعتبر شراً ولذلك فقد كان من الواجب استئصالها. لقد كان من واجب التربية القضاء على كل اهتمام طبيعي. لأنه تعبير عن الطبيعة التي قال الدين والتربية باستئصالها. وأخيراً فقد كانت القيمة التربوية لكل موضوع تقدر بمقدار ما فيه من صعوبة وكراهة كما كانت الخطوة الأولى في التربية الأخلاقية قهر إرادة الطفل " التي تمثل ما في الطبيعة الإنسانية من شر " . وكان يتلو هذا جهد مستمر، في تربيته الاجتماعية والأخلاقية لصب الطفل في قوالب السلوك الشكلية المصطنعة التي ترضي الراشد.

ولقد رأينا في الفصل السابق ان علم النفس الشائع في ذلك الزمان كان يتفق مع هذه النظرية وذلك لأن تنمية النفس التي كانت تعتبر حزمة من الملكات كانت تجري عن طريق تدريب هذه القوى المختلفة على أعمال تنحصر قيمتها في مقدار ما تقدم من صعوبات. وقد كان المعتقد انه لا ضرورة لوجود صلة بين هذه الملكات ولذلك فقد كان ترويضها يجري عن طريق أشياء مختلفة متفرقة وقد كانت تنمية أهم هذه الملكات (قوة المحاكمة) تجري عن طريق الرياضيات والمنطق واللغات. أما الملكة التي تتعلق بها كل الملكات فقد كانت الذاكرة ولذلك فقد كان تدريبها أهم من كل تدريب وقد كان تدريب الذاكرة يجري عن طريق شحنها بمسائل وأمور لا تهم الطفل أبداً.

وقد كانت المثل الاجتماعية العليا تتفق مع هذه النظرية أيضاً فقد كان الطفل يعتبر راشداً مصغراً لا قيمة له ولا حقوق حتى يستطيع محاكاة الراشد. لقد كان الطفل في ثيابه وعاداته وسلوكه ومسراته مصبوباً في قالب الراشدين. لقد كان عليه أن يتكلم مثل الراشدين وان يفكر ويصرف مثلهم كما كان عليه أن يدرس المواضيع نفسها التي يدرسها الراشدون أي اللغات وان تكون دراسته بالطريقة ذاتها أي القواعد والنحو وان يحفظ ما يلقى إليه عن طريق الذاكرة شأنه في ذلك شأن الكبار وان يستفيد من معارفهم استفادتهم هم وان يعيش مثلهم، حياة مصطنعة شكلية.

ولقد كانت نظريات روسو الفرعية تطبيقاً لنظريته الاساسية في الاحتجاج على هذه النظرية المصطنعة في التربية " قم بعكس ما يقوم به المربون وأنا ضامن ان تصيب " تلك هي نصيحة روس للمعلم. وهو يقول مرات عديدة وباشكال مختلفة ما يلي: " الأفضل لك، مهما كانت النتائج، ان تهمل العملية التربوية كلها من ان تقسر الطفل على أعمال مملة، وذلك لأنه ليس المهم مقدار ما يتعلم الطفل ولكن المهم هو ان لا يفعل الطفل شيئاً مما يخالف إرادته". وهكذا فقد نفى روسو النظريات التربوية للنهضة وكل ما نتج عنها من حركات.

مفهوم التربية كعملية حياة:

كانت النتيجة المنطقية لنظريات روسو التي ألمحنا إليها آنفاً اعتباره التربية عملية حياة، عملية تدوم مدى الحياة، أو على الأقل من الولادة إلى الرشد ولذلك فمعناها لا ينحصر في دور خاص أو حالة مستقلة بل في العملية ذاتها ولذلك فروسو يتساءل:

" مإذا يجب أن نظن في تربية بربرية تضحي بالحاضر من أجل مستقبل غير مضمون يقيد الطفل بأغلال مختلفة ويجعله بائساً في سبيل تحضيره سلفاً لسعادة مزعومة قد لا يحصل عليها ابدا؟".

ليست التربية عملية اصطناعية قاسية عدائية معاكسة لكل ميل طبيعي تجعل من الطفل، الذي تعتبره رجلاً صغيراً، راشداً كبيراً على يد معلم قاس. ولكنها عملية نمو لذيذة متناسقة متزنة مفيدة لأنها تسمح للقوى الطبيعية أن تجري في مجراها. والتربية لا تحقق هدفها حين تجعل الطفل يعيش حياة الراشدين بل حين تسمح له أن يعيش حياته اليومية وفق ميله الطبيعي وما يتتبعه من واجبات مشروعة ورضى مناسب.

تبسيط العملية التربوية:

يستتلي ما قلناه تبسيط العملية التربوية، فنحن إذا تخلصنا من فكرة التربية الاصطناعية التي تكون الطفل وفق النموذج الذي يرغبه المجتمع، امكننا التخلص من طرق التعليم المصطنعة.

" لنحول إحساساتنا افكاراً ولكن لنحذر القفز المفاجئ من الأشياء المحسوسة إلى الأفكار المجردة وذلك لأن الوصول إلى الثانية لا يكون إلا عن طريق الأولى. لتكن الحواس دليلنا الدائم في حركات النفس الأولى ولنستغن عن الكتب ولنلجأ إلى العالم ولنجعل الحقائق ثقافتنا الوحيدة. ان الطفل الذي يقرأ لا يفكر، إنه يقرأ فقط. انه لا يتثقف بل يتعلم كلمات " .

والانتقاد الأخير هام اليوم أهميته أيام روسو. لقد أشار روسو بأن يدرس الطفل الجغرافية في الغابات والحقول وعن طريق ملاحظة وضع الشمس والأرض ودراسة الجدول والمطر وتغيرات الطقس. أما دراسة الفلك فتكون عن طريق دراسة الأجرام السماوية، ودراسة علم النباتات انما تكون بدارسة النباتات ذاتها. وأما دراسة الفيزياء والكيمياء فتكون عن طريق الملاحظة والتجريب والرياضيات لازمة لضرورتها في هذه الدراسة، وفي الاقتصاد. أما التاريخ فهو الوحيد الذي يدرس بالقراءة ويبدأ تدريس المواد جميعها في البيت، ويجب أن يدرس الطفل ما يستطيع فهمه فهماً صحيحاً ولا يترك الموضوع الواحد قبل اتقانه اتقاناً تاماً يقول روسو: " القاعدة العامة هي وجوب عدم استعمال الاشارة او الرمز حين يمكن استعمال الشيء نفسه وذلك لأن الرمز يستوي على انتباه الطفل فينسيه الشيء الأصلي. والخلاصة فإن كل الاكتشافات التربوية الحديثة والاصلاحات التعليمية ليست إلا محاولات لتطبيق المبادئ التي نادى بها روسو.

الطفل هو العامل الايجابي في التربية:

يعود شرف كتابة الكتاب التربوي الأول الذي يبحث عن الطفل إلى (جون لوك) ولكن روسو يستأثر بشرف استخلاص النظريات التربوية من طبيعة الطفل. قد يكون من المقبول القول بأن معرفة روسو بحياة الطفل وطبيعته كانت ضحلة وان عطفه على الطفل لم يكن إلا عاطفة محضة لم تأخذ قط شكل التطبيق العملي ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي ان التربية تجد للمرة الأولى هدفها وعملياتها وطرقها في حياة الطفل ذاتها وخبرته. ان غاية كل مرحلة من مراحل التربية هي النمو الصحيح للطفولة، وما يحدد العملية التربوية انما هو طبيعة الطفل ونموه. وما يقدم الوسائط لهذه العملية انما هو خبرة الطفل نفسه وهكذا فإن أصل اصلاحة بستالوتزي وهربارت وفرويل وغيرهم موجود في تعاليم روسو الذي تشدد في القول بأن العطف على الطفولة يجب أن يكون جوهر كل عمل تربوي، فكان من نتائج نظرية روسو هذه التي طبقها بستالوتزي ان اصبح حب الطفولة محور العملية التربوية.

أساس التطور التربوي في القرن التاسع عشر:

تعاليم روسو هي الأساس الذي بنيت عليه كل التطورات التربوية في القرن التاسع عشر رغم ما في هذه التعاليم من بعض المبالغات. لقد كان روسو الرسول الذي فضح ما في الماضي من شرور وتنبأ بما في المستقبل من خير عميم. لقد كان وحي المصلحين الذين وضعوا نظرياته موضع التطبيق والمصباح الذي استهدى بهديه كل من تلاه من المربين. لقد كانت التفسيرات الثلاثة التي أعطاها روسو لنظرته عن (الطبيعة) الخطوط الكبرى لكل تطور تربوي خلال القرن التاسع عشر.

وبما ان (الطبيعة) عنت بالنسبة إلى روسو الغرائز الموروثة والميول والقابليات لا الصفات التي يكسبها الإنسان من اختلاطه بأقرانه. فإن روسو يعتبر زعيم علماء علم النفس التربوي. ولقد كانت من نتيجة نظرياته وأعمال بستالوتزي وهربارت وفروبل أحسن تطور مثمر عرفه تاريخ التربية وقد كان هذا كله نتيجة لنظرية روسو القائلة بأن التربية عملية طبيعية تبدأ من الغرائز الطبيعية والنزعات الأصلية متنقلة إلى العمل وتجب مراقبتها وفقاً لمبادئ اشتقت من دراسة نفسية الطفل في نموها ونفسية الراشد في عملها. كما ان تأكيد روسو بوجوب استمداد مواد الدراسة من حقائق الطبيعة وحوادثها قد قوّت النزعة العلمية في التربية الحديثة.

وأخيراً فإن روسو بتأكيده وجوب تهيئة الطفل للحياة في مجتمع يساهم فيه كل فرد بعمله الخاص لكي يعيش ويعطف فيه على أقرانه من بني البشر ويحسن لكل من يحتاج مساعدته، نقول ان روسو بعمله هذا قد وضع حجر الأساس للنزعة الاجتماعية في التربية. لقد أكد روسو على ضرورة تربية اجتماعية من نوع جديد رغم فرديته ودليل ذلك قوله بضرورة تعليم صناعة وفي محاربته للتربية الشكلية التي كانت منتشرة في زمانه بين الطبقات الارستوقراطية وفي تأكيده على أهمية الناحية العاطفية والأخلاقية في التربية لا الناحية العقلية منها.

تاثير النزعة الطبيعية على المدارس

ان تاثيراً عميقاً كهذا لا يمكن أن يؤثر على المدارس مباشرة وذلك لأن آثار هذه الحركة لم تظهر إلا حين اكتشفت النزعات التي ظهرت فيما بعد ولا سيما النزعة السيكولوجية والنزعة الاجتماعية ولقد كان الأثر المباشر لهذه النزعة خفيفاً إلا أن اثرها البعيد كان عاماً وعميقاً لدرجة تجاوزت كل امكان للقياس.

في فرنسا:

حيث كان تأثير روسو على الفكر، والعواطف عميقاً جداً، لم يكن من الممكن تغيير حالة المدارس التي كانت سلطة الأفكار القديمة عليها قوية جداً، إلا بعد ثورة لاهبة. يضاف إلى ذلك ان تعاليم روسو في (اميل) كانت تعتبر هجوماً مباشراً على الارستوقراطية والكنيسة ولذلك فقد عبا جهودهما ضد تلك التعاليم. واثناء الثورة ازداد الطلب لاصلاح التعليم وضرورة وضع خطة تربوية وطنية. ولقد كان عمل الثورة الرئيسي وضع أساس لتنظيم التربية. ولقد كانت المشاريع الموضوعة ضخمة إلا ان ما حقق منها كان بسيطاً قليلاً. لقد قيل بوجوب تعميم التربية وجعلها مجانية وسياسية واجتماعية ولكن قيام نابليون أخر كل ذلك.

في انكلترا:

كان تأثير روسو الأدبي عظيماً جداً في انكلترا كما ان أفكاره الاجتماعية لاقت قبولاً واستحساناً. ولكن أفكاره التربوية لم يكن لها هذا الحظ. وجل ما كان لروسو من تأثير في انكلترا هو ما كتب عن التربية عامة وما كتب عن الطفل خاصة من كتب تأثرت باميل.

في المانيا:

لقد كان عمل (بيزدو) و(سالزمان) و(كامب) والمدارس التي انشأوها نتيجة مباشرة للنزعة الطبيعية، وهي تعتبر التطبيق العملي الأول لأفكار روسو الثورية السلبية التي عبّر عنها في اميل.

جوهان برنارد بيزدو Johann B.Base Dow

كان بيزدو شخصاً غريباً لا يعوزه النبوغ بقدر ما ينقصه الاتزان. لقد كان استإذا للفلسفة في أكاديمية دانماركية ثم اُجبر على تركها لآرائه الدينية المتحررة فأخذ يمطر المانيا بسيل من منشوراته، فنجح بسبب هذا الالحاح في ترك أثر واضح في المانيا رغم معارضة الكنيسة. ولقد كان في سنيه الأولى مهتماً بالاصلاح في حقلي الفلسفة والدين، ولذلك فقد كانت منشوراته دينية تدافع عن فكرة روسو الطبيعية في الدين والأخلاق وفي سنة 1767 تاثر بكتاب اميل فوجه اهتمامه نحو الاصلاح التربوي فنشر عدة كتب بهذا الخصوص احتوت على خطة كاملة للتعليم الابتدائي، وقد قام بحملة كبيرة وجمع إعانات كثيرة لنشر كتاب عن التعليم الابتدائي ظهر سنة 1774 كما انه نشر كتاباً للأطفال في اربع مجلدات وفيه مائة صورة، وقد كانت الأفكار الموجودة فيه خليطاً من أفكار كومينيوس وبيكون وروسو. وقد كان هذا الكتاب الخطوة الأولى منذ أيام كومينيوس وبيكون وروسو. وقد كان هذا الكتاب الخطوة الأولى منذ أيام كومينيوس لتحسين طبيعة العمل المدرسي عن طريق تحضير كتاب مدرسي مناسب، واعادة النظر في الموضوعات المدرسية. ولقد كان هدف الكتاب الأول التعريف بالأشياء والكلمات بطريقة تشابه طريقة المصلحين الموسوعيين في القرن السابع عشر ولقد كانت هذه المعرفة بالدرجة الأولى معرفة حوادث الطبيعة وقواها. وبالدرجة الثانية معرفة أخلاقية عقلية. وأخيراً معرفة للواجبات الاجتماعية والتجارة والأمور الاقتصادية. ولقد طبقت (طرق روسو الطبيعية) في هذا الكتاب، فكان على الطفل أن يتعلم القراءة بطريقة الخبرة التي تساعده على تعلم اللغة القومية واللغة اللاتينية بدون ملل ولا اضاعة وقت ولقد كانت المعلومات الدينية والأخلاقية تعلم بطريقة مماثلة تبعد الطفل عما كان يسود مثل هذا التعليم من شكلية وتعصب وضيق. ولم يمض وقت طويل حتى وصلت هذه المجلدات الأربعة كل بيت من بيوت الطبقات الوسطى والغنية في ألمانيا شأنها في ذلك شأن (اميل) في الجيل السابق. وقد كان اثر دعاية (بيزدو) عميقاً جداً ونتج عنه فيض من كتب الأطفال يكتب للمرة الأولى من أجل الأطفال أنفسهم شأنه في ذلك شأن التربية التي قال روسو بوجوب إستيحائها من عالم الطفولة وحاجاتها ومفاهيمها. ورغماً عن ان بيزدو كان عاجزاً عن تحقيق خططه لأنه كان غير عملي فإن أحد المورخين يقول: " لقد وفق بيزدو في خلق تغيير كامل في طبيعة التربية والتعليم في المانيا تغييراً لم يستطع روسو تحقيقه لا في فرنسا ولا في سويسرا.

الفيلانتروبيوم (بيت المحبة الإنسانية) Philanthropium:

أسست سنة 1774 مؤسسة طالما حُلم بها وقد اسست في (دسّو) Dessau هذه المؤسسة لتطبيق المبادئ التربوية الجديدة وسميت (بيت المحبة الإنسانية) وقد أسست فيما بعد عدة مدارس على غرارها تفاوتت مدة بقائها. إلا أن هذه المدة كانت كافية لا بقاء أثر خالد في التربية في الأقطار التوتونية.

ولقد كانت الفكرة الأساسية في هذه المدارس هي (التربية وفق الطبيعة) التي فسرت على انها تعني بأن الأطفال يجب أن يعاملوا كأطفال لا كراشدين وان اللغات يجب أن تعلم بطريقة المحادثة لا بالدراسات النحوية وانه يجب أن يكون للرياضة البدنية والألعاب محلها في المدارس وان التدريب المدرسي الباكر يجب ان يتميز (بالحركة والضجة) لحب الأطفال الطبيعي للحركة والضجة وان الطف يجب أن يعلم صناعة يدوية لأسباب تربوية واجتماعية وان اللغات القومية لا اللغات الكلاسيكية يجب ان تكون الموضوع الأساسي للتربية وان التعليم يجب ان يتصل بالحقائق لا بالكلمات.

ترك تأكيد هذه المدارس على وجوب تحضير المعلمين أثراً طيباً في المدارس الالمانية كما ان التأكيد على الأهمية التربوية للعمل اليدوي في مدارس (الفلانتروبيوم) كان اعترافا بقيمة هذا العمل وقد عمم التعليم بواسطة الأشياء والصور وازدادت الصلة بين قاعة الدرس والعالم الخارجي وقبل المبدأ القائل بأنه لكل تعليم قيمة أخلاقية لسبب قيمته العملية إلا ان التطبيق الواسع لكل هذه المبادئ كان من عمل المصلحين المتأخرين أمثال هربارت وبستالوتزي وفروبل.

النزعة السيكولوجية في التربية

صفاتها العامة

ليس من السهل التفريق بين النزعة السيكولوجية والنزعتين الأجتماعية والعلمية بالزمان والمكان وحتى بالاشخاص، وذلك لان الحركات الثلاث تشترك في اصل واحد هو النزعة الطبيعية، وإذا كان لابد من التفريق بينها فتفريقنا قائم على اساس اختلاف وجهة النظر والاهتمام بناحية أكثر من أخرى. ويمكن تلخيص أهم صفات النزعة السيكولوجية بما يلي:

ليست هذه الحركة، في صفاتها العامة، إلا توضيحاً لمبادئ التربية الطبيعية وتنمية لها. فكرتها الأساسية كون التربية ليست عملية مصطنعة يحصل الطفل بواسطتها على معرفة اشكال اللغة واساليب الأدب أو أي معرفة شكلية من أي نوع، ولكنها اظهار لقابليات الفرد المغروسة في طبيعته البشرية. والنزعة السيكولوجية بعد ذلك جهد لوضع هذه الأفكار في قالب علمي واعطائها شكلاً محسوساً وادخالها إلى العمليات التربوية.

صحيح ان النزعة السيكولوجية قد حاولت التوفيق بين (تربية الجهد) القديمة و(تربية الاهتمام) الحديثة، ولكن عمل التربية الجديدة كان هدم القديمة التي تأصلت جذورها وتعذر اجتثاثها. وقد عمل على هذا مجموع المعلمين الجدد وتشددوا فيه. ولذلك فقد كان هذا النزاع هو الوجه الأوضح لعمل الحركة الجديدة. ومهما قلنا في عمل هربارت وفروبل في التوفيق بين القديم والجديد، فإن النظرة الشعبية كانت تؤمن بهذا الخصام وتقول بضرورة استمراره.

وقد كانت الفكرة التربوية الحديثة عن طبيعة الإنسان مرتبطة أشد الارتباط بأمثالها من الأفكار الجديدة التي كانت تشق طريقها في ميدان العلم والفلسفة. وقد اصبح المعنى التربوي لكلمة (طبيعة) هو طبيعة الإنسان أو نفسه، وصارت التربية الآن تبحث عن الأسس التي تبني عليها عملياتها في معرفة فاعليات النفس البشرية وتطورها. ولم يبدأ الوضع العلمي لمبادئ علم النفس التربوي عن طريق الملاحظة والتجريب قبل منتصف القرن التاسع عشر. أما تطبيق هذه المبادئ في التربية فقد ترك للمستقبل. إلا ان محاولة مثل هذا الوضع بدأت في مطلع القرن التاسع عشر.

ولعل الحقيقة التي تمكن الناس من إدراكها الآن هي امكان تفسير الطبيعة البشرية تفسيراً أكثر علمية وان النظرات التربوية الصحيحة وطرق التعليم المثمرة يجب أن تبنى على نتائج مثل هذه الدراسات. ولقد سمينا هذه النزعة العامة، الغامضة، وغير المحددة ـ كما طبقت في التربية ـ بالنزعة السيكولوجية.

ولقد استهدفت هذه النزعة تحسين طبيعة التربية، في حين استهدفت النزعة الاجتماعية تعميمها. ولقد اتجهت هذه النزعة السيكولوجية نحو تحسين طرق التعليم وروح غرفة الدرس وطبيعة المعلم وتدريبه وتعميم مفهوم أوسع وأصدق عن طبيعة التربية.

وقد نتج عن هذه الحركة عطف على الطفولة ومعرفة بالطفل ونفسه واهتماماته وقابلياته؛ معرفة لم يكن للمدارس السابقة عهد بمثلها ومع ان المعرفة الحقيقية بنفس الطفل كانت بسيطة في البدء وتكتسب بواسطة طرائق خبرية فقط، فإن التطبيق التربوي أصبح مبنياً على دراسة الطفولة كما أن نظريات التربية أصبحت مبنية على معلومات تجمع خلال الاحتكاك الفعلي بالطفل.

ونتج عن ذلك انتقال الاهتمام الرئيسي في التربية إلى وجه مختلف من وجوه العملية التربوية. لقد كان الاهتمام، كما نذكر من احاديثنا الماضية، موجهاً نحو المرحلة الثانوية والعليا، كما اهتم المصلحون الاول بما فيهم الواقعيون والإنسانيون باللغات الأجنبية وآدابها واعتبروها عمل التربية الرئيسي. أما المرحلة الابتدائية فلم يوجه إليها إلا اهتمام قليل. صحيح أن كومينيوس كتب عن مدارس الأطفال ومدارس اللغات القومية، ولكن كتبه التي ألفها كانت للمدارس اللاتينية. أما اهتمام الذين اشتركوا في النزعة السيكولوجية فقد كان موجهاً نحو المرحلة الابتدائية، ومنذ ذلك الحين حتى الآن، نجد اهتمام النظريات التربوية والتطبيق التربوي العملي موجهاً نحو التربية الابتدائية. أما محاولة تطبيق الكثير من هذه المبادئ دون تغيير في المدارس الثانوية فقد كانت مضرة في كثير من الأحيان.

من المفاهيم الأساسية في النزعة السيكولوجية كون التربية عملية نمو الفرد، وبهذا تتفق النزعة السيكولوجية مع النزعة الفردية التي نشأت في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر، كما تتفق مع أفكار الرقي الاجتماعي والتطور البيولوجي وفكرة التطور بكل مضامينها العلمية والفلسفية التي كانت آخذة في الاتضاح في تلك الأثناء.

لقد كانت الفكرة المقبولة خلال جيلين أو ثلاثة هي فكرة بستالوتزي القائلة بأن التربية هي " النمو المتناسق لكل قوى الفرد " . ولقد صيغت الفكرة ذاتها بكلمات أوضح، وذلك بعد ان ارتقى علم النفس، فقيل ان: " التربية هي تنظيم العادات المكتسبة في العمل والنزوع على شكل سلوك ". وهذا المفهوم التربوي المهتم بالفرد ونموه عنصر أساسي من عناصر النزعة السيكولوجية، كما انه مساهمة كبرى تدين بها التربية لاواخر القرن الثامن عشر، ومطلع التاسع عشر.

ولهذا المفهوم معناه الاجتماعي أيضاً ويتفق مع النزوع إلى تعميم التربية، وذلك لأنه إذا كانت التربية عملية نمو الفرد، وإذا كانت في الاساس عملية طبيعية لا اصطناعية، فهي اذن عملية يمر بها كل إنسان ويستفيد من ادارتها وقواعدها كل فرد. وينتج عن ذلك تشديد على أهمية التربية الشعبية العامة، ذلك التشديد الذي لم يكن ممكناً حين كانت التربية الثانوية والجامعية هي الهدف، وحين كانت التربية اعطاء الطفل أفكار الراشدين وعواطفهم وأعمالهم وقسره على ذلك.

وللحركة السيكولوجية وجهان: أحدهما عملي محسوس حاول وضع مبادئ عامة عن طريق التجري. وثانيهما ميتافيزيكي استهدف وضع منطق التربية. اما الذين يمثلون الحركة العملية وهم (بستالوتزي وهربارت وفروبل) فلم يقوموا بأكثر من التعبير عن الأفكار السائدة المستمدة من الحركة الفكرية التي قام بها أمثال (كانت، وفخته، وشلنج وهجل). ونحن لن نتحدث هنا إلا عن ممثلي الحركة العملية:

حركة بستالوتزي

طبيعة عمله ومعناه:

لا بد من الاشارة في مطلع الحديث عن بستالوتزي إلى أن هذه الحركة تشمل اكثر من أعمال بستالوتزي نفسه. وانه لخطأ شائع ان ينسب إلى هذا المربي كل العمل الاصلاحي في التربية الذي جرى في مطلع القرن التاسع عشر. ان عمل بستالوتزي ينحصر في انه جعل مبادئ روسو التربوية العامة والسلبية ايجابية وحسية، ثم انه من الواجب ان لا ننسى بأن كثيرين غير بستالوتزي قد حاولوا الشيء نفسه، وفي جملتهم (بيزدو) الذي تحدثنا عنه في الفصل السابق. ويضاف إلى ذلك ان كثيراً من الأفكار والأعمال التي تنسب إلى بستالوتزي هي من عمل أعوانه وأتباعه الكثيرين الذين استهدوا بهديه. وأخيراً فإن أصحاب النظريات التربوية الذين جاؤوا بعد بستالوتزي أمثال (هربارت) و(فروبل) كانوا يملكون بصيرته العملية مضافاً إليها تعمق فلسفي رائع ومعرفة أوسع. لقد بنى هؤلاء على عمل بتسالوتزي فكان بناؤهم اوسع وأثبت من عمل المصلح السويسري.

ولكن لابد من انصاف بستالوتزي والقول بأنه كان أول من لاحظ حدود عمله وان هذا العمل لم يكن إلا مجرد محاولة إلا ان مريديه وشارحي آرائه هم الذين تجاهلوا هذا الأمر.

ثم ان دراستنا لبستالوتزي وعلاقته بالنزعة السيكولوجية في التربية لا تعني قبولنا نظرياته على انها نهائية. ولكنها اعتراف بأنها تحتوي على بذور الأفكار التربوية الحديثة.

ولهذا كله، وبسبب افتقاره إلى القابلية الفلسفية المنظمة. كان لا بد من اعطاء الرجل مكانه الحقيقي في عالم التربية والمربين. ان ما قام به بستالوتزي هو التشديد على أهمية هدف التربية الجديد، ذلك الهدف الذي لم يكن واضحاً حق الوضوح في نفوس الآخرين، ثم وضع طريقة جديدة تماماً، مبنية على مبادئ جديدة. وقد توسعت هذه الطريقة وهذه المبادئ فيما بعد ونسبت إليه، وأخيراً اعطاؤه غرفة الدرس روحاً جديدة كل الجدة. لقد كان هو أول من اوضح للجمهور وقسره على فهم ان مشكلة التربية بكاملها يجب ان تعالج من وجهة نظر الطفل ونفسه النامية. ان معنى التربية بكاملها يجب ان تعالج من وجهة نظر الطفل ونفسه النامية. ان معنى عمل بستالوتزي الأهم هو جعله التجريب قاعدة العمل التربوي بدلاً من التقليد. ولذلك فقيمته لا تفحص في تجربة معينة بالذات بل بالنتائج التي وصل إليها أو التي سيتوصل إليها على الاطلاق. ولهذا كله كان لابد من دراسة حياة بستالوتزي لفهم أفكاره التي هي نتاج مباشرة للحياة التجريبية التي عاشها.

حياته وأعماله:

تأثير هنريك بستالوتزي (1746 ـ 1826) بالحركة الطبيعية ولا سيما بأميل فصار ثورياً متحمساً شأنه في ذلك شأن كل الإنسانيين. لقد بدأ عمله الزراعي بعد ان ترك تأهبه للكهنوت والمحاماة والعمل الحكومي، ولقد استهدف من عمله الزراعي هدفاً مزدوجاً هو أولاً اتباع طرائق جديدة في اصلاح بقعة من الأرض بور وثانياً العيش وفق المبادئ الطبيعية التي تشبع بها. ولدى اخفاقه في مشروعه قلبه إلى مؤسسة خيرية للأطفال المشردين. وفي هذه الأثناء كان قد لاحظ في تربيته لولده وفق ما جاء في كتابه اميل ميزات تربية روسو ونقائصها فبدأ حينئذ عمله التربوي في شرح هذه الطريقة واصلاحها. وقد سمى كتابه الأول (يوميات أب) ـ وهو من أول الدراسات عن الأطفال ـ وكان هذا الكتاب زبدة خبرته في تربية ابنه.

ولقد كان عمل بستالوتزي في المؤسسة الخيرية التي انشأها تجربة تربوية طبق فيها الأفكار التربوية الطبيعية القائلة بأن محيط الفرد هو الذي يكوّن خلقه وأن الواجب قصر هذا المحيط على ما هو طبيعي في سبيل الحصول على الخلق الصحيح. وهكذا فقد أدار بستالوتزي عام 1775 ـ 1780 ما يمكن تسميته بالمدرسة الصناعية الأولى للفقراء. حيث كان الأطفال يعملون في انتاج المحاصيل الزراعية وغزل القطن ونسجه وغير ذلك، وفي الوقت نفسه كانوا يصرفون بعض الوقت في القراءة والحساب والحفظ. ولم تكن هناك صلة حقيقية بين ما يعمله الأطفال وما يدرسونه، إلا أن غرض بستالوتزي كان البرهنة على انه من الممكن ان يسير العمل والدرس جنباً إلى جنب. ولكن قيام بستالوتزي بعمل المدير والمزارع والمصلح والتاجر والمعلم كان أكثر مما يحتمل ففشلت التجربة وخلال الثمانية عشرة سنة التي تلت (1780 ـ 1798) انصرف بستالوتزي إلى الكتابة، ولقد كانت الفكرة الأساسية في كتاباته السياسية والتربوية، واحدة وهي وجوب تحقيق الاصلاحات الاجتماعية والسياسية عن طريق التربية، لا التربية الشائعة، ولكن عملية نمو جديدة تكون نتيجتها صلاح الناس فكرياً وأخلاقياً.

واشهر كتابات بستالوتزي هو كتابه (ليونارد وجرترود) الذي نشر جزؤه الأول 1783 والذي ترك أثراً عميقاً. وقد كتب هذا الكتاب على شكل قصة مما عمم انتشاره وترك أثراً في الاصلاح الذي جرى بعد جيل. ولقد كانت غاية الكتاب وتصوير حياة القرية البسيطة والتغييرات العظيمة التي يمكن احداثها هناك بواسطة بصيرة امرأة جاهلة (جرترود) واخلاصها. لقد كان لنشاط جرترود وصبرها ومهارتها في تربية أطفالها الفضل في انقاذ زوجها (ليوناردو) من الكسل والسكر، كما أنها أثرت على جيرانها وأطفالهم أن ما قامت به هذه المرأة في قريتها ممكن الوقوع في كل قرية، وأن رسالته في الحياة هي وضع تفاصيل الطريقة التربوية التي تصلح المجتمع عن طريق تأمين النمو الأخلاقي والعقلي لكل طفل ذلك النمو الذي هو حقه وميراثه.

وفي عام 1798 حدث تغيير أساسي في حياة بستالوتزي وعمله، لقد تحقق أخيراً أن جعل التربية واسطة للاصلاح الاجتماعي لا يكون إلا عن طريق البرهنة على كفاية التربية لهذا الغرض برهنة عملية، فكان ان صار معلماً. وهكذا فقد قدر لهذا الرجل الذي بلغ الخمسين قبل أن يعلم والذي فشل عملياً في كل عمل قام به، نقول انه قدر لهذا الرجل أن يترك أعمق أثر تربوي تركه شخص خلال القرن التاسع عشر. والحقائق التي توصل إليها هذا الرجل ليست كاملة ولا معصومة ولكنها مقترحات افادت في قيادة العمل التربوي. وهكذا فقد قبل بستالوتزي في هذا العام الاشراف على عدد كبير من الايتام الذين يتمهم الجنود الفرنسيون. وفي (ستانز Stanz) وخلال تربية هؤلاء الأيتام غرس بستالوتزي بذور العمل التربوي الجديد. وهنا أيضاً، كما كان الحال في التجربة الأولى، حاول بستالوتزي الجمع بين العمل اليدوي والفكري. إلا أنه حاول في هذه المرة الربط بينهما وأشغال الطفل بما يهمه مباشرة. ولكن الحرب قضت على هذه التجربة، وعمرها أقل من سنة.

وفي العام التالي عين بستالوتزي معلماً معاوناً في قرية (بورغدورف Burgdorf) وقد كان لهذه الخبرة أهمية تربوية كبرى وذلك لأن بستالوتزي بدأ هنا تجربته عن (دروس الأشياء) التي لم يعتبرها واسطة للحصول على معلومات عن الكون فقط، بل واسطة للنمو العقلي، وهنا أعلن بستالوتزي عن هدفه لأول مرة حين قال " أريد جعل التربية سيكولوجية " . وقد اهتم الكثيرون بعمل بستالوتزي وتتلمذوا عليه وأصبحوا من معاونية فأنشأ مدرسة خاصة ساهمت الحكومة ببعض نفقاتها. واشتغل فيها مدة أربع سنوات مطبقاً أفكاره على الطلاب والمعلمين.

ولقد أصبح هدف التربية الآن بالنسبة لبستالوتزي هو حل المشكلة التربوية، ولقد كان هدف أبحاثه تحديد نوع المعرفة اللازمة للطلاب ونوع القابليات التي يحتاجها الطالب وكيفية حصوله عليها. وفي هذا الوقت كتب بستالوتزي أشهر كتبه وهو (كيف تعلم جرترود أطفالها) وذلك 1801 وحاول في هذا الكتاب حل المشاكل التي أشرنا إليها آنفاً.

ولقد راقب العلماء والمفكرون والناشرون والحكومة عمل بستالوتزي في تربية الأطفال وأعداد المعلمين باهتمام شديد واختلفت فيه آراء الكتاب والمجلات، ولكن توقف المساعدة الحكومية والخلاف بين معاونيه في ادارة معهد (بورغدورف) أديا إلى اغلاق المؤسسة فانسحب بستالوتزي إلى (ايفردون Yverdun) ليقوم بآخر تجاربه وأطولها.

اشتغل بستالوتزي بين أهالي (ايفردون) الذين يتكلمون الفرنسية والذين اعتقد بستالوتزي ان اصلاحاته ستسير بينهم بصورة اسرع مدة عشرين عاماً وصب اكثر جهده في تدريب المعلمين واجراء التجارب لاصلاح العمل التربوي.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست