.

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست

الغذاء هو المادة التي تتكون منها النطفة

فوائد الإحتلام

طبقات البدن العشر، العظام، الأعصاب

الخزائن: الدماغ ـ النخاع ـ القلب

لو لم تكن القوة الحافطة... فماذا كان سيفعل الإنسان؟

الكبد، الرئة

السبيلان ـ القوّة الحافظة للمدفوع

الأذن، العين، الثدي

الفم ـ القصبة الهوائية

موعظة إبن السمّاك لهارون الرشيد

جواسيس البدن

حاسة التذوق وحاسة اللّمس

الغذاء هو المادة التي تتكون منها النطفة:

بعد أنّ تصل المادة الغذائية إلى كل عضو بذاته يتوزَّع ما يزيد عن حاجة ذلك العضو إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو الدّهن الذي نزيله عن أبداننا أثناء إستحمامنا، والثاني وهو الفضلات والشّعر والأظافر. والثالث وهو الرطوبة الإضافية التي تبقى في الجسم من أم الرأس حتى أخمص القدمين، ولا تتحلّل وهي تبقى في أعضاء الجسم كلّها في حالة تشبه ذرّات النّدى إلى أنّ يأتي الوقت الذي يحين فيه موعد التناسل فتتجمع هذه الذرّات عندما ترتفع حرارة الجسم بتأثير من هيجان الشهوة في القسم الخلفي للرأس ومن هناك تأتي إلى منطقة الخصر[1] ومنها إلى الأوعية التناسلية ثم تخرج في النهاية من مخرج البول.

هذا هو أساس تكون النطفة ولهذا فقد نسب إلى سقراط أنه قال: إنّ الطفل عندما يولد يكون قد أخذ من كلّ ذرة من ذرّات جسم الآب، لذا فهو يُشبه الأب[2]. بل قالوا: إن الذرّة التي تخرج من عينه هي نفسها عين الطفل والذرّة التي تخرج من أذنه تتحوّل إلى مادة لتكون أذن الطفل وهلمّ جرّا[3] ولهذا ففي الشرع المقدس غسل الجنابة واجب لكل أعضاء الجسم ذلك لأن ذرّات المني قد خرجت من البدن كلّه وبهذه المناسبة لي هنا كلمة: فالعجب كل العجب من أولئك الذين يستهجنون مسألة المعاد أي أنه بعد أن يموت الإنسان ويصبح جسده تراباً تتوزع ذراته في كل نحوٍ وصوب فكيف تتجمع مرة أخرى؟ ليس في ذلك ما يثير الإستهجان (ولقد علمتم النشأة الأولى) أفعندما خلقتم كنتم مجتمعين؟ لقد خلقت من الذرات المتفرقة لجسم أبيك وبأمر الله تجمعك يد القدرة مرة ثانية بعد الموت[4] وبهذه المناسبة أذكر هنا الحكمة من التمني. التمنيّ بمعنى الإلقاء. فمن المواصفات المهمة للنطفة تدافعها فقد جاء في القرآن الكريم ما ذكره: (من ماءٍ دافق) فلو كان الهدف من الزواج التّلذّذ فقط لما كان من اللازم أن تتصف النطفة بالتدافع بمعنى أنّ اللّذة تتحقق بدون ذلك ولكن الهدف هو أن تستقر النطفة في مكانها داخل الرحم دون أن تتعرض للهواء لأنَّ الهواء والبرودة يفسدانها ولهذا فهي تتصف بالتدافع حتى تدخل الرحم وهي على حرارة تامة.

فوائد الإحتلام:

يقول الحاج (نوري) في (دار السلام): إن من فوائد الإحتلام والنوم أنّ يرى الإنسان أصله والمادة التي يتكون منها حتى لا يتكبّر بعد ذلك. أيها الإنسان لقد جعل الله النطفة نُصب عينك كي لا تلقي بنظرك إلى لباس زينتك... إلى بيتك وحياتك، حتى لا تقول من باب الغرور: مُلْكي، مالي، جمالي، علمي، هذه كلها ضلالٌ عن سبيل الله. إن لازمة العبودية النظر إلى الذات نظرة ذلة وحقارة والنظر إلى الله نظرة إجلال وإعظام.

والآن إنظروا إلى ما يرسمه الرسّام القادر بقلم قدرته: يذكر الطنطاوي، وهو مصري الجنسية، خلاصة عن التشريح ونذكرنحن هنا مختصراً عنها لمزيد من الإطلاع: إن جسم الإنسان هو بمثابة مدينة يوجد فيها ثلاثة عشر نوعاً مختلفاً من الطبائع والأركان والأنهار والجواهر والخزائن وغيرها ولكل من هذه الأنواع شرح مفصّل.

المفردات وهي عبارة عن الطبائع الأربع: الرطوبة والحرارة واليبوسة والبرودة. وهي تدعى الطبائع المفردة. والأركان الأربعة هي من هذه الأربع طبائع وهي عبارة عن: الماء والنار والهواء والتراب مع أنهم في العلم الحديث قد جزّأوها إلى خمسة وسبعين عنصراً ولكن ذكرها ليس ضروريّاً لأن مرجعها جميعها هذه الأربع أشياء الذي خلق منها طبائع أربعاً وهي: الدم، البلغم، الصفراء والسوداء وخُلق من هذه الأربعة أخلاط تسعة جواهر هي؛ العظم ولبه، اللحم، الجلد، الدم الظفر، الشّعر، العرق، العصب، هذه هي التسعة جواهر التي جعلها الله من الأخلاط الأربعة التي هي: الدم، والبلغم والصفراء والسوداء.

طبقات البدن العشر، العظام، الأعصاب:

ثم إن الجسم البشري يتألف من عشر طبقات: الأولى الرأس، الثانية الرقبة، الثالثة الصدر، الرابعة الجوف (وهو محل القلب والكبد)، الخامسة البطن، السادسة المقعد، السابعة الوركان، الثامنة الفخذان، التاسعة الساقان، والعاشرة الرجلان. هذا البدن هو كالبناء يتألّف من عدة طبقات ركبت فوق بعضها البعض بواسطة المفاصل. أنظروا إلى رسغ الرّجل قد إتصل بالساق بواسطة مفصل راحة القدم، إلى الفخذ والمقعد كيف ربط بينهما مفصل. إن عرض هذ البناء العجيب المؤلف من عشر طبقات قد جعل فوق 248 عموداً. هل نظرتم إلى عمود الخيمة كيف يحافظ عليها قائمة. إن في بناء الجسد248 عموداً لو فقد واحد منها لإعتبر البناء ناقصاً، تماماً كالعمارة التي تبنى إذا فقدت منها دعامة واحدة إعتبرت ناقصة، كذلك الأمر في البدن إذا نقص منه واحد من الـ (248) عظماً، إعتبر ناقصاً. وكما أنّ الأربطة والحبال في الخيمة ضرورية لترابطها وإستقرارها، كذلك الأمر في هذا البناء العجيب فقد جعل فيه الله جل وعلا(750) رباطاً لا أدق ولا أرق وهي عبارة عن الأعصاب. ومن ناحية اخرى فإن الترابط والإرتباط بين هذه الأعصاب ولا أعجب منه. فذلك العصب الموجود في راحة القدم يرتبط بالدماغ الموجود في الرأس. فلو أنّ شوكة غرزت في راحة قدمك، فكيف تشعر بها على الفور؟ بسبب إرتباط الأعصاب بالدماغ الذي مقره الرأس والذي هو مركز الإدراكات. إنّ ما تلاحظونه من تخرر الأعصاب عقب حقنها بالإبر يعني أنّ الإرتباط بينها وبين الدماغ قد قطع مؤقتاً. حتى الأسنان فكل واحد من الـ (34) سناً مربوط بالدماغ بواسطة عصب من الأعصاب وهذا العصب الموجود في وسط كلّ واحدٍ من الأسنان هو أدق من الخيط لدرجة أنه لو وضع عدد منها فوق بعضه البعض لما بلغ في سماكته سمك شعرة واحدة. بواسطة هذا العصب يشعر الإنسان بألم سنه فيقلعه إن كان قد خرب لو تلف العصب لما أدرك فساد سنّه. إن كلّ عمل يقدم به الدّماغ ما هو إلاّ ردّة فعل لواحد من هذه الأعصاب الـ(750) التي هي أدق من الخيط.

الطرق والعروق:

المسالك يعني الطرق والشوارع الموجودة في هذا البدن. هناك (360) طريقاً وسيلاً لهذا البدن... المدينة العجيبة. أنظروا إلى أيّ مدينة عادية.. فلولا وجود الطرق، أي لولا وجود الشوارع، الضيق منها والواسع، ولولا وجود الأسواق، لتعذّر النقل والإنتقال ولما أمكن الذهاب والإياب. إضافة إلى ذلك لا بد من وجود الطرقات بقدرٍ كافٍ وذلك من أجل راحة الأهالي. في هذا الجسد أيضاً، جعل الله تعالى 360 من الشرايين بحيث أنّ خاتم الأنبياء(ص) كان يردد في كل ليلة ويوم بعدد عروق البدن أي ثلاثمئة وستين مرة (الحمد لله رب العالمين على كل حال). أما العروق التي تحمل الغذاء فهي غير هذه الـ(360) عرقاً التي ذكرت. بواسطة هذه العروق التي يقال لها الأوردة والضوارب وهي عبارة عن 390 عرقاً، تصل المادة الغذائية إلى كل عضو من الأعضاء، يجب أن تصل المواد الغذائية، السكّرية والنشويّة وغيرها إلى كل عضو من الأعضاء.... والله تعالى قد سخّر هذه الأوردة لإيصالها إلى مختلف أعضاء وأجزاء الجسم.

الخزائن: الدماغ ـ النخاع ـ القلب:

الخزائن هي الأخرى من عجائب هذا الجسم، وهي تبلغ بمجموعها إحدى عشرة خزينة. وهي ضرورية للجسم كضرورتها للمدينة.

وأول خزينة إلهية في البدن هو الدماغ. فأجزاء المخ والدّماغ وإرتباطها بكلّ واحد من أعصاب البدن قد جعل في هذه الخزينة. ففيها الحس المشترك، وفيها القوة الحافظة، والقوة الذاكرة، والقوة المتخيلة والقوة المتفكّرة، والقوة المتوهمة.

لو لم تكن القوة الحافطة... فماذا كان سيفعل الإنسان؟

الثاني من الخزائن الإلهية الموجودة في الجسم: النخاع. فأي جوهرة هذه التي جعلت داخل العظام المجوّفة. لولا وجود اللب في العظم لتلاشى الجسم، فهو في حكم الزيت الذي يُصبّ على عجلات المصنع. إن الجسم الذي هو دائم الحركة.. ليس ليومٍ واحد أو لسنة واحدة بل على سبيل المثال ـ لأربعين سنة، إذا إفتقد إلى الزيت فأنه يتآكل ويتلف.

الخزينة الثالثة من الخزائن الإلهية الموجودة في الجسم هي القلب. إن للقلب أربع غرف. في هذا القلب الصغير نفسه هناك طبقتان متطابقتان، واحدة علوية والأخرى سفليّة يقال لهما: البُطين الأعلى والبطين الأسفل. يدخل الدم المحمّل بالفضلات من أحدهما ويخرج الدّم المصفّى من الآخر، فإذا ما توقف القلب عن العمل ولو للحظة واحدة، فإن البدن هو الآخر سيتوقف عن العمل.

الكبد، الرئة:

الخزينة الرابعة التي لا تقل أهمية عن القلب: الكبد. في الطب القديم كانوا يعتبرون الصفراء والسوداء والبلغم والدم من الكبد ولكن في الطب الحديث اضافة إلى ما كان السابقون يقولون به فقد وجدوا له إثنتي عشرة وظيفة أخرى. هل رأيتم العصفور كم هو صغير... إن الكبد بهذا الحجم وهو مع صغر حجمه له إثنتا عشرة وظيفة مهمة. واحدة من هذه الوظائف هي إنتاج المادة السكّرية للجسم ووظيفته الأخرى إنتاج المادة النشوية وغير ذلك.

الخزينة الخامسة هي الرئة والتي يقال لها بالإنكليزية (lung). الرئة هي خزينة عجيبة ومن أفضل ما قيل في أهميتها قول سعدي كل نفسٍ نتنشقه يمدنا بالحياة، ثم إذا ما لفظناه فإنه يفرح ذواتنا. إذاً ففي كل نفس نعمتان والشكر واجب على كلّ منهما. يقول الشاعر ما مضمونه: لو كانت اليد واللسان يفيان بشكر الله فإن العبد المقصّر هو الذي يعتذر إلى الله عمّا قصّر وإلا فإن أحداً لا يستطيع أنّ يؤدي ما يليق بالله تعالى.

نعم إن الإنسان إذا لم يتمكن من استنشاق الهواء فإنه سوف يختنق ومالم يقدر على دفع ما تجمع منه في الداخل فإن سوف يتسمم وينتهي أمره. أولئك الذين يصيبهم ضيق النفس كم هم معذبون.. ذلك حتى يشكروا الله نعمته. إذاً فلا تنتظر حتى تسلب عنك النعمة لتعلم قدرها.

الكليتان ـ البيضتان ـ المرارة:

السادس من الخزائن الإلهية: الكليتان. وهي جهاز التصفية الذي جعله الله في بدن الإنسان. بواسطة هذه الكلية يتم إخراج المواد الإضافية، تماماً كالأمعاء التي تخرج المواد الإضافية التي تنفع في التغذية عن طريق المخرج. الكلية هي لإلقاء المواد الإضافية السائلة التي يفرزها الجسم فهي تتلقى من الجسم ما يفرزه من إفرازات ثم تلقي ما كان منها مسماً في المثانة لتخرج فيما بعد إلى الخارج عن طريق مجرى البول ولهذا السبب يقال للإدرار بول.

السابع من الخزائن الإلهية في البدن: البيضتان. وهما مكان تجمع مادة إنتاج المثّل. يكفي في أهميّتها أنّ فيهما تتجمع مادة الحياة التي هي سبب لوجود أجهزة الجسم.

الثامن من الخزائن: المرارة وهي كيس الصفراء، وهو كيس متصل بالكبد والعجيب أنّه يجذب إليه كل المضرات الموجودة في الدّم. هذه المادّة تتجمع في الدم ولو قطع إتصال المرارة بالكبد لصبّت مادة الصفراء في الدّم ولحدث مرض اليرقان وهو مرض خطير جداً والشفاء منه يحتاج إلى فترة زمينة طويلة. إضافة إلى تصفية الكبد فإن من أهم خصائصه هو أنه عن طريق إتصاله بالأمعاء يفرز إفرازات تؤدي إلى خروج الغائط مدفوعاً إلى الخارج لأن الصفراء لزجة وبها حرقة. إذا لم تبلغ إفرازات المرارة الصفراء فإنّ الغائط لا يتم دفعه. ثانياً: بواسطة الضغط الذي تسببه هذه الإفرازات، يتحرك العصب ويشعر الشخص حينئذٍ أنه بحاجة إلى التخلّي فيذهب ويتخلّى.

الطحال ـ المعدة ـ الأمعاء:

التاسع من الخزائن الإلهية في الجسم: الطحال. وهو الآخر مثل المرارة متصل بالكبد. يجذب إليه المواد الإضافية، وهي السوداء، ويعمل على تجميعها داخله إضافة إلى ذلك فإن من المميزات الآخرى أنه يدخل الإفرازات الدموية إلى المعدة وعندها يشعر الشخص بالجوع. ذلك تقدير العزيز الحكيم.

العاشر من الخزائن: المعدة. وهي مكان تجمّع وهضم الغذاء. عندما يدخل الطعام إلى المعدة تبدأ هذه الأخيرة بتقليبه وتستمر في ذلك إلى أنّ تحيله إلى ما يشبه ماء الكشك. وقد جعل الله تعالى الكبد محدّب الشكل، ذلك حتى يلتصق قعره بالمعدة ويحصل بالتالي هضم الطعام الموجود فيها بفضل الحرارة التي يولّدها الكبد والتي تنتقل إلى المعدة لإتصالها به. بعد ذلك تخرج الفضلات، أما المادة الغذائية فعليها أن تبلغ الكبد. الأعجب من ذلك أنه طالما لم يبلغ الطعام في المعدة حدّ الهضم، فإن الفُتحة تبقى مغلقة وعندما يتم هضمه جيداً فإن الفتحة السفلية تفتح. طبعاً مدد هضم الطعام متفاوتة في ما بينها، فهناك بعض الأطعمة الخفيفة التي لا يحتاج هضمها إلى أكثر من ساعة فالفواكه بشكل عام هي خفيفة الهضم. عكس ذلك، فهناك البعض من الأطعمة التي تطول فترة هضمها إلى ست ساعات كالبيض المطبوخ أو اللحم.

الحادي عشر من الخزائن الإلهية في البدن: الأمعاء. وهي التي تخرج القذارات وفضلات المواد الغذائية كتلك التي على أثر الإتصال بالكبد تؤخذ منه ويتم دفعها إلى أسفل.

البوّابات ـ الصرُة ـ الأنف:

بقي قسمان آخران من التشريح الذي اتينا على ذكره. فالله تعالى قد جعل في هذه المدينة اثنتي عشرة بوّابة، البعض منها مخصص للدخول إلى المدينة والبعض الآخر مخصص للخروج منها. ومنها أيضاً ما هو مشترك.

السبيلان ـ القوّة الحافظة للمدفوع:

البوابتان الأخريان هما السبيلان: أي مخرج البول ومخرج الغائط وهما باختيار الشخص كلما أراد التخلي.

لقد أعطى الله تبارك وتعالى الإنسان قوة أكبر وذلك حتى يتمكن من الحفاظ على نفسه. وقد تسلب هذه النعمة عن صاحبها من وقت لآخر وذلك حتى يعلم قدرها ويشكرها. لقد تلطّف تعالى ومنحه هذه القوّة منذ أيّامه الأولى أي منذ أيام طفولته وذلك حتى يحمده ويشكره[5].

أولم تفكّروا لحظة أنه إذا إنسدّت طريق هذا المجرى أو إذا لم يكن خروج البول والغائط بإختيار الشخص ماذا كان سيحدث؟! كم سيكون ضعيفاً حينئذٍ. أنظر كيف أنّ الله تعالى قد رعى حال الإنسان.

الأذن، العين، الثدي:

الأذن: هي بوابة لإدراك الأصوات، يميز الإنسان بواسطتها ماهية الصوت؟ وعمّن هو صادر؟.

البوّابة الأخرى هي الصرة ووجودها في بطن الأم كان لدخول الطعام أما بعد الولادة فبوجود الفم تنتفى الحاجة إليها. البوابتان الأُخريان الموجودتان في الوجه واللتان هما مشتركتان أي أنهما يستعملان مرة للخروج وأخرى للدخول هما: فتحتا الأنف المصمّمتان لخروج قذارات الدّماغ فلو أنّ هاتين البوّابتين سُدّتا لتعذّر خروج القذارات ولفسد المخ والعين. إنّ ذلك مما يؤدي إلى سكتة قلبية وفي الزّكام، إذا ما سُدّت البوابتان أي فتحتا الأنف فإن علاج ذك يطول. إن القذارات التي تفرزها العين تخرج هي الأخرى عن طريق الأنف. إضافة إلى ما تقدم فإن فتحتي الأنف هما أيضاً بوّابتا دخول، يدخل الهواء وروائح الزهور والرياحين عن طريقهما ليبلغوا المخ.

الفم ـ القصبة الهوائية:

من البوّابات الأخرى الموجودة في الوجه: الفم. والعجيب أنه في نفس الوقت بوّابة دخول وخروج. وهو إذا ما إنتهى إلى الحلق تشعّب شعبتان: القصبة الهوائية والتي تستعمل لدخول وخروج الهواء والشعبة الأخرى لدخول الطعام. الأولى تتصل بالرّئة والثانية بالمعدة وقد نظم خلقهما على نحو لا يدخل فيه الطعام إلى تلك والهواء إلى هذه وإلاّ لهلك الإنسان (العظمة لله العليّ العظيم). العين هي الأخرى إحدى البوّابات التي تُعلم ما يليها عن طريق إنعكاس صور الأشياء فيها ومن ثم بلوغها منطقة الشعور المشترك. تقع منطقة الشعور المشترك في مقدمة الدماغ ومع أنّ كل واحدةٍ من العينين لها طريقها المستقل الذي يربطها بمنطقة الشعور المشترك والإنسان ـ أساساً ـ يجب أنّ يرى صورتين... لكن لأن الصورتين تنتهيان إلى محلٍ واحد لهذا فإن الإنسان يرى صورة واحدة. قد تسلب هذه النعمة من صاحبها في بعض الأحيان فالأحول مثلاً يرى صورتين. خلاصة الموضوع أنّ الأذنين والعينين.. البوّابات الأربع التي جعلها الله تعالى في الوجه.. كذلك الثديان اللذان هما بوّابتا خروج.. قد جعلهما الله لمصلحة في ذلك.

موعظة إبن السمّاك لهارون الرشيد:

من المستحسن هنا أنّ يؤتى على ذكر قصة معبّرة تذكرنا بأنعم الله علينا:

في أحد الأيام دخل إبن السمّاك على هارون الرشيد فقال له هارون: عظني. فقال: لو أنّ يوماً سُد حلقك فماذا كنت فاعل؟ قال هارون: إنني على استعداد لأن أهب نصف ملكي حتى يرتفع هذا البلاء. فقال: لو أنّ مجرى بولك سدّ فماذا أنت فاعل؟ قال: إني على إستعداد لأن أهب النصف الباقي حتى أتخلص منه، فقال: له: إعلم يا هارون أنّ قدر ملكك يعادل قطرة دخلت ثم خرجت!!

جواسيس البدن:

وأمّا الجواسيس فقد جعل الله تعالى في هذا الجسم خمسة جواسيس النظام لا يستقيم في هذه المملكة إلاّ بإقامة الجواسيس حتى يحرسوا الحدود فلا يدخل العدوّ بغتةً إلى داخل المملكة. لقد عيَّنَ الله تبارك وتعالى في هذه المدينة الجسم خمسة جواسيس مهمتهم المراقبة الدقيقة للجسم حتى إذا ما رأوا أمراً غير طبيعي يريد أن يلحق الضرر بالجسم أبلغوا به السلطان ـ أي الدماغ ـ على الفور. العين.. الحاسة التي بها ترى الحفر فتحول دون سقوط البدن فيها... الحاسة التي بها ترى الحيّة والعقرب والذئب وكل حيوانٍ مهلك.

إن وظيفة العين هي حفظ البدن من الأعداء.

الجاسوس الآخر هو الأذن: ففي بعض الأحيان قد لا ترى العين إلاّ أنّ الأذن تسمع... تسمع مثلاً وقع أقدام العدو أو مثلاً زمجرة الحيوانات المفترسة. بشكل عام... العين والأذن هما ـ جاسوسان إلهيّان.

الآخر هو الأنف: الذي يميز بين الأطعمة بحاسة الشّم التي جعلها الله تعالى فيه وذلك عن طريق روائحها فيستهلك ـ أي الإنسان ـ ما كان منها نافعاً ويجتنب المضرّ. فإذا ما تعطلت حاسة الشمّ عند الإنسان فقد يأكل ـ على سبيل المثال ـ اللحم الفاسد لأنه لا يعلم بفساده وقد يلحق به الضرر من جراء ذلك بل ربما يؤدي ذلك إلى هلاكه فهناك بعض الأشياء المضرة التي لا يمكن لحاسة أخرى غير حاسة الشمّ إدراك مضرّاتها مثل اللحم الذي ذكرنا فالعين لا تدرك فساده وربما لا تدرك حاسَّة التذوّق أيضاً فساده.

حاسة التذوق وحاسة اللّمس:

ثم حاسة التذوق التي هي الأخرى في حدودها ضرورية جداً للحفاظ على سلامة الجسم. حاسة الذوق تتذوق الأشياء فما كان منها ذا طعم كريه ومضر تعلم الدماغ على الفور ليدرك بدوره هذا الأمر حينئذٍ يلقي الإنسان اللّوز المر ـ مثلاً بعيداً. فلو لم تكن حاسة التذوّق موجودة لدى الإنسان فكيف كان بإمكانه تحديد الأطعمة المضرة من غيرها؟

من الجواسيس الإلهية الأخرى... حاسة اللّمس والتي تشمل الجسم كلّه من قمة الرأس وحتى أخمص القدمين. هذه الحاسّة، تميّز بين الأشياء الحارّة والباردة وكذلك إذا ما أتت شعرة فوق اللسان بين الطعام فإنه يشعر بها ولا يدعها تتحوّل ـ خبط عشواء ـ إلى جزء من البدن. لماذا تشمل حاسة اللمس الجسم كلّه؟ لأن الجسم بتمامه يحتاج إلى هذه الحاسة فكمثال على ذلك مع أنّ جلدة القدم سميكة إلاّ أنه إذا ما استقرّت إبرة أو شوكة في راحة القدم فإن الدّماغ يدرك هذا الأمر على الفور. ولو أنّ الإنسان فقد حاسة اللمس لتعرض وجوده للزوال من خلال آلاف الأمراض التي تصيبه. فهو قد تحرقة النار مثلاً ويهلك دون أن يشعر بذلك.



[1] (يخرج من بين الصلب والترائب) (الطارق/8).

[2] طبقاً للآيات القرآنية والأحاديث وكذلك إستناداً إلى الوجدان الفردي لكل شخص فإن الولد لا يختلف كثيراً عن أبيه وأمه. ومن الآيات القرآنية التي تؤكد هذا الأمر الآية 14 من السورة 43 (وجعلوا له من عباده جزءاً) أي أنّ المشركين جعلوا لله من عباده جزءاً أي أنهم قالوا بأن عيسى أو عزيراً أو الملائكة هم أبناء الله. إذاً يستنتج من ذلك أنّ الولد هو قطعة من والديه (طبعاً ليس المقصود من القطعة هنا، القطعة بالمعنى الإصطلاحي للكلمة) وكمثال على ذلك من الأحاديث نذكر هنا الرواية المنسوبة إلى النبي(ص) والتي تقول: أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض. ولشدة أهمية هذا الأمر لزوميته فقد إشتهر أنّ (الولد سرُّ أبيه) ومن هنا تُعلم جلالة قدر السادات وعظمة شأنهم فهُم فيهم جزءٌ من بدن رسول الله(ص).

[3] بل والأهم من ذلك كله ـ وذلك ما هو ظاهر بالفعل للعين المجردة ـ أنّ مسألة التوارث في الصفات بين الأب والأم من جهة وبين أبنائهما قد صارت من المسلمات في العلوم الطبيعية الحديثة. فإبن أسود اللون يأتي أسود اللون وإبن أبيض اللون يولد أبيض اللون، وفي بعض الموارد إذا ما لوحظ خلاف ذلك، مثلاً الأب ذو العينين السوداوين إذا ولدله ولد لون عينيه أخضر يقولون إنه من الممكن أنّ يكون لون عيني أمه كان أخضر والخلية التي أخذت من عين المرأة إستقرت فيما بعد في نطفتها (ovul) كانت أقوى من تلك التي استقرّت في نطفة الرّجل (spermatozoide) فصبغت بالتالي عين الوليد بلونها وفي حال لم يكن أيّ منهما ذا عينين خضراوين، يقولون: إنه لا بد أنّ من أجداد هذا الطفل لأبيه أو أمه من كان أخضر العينين وكانت خليته قد غلب على أمرها لكنها لم تزل من الوجود بل بقيت محافظة على وجودها في عدة انسالٍ متعاقبة إلى أن صادفتها الظروف الملائمة للظهور فبرزت وتغلبت على الخلية المخالفة لها وأعطت العينين لونهما الحالي وهذا كلام يجعل من أصل بقاء المادة الذي ثبتت أحقيته في عصرنا الحاضر، أصلاً صحيحاً.

[4] يذكر صدر المتألهين الشيرازي هذا الأمر في تفسيره ضمن إقامته الدليل على المعاد، فمن كان يطلب المزيد من الشرح والتفصيل فليرجع إلى ذلك الكتاب.

[5] تتضمن الأوعية التي ورد ذكرها اثناء التخلي وبعد التطهير... تتضمن نوعاً من الحمد والثناء لله تعالى فيما يتعلق بهذه النعمة مثل: الحمد لله الذي أطعمنيه طيّباً في عافية ـ الحمد لله الذي عافاني من البلاء. وإلى آخر ما ورد.

 

.

النهاية

اللاحق

السابق

البداية

  الفهرست